أنساغ: الأرض دوما سؤال متأخر
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
(1)
يأتون بآخر ما في وِسعهم من خير وإيمان: يجلبون الطِّين، والعصافير، والجدَّات إلى مستعمرة الجُذْم.
(2)
النَّوم مِنَّة الغطرسة.
(3)
الجبل الأكثر عزلة في العالم هو البيت الأكثر أمانا على الأرض.
(4)
لأن حذاءه ضاق، توجب على النَّاس أن يمشوا حفاة.
(5)
أهتم كثيرا بالتَّفاصيل الصغيرة (لكن، للأسف ولحسن الحظ، بعد ذلك).
(6)
يكتشف المرء أنه كان على صواب بعد فوات الأوان، وبعد أن يصدِّق الآخرون الخطأ الذي ارتكبوه.
يفوت الأوان على الجميع في توثيق المشهد، وفي توثيق الشَّهيد.
(7)
هذا ليس عشبا. هذه ليست صحراء. ذلك ليس سجنا. هذه ليست بئرا. هذا ليس ماء ولا جريمة: هذه يد روزا لكسمبورج وهي تطلع من النَّهر إلى النُّجوم التائهة والقصائد.
(8)
ردَّة فعلي إزاء فيلم «نابليون» (من إخراج رِدلي سكوت، الولايات المتحدة الأمريكية، 2023) هي الفتور، وذلك لأسباب لا علاقة لها بـ«شروط الفيلم التاريخي»، ولا بـ«عِلم جمال السينما»، ولا بالمشاعر الشعبويَّة التي اجتاحت الإنجليز والفرنسيين، وتبادل المناكفات التاريخيَّة، في إثر مشاهدة الفيلم الذي أريق حوله من حبر أكثر مما سال فيه من دماء.
طوال مدة العرض كنت أتفكر في أن الإنجليز نفوا نابلوين إلى جزيرة سينت هيلينا؛ أي نفس المكان الذي نفوا إليه ثلاثة من قادة هيئة الاتحاد الوطني البحريني في خمسينيات القرن الماضي: عبدالرحمن الباكر، وعبدالعزيز الشَّملان، وعبد علي العليوات.
لكن ليس هناك فيلم روائي طويل عن أولئك الذين من البحرين، بينما أشاهد فيلما عن ذلك الذي من فرنسا وأنا في مسقط.
ترى، متى سيكون هناك فيلم روائي طويل عن أولئك؟
(9)
بلادٌ عائليَّة حتى في تجلِّياتها النِّضاليَّة والفكريَّة القصوى (أنا لست عائليَّا، وسأحافظ على الغصن المقطوع من الغابة الكبيرة والتَّائهة).
(10)
أداري أيامي وأستر عيوبها (في حراسة أيام وليالي الأموات).
(11)
سيتجدد الفقد في موعدنا القادم أيضا («ليس هو أن تتعلم الإقبال، هو أن تتعلم الانصراف»، النِّفري).
(12)
لم تعد حياتك صالحة (وقابلة) لأن تكون كفَّارة عن أي أحد.
(13)
في الشِّعر، الطِّين ليس أكثر من مجرَّد احتمال في مدَّخرات النَّدم.
(14)
يقتلونك في السِّباق، يفوزون في الكمائن (أنتَ لا ترجو ولا تُرْتَجى).
(15)
أنتَ الخطيئة (ولا تنشد الغفران في آخر الليل أو عند قدمي الملاك).
(16)
مات في القصر (ويقولون: إنه لم يكن هناك أحد غيره في القصر).
(17)
الأقدام من خواطر الماء.
(18)
لا أحبكِ إلا في مزيد مما تمنحيني إيَّاه من نسيان.
(19)
أخيط الطريق في أوقات الفراغ.
(20)
ينبُتون في النَّفق، يتفصَّدون في الهواء، ولا أحد في وارد إنقاذ أي أحد. لا يستطيع أي أحد أن يحل في محل أي أحد (ولا أدري حقَّا كيف يتمكن الموت من تدبُّر أمره في ذلك؟).
(21)
في السِّجن كل شيء يمكن الانتفاع به، حتَّى الجدار، والخيانة، والوحشة (وفي حالة قاسم حدَّاد «الكتابة في الظَّلام»، أيضا).
