علي بن سالم كفيتان

عندما صمتت جميع البنادق ودسَّ أشباه العرب رؤوسهم في التراب، لبّى اليمن النداء، وهبَّ لنجدة الأشقاء في فلسطين، وقد علّمنا التاريخ أنَّ اليمن هي مخزون الرجولة الذي لا ينضب، وأنها آخر القلاع الحصينة في شبه جزيرة العرب؛ حيث يُوجد من لا يهاب الموت ولا يخاف الفقر ومن يغيث الملهوف وينصر المظلوم ويُزيل الكرب.

لقد اختفت الشعارات القومية الرنانة وتلاشت أصوات من  يدّعي الإسلام، وتبقت أمة واحدة وهم اليمنيون، يحملون على عاتقهم نصرة فلسطين الجريحة، فصال وجال أجداد العرب في أرضهم وبحرهم وسمائهم ليقطعوا أحد الشرايين الداعمة للصهاينة، وسيعلم الغرب يومًا أنَّ العرب ليسوا على شاكلة الهنود الحمر في أمريكا أو الإنسان القديم في أستراليا وجزر المحيط الهادي، الذين أبادوهم ونهبوا أوطانهم. العرب ينبتون من الأرض مع كل زخّة مطر على رمالهم القاحلة، يطربهم الرعد، ويحبون رؤية وميض البرق على سيوفهم الجامحة للنصر، لا محالة ستعود فلسطين وسيكتب التاريخ أن يحيى السنوار ورفاقه قادوا آخر الغزوات لتحرير الأرض العربية من رجس الصهاينة، وسيكتب التاريخ كذلك أنَّ مددًا جاء من أرض اليمن فآزر المقاومة في فلسطين.

لم أكن أتخيل يومًا أنَّ الأمور يمكن أن تدار بهذه الطريقة السيئة في الولايات المتحدة الأمريكية موطن الحريات والبلد الحُلم لكل طامح، فلا يخفى على أحد أن ما يحدث لليهود (الصهاينة) هو من فعل بريطانيا وفرنسا، فبعد أن فشلت الخطة لتوطينهم في ألمانيا فشلًا ذريعًا وأدت لنتائج مروعة، عاد المستعمر العجوز وقام بزراعتهم في فلسطين في أربعينيات القرن الماضي، وأُوكِلت الرعاية للوحش المنتصر في الحرب العالمية الثانية، إلّا أن الطفل الصهيوني لم يكبُر ولم يعتمد على نفسه يومًا.. إنها لعنة بريطانيا الأزلية التي أرادت أن تشغل بها الولايات المتحدة الأمريكية، لكي تحد من قوتها وسطوتها، واليوم نرى الإمبراطورية الوحيدة على الكوكب تلفظ أنفاسها وتجر خيباتها وتتلقى لعنات شعوب الأرض جميعًا بسبب الصنيعة الإنجليزية التي ابتُليت بها واشنطن. أعلمُ أن هنري كسنجر يهودي رحل من ألمانيا هربًا من التصفية وشكّل ظاهرة سياسية ودبلوماسية عالمية وكان أحد أكبر الرعاة للكيان الصهيوني، لكنه امتلك خيطًا رفيعًا لشد الكلب للخلف ليكتفي بالنباح كلما تطلب الأمر.

ثأر اليهود ليس عند العرب؛ بل في أوروبا التي أحرقتهم في أفران الغاز؛ لذلك لن نستغرب من موقف المستشار الألماني أولاف شولتز فهو يعلم قدر الخطيئة العظيمة التي اقترفها أجداده الألمان، فقد بات اليوم يجرِّم المتعاطفين من شعبه مع الفلسطينيين عبر شاشات التلفاز وعبر تصريحات هستيرية، تكشف مقدار القلق الذي ينتابه عندما يعود اليهود من فلسطين للمطالبة بتعويضاتهم وأملاكهم التي نُهبت في حقبة الهولوكوست، بالطبع لن يكتفوا بتصريح مُعاداة السامية الذي بات يتردد بقوة اليوم في الغرب. ولكي أُقرِّب لكم ضعف أمريكا، استعيدُ مشهدًا مُخزيًا وقع قبل أسابيع، وهو عبارة عن استجواب إحدى عضوات الكونجرس لثلاثة من رؤساء أشهر الجامعات الأمريكية حول عدم منعهم مظاهر التعاطف مع فلسطين في أروقة جامعاتهم، واعتبار ذلك ضمن أسطوانة معاداة السامية والموافقة على قتل اليهود، بينما في الجانب الآخر يُحلُّون قتل الفلسطينيين. وفي آخر هذا الاستجواب المُهين أُقيلت رئيسة إحدى الجامعات الثلاثة، فورًا؛ لأنها لم ترضخ لإملاءات ذلك الاستجواب المُتعنت. ولهذا نقول: سيكتشف اليهود وأمريكا أنهم ضحية خطة محكمة دبرها العجوز الرابض في طرف القارة الأوروبية.

باتت اليوم جميع المصالح الأمريكية في العالم عُرضة للخطر، في ظل تصاعد الدعوات لكبح جماح هذا الوحش المدجج بالأسلحة، فأيدي الإدارة الأمريكية أصبحت ملطخة بدماء ملايين الأبرياء في فلسطين والعراق وسوريا وأفغانستان وليبيا واليمن، في ظل ترقب روسي وصيني لمآلات الإمبراطورية المُترنحة، فهل يعقل الساسة في واشنطن قدر المخاطر التي باتت تحيط بهم وتهدد مستقبلهم؟ يُقال إن الولايات المتحدة لا تتخذ قرارات حاسمة، إلّا بعد الرجوع لمراكز الأبحاث الاستراتيجية، وهنا يتبين أن المطبخ السياسي في واشنطن فسدت جميع وجباته؛ ليصيب الإدارة الهرمة بالإسهال والدوار؛ بل والسقوط المتكرر في كل المحافل.

النهاية وفق المعطيات الحالية تبدو سعيدة؛ حيث سيهرب اليهود الى أوروبا وسيخوضون حربًا جديدة هناك، وستحرر فلسطين، وستنهار الإمبراطورية الأمريكية، وسيحتفل الإنجليز بدهائهم، وسيحج إليهم الصينيون والروس والهنود؛ للبحث عن ترياق جديد يعالجون به تقلبات الطقس وتغيُّر المناخ، وستصبح أمريكا هي الوطن البديل لليهود!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أستاذ علوم سياسة لـ«الوطن»: مصر موقفها داعم لـ«الأونروا» في فلسطين

قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن مصر تثبت دورها المساند والداعم للقضية الفلسطينية بدعمها الدائم للأونروا، وحرصها على الحقوق الفلسطينية والحفاظ على هويتهم، مؤكدا أن مصر تدرك حق الفلسطينيين في الحفاظ على هويتهم وحقهم في العودة.

مصر ترفض حظر الاحتلال أنشطة الأونروا

وأضاف «الرقب» لـ«الوطن»: «مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي ترى أن حظر الأونروا أمر مرفوض نهائي؛ لأنه سيؤثر على الشعب الفلسطيني، خاصة سكان قطاع غزة الذي يعاني من تدمير شبه كامل بجميع القطاعات والخدمات والبنى التحتية».

وتابع: «مصر تدعم المنظمة دوليا وسياسيا عبر كل المحافل والمنصات حتى يتم وقف عمليات الحظر الذي أقرها الاحتلال الإسرائيلي».

البيان المصري العربي المشترك رسالة قوية لرفض مخططات التهجير

في السياق ذاته، أشاد الرقب بالبيان المصري العربي المشترك الرافض للتهجير، مؤكدا أن ذلك بمثابة رسالة قوية أمام مخططات التهجير بأنه لا بديل عن مبدأ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967.

واختتم الرقب حديثه لـ«الوطن» بأن الضغط الذي تمارسه مصر والجبهة العربية ورفضهم لكل هذه المخططات الإسرائيلية سيجعل المجتمع الدولي يفكر في حل عادل للشعب الفلسطيني، الذي يعاني منذ أكثر من نحو 75 عاما لنيل حقوقه.

مقالات مشابهة

  • قيادية بحماة الوطن: أرضنا لا تقبل المساومة.. والشعب سطّر ملحمة في دعم فلسطين
  • «الشعب الجمهوري»: اجتماع وزراء الخارجية العرب يدعم جهود مصر في قضية فلسطين
  • أستاذ علوم سياسة لـ«الوطن»: مصر موقفها داعم لـ«الأونروا» في فلسطين
  • عضو بـ«النواب»: بيان وزراء الخارجية العرب خطوة مهمة لدعم فلسطين
  • اقرأ في عدد «الوطن» غدا: كلمة مصر.. «الأرض لأصحابها»
  • ترامب.. احذر من الأردن!
  • «المفتي»: الأمن في الأوطان هو المظلة التي تحفظ المقاصد الشرعية
  • وزيرا دفاع اليابان وأمريكا يتفقان على تعزيز تحالفهما الثنائي في ظل إدارة ترامب
  • بريطانيا وأمريكا: تاريخ أسود من الإجرام المُفرِط بحق الأمة والإنسانية!
  • الصحفيين والإعلاميين: خلال لقاء محافظ الدقهلية كلنا خلف الرئيس في جميع القرارات السياسية التي تحافظ على الأمن القومي