مصطفى الفقي والزعيم جمال عبد الناصر
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
في الوقت الذي يجب أن يُطرح فيه الموقف المصري من الحرب الصهيونية على غزة للنقاش، وماذا لو كان الزعيم جمال عبد الناصر حيًا؟ وكيف سيكون موقفُه من فتح معبر رفح الحدودي - النافذة الوحيدة للدخول إلى قطاع غزة؟ فاجأنا الكاتب مصطفى الفقي بإساءاته للزعيم من خلال برنامج «الصندوق الأسود»، الذي يقدّمه الإعلامي الكويتي عمار التقي، في توقيت مهم، تفتقد فيه الأمة العربية إلى الزعامة، وإلى من يوجّه بوصلتها، ويحتاج فيه الفلسطينيون إلى نصير.
في حواره كان الفقي كعادته يقدّم حواديت أقرب إلى التسلية، ولا ترقى إلى أن تصل إلى المعنى المراد من «الصندوق الأسود»؛ فقد وجّه سهامه لعبد الناصر في أكثر من جبهة، وهو ما حاول أن ينكره فيما بعد، قبل أن يعتذر عن ذلك في مقال كتبه لصحيفة «المصري اليوم» يوم الأربعاء 13 ديسمبر 2023.
في حواره قال الفقي: «عثرنا على مقبرة جماعية تعود إلى عهد عبد الناصر، وأنّ نظامه، كان يقمع الحريات، وكذلك كان يوجد غياب للديمقراطية أيضًا»، وهو كلامٌ سبق وأن طُرح كثيرًا وهو قابلٌ للنقاش، ولكن من ضحالة ما جاء في الحوار، قول الفقي: إنّ عبد الناصر كان يشرب في منزل الرئيس السادات، خاصة بعد هزيمة 1967. وردًا على سؤال المذيع عن نوع المشروب، قال الفقي: «يعني بيشرب أي مشروب متحبكهاش. يعني معظم الزعماء بيشربوا.. أنت تريد الصندوق الأسود، معظم الزعماء كانوا بيشربوا من ضغوط العمل، وللهروب من الظروف الصعبة».
أثار حديث الفقي جدلًا صاخبًا في مصر. وقال الصحفي والبرلماني مصطفى بكري: إنه استاء جدًا من الموضوع، وإنه اتصل به، فنفى ما نُسب إليه، وإنه ذكر في المقابلة أنه: «حصلت تجاوزات من بعض المسؤولين في مجال الحريات والسجون، ولكن عصر عبد الناصر هو عصر العدالة الاجتماعية، وتأميم قناة السويس، ومكانة مصر الدولية، والقومية العربية، واعتزاز المصري بكرامته»، وحسب بكري أيضًا، فإنّ الفقي نفى حكاية المقبرة الجماعية أسفل السجن الحربي، وقال: «لقد قيل إنه جرى اكتشاف عظام آدمية أسفل السجن ولم أنسبها لزمن عبد الناصر، بل السجن الحربي موجود في أزمنة الملكية التي سبقت الثورة».
ما قاله الفقي في «الصندوق الأسود» متوفر في «اليوتيوب»، وقد ثبت عليه ولا يمكن إنكاره؛ ولكن ما الداعي إلى قول شيء، ثم محاولة إنكاره والتراجع عنه بسبب الجدل المثار حوله؟
يرى البعض أنّ الفقي يريد أن يملأ الفراغ الذي تركه الراحل محمد حسنين هيكل في الساحة الإعلامية؛ لذا أصبح مدمنًا للظهور التلفزيوني، بحيث لا يكاد يمر أسبوع دون عدة مرات يتربع فيها على الشاشات، «وبالطبع هذا الظهور المكثف يستدعي دومًا أحاديث جديدة وحكاوى طازجة، تبرّر تعاقد القنوات معه، واستضافتها السخية له، وهو ما يؤدي إلى تطرقه لمعلومات وسرديات جديدة وصادمة، مثل حديثه عن تردد عبد الناصر على السادات وتناوله الشراب، في حين أنّ المعروف عن عبد الناصر عزوفه عن الشرب والمخدرات والنساء»، كما أشار إلى ذلك السفير فوزي العشماوي. وما أود قوله هنا: هو أنّ هناك فرقًا كبيرًا وبونًا شاسعًا، بين المعلومات التي كان قدّمها هيكل وبين حواديت الفقي.
ماذا قال مصطفى الفقي في مقاله بالمصري اليوم تحت عنوان «اعتذار واجب»؟ قال: «.. أنا أعترف أنّ لعبد الناصر انتصارات كبرى، إلى جانب مصاعب ومتاعب واجهها عبر مسيرته، إذ لا تخلو منها التطورات السياسية في أيّ بلد، ولقد كان الرجل نزيهًا وشريفًا وشامخًا بكلّ المعاني. ولذلك دُهشت كثيرًا عندما اتصلَت بي زميلتي الفاضلة د. هدى جمال عبد الناصر، عاتبةً على حديث جرى معي في برنامج تليفزيوني- ربما دون تركيز مني نتيجة الإرهاق، بسبب طول مدة الحديث- عن الواقع العربي في القرن الماضي، ولقد عاتبتني هدى عن بعض ما جاء في ذلك الحديث من معلومات غير صحيحة- ومعها كلّ الحق- وأنا أسجل هنا أنّ الحياة الشخصية لجمال عبد الناصر هي أنصع ما لديه». ويقول: «لقد احتوى الحديث- كما تم نشره- على معلومات افتقدت الكياسة والدقة ومسّت شخصية فريدة في تاريخنا المعاصر، ولذلك أبادر بالاعتذار كاملًا وواضحًا وصريحًا للدكتورة هدى ولشقيقها الراحل الذي أعتز بصداقته حتى الآن د. خالد جمال عبد الناصر». وجاء في مقال الاعتذار: «سوف أظل أشعر بالذنب لذلك الحديث الذي أُعدَّ دون فهم دقيق ووعي كامل لأهدافه وغاياته، وأرجو أن تتقبل أسرة الزعيم الراحل من واحد من أبنائها- غرّد خارج السرب- خطأ وتجاوزًا، وها هو يعود معتذرًا بكلّ صدق وشرف وإيمان؛ فلقد كان عبد الناصر لي ولجيلي، بل وللتاريخ القومي كله، نموذجًا يحتذى».
أتصور أنّ اعتذار الفقي يُحسب له، رغم أنّ الحديث عن شراب عبد الناصر، هو حديث سخيف، وهذا الاعتذار يجعلنا نتساءل عن أسباب سقوط النخب العربية، وما الذي يجعل البعض يلقون التهم جزافًا، ثم أمام الطوفان يعتذرون؟ فهذا ما فعله من قبل، عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية، عندما ذكر في كتابه الذي حمل عنوان «كتابيه»، أنّ عبد الناصر كان يستورد طعامًا خاصًا له من الخارج، وتحديدًا من سويسرا، لاهتمامه بنظام غذائي يؤدي لخفض الوزن، وأنه كان يرسل من وقت إلى آخر من يأتي له بأصناف معينة من الطعام الخاص بالريجيم من سويسرا، وهي المعلومة التي نفاها سامي شرف مدير مكتب الرئيس الراحل والمسؤول عن مشتريات عبد الناصر، قائلًا: «إنه لم يحدث ولو لمرة واحدة أن أمره عبد الناصر بشراء أطعمة من سويسرا، بل لم يكن يستورد دواءه من الخارج»، وتحدى عمرو موسى أن يثبت صحة ادعاءاته، فلم يكن أمامه إلا أن يتراجع عن كلامه، قائلًا في مقابلة مع قناة «إم بي سي مصر» إنّ عبد الناصر كان يستورد علاجًا طبيًا لمرض السكري الذي أصيب به، وكان الدواء عبارة عن وصفة غذائية طبية. وبرر ما نشره في كتابه أنه «لا عيب في أن يطلب الرئيس المريض بالسكر، طعامًا طبيًا لمعالجة المرض، خاصة أنّ هذا الطعام لم يكن متوافرًا في مصر وقتها».
لقد تعرّض عبد الناصر لحملات تشويه ممنهجة، من المخابرات الأمريكية والغربية والصهيونية، ومن أبواق الأنظمة العربية الرجعية، التي رأت في نزاهته الشخصية خطورةً عليها، وبدأت تلك الحملات في حياته، لكنها لم تصمد لأنها دون أساس، وليس أدل على ذلك من كلام د. علي الجريتلي أحد وزراء الاقتصاد المصري السابقين حين قال: «بعد موت عبد الناصر بسنة تقريبًا، كنتُ في مقابلة مع رئيس البنوك السويسرية، وإذا به يقول لي: إنّ المخابرات الأمريكية والإسرائيلية قد «أهلكتنا» شهورًا طويلة. حاولوا بأيّ طريقة العثور على أيّ حساب باسم جمال عبد الناصر، فلم يجدوا»، كما أنّ الأمريكان أنفسهم قالوا: «لم نجد للرجل زلة، لا نساء ولا حشيش ولا خمر». ولنا أن نتخيل ماذا لو كانت المخابرات الأمريكية والصهيونية وإعلام الأنظمة الرجعية، عندها معلومات مؤكدة وموثقة عن فساد ذمة عبد الناصر، ماذا كانوا سيفعلون؟!.
