لجريدة عمان:
2025-01-05@04:42:06 GMT

الرحل الرقميون

تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT

ما زال الكثير من الأفراد حول العالم يجدون صعوبة في مغادرة منازلهم والعودة للوظائف التقليدية بعد تجربة العمل عن بعد الذي فرضته جائحة كورونا، هذه الوظائف التي تتطلب جلوسا طويلا على مكاتبهم، وجريًا مستمرا للحاق بوسائل المواصلات، أو قضاء ساعات في الزحمة المرورية التي باتت ظاهرة في كثير من المدن، ناهيك عن المزايا العديدة التي وجدها الجيل الجديد بالذات للعمل عن بعد والتي تتيح له تأدية مهام عمله من أي مكان في العالم وفي أي وقت يشاء، مما جعل شريحة كبيرة منهم لا تكتفي بالعمل من المنزل ولا حتى من البلد، بل بات يحلّق بجهازه المحمول أو أي من أدوات عمله، حول العالم، متنقلا من بلد إلى آخر، دون قيود، والبعض لا يبقى في ذات المكان إلا فترة بسيطة، إلا أن الاستقرار بعض الوقت في بلد ما للاطلاع عن قرب على حضارتها وثقافتها بات يغري فئة أخرى من هؤلاء الشباب، خاصة الفئة الأكبر عمرا التي تبحث عن بعض الاستقرار وتود الانتقال مع أسرهم، خاصة في ظل انخفاض تكاليف المعيشة في البلدان التي ينتقلون إليها مقارنة ببلدانهم، ويشكل الأمريكيون النسبة الأكبر من الرحّل الرقميين، ومن المتوقع أن يصل عددهم بحلول عام 2025 إلى ما يقارب 36 مليون فرد حسب دراسة أجرتها مؤسسة أبووركفي2021 مستفيدين من التطور التقني في البلاد، ومرونة الأنظمة.

إلا أن الفئة الأخيرة تجد تحديا في ذلك كون الكثير من الدول لا تمنح تأشيرات زيارة طويلة للعاملين عن بعد، ولكن في الآونة الأخيرة أدركت الكثير من الدول الميزة التي تحملها هذه الفئة من العاملين، والتي تتيح تبادل الخبرات، والاستفادة من الكفاءات التي تتميز بها الموارد البشرية في بعض الأقطار دون سواها، فبدأت بعض الدول مثل إيطاليا وألمانيا ومؤخرا دولة الإمارات العربية الشقيقة فتح المجال لهذه الفئة من العاملين، الذين يحملون حزمة من الخبرات المهنية والفنية المختلفة التي تثري بيئة العمل، من خلال تأشيرات خاصة بهذه الفئة.

إنه الحلم الذي أصبح حقيقة بالنسبة لشريحة كبيرة من هذا الجيل، أن يمارس عمله دون قيود، ولا مدير متعنّت يتحكم في حضوره وانصرافه، بعيدا عن ضجيج المدن، وكآبة المكاتب المغلقة، ولكن لا يوجد عمل من دون تحديات بالطبع، ولعل التحدي الذي نحتاج التفكير فيه في هذا الجزء من العالم الذي يعاني من نقص الكوادر المؤهلة، والاعتماد على الأيدي العاملة غير الماهرة المستوردة من الخارج، هو أن يعجز أبناؤنا عن التنافس مع القادمين الجدد المسلحين بالمهارات وأحدث التقنيات، وشغف كبير بالاكتشاف والمغامرة والتجربة.

حمدة الشامسية كاتبة عمانية في القضايا الاجتماعية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تشييع جثمان المجتمع الدولي في غزة… وولادة إسرائيل الكبيرة!

لم تعد إسرائيل تكترث بالمجتمع الدولي، وأضافت في الأسابيع الأخيرة الكثير من الفصول إلى قاموس التوحش، يأتي آخرها بتقاطر أجساد الأطفال المتجمدة من البرد في قطاع غزة، بما يظهر العالم عاجزا بصورة مفجعة، وبعد نفاد جميع الأرصدة في بنك أهدافها، تستفرد بالمستشفيات والكوادر الطبية، الأمر الذي يبرر الحديث عن تهالك المنظومة الدولية القائمة، وانهيار أساسها الأخلاقي، وانتهاء صلاحية جميع الأكاذيب التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية.

تقدم إسرائيل الخدمة الكبرى لدونالد ترامب لتسلمه جثمان الشرعية الدولية، قبل أن يبدأ الوقوف أمام خريطة العالم، ويطلق مشاريعه ذات الصبغة الاستعمارية ـ التجارية الجديدة في إعادة تعريف للاستغلال على مستوى العالم، فهو يتحدث عن استعادة قناة بنما، والاستحواذ على جزيرة غرينلاد التابعة لسيادة الدنمارك، ويطلق مزحة سخيفة حول انضواء كندا في الاتحاد الأمريكي، ويفتح الطريق أمام مطالب القوة والصراع على أساسها في العالم.

العديد من الدول يمكن أن تستعيد من جديد مطالب سابقة في صراعات حدودية، أو حتى مشروعات توسعية قديمة. عادةً ما يأتي الانهيار الأخلاقي سابقا على التحولات السياسية الكبرى، فالاهتراء القيمي الذي حملته شهوانية تسويات الحرب العالمية الأولى، هو الذي أدى إلى تراكم الغضب داخل ألمانيا، ليجعلها تتبنى خطابا غير أخلاقي في مواجهة الإذلال المتعمد للأمة الألمانية.

وفي غزة تتهاوى الأخلاقيات العالمية، والمزاعم التي عملت المنظمات الدولية على صيانتها، وتنقلب بعض الدول على فكرة أن تجلس في ملتقيات دولية، لتسمح لدولة افريقية صغيرة بأن تستعرض آراءها، أو تتخذ مواقف سياسية عقابية ضد عالم الكبار، فهذه الإجراءات كان يجب أن تجري تحت رعاية ووصاية من الدول الكبرى، فالأمريكيون يمكن أن يدفعوا عشرات الدول لاتخاذ إجراءات المقاطعة لخدمة مصالحهم وإضفاء الشرعية على توجهاتهم، والروس يمكنهم أن يؤثروا على بعض البلدان، وبشكل عام، كانت الدول الكبرى، هي التي تستطيع أن تستجمع جزءا من المجتمع الدولي ليخدمها، وأتت منظومة مجلس الأمن الدولي، لتضبط أي محاولات للخروج عن عالم اللاعدالة في العقود الأخيرة.

تتحرر إسرائيل من ضغط القانون الدولي، وتبدو غير معنية بعلاقاتها مع أي منظمة دولية، أو مع أي دولة بصورة منفردة، وتتعرى من أي خجل وهي التي تطالب بفرض إجراءات عقابية على بعض الدول التي اتخذت مواقف تحمل إدانة لتصرفاتها الهمجية، وهذه الخطوة يمكن أن تلقي آثارا كارثية على المنطقة في السنوات المقبلة، خاصة والجيش الإسرائيلي يتمدد في مجموعة من القرى في القنيطرة السورية، ويستولي على أحد سدود المياه، والجنوب اللبناني ما زال في حسابات الجيش الإسرائيلي، والضغط على التسوية في قطاع غزة يشتمل رغبة إسرائيلية في البقاء ضمن بعض المناطق الحيوية، التي يمكن أن تخدم أهداف إسرائيل الاستراتيجية، من غير أن يلزمها بأي شيء تجاه سكان القطاع، الذين عاشوا تحت وطأة المجزرة الكبرى.

هل يمكن تقييد إسرائيل أو التنبؤ بالمدى الذي تسعى لتحصل عليه في المنطقة، على حصتها المرضية من النفوذ؟ أو الوقوف على طبيعة معاركها المقبلة، وما الذي تريد تحصيله بعد أن طرح الرئيس ترامب نظرية (إسرائيل الصغيرة) في وسط الدول شاسعة المساحة حولها، وهل يعني ذلك مجرد قضم الضفة الغربية، الذي يمكن التأكد من أنه أصبح خبرا متوقعا في الأشهر المقبلة؟ وهل تظهر خريطة العلاقات العربية، قادرة على استجماع نفسها بالطريقة التي حدثت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهل يمكن البحث عن فكرة لدعم دول الطوق؟ أم أن نظرية الطوق نفسها أصبحت خارج العصر وتقيد مشروعا إسرائيليا يزعم نتنياهو أنه سيجلب الرخاء والازدهار للمنطقة كلها.

والسؤال المرعب، ما هو الطوق المباشر وغير المباشر الذي تريده إسرائيل، وما هو فضاء مطالبها التي عهدها العالم متدرجة ومتصاعدة بصورة مستمرة، فهل يمكن أن تتحدث إسرائيل خلال أشهر عن تأمين البحر الأحمر، أم تتحدث عن الطريق الكبير الذي يمر من الخليج إلى شواطئها، أو عن طريق آخر، في حالة حدوث تحولات كبرى في إيران يخترق بلدان الشام ليضع رحاله في الموانئ نفسها؟ والسؤال الأكثر رعبا، هل يوجد فعلا من يصدق وعود إسرائيل ويتجاهل التاريخ الذي أظهر فداحة الخسارة على المستوى الاقتصادي بعد الصلح معها؟

تحدث وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل عن مشكلة نظرية الأمن الإسرائيلي، التي تمتد من المغرب إلى أفغانستان، وكيف يمكن لإسرائيل أن تسعى للتدخل في أي تحولات أو إرهاصات في هذه المنطقة بحجة حماية نفسها، والتخوف الرئيسي، وبعد أن أطلقت إسرائيل رصاصة الرحمة على المجتمع الدولي، أن يصبح الحديث عن طوق جديد تابع لإسرائيل يحل مكان الطوق المناهض، أمرا تكتيكيا بعد أن انتهت مناقشته استراتيجيا مع الدول التي امتهنت المجتمع الدولي وحولته إلى مجرد مسرحية بائسة لخدمة مصالحها، الدول التي تهافتت على الوقوف أمام إسرائيل والتعاطف مع أزمتها، وتجاهلت محنة الفلسطينيين ومعاناتهم وتفاصيلها التراجيدية.

الفلسطينيون الذين جربوا الموت حرقا وتجمدا، لم يتمكنوا من تغيير مزاج بعض الدبلوماسيين الذين يجتمعون في أماكن شتى من العالم، ويكون تساؤلهم الرئيسي والمبدئي حول إسرائيل ومستقبلها وأمنها.

لا أحد يمكنه أن يتعرف على مدى الطموحات الإسرائيلية، والحل يتمثل في دعم الطوق القديم، بوضعه الراهن، قبل أن يتوسع ضغطه إلى أماكن لم تكن متخيلة أو واردة من قبل، أما التذرع بالمجتمع الدولي ومواقف الدول الكبرى، فهو أمر أثبتت إسرائيل أنه ليس سوى عبث وتضييع للوقت يمكنها من تثبيت الأمر الواقع لمصلحتها.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • في عام 2025.. ما الدول الخمس التي يفضّل الأمريكيون الإقامة فيها؟
  • طريق الإصلاح في العالم العربي
  • نائب بالشيوخ: الشائعات من أخطر التحديات التي تواجه استقرار الدول
  • تشييع جثمان المجتمع الدولي في غزة… وولادة إسرائيل الكبيرة!
  • عمرو أديب : كل الدول التي أرسلت مسؤولين لـ سوريا لها مصالح
  • مجلة أمريكية: هل سيبقى الحوثيون طويلا وما الذي ينبغي فعله في اليمن لتدميرهم؟ (ترجمة خاصة)
  • من المغرب إلى العراق.. أزمة شح المياه تتفاقم في العالم العربي
  • الجزائر تتولى رئاسة مجلس الأمن لمدة شهر.. أجندة فارغة و بهرجة إعلامية
  • تعرف على الدول التي تمتلك أقوى الطائرات بدون طيار في العالم: هذا ترتيب تركيا
  • بعد فوز السعودية باستضافة كأس العالم 2034.. انفوغرافيك يرصد الدول المحتضنة للبطولة منذ 1930