ما زال الكثير من الأفراد حول العالم يجدون صعوبة في مغادرة منازلهم والعودة للوظائف التقليدية بعد تجربة العمل عن بعد الذي فرضته جائحة كورونا، هذه الوظائف التي تتطلب جلوسا طويلا على مكاتبهم، وجريًا مستمرا للحاق بوسائل المواصلات، أو قضاء ساعات في الزحمة المرورية التي باتت ظاهرة في كثير من المدن، ناهيك عن المزايا العديدة التي وجدها الجيل الجديد بالذات للعمل عن بعد والتي تتيح له تأدية مهام عمله من أي مكان في العالم وفي أي وقت يشاء، مما جعل شريحة كبيرة منهم لا تكتفي بالعمل من المنزل ولا حتى من البلد، بل بات يحلّق بجهازه المحمول أو أي من أدوات عمله، حول العالم، متنقلا من بلد إلى آخر، دون قيود، والبعض لا يبقى في ذات المكان إلا فترة بسيطة، إلا أن الاستقرار بعض الوقت في بلد ما للاطلاع عن قرب على حضارتها وثقافتها بات يغري فئة أخرى من هؤلاء الشباب، خاصة الفئة الأكبر عمرا التي تبحث عن بعض الاستقرار وتود الانتقال مع أسرهم، خاصة في ظل انخفاض تكاليف المعيشة في البلدان التي ينتقلون إليها مقارنة ببلدانهم، ويشكل الأمريكيون النسبة الأكبر من الرحّل الرقميين، ومن المتوقع أن يصل عددهم بحلول عام 2025 إلى ما يقارب 36 مليون فرد حسب دراسة أجرتها مؤسسة أبووركفي2021 مستفيدين من التطور التقني في البلاد، ومرونة الأنظمة.
إلا أن الفئة الأخيرة تجد تحديا في ذلك كون الكثير من الدول لا تمنح تأشيرات زيارة طويلة للعاملين عن بعد، ولكن في الآونة الأخيرة أدركت الكثير من الدول الميزة التي تحملها هذه الفئة من العاملين، والتي تتيح تبادل الخبرات، والاستفادة من الكفاءات التي تتميز بها الموارد البشرية في بعض الأقطار دون سواها، فبدأت بعض الدول مثل إيطاليا وألمانيا ومؤخرا دولة الإمارات العربية الشقيقة فتح المجال لهذه الفئة من العاملين، الذين يحملون حزمة من الخبرات المهنية والفنية المختلفة التي تثري بيئة العمل، من خلال تأشيرات خاصة بهذه الفئة.
إنه الحلم الذي أصبح حقيقة بالنسبة لشريحة كبيرة من هذا الجيل، أن يمارس عمله دون قيود، ولا مدير متعنّت يتحكم في حضوره وانصرافه، بعيدا عن ضجيج المدن، وكآبة المكاتب المغلقة، ولكن لا يوجد عمل من دون تحديات بالطبع، ولعل التحدي الذي نحتاج التفكير فيه في هذا الجزء من العالم الذي يعاني من نقص الكوادر المؤهلة، والاعتماد على الأيدي العاملة غير الماهرة المستوردة من الخارج، هو أن يعجز أبناؤنا عن التنافس مع القادمين الجدد المسلحين بالمهارات وأحدث التقنيات، وشغف كبير بالاكتشاف والمغامرة والتجربة.
حمدة الشامسية كاتبة عمانية في القضايا الاجتماعية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً: