عربي21:
2024-07-03@22:16:14 GMT

غزة عقدة اليمين المتطرف في الغرب

تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT

ترفرف أعلام إسرائيل في كثير من مظاهرات اليمين المتطرف في الغرب، في مشهد عبثي مؤسف يحيّر المراقب للمشهد ويدفعه للتساؤل: من منهما يدعم الآخر ولماذا؟ وبدا في ظاهر الأمر أن عدو عدوي صديقي لأن إسرائيل في حالة عداء مع معظم العرب والمسلمين، وبالتالي فإن الحقد اليميني على المهاجرين العرب والمسلمين دفعه لهذا التحالف الهش.

وفي الوقت نفسه يبدي اليمين المتطرف إعجابه بالتجربة الروسية وبالدولة المركزية المسيطرة، حتى أتت عملية طوفان الأقصى ففجرت هذا التحالف الهش ووضعت اليمين المتطرف الغربي في مأزق سياسي وإنساني وأخلاقي.

صمود أهل غزة أثبت للتيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا والولايات المتحدة صورة مختلفة عن العربي والمسلم التارك لبلده والساعي حثيثا نحو الغرب. ومعظم مؤيدي هذه التيارات لديهم قسط بسيط من التعليم والثقافة، وبالتالي يصعب عليهم هضم فكرتين متناقضتين في آن معا؛ وهما العربي والمسلم الصامد حاولت القيادات السياسية للتيارات اليمينة المتطرفة في كل من ألمانيا وفرنسا والدنمارك مثلا تعزيز خطاب الإسلاموفوبيا ورفع لواء مناهضة معاداة السامية، لكن الأمر لم يحقق الانتشار الذي كانت تأمله، بل على العكس، أثبت الانقسامات الداخلية في هذه التيارات اليمينة المتطرفة تجاه الحرب على غزة الذي لا يريد مغادرة أرضه من ناحية والمهاجر العربي والمسلم الذي تدعوه هذه التيارات إلى ترك البلاد الغربية والعودة إلى أرضه ووطنه من ناحية أخرى. فأين يذهب إذن؟ أضف إلى ذلك موقف روسيا غير المتماهي مع إسرائيل بسبب تغير موازين القوى والتحالفات بعد حرب أوكرانيا، ما جعل الصورة أكثر تشويشا عند التيارات اليمينية الغربية وقواعدها الشعبية.

حاولت القيادات السياسية للتيارات اليمينة المتطرفة في كل من ألمانيا وفرنسا والدنمارك مثلا تعزيز خطاب الإسلاموفوبيا ورفع لواء مناهضة معاداة السامية، لكن الأمر لم يحقق الانتشار الذي كانت تأمله، بل على العكس، أثبت الانقسامات الداخلية في هذه التيارات اليمينة المتطرفة تجاه الحرب على غزة.

لقد تجلى هذا الإفلاس اليميني المتطرف في مظاهرة لندن الشهر الماضي؛ حيث حاولت وزيرة الداخلية المقالة سويلا برافرمان استثمارها يمينيا، فانقلب السحر ضد الساحر وشرخت الحكومة البريطانية ما أدى لإقالتها وتغيير وزير الخارجية أيضا.

إن المتأمل لأحوال الدول الغربية وخاصة أوروبا خلال الفترة الماضية، يجد أن هناك انعطافا شديدا ناحية اليمين المتطرف، مدفوعا بمشاكل اقتصادية وتراجع تيارات اليسار والاشتراكية التي كانت ترحب بالمهاجرين. وتحول الأمر من حديث حول الانتخابات وفوز أحزاب اليمين المتطرف إلى حديث حول تغيير قوانين الهجرة لتشديدها والحد من تدفق المهاجرين، حتى من قبل الحكومات التي لا تصنف على أنها من اليمين المتطرف، وذلك في مغازلة للمزاج العام المعادي للمهاجرين.

الحرب على غزة أتت كطوق نجاة لأوروبا المنهكة والضائعة سياسية وخاصة لمسلميها، ووفرت لهم صدمة سياسة وعسكرية وأخلاقية ضد المبادئ الليبرالية وكشفا لها، الأمر الذي قد يعرقل عجلة الصعود السريع لليمين المتطرف على الصعيد السياسي والتشريعي، كما يوفر أرضية أخلاقية جديدة ولغة مشتركة للأجيال الجديدة من المهاجرين العرب والمسلمين وبين المجتمعات التي يعيشون فيها
لقد كانت حرب العراق عام 2003 على سبيل المثال رافعة اجتماعية وسياسية لجيل الألفية، سواء من أصول مهاجرة أو غيرهم من أقرانهم الأوروبيين وفي الغرب بشكل عام. فقد كشفت عن فظاظة وبشاعة أرغمت كثيرين على الانضواء في أحلاف شعبية وسياسية؛ سمحت لأبناء المهاجرين بالتعبير عن أنفسهم والانخراط في العمل الاجتماعي والسياسي على أرضية مشتركة مع طيف واسع من المجتمع، وكانت بوابة لوصول كثير منهم إلى مناصب سياسية واجتماعية هامة بعد ذلك، رغم التواطؤ الرسمي آنذاك مع الغزو الأمريكي البريطاني للعراق.

لا نبالغ إذا قلنا إن الحرب على غزة أتت كطوق نجاة لأوروبا المنهكة والضائعة سياسية وخاصة لمسلميها، ووفرت لهم صدمة سياسة وعسكرية وأخلاقية ضد المبادئ الليبرالية وكشفا لها، الأمر الذي قد يعرقل عجلة الصعود السريع لليمين المتطرف على الصعيد السياسي والتشريعي، كما يوفر أرضية أخلاقية جديدة ولغة مشتركة للأجيال الجديدة من المهاجرين العرب والمسلمين وبين المجتمعات التي يعيشون فيها. وإن نظرة سريعة على النشاط الجامعي المؤيد لغزة في الجامعات الغربية كفيلة بأن توضح هذه الأمور رغم العوائق والتحديات الذي تكتنفه.

twitter.com/HanyBeshr

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل اليمين المتطرف الغرب إسرائيل فلسطين الغرب اليمين المتطرف مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العرب والمسلمین الیمین المتطرف الحرب على غزة هذه التیارات

إقرأ أيضاً:

"كيف صنع العالم الغرب؟"

 

علي الرئيسي

 

توضِّح جوزفين كوين في كتابها الجديد المعنون "كيف صنع العالم الغرب؟"- من  إصدار "راندوم هاوس"- أن الحضارة الغربية كانت دائمًا فكرة سيئة، أو على أية حال فكرة خاطئة؛ إذ إن تقسيم التاريخ إلى مجموعة من الحضارات المتميزة والمكتفية بذاتها هو مسعى مضلل أدى إلى تشويه فهمنا للعالم بشكل خطير، وتؤكد كوين أنه "ليست الشعوب هي التي تصنع التاريخ؛ بل الناس والعلاقات التي تنشآ مع الجوار معًا من ينشا الحضارة".

 

السيدة كوين، المؤرخة وعالمة الآثار التي تدرس في جامعة أكسفورد، في أكثر من 500 صفحة تحاول تخليص العالم من ما تعلمته أجيال من أطفال المدارس أن يفخروا  باعتباره إنجازات أوروبية. وبدلًا من ذلك، فهي تهدم المفهوم الأساسي لما تسميه "التفكير الحضاري". حجتها بسيطة ومقنعة وتستحق الاهتمام.

وتشير السيدة كوين إلى أن فكرة الحضارة حديثة نسبيًا. تم استخدام الكلمة لأول مرة فقط في منتصف القرن الثامن عشر ولم تسيطر على الخيال الغربي حتى أواخر القرن التاسع عشر. وفي ذلك العصر الإمبريالي، وجد المؤرخون أن الحضارات اليونانية والرومانية والمسيحية تشكل لبنات بناء جميلة يمكن من تراكمها انشاء بناء كبير المظهر، أطلقوا عليه اسم الحضارة "الغربية" أو "الأوروبية". وأرجعوا إليها  مجموعة من الفضائل "الكلاسيكية" الموروثة: القوة والعقلانية والعدالة والديمقراطية والشجاعة للتجربة والاستكشاف. وعلى النقيض من ذلك، اعتبرت الحضارات الأخرى أقل شأنًا.

ولا يتطلب الأمر الكثير من التحليل من جانب السيدة كوين لكشف حماقة هذا النهج. انظر، على سبيل المثال، إلى جون ستيوارت ميل، الفيلسوف في القرن التاسع عشر، الذي يدعي أن معركة ماراثون، أول غزو لبلاد فارس لليونان في عام 490 قبل الميلاد، كانت أكثر أهمية للتاريخ الإنجليزي من انتصار ويليام الفاتح في هاستينغز عام 1066. ويقول المنطق إن لولا النصر الأثيني، فإن البذرة السحرية للحضارة اليونانية ربما لم تتطور إلى حضارة غربية على الإطلاق.

ولنتأمل كتاب "صراع الحضارات" (1996) الذي كتبه صامويل هتنيغتون، المؤرخ الأميركي، الذي أعلن أنه من المستحيل فهم التاريخ دون تصنيفه إلى حضارات معادية بشكل متبادل؛ حيث كان الاتصال بينها "خلال معظم فترات الوجود الإنساني" .. "متقطعا أو معدوما". وحيث يتنبأ بحروب ليس بين الدول بل بين حضارات متناقضة، كحرب بين الغرب والإسلام او افريقيا او الصين.

وما هو غير موجود  او مُغيَّب في هذا التحليل هو صحة هذه الفكرة. تُظهر الرحلة العلمية السريعة التي قامت بها السيدة كوين عبر التاريخ الأوروبي تشير أن الاتصال عبر الثقافات وفيما بينها، بعيدًا عن كونه نادرًا، والذي غالبًا ما يكون عبر مسافات طويلة كان مدهشا، كان المحرك الرئيسي للتقدم البشري في كل عصر. وبدلا من أن تكون هذه المجتمعات شائكة ومنغلقة على نفسها، أثبتت معظم المجتمعات تقبلها للأفكار والانماط والتكنولوجيات من جيرانها.

لم تكن اليونان القديمة- على سبيل المثال- مصدرًا رئيسيًا للأفكار بقدر ما كانت مكانًا لانتقال الافكار من الثقافات المصرية والسومرية والآشورية والفينيقية، والتي كانت هي نفسها قد اختلطت وتبادلت الأفكار. وبدلًا من أن تكون أثينا مصدرًا للديمقراطية، كانت أثينا "قادمة متأخرة إلى حد ما" إلى شكل من أشكال الحكم الذي يبدو أن تمت تجربته لأول مرة في ليبيا وعلى جزيرتي ساموس وخيوس. وتشير كوين إلى أن الفُرس، الذين تم تصويرهم إلى الأبد على أنهم أضداد اليونانيين، فرضوا الديمقراطية في الواقع على المدن اليونانية التي حكموها، مما يشير إلى "إيمان فارسي كبير بالدعم الشعبي لهيمنتهم".

"الحضارة الغربية" لن تكون موجودة دون تأثيراتها الإسلامية والأفريقية والهندية والصينية. ولفهم السبب، تأخذ كوين رحلة عبر الزمن بدءا من ميناء بيبلوس النابض بالحياة في لبنان حوالي عام 2000 ق.م، وكان ذلك في منتصف العصر البرونزي، الذي "افتتح حقبة جديدة من التبادل على مسافات طويلة بانتظام". وتوفر تقنيات التجديد الكربوني المطبقة على الاكتشافات الأثرية الحديثة دليلًا مُقنعًا على مدى "العولمة" التي كان  يعيشها البحر الأبيض المتوسط بالفعل. وقبل 4000 عام، ذهب النحاس الويلزي إلى أسكندنافيا، والقصدير الأسكندنافي باتجاه ألمانيا، لتصنيع أسلحة البرونز. وكان الخرز من العنبر البلطيقي، الذي عثر عليه في مقابر النبلاء الميسينيين مصنعًا في بريطانيا. ألف سنة لاحقًا، كانت التجارة عبر سواحل الأطلسي تعني أن "المراجل الإيرلندية أصبحت شهيرة بشكل خاص في شمال البرتغال".

لقد أعادت كوين سرد قصة الغرب، وتألقت بتركيزها على ما هو غير متوقع وعلى الفجوات بين العوالم والعصور، بدلًا من التركيز على الأحداث التاريخية العظمى والصلبة من التاريخ. وهذا الكتاب يمثل بحثًا قيمًا ورائعًا. وتكشف حواشي السيدة كوين التي يزيد عددها عن 100 صفحة أنها اعتمدت ليس فقط على مجموعة واسعة من المصادر الأولية، ولكن أيضًا على الدراسات العلمية حول تغير المناخ والأبحاث الحديثة جدا المتعلقة بعلم الآثار.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • هل تعيد فرنسا سيناريو عام 2002؟
  • "كيف صنع العالم الغرب؟"
  • العنصرية والآثار.. معرض عن الاستعمار الألماني يواجه بغضب اليمين المتطرف
  • سياسي من أصول إيرانية يدخل البرلمان الفرنسي وينتصر على اليمين المتطرف
  • ماكرون سيعيش ثلاث سنوات صعبة حال فوز اليمين المتطرف بالأغلبية.. كيف سيمنع ذلك؟
  • فرنسا.. اليمين المتطرف يفوز بالجولة الأولى من الانتخابات النيابية
  • التجمع الوطني يقترب من قيادة فرنسا.. أفكار انعزالية وسياسات متطرفة ضد المهاجرين
  • بعد فوزه في التشريعيات.. اليمين المتطرف الفرنسي يضيق الخناق على المهاجرين
  • اليمين المتطرف يفوز بالجولة الأولى من الانتخابات النيابية الفرنسية
  • ما الذي ستحمله الانتخابات التشريعية بفرنسا للجزائر؟