كيف يدبر الاتحاد الأوروبي مددا ثابتة من المعادن الحرجة؟
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
كانت شركة التعدين العملاقة جلينكور تستخرج النحاس في منطقة إسبينار في بيرو منذ أكثر من عقد من الزمن. خلال تلك الفترة، جرى بشكل متقن توثيق تسرب معادن سامة إلى البيئة المحلية وأجسام الناس. ولكن في الآونة الأخيرة فقط اعترفت حكومة بيرو بما كان واضحا لكثيرين على أرض الواقع: العلاقة السببية بين عمليات أنتاباكاي التي تنفذها شركة جلينكور والتلوث في إسبينار.
لقد ازداد الطلب على النحاس -وغيره من المعادن المهمة المستخدمة في التكنولوجيا الخضراء- بشكل كبير. ولكن حتى الآن، كانت قِـلة من البلدان مسؤولة عن استخراج وتكرير هذه الموارد.
على سبيل المثال، تدير الصين أكثر من 70% من عمليات استخراج العناصر الأرضية النادرة و50% من عمليات معالجة الجرافيت (الطبيعي) والكوبالت والليثيوم والمنجنيز على مستوى العالم. وفي أعقاب اندلاع حرب أوكرانيا، يشعر كثيرون في أوروبا بالقلق إزاء اضطرارهم إلى الاعتماد على دولة واحدة. وكما أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في مارس، عندما أعلنت قانون المواد الخام الحرجة، الذي يهدف إلى الحد من تبعيات الاتحاد الأوروبي الحالية، فإن «السباق مستمر» للهيمنة على تكنولوجيا الطاقة النظيفة في المستقبل. وإلى جانب قانون صافي الانبعاثات الصناعية الصِـفري المقترح، كانت هذه هي استجابة الكتلة لقانون خفض التضخم في الولايات المتحدة، والذي يتضمن الالتزام بزيادة المعروض المحلي من المعادن الحرجة.
الواقع أن صعود السياسة الصناعية ليس الدليل الوحيد على أن العالم بدأ يدرك أهمية المواد الخام. فقد عقدت وكالة الطاقة الدولية في وقت سابق من هذا العام أول قمة عالمية على الإطلاق حول المعادن الحرجة والدور الذي تضطلع به في التحول الأخضر. وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، أثناء الخطاب الذي ألقاه أمام زعماء العالم في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف COP28) هذا العام، ركز الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش على أفضل السبل لتلبية الطلب الشديد الارتفاع على النحاس والليثيوم والكوبالت وغيرها من المعادن. هذا يعني أن صناعة التعدين، التي صنفتها الأمم المتحدة على أنها قطاع يفرض مخاطر عالية على حقوق الإنسان، ستضطلع بدور لا غنى عنه في تحول الطاقة.
في هذا السياق، نجد أن عددا كبيرا من الزعماء الأوروبيين على استعداد لغض الطرف عن انتهاكات هذه الصناعة لحقوق الإنسان وتدميرها للبيئة. لكن إهمال هذه القضايا من شأنه أن يقوض الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لتأمين الوصول إلى المواد الخام والتخفيف من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ.
في كلمته، شَـدَّدَ جوتيريش على أن استخراج المعادن المهمة «يجب أن يتم بطريقة مستدامة ومنصفة وعادلة» لتجنب تكرار «أخطاء الماضي» في إشارة إلى النمط التاريخي الذي اتبعه العالم الغني والمتمثل في الاستغلال المنهجي لثروات البلدان النامية من الموارد الطبيعية. لمنع مثل هذه النتيجة، أعلن جوتيريش عن إنشاء لجنة جديدة تتألف من قادة الحكومات والصناعة ومنظمات المجتمع المدني لصياغة مبادئ توجيهية طوعية لتنظيم الصناعات الاستخراجية. على نحو مماثل، تسعى شراكة أمن المعادن، وهي تحالف يضم حكومات غنية، إلى تحسين المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة عبر قطاع المعادن العالمي.
برغم أن هذه الجهود تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، فإنها لن تكون كافية لضمان احترام قواعد الاستدامة. من خلال قانون المواد الخام الحرجة، يعتزم الاتحاد الأوروبي إنشاء شراكات تحقق المنفعة المتبادلة مع البلدان الغنية بالموارد وتعزيز المشاريع الاستراتيجية لاستخراج المعادن الحرجة ومعالجتها وإعادة تدويرها. لكن الضغط من أجل التحرك السريع قد يؤدي إلى إحياء ممارسات قديمة.
علاوة على ذلك، سَـيُـعـهَـد إلى مقدمي الشهادات من القطاع الخاص بمراقبة الامتثال لمعايير حقوق الإنسان والمعايير البيئية، على الأقل بالنسبة للمشاريع خارج الكتلة.
لقد ثبت أن أنظمة إصدار الشهادات لا توفر القدر الكافي من الحماية لحقوق الإنسان والبيئة في قطاعي التعدين والمواد الخام. على سبيل المثال، أكدت شركة إصدار الشهادات الألمانية TÜV SÜD سلامة سد يقع بالقرب من برومادينهو في البرازيل، قبل أشهر قليلة من انهياره، والذي أسفر عن مقتل مئات الأشخاص.
ومؤخرا، تبين أن منجما يديره مورد الكوبالت لشركة BMW في المغرب، والذي اعتُـمِـد من قِـبَـل مبادرة المعادن المسؤولة، يطلق كميات كبيرة من الزرنيخ إلى مسطحات مائية قريبة. الواقع أن الاتحاد الأوروبي في احتياج إلى أدوات أكثر فعالية. ويشكل التوجيه المقترح بشأن العناية الواجبة في سلاسل التوريد، والذي من شأنه أن يلزم الشركات بمنع الممارسات الضارة بالبيئة وحقوق الإنسان في سلاسل التوريد الخاصة بها، أهمية بالغة، وينبغي تطبيقه على الشركات المالية أيضا، نظرا لأهميتها في قطاع المواد الخام. علاوة على ذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يضطلع بدور نشط في المفاوضات الرامية إلى إبرام معاهدة ملزمة من جانب الأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، لمنع الشركات المتعددة الجنسيات من إلحاق الضرر بالبيئة والمجتمعات المحلية، كما حدث في إسبينار. لا يقل عن هذا أهمية إجراء تقييم نزيه للأسباب التي تدفع الطلب على مواد مثل النحاس والحديد وكيفية تقليل استهلاكها. على سبيل المثال، تستخدم صناعة السيارات كميات هائلة من المعادن الحرجة. كما يشكل قطاعا البناء والنقل في ألمانيا المحركين الرئيسيين للطلب هناك، وليس جهود تحول الطاقة. يشير هذا إلى أن صناع السياسات الأوروبيين ينبغي لهم أن يعكفوا على بناء أنظمة للنقل العام أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وتشجيع المركبات والبطاريات الأصغر حجما، وتعزيز الاقتصاد الدائري. برغم أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ توصي بتقليل استهلاك المواد للتخفيف من حِـدّة الانحباس الحراري الكوكبي، فقد ضاعت هذه الرسالة وسط الاندفاع نحو مصادر الطاقة المتجددة. لكن مثل هذا النهج سيكون فعالا بلا شك: ذلك أن استخراج ومعالجة المعادن الحرجة يتطلب كميات هائلة من المياه ويسبب التلوث البيئي. الواقع أن سبعة معادن: الحديد، والألمنيوم، والنحاس، والزنك، والرصاص، والنيكل، والمنجنيز مسؤولة وحدها عن 7% من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. من خلال التركيز على خفض الطلب، وفرض متطلبات أكثر صرامة وآليات فعالة لضمان العناية الواجبة، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يمنع الأضرار البيئية وانتهاكات حقوق الإنسان في حين يحقق أيضا هدفه المتمثل في بناء كتلة أكثر استقلالية وقدرة على الصمود.
جوانا سيدو رئيسة قسم السياسة البيئية الدولية في مؤسسة هاينريش بول.
خدمة بروجيكت سنديكيت.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی المعادن الحرجة المواد الخام من المعادن
إقرأ أيضاً:
الاتحاد الأوروبي يعقد محادثات مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل
أعلنت المفوضية الأوروبية، الخميس، أن الاتحاد الأوروبي سيعقد في الأسابيع المقبلة محادثات منفصلة مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مع استمرار وقف إطلاق النار في غزة.
وقالت المفوضية إن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر سيلتقي في 24 فبراير (شباط) في بروكسل بنظرائه من الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبكبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد كايا كالاس.وقال المتحدث باسم المفوضية أنور العوني: "سنناقش مجموعة كاملة من القضايا مع إسرائيل، بما في ذلك الحرب في غزة، والقضايا الإقليمية، والقضايا العالمية، والعلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل". اقتراح ترامب "لإعادة توطين" سكان غزة يثير عاصفة دبلوماسية - موقع 24قوبل اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يدعو مصر والأردن لاستقبال فلسطينيين من قطاع غزة الذي أنهكته الحرب، برفض حاسم من الحليفين الإقليميين والفلسطينيين، وأعرب الفلسطينيون عن مخاوفهم من أن يؤدي هذا إلى منع إسرائيل عودتهم إلى أراضيهم نهائياً. وسيُعقد الاجتماع على هامش مجلس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي.
بدورها، ستترأس كالاس مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى "أول حوار فلسطيني رفيع المستوى على الإطلاق بين الاتحاد الأوروبي والفلسطينيين" على هامش مجلس الشؤون الخارجية التالي -- اجتماع لكبار الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي -- في 17 مارس (آذار).
وقال العوني: "ستكون هذه فرصة لمناقشة دعم الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين ومجموعة كاملة من القضايا الإقليمية والثنائية أيضاً".
وبحسب المفوضية فإنّ "الاتحاد الأوروبي ملتزم بشكل كامل بتحقيق السلام العادل والشامل والدائم على أساس حلّ الدولتين، حيث تعيش إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب في سلام وأمن".