أمريكا يجب أن تأخذ تهديدات إسرائيل للبنان على محمل الجد
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
في حين تواصل إسرائيل عمليتها العسكرية المدمرة في غزة وسط تدفق مستمر لهجمات حزب الله على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية المتنازع عليها، يشير بعض المسؤولين الإسرائيليين الآن علنا إلى أن الغزو ضروري لقمع الجماعة المدعومة من إيران. ويمثل هذا الخطاب تحولا عن الموقف السياسي الإسرائيلي الرسمي (وهو أن إسرائيل لا ترغب في فتح جبهة شمالية) فيمثل تهديدا مباشرا لأهداف السياسة الأمريكية المتمثلة في منع انتشار الصراع.
ولا ينبغي أن تكون هذه الجهود مثار جدل، في ضوء أن مسؤولين إسرائيليين يوضحون نواياهم بشأن مواجهة حزب الله. إذ قال وزير الحرب بيني جانتس مثل هذا في اجتماع مع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في 11 ديسمبر في محضر اللقاء الرسمي: «إن العدوان والهجمات المتزايدين من حزب الله المدعوم من إيران يقتضي من إسرائيل إزالة هذا التهديد الموجه للسكان المدنيين في شمال إسرائيل». وبالمثل، هدد مسؤولون إسرائيليون كبار، لا يقتصرون على قائد الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بضرب لبنان ردا على تصرفات حزب الله منذ السابع من أكتوبر.
وقد أوجز وزير الدفاع يوآف جالانت خطط إسرائيل في أوائل ديسمبر خلال جولة بالحدود الشمالية المتنازع عليها، زاعما أنه «عندما نكمل عملية القتال في غزة، سوف يتوجه الجهد العسكري بشكل رئيسي إلى الشمال». وأضاف إنه «لا يمكننا إقناع سكان الشمال بالعودة إلى منازلهم على طول الحدود ما لم نتأكد من أن وحدة الرضوان [للعمليات الخاصة التابعة لحزب الله]، وهي أقوى من قوة النخبة التابعة لحماس وأفضل تدريبا وتجهيزا، غير قادرة على تعريض سكاننا للخطر».
وقد ردد مستشار الأمن القومي تساحي هنجبي هذه الأقوال خلال مقابلة أجريت معه في 9 ديسمبر في نشرة أخبار القناة 12 الإسرائيلية. لم يترقق هنجبي في كلماته: «لا بد من تغيير الوضع في الشمال. وسوف يتغير. إذا وافق حزب الله على تغيير الأمور عبر الدبلوماسية، فهذا جيد جدا. لكنني لا أعتقد أنه سيوافق». وبالضغط عليه في هذه النقطة، أضاف إنه على إسرائيل أن تتحرك «عندما يأتي اليوم»، إذ يجب على حكومتها ضمان قدرة مواطنيها على العودة إلى منازلهم في الشمال، وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا عندما «يتغير الوضع في الشمال».
تأتي هذه التهديدات في أعقاب تصعيد كبير للأعمال العدائية على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية المتنازع عليها، وهي أعمال تتجاوز نطاق الأعمال المتبادلة التي تسم المنطقة تاريخيا. وأدى القتال إلى نزوح مئات الآلاف من المدنيين على جانبي الحدود حيث ينشر الطرفان بشكل متزايد أسلحة مدمرة في استعراض للقوة يشكل في العادة دورة من الحفاظ على الردع. ويتسم العنف المتصاعد تدريجيا باستخدام حزب الله للأسلحة العسكرية المتزايدة الفعالية، من قبيل الطائرات المسيرة، كما يتسم بقرار إسرائيل بالضرب التدريجي لأهداف في عمق لبنان ردا على ذلك، ويشير الأمران إلى أن الطرفين غير مهتمين بالتراجع.
والحقيقة أن الردع لا يجدي نفعا. إذ إن واشنطن تواصل استعراض قوتها في شكل مجموعتين هجوميتين من حاملات الطائرات، ومشاة البحرية في وضع الاستعداد، وغواصات نووية محملة بصواريخ كروز تم إرسالها إلى المنطقة في أكتوبر ونوفمبر لردع توسع الحرب. وحتى الآن، أثمر هذا النهج نتائج مشكوكا فيها. والأسوأ من ذلك أن حزب الله يمثل التهديد الأعظم لدولة إسرائيل اليوم خارج إيران، حيث يقدر عدد قواته المقاتلة بنحو 100 ألف جندي وما يزيد عن 150 ألف صاروخ موجه نحو إسرائيل. أي أن الجماعة، ببساطة، أقوى بكثير من حماس وهي جماعة أصغر حجما تدعمها إيران وتصادف إسرائيل مشقة في اجتثاثها من غزة.
في هذا السياق، فإن أي حرب بين إسرائيل وحزب الله ستكون كارثة تضاهي الصراع السابق في عام 2006. لقد أدت هذه الحرب إلى طريق مسدود، إذ تسببت في مقتل ما يقرب من 2000 شخص معظمهم من المدنيين وتشريد أكثر من تسعمائة ألف شخص وتدمير أغلب الجنوب اللبناني. ومن شأن صراع من هذا القبيل اليوم أن يضاهي ذلك أو يتردى عنه، نظرا للمشاعر المتصاعدة بعد السابع من أكتوبر، وأن تكون له تداعيات خطيرة لن يتم احتواؤها في شرق المتوسط. ومما يؤكد هذا التقدير أن ثمة العديد من العوامل التي تسهم في إضعاف لبنان اليوم، ومنها على وجه التحديد أحد أسوأ الانهيارات الاقتصادية في العصر الحديث، وأزمة دستورية مستمرة منذ عام وصراع على سلطة الرئاسة، وما بين ثمانمائة ألف إلى 1.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في ظروف مزرية في جميع أنحاء البلد.