(22)
سيكون صمتا كل هذا الماء.
(23)
ليس هناك ما ينبغي البكاء عليه (إن شئتم، لا تكملوا الفتنة، ولا تحثّوا بقيَّة القبور).
(24)
أمضي بالليل في الليل (قال هذا الكلام شخص غيري، وغيركِ).
(25)
لا أتجنَّب الغرباء قبل أن يصيروا أصدقاء.
(26)
تلك الأرض التي لم يعد لها أعضاء، مثل غزَّة، لا تكفي لأي لوحة.
(27)
يهيلون علينا الكلام، ولا يدفنون أنفسهم (وهذا صار من شِيَم الثوريِّين في هذا الزمان وراهن العصر والأوان).
(28)
أيها الضَّرير الذي غاب عن صباحاتنا وأمواجنا: من فضلك، لماذا تركت سراجا نصف مشتعل، في عريش نصف مظلم، في مجز الصُّغرى التي لم تعد تُعْتِمُ ولا تستطيع أن تضيء؟
(29)
الضوء نجمة انتحرت (والكلام بسيط كما يبدو).
(30)
وجهكَ غريب في الميناء، وفي الأعراس.
(31)
حتَّى الموت سيكون على حسابك (الانتحار سيفضي إلى أشجان وفواتير أخرى).
(32)
يستطيبونك في المآتم. يتلمَّظونك في الأعراس. يضعونك في السِّلال. يطلقون النَّار على الطَّحالب.
(33)
يصير الموت عادة (مثل بقيَّة العادات اليوميَّة من قبيل الشَّهيق، والضِّحك والبكاء، والزَّفير، والتَّذكُّر).
لا، لا ينبغي أن يصبح الموت عادة.
(34)
اخشع يا هواء الليل. لا تتواضع يا هواء الليل.
(35)
كل تلك السنوات كانت تدريبا قاسيا ومنضبطا على هذه السنوات (وهو تدريب ظالم، وغير كفء، وليس فعَّالا إلا في قياس سنوات أخرى).
(36)
ليست الكتابة من حق الجميع، ولا القراءة من واجب الجميع.
(37)
يتكاثر المنفى في المصافحة.
(38)
لا تنظر إليهم إلا بظهرك.
(39)
يتفاءلون كأنهم المثانة.
(40)
الدِّفء مجرَّد تلقين (الحَطَبُ يغفو حين يهرع، ويهرع حين ينام).
(41)
استباقا للطوفان، وضعوا الأرض في السَّفينة، وقتلوا النَّجار.
(42)
العصافير تصمت، والنِّيران تصمت.
(43)
يقول لي (وهو لا ينوي الادِّعاء بصورة متعمَّدة): أنا لا أخاف الموت. أقول له (وأنا لا أقصد تصويب أي خطأ): «كل من يطرح مشكلة الموت بشكلٍ جاد لن يستطيع أن ينجو من الخوف» (إميل سيوران، «على مرتفعات اليأس»).
وفي أية حال، قد يكون سيوران هو «الإنسان/ الكاتب» الوحيد الذي يحقُّ له استعمال كلمة «الكائن» على الرغم من/ بسبب ندرة استخدامه لها في كتاباته التي لا يمكن وصفها بسوى الكينونيَّة.
(44)
النَّصر، في بعض حالاته القصوى، لا يعني عدم الخسارة، بل توكيدها الأكثر رفعة.
(45)
منذ التُّفاحة ونحن نعيش على الأرض ونحار بها. الأرض دوما سؤالٌ متأخر.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
عباس ابراهيم هنأ بالميلاد: عسى أن يرفع الله عنا ظلمات هذا الليل
كتب اللواء عباس ابراهيم عبر حساباته على مواقع التواصل الاحتماعي، معايدا بالميلاد المجيد: "إنه الميلاد، منه نستلهم معاني السلام والنور والمحبة. نتوجه منه إلى الله عسى أن يرفع عنا ظلمات هذا الليل الذي طالت عتمته. للبنانيين جميعا والمسيحيين خصوصا، أعيادًا مجيدة بولