لجريدة عمان:
2025-03-31@04:29:59 GMT

البلدان الفقيرة ومشاكل الديون

تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT

ترجمة ـ قاسم مكي -

مضت الآن أقل من أربع سنوات منذ انتبه العالم إلى جائحة كوفيد-19. لقد ابتدرت تدهورا ضخما في النشاط الاقتصادي أعقبه تعاف عام سريع ثم حرب أوكرانيا- روسيا والآن حرب غزة وتصاعد الأسعار (خصوصا أسعار الغذاء والطاقة) وتسارُع ارتفاع أسعار الفائدة. وفي الخلفية يصبح التغير المناخي أكثر وضوحا باطراد.

ماذا يعني كل هذا لأفقر فقراء العالم؟ يعني أن التقدم السابق في القضاء على الفقر المدقع تباطأ بشدة وأنه ببساطة توقف في البلدان التي يوجد بها معظم الفقراء في العالم. ولكي يتحسن هذا الوضع ستحتاج هذه البلدان إلى المزيد من المساعدات السخية من المانحين الرسميين.

ساعد عصر العولمة الذي يُنتقَد بشدة في تحقيق خفضٍ كبير في معدلات سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع. حاليا يعرِّف البنك الدولي هذا المستوى من الفقر بالعيش على دخل يقل عن 2.15 دولار في اليوم بأسعار عام 2017.

تراجعت أعداد من يعيشون في الفقر المدقع كما في التعريف المذكور من 1870 مليون نسمة (31% من سكان العالم) في عام 1998 إلى 690 مليون نسمة (9% من سكان العالم) في عام 2023 حسب التوقعات.

لسوء الحظ تباطأ معدل تراجع الفقر بشدة. ففي الفترة من 2013 إلى 2023 من المتوقع أن يهبط المعدل العالمي للفقر بما يزيد قليلا على 3%. بالمقارنة هبط الفقر بنسبة 14% في العقد السابق لعام 2013.

حدث هذا التباطؤ في أفقر بلدان العالم. إنها تلك البلدان المؤهلة للاقتراض الميسَّر من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي.

لقد هبطت نسبة السكان الذين يعانون من الفقر المدقع في باقي العالم من 20% في عام 1998 إلى 3% حسبما هو متوقع في عام 2023. وهبطت بنسبة 4% فقط بين 2013 - 2023.

في الأثناء تراجعت أيضا في البلدان المستحقة لمساعدة المؤسسة الدولية للتنمية نسبة من يعانون فقرا مدقعا من 48% في عام 1998 إلى 26% (حسب التوقعات) في عام 2023. لكن معدل انخفاض الفقر بلغ نقطة مئوية واحدة (1%) فقط بين 2013 و2023 في حين كانت هذه النسبة 14% في العقد السابق.

بالطبع لم يختف الفقر المدقع تماما في البلدان الأفضل حالا. حسب التوقعات هنالك حوالي 183 مليون نسمة في هذا الوضع المعيشي حاليا في البلدان غير المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية. لكن عددهم في البلدان المؤهلة حوالي 497 مليون نسمة أو ما يساوي 72% من العدد الإجمالي للفقراء المُعوزين في العالم وهو 691 مليون نسمة.

إلى ذلك، نظرا لأن 3% فقط يعانون الفقر المدقع في باقي العالم من المعقول افتراض القضاء عليه مع تحقيق نمو إجمالي متواضع بحلول عام 2030.

من الواضح إذا أن هدف القضاء على الفقر الطاحن من عالمنا سيتم تحقيقه فقط بتوجيه الاهتمام والموارد نحو أفقر بلدان العالم التي يتركز فيها وحيث يكون أشد رسوخا أيضا.

هنالك 75 بلدا فقيرا بما يكفي لكي يكون مؤهلا للحصول على موارد المؤسسة الدولية للتنمية. من بين هذه البلدان 39 بلدا في إفريقيا. بعض هذه البلدان مؤهل أيضا للاقتراض بشروط أكثر كلفة من البنك الدولي لإعادة التعمير والتنمية منها بنجلاديش ونيجيريا وباكستان.

لا شك أن البلدان المؤهلة للاقتراض الميسر من المؤسسة تضم العديد من أسوأ الدول إدارة في العالم. لكن هذه الدول أيضا هشة بطرائق عديدة. لذلك سقطت في فخ الفقر الذي يصعب جدا الخروج منه خصوصا عندما تتعرض لصدمات كما حدث ويحدث.

إلى ذلك، لا يلزم أن تعاني هذه البلدان من مشاكل لا نهاية لها. لقد تأسست المؤسسة الدولية للتنمية قبل أكثر من نصف قرن لأسباب من أهمها مساعدة الهند. بل هي في الواقع تسمى أحيانا «مؤسسة تنمية الهند». لكن الهند «تخرجت الآن» من فئة الدول المؤهلة للاقتراض الميسر وأصبحت دولة مانحة. في الواقع المؤسسة لديها قائمة طويلة من البلدان المتخرجة. والصين من بينها أيضا.