تدرك واشنطن هذه المخاطر، ويعارض المسؤولون الأمريكيون بشدة الإجراءات التي قد تؤدي إلى مثل هذه الحرب. فقد أعرب وزير الدفاع لويد أوستن عن قلقه من تصرفات إسرائيل على طول الحدود المتنازع عليها ونقل قلقه هذا إلى جالانت في وقت مبكر هو11 نوفمبر، وأشار إشارة واضحة إلى مخاوف الرئيس الأمريكي جو بايدن. ويواصل مسؤولون أمريكيون آخرون الإعراب عن مخاوف مماثلة، وبلغ ذلك ذروته في زيارات متعددة قام بها مبعوث الطاقة الأمريكي عاموس هوشستين في نوفمبر إلى بيروت والقدس للحث على ضبط النفس. وتتبين أهمية هوشستين في هذه الجهود الدبلوماسية بحقيقة أنه هو الذي بذل من قبل الجهود الناجحة لترسيم الحدود البحرية لإسرائيل ولبنان في أكتوبر 2022، فضلا عما تردد عن جهود لتوسيع هذا التفاهم ليشمل الحدود البرية.
تصيب إدارة بايدن الحكمة إذ تتخذ هذه الخطوات. ففي نهاية المطاف، لن يكون نشوب حرب أخرى بين إسرائيل وحزب الله في مصلحة الولايات المتحدة، وهي في الوقت نفسه تخاطر بحرب إقليمية أوسع قد تؤدي إلى مقتل عدد لا يحصى من المدنيين. فضلا عن أن هذه النتيجة تضع القوات الأمريكية في طريق الخطر. وعلى هذا النحو، فقد عمل المسؤولون الأمريكيون بلا كلل لضمان عدم توسع الحرب بين إسرائيل وحماس، فعدموا إلى دبلوماسية مباشرة واسعة النطاق مع قادة في المنطقة شملت تمرير رسائل إلى إيران. إن لدى الولايات المتحدة أصولا عسكرية ومدنيين في جميع أنحاء غرب آسيا، والعديد منهم في قواعد معرضة للخطر في أماكن من قبيل سوريا. وسوف تواجه الولايات المتحدة صعوبة في الدفاع عن هؤلاء في البداية إذا واجهت حربا أوسع من المؤكد أنها ستنجر إليها بسبب الضغوط السياسية الداخلية في عام الانتخابات وبسبب تقارب بايدن مع إسرائيل.
في ضوء هذا السياق، لا بد أن يستمر المسؤولون في التصريح علنا بأن الولايات المتحدة لن تنخرط في صراع موسع وأنها لا تريد نشوبه أصلا. وفي حال استمرار المسؤولين الإسرائيليين في الإشارة إلى أن الحرب مع حزب الله قادمة، فيجب على واشنطن أن تنفصل تدريجيا عن إسرائيل أو تخاطر بخوض المعركة. ولا بد لأي نهج من هذا القبيل أن يراعي أيضا آليات الضغط لمنع عملية إسرائيلية، ومن ذلك توجيه النقد العلني، وتقليص الغطاء الدبلوماسي، وربط مبيعات الأسلحة بشروط أو تجميدها.
لقد حان الوقت لأن يتخذ قادة الولايات المتحدة موقفا سياسيا أقوى من حرب الشرق الأوسط. سيكون من الحكمة أن تتخذ إدارة بايدن، التي تدعي أنها تنهي «الحروب الأبدية»، إجراءات ملموسة تمنعها من السير نائمةً إلى الحرب التالية. ففي نهاية المطاف، لا يريد الشعب الأمريكي الدخول في حرب أخرى، وهي نقطة يجب أن يأخذها بايدن على محمل الجد وهو يرجو الفوز بإعادة انتخابه في عام 2024 وسط أرقام استطلاعات الرأي الرهيبة.
ألكسندر لانجلوا محلل للسياسة الخارجية يركز على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
عن ناشيونال إنترست.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة المتنازع علیها على طول الحدود بین إسرائیل حزب الله
إقرأ أيضاً:
«التحرير الفلسطينية»: أجواء إيجابية تسود مباحثات وقف إطلاق النار في لبنان
قال الدكتور عمر الغول، عضو منظمة التحرير الفلسطينية، إن نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، أعلى هيئة قيادية في ظل الفراغ الرئاسي الموجود بلبنان، ويحمل الصفة التمثيلية للبنان.
الإدارة الأمريكية الحالية تعمل على تصعيد الحرب في فلسطينوتابع «الغول» خلال مداخلة مع الإعلامي كمال ماضي، ببرنامج «ملف اليوم» عبر قناة القاهرة الإخبارية، اليوم الثلاثاء، أن ما يجري على صعيد الاتفاق على وقف إطلاق النار، وفق ما قال ابن دونالد ترامب الرئيس الأمريكي المنتخب، الذي قال إن الإدارة الحالية تعمل على توسيع وتصعيد الحرب في فلسطين ولبنان وتوسيعها في الإقليم حتى تحمل تابعتها الإدارة الجديدة.
وأوضح أن إدارة جو بايدن الأمريكية بالتعاون مع نتنياهو، يواصلون إطالة مدة الحرب، مشيرا إلى أن زيارة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط عاموس هوكشتاين للبنان في المرة السابعة، تحمل في طياتها بعض التفاؤل وهناك أجواء إيجابية تسودها بشأن وقف إطلاق النار.