مهما يكن؛ سيبقى الزعيم جمال عبد الناصر أيقونةً للشرفاء؛ فرغم مرور ثلاثة وخمسين عامًا على رحيله، مازال له مناصرون ومؤيدون في كلّ مكان؛ ففي عهده أصبحت مصر قوة إقليمية، لعبت أدوارًا مهمةً في المنطقة، وكانت إسرائيل معزولة داخل حدودها؛ لكننا الآن نرى موجة التطبيع العربية مع الكيان، لدرجة أن يزور رئيس إسرائيل عاصمةً عربيةً، في وقت يقتل فيه جيشُه الأطفال في غزة، ثم أصبحنا نخسر كلّ يوم حليفًا للأمة العربية لصالح إسرائيل، مثل الصين والهند وغيرهما من الدول، ويأتي البعض ليتكلم عن أكل وشرب عبد الناصر!.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم في الشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جمال عبد الناصر الصندوق الأسود
إقرأ أيضاً:
أول من رفض زيارة القدس.. الكنيسة تحيي ذكرى رجل الصلاة «البابا كيرلس السادس»
تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم الأحد، الموافق الثلاثون من شهر أمشير القبطي، ذكرى رحيل "البابا كيرلس السادس" البطريرك الـ 116 من بطاركة الكنيسة الذي له معزة كبيرة في قلوب الجميع.
ويعتبر البابا كيرلس من أهم قديسي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والذي اشتهر بأنه “رجل الصلاة”، وله مكانة خاصة في نفوس الأقباط.
أهم المعلومات عن البابا كيرلس السادس :
ولد في 1902 باسم عازر يوسف عطا.وفي عام 1927 ، ذهب إلى دير براموس في وادي النطورن ، وبعد أن أمضى حوالي 9 أشهر تحت الاختبار، رسم راهب باسم الراهب مينا البراموسى 25 فبراير 1928 م.مكث في بدير البراموس لمدة 4 سنوات (1927-1930) ، وحضر مدرسة حلوان اللاهوتية لمدة سنة، حيث تم تزويده بالعديد من العلوم الكنسية اللاهوتية.رسم كاهنا في 1931-7-18 ورسم قميصا في 1945.وفي عام 1931 ، أصبح ناسكا في مغارة على بعد حوالي 3 كيلومترات شمال شرق دير البراموس واستمر في هذه المغارة لمدة 5 سنوات (1932-1936).واصل حياته التوحدية بإحدى طواحين الهواء الموجودة على تلال المقطم، واستمر بها 5 سنوات (1936-1941) انتقل بين الكنائس في المنطقة المصرية القديمة، وبنى كنيسة على اسم القديس مارمينا العجايبى في عام 1947، وبنى مسكنا للطلاب المغتربين بجوارها.وفي نهاية عام 1943 ، تم تعيينه رئيسا لدير الأنبا صموئيل المعترف بجبل القلمون في مغاغة واستمر كرئيس للدير حتى 1950.وبعد تطويب البابا 115 يوسف 2 (1956-11-13)، كان واحدا من المرشحين للبطريركية القمص مينا البراموسى المتوحد.وأجريت الانتخابات في 1959-4-17 لانتخاب 5 من أصل 3 مرشحين، وأسفرت الانتخابات عن فوز القمص مينا البراموسى المتوحد، من ضمن الثلاثة الفائزين أصل وعقد القرعة الهيكلية في 1959-4-19، وتم تطويبه كبطريرك في 1959-5-10: البابا كيرلس 6.رسمه البطريرك الأنبا باسيليوس من جاثليق لإثيوبيا في 1959-6-28، زار إثيوبيا 2 مرات، وأصبحت الكنيسة القبطية عضوا نشطا في المجمع المسكوني خلال فترة عهده، وقام بعمل الميرون المقدس 1967.البابا كيرلس وجمال عبد الناصر
وكانت للبابا كيرلس السادس علاقة صداقة قوية جمعته مع الرئيس جمال عبد الناصر، وتشهد عليها الصور المنتشرة بأرجاء المزار الخاص بالبطريرك الموجود بدير الشهيد مارمينا بكينج مريوط، وهذه الصور تسلط الضوء على لقاءات عديدة جمعتهما في الكثير من المناسبات، كما تخطت مواقفهما حدود التعاملات الرسمية بين رئيس دولة وبطريرك الكنيسة إلى الصداقة.
وكان جمال عبد الناصر له ابنة مريضة أحضر لها كبار الأطباء فقرروا أن مرضها ليس عضويًا، فدخل البابا مباشرة حجرة ابنة جمال عبد الناصر المريضة وقال لها مبتسمًا: "إنتي ولا عيانة ولا حاجة" واقترب منها وصلى لها ما يقرب من 15 دقيقة.
وتبرع أبناء عبد الناصر بمدخراتهم للبابا كيرلس لبناء الكاتدرائية الموجودة حاليًا فى العباسية.
ويذكر أيضًا أن البابا كيرلس السادس أول من رفض زيارة القدس، وأعلن ذلك فى أعقاب هزيمة ١٩٦٧ وبعد وقوع القدس فى يد الاحتلال الصهيونى، بعدما لاحظ عمليات تهويد واسعة بالمدينة، وظل الأمر كذلك حتى جاء عام ١٩٨٠ حين قرر المجمع المقدس للكنيسة القبطية، وهو أعلى سلطة فى الكنيسة، منع الأقباط من زيارة القدس، فى أعقاب الشقاق بين البابا شنودة والرئيس الراحل أنور السادات.
وفى 20 يونيو 2013 اجتمع المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، وتم الاعتراف بالبابا كيرلس السادس قديسًا من قديسى الكنيسة.