تستخدم المؤسسة الدولية للتنمية الآن تجديد تمويلها رقم 20 للفترة من يوليو 2022 إلى يونيو 2025. وبالنظر إلى الحاجة الملحة لتسريع النمو وخفض الفقر المدقع ومعالجة التحديات التي فرضها التغير المناخي في البلدان الفقيرة يجب أن يكون التجديد التالي لموارد المؤسسة الدولية للتنمية أكبر بكثير كما نادى بذلك أجاي بانجا رئيس البنك الدولي في «تقرير نصف المدة».

من جهة أخرى يكشف تقرير الديون الدولية الذي صدر عن البنك الدولي هذا الشهر عن سبب قوي آخر للحاجة إلى المزيد من الموارد للمؤسسة الدولية للتنمية. فهذه البلدان أصبحت شديدة الاعتماد على موارد تمويل غير مضمونة ومكلفة. لذلك أوشك عبء الدين أن يشل البلدان الفقيرة، كما جاء في التقرير. «فالآن حوالي 28 بلدا مؤهلا للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية عرضة بدرجة كبيرة لمخاطر العجز عن سداد الدين. ويعاني 11 بلدا من ذلك العجز».

مشكلة الدين عامة. لكنها مهمة على نحو خاص في البلدان التي تتركز بها أعداد كبيرة من الفقراء المُعوِزين.

مشاكل الديون هذه ليست مفاجئة. ففي الفترة بين 2012 و2021 قفزت نسبة الدين الخارجي للبلدان المؤهلة للاقتراض الميسر والمستحق لمقرضي القطاع الخاص من 11.2 % إلى 28%. نتج عن ذلك جزئيا أن خدمة دين هذه البلدان قفزت من 26 بليون دولار في عام 2012 إلى 89 بليون دولار في عام 2022 مع ارتفاع مدفوعات الفائدة لوحدها من 6.4 بليون دولار في عام 2012 إلى 23.6 بليون دولار في عام 2022. وتراجعت حصة حملة السندات ومقرضي القطاع الخاص الآخرين في إجمالي الالتزامات من 37% في عام2021 إلى 14% فقط في عام 2022. في الواقع هذا سلوك تقليدي للدائنين في التعامل مع المقترضين ذوي المخاطر العالية. إنه الانسحاب عندما يشدِّد بنك الاحتياط الفدرالي سياسته النقدية».

إجمالا، حصة البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية والمعرضة لخطر العجز عن سداد الديون بلغت 56% في عام 2023، حسبما جاء في التقرير.

الاقتراض التجاري بواسطة هذه البلدان ببساطة غير آمن. وسيلزم شطب بعض ديونها غير المسددة. وما هو أهم أنها ستحتاج إلى تمويل ميسر جدا.

من واجب البلدان الغنية بل ومن مصلحتها أيضا تقديم الموارد التي تحتاجها البلدان الفقيرة للخروج من فخ الفقر. لقد فعل ذلك بلايين الناس. دعونا الآن نكمل هذه المهمة.

مارتن وولف كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز.

ترجمة خاصة لـ عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البلدان الفقیرة البنک الدولی الفقر المدقع هذه البلدان فی البلدان ملیون نسمة فی عام 2023

إقرأ أيضاً:

ظاهرة الفانشيستات والمشبوهات في توزيع المساعدات على العوائل الفقيرة

بقلم : الحقوقية انوار داود الخفاجي ..

في السنوات الأخيرة، برزت في العراق ظاهرة اجتماعية مثيرة للجدل، تتعلق بمجموعات من النساء، يُطلق عليهن في الأوساط الشعبية مصطلح الفانشيستات، وهنَّ غالبًا ناشطات على وسائل التواصل الاجتماعي يظهرن بمظهر الفاعلات الخيريات، ويدعين العمل الإنساني من خلال توزيع المساعدات على العوائل الفقيرة. إلا أن هذه الظاهرة، رغم أنها قد تبدو نبيلة في ظاهرها، تحمل في طياتها الكثير من الشبهات والمخاوف بشأن النوايا الحقيقية وراءها، وطرق تمويلها، ومدى شفافيتها.

يستخدم مصطلح الفانشيستات للإشارة إلى مجموعة من النساء اللواتي يقدمن أنفسهن كناشطات اجتماعيات عبر منصات التواصل، ويركزن على استعراض حياتهن الشخصية ومظاهر الرفاهية، ثم يقمن بحملات خيرية تتضمن توزيع المساعدات على العوائل المحتاجة. اللافت في الأمر أن معظم هذه المساعدات تُوثق عبر بث مباشر أو تصوير فيديوهات تُنشر على نطاق واسع، مما يثير الشكوك حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الأنشطة.

العديد من هذه الناشطات يجذبن اهتمام الجمهور من خلال الظهور بأسلوب لافت ومثير للجدل، سواء من حيث المظهر أو طريقة الخطاب، مما جعل البعض يشكك في كون الهدف الأساسي هو تحقيق الشهرة وزيادة عدد المتابعين أكثر من كونه عملًا إنسانيًا خالصًا.

تثار العديد من التساؤلات حول كيفية حصول هؤلاء النساء على الأموال التي يوزعنها، خاصة وأن بعضهن لا يملكن مصادر دخل واضحة. هناك شبهات تدور حول احتمال تلقي تمويل من جهات مجهولة لأغراض غير واضحة، أو استغلال هذه الأنشطة كواجهة لغسيل الأموال أو الدعاية لأشخاص وجهات معينة.

في بعض الحالات، تظهر مؤشرات على أن جزءًا من هذه المساعدات قد يكون ممولًا من قبل شخصيات متنفذة أو رجال أعمال يسعون إلى تحسين صورتهم الاجتماعية، أو حتى جهات ذات أجندات خفية تحاول كسب نفوذ في الأوساط الفقيرة من خلال هذه الحملات.

من أبرز الانتقادات التي تواجه هذه الظاهرة هي الطريقة التي يتم بها استغلال الفقراء والمحتاجين كأداة لزيادة شهرة الفانشيستات. يتم تصوير العوائل الفقيرة أثناء تلقي المساعدات، وغالبًا بطريقة تنتهك خصوصيتهم وكرامتهم، حيث يُجبر البعض على الظهور أمام الكاميرا وشكر المتبرعات علنًا.

هذا الأسلوب يُنظر إليه باعتباره نوعًا من “الاستعراض الخيري”، الذي يعتمد على إذلال المحتاجين بدلًا من مساعدتهم بكرامة. كما أن بعض الحالات كشفت عن استغلال الأطفال والنساء تحديدًا في هذه الفيديوهات، مما يزيد من الجدل حول أخلاقية هذا النوع من النشاطات.

بعيدًا عن الجانب الإنساني، يعتقد البعض أن هناك أجندات خفية وراء هذه الحملات، حيث يُستغل العمل الخيري كغطاء لأغراض أخرى، مثل بناء قاعدة جماهيرية استعدادًا لنشاط سياسي مستقبلي، أو استخدامه كوسيلة لجمع التبرعات التي لا يُعرف أين تذهب في النهاية.

كما أن بعض التقارير أشارت إلى أن بعض الفانشيستات يتعاونَّ مع شبكات مشبوهة، وقد يكنَّ واجهات لمجموعات تعمل في مجالات غير قانونية، مما يزيد من تعقيد المشهد.

لمواجهة هذه الظاهرة، يجب على الجهات المختصة التدخل لضبط عمليات توزيع المساعدات الخيرية، من خلال:

تنظيم العمل الخيري: يجب أن تكون هناك ضوابط قانونية تلزم أي شخص أو جهة تريد توزيع المساعدات بالحصول على موافقات رسمية، والتأكد من مصادر التمويل وشفافية الإنفاق.

حماية كرامة المحتاجين: منع تصوير العوائل المستفيدة من المساعدات إلا بإذنهم، وإصدار تشريعات تمنع استغلال الفقراء لأغراض دعائية أو شخصية.

مكافحة غسيل الأموال: يجب التحقيق في مصادر الأموال التي تُستخدم في هذه الحملات، والتأكد من أنها لا تأتي من جهات غير قانونية.

التوعية المجتمعية: على المجتمع أن يكون أكثر وعيًا بمخاطر هذه الظاهرة، وعدم التفاعل العاطفي معها دون التحقق من مصداقيتها.

ختاما رغم أن العمل الخيري أمرٌ محمودٌ وضروري، فإن استغلاله لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية، أو كواجهة لأنشطة غير مشروعة، يمثل خطرًا على المجتمع. ظاهرة “الفانشيستات” والمشبوهات في توزيع المساعدات تحتاج إلى وقفة جادة، ليس فقط من الجهات الرسمية، بل أيضًا من المجتمع نفسه، لحماية الفقراء من الاستغلال، وضمان أن يكون العمل الإنساني قائمًا على النزاهة والشفافية، وليس مجرد وسيلة للشهرة أو لأغراض أخرى في الخفاء.

user

مقالات مشابهة

  • شخص يزعم تعرضه للضرب فى قنا للتهرب من الديون.. التفاصيل
  • الإعلان رسميا عن حلّ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “USAID”
  • ظاهرة الفانشيستات والمشبوهات في توزيع المساعدات على العوائل الفقيرة
  • أفريقيا الخاسر الأكبر .. ما هي الأثار المترتبة على إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ؟
  • واشنطن تعلن رسميا حلّ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية
  • كتاب: تاريخ البعثات الدبلوماسية
  • إدارة ترامب تحل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية رسميًا
  • واشنطن تعلن رسميا حلّ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية .. تفاصيل
  • واشنطن تحلّ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية
  • واشنطن تعلن رسمياً حلّ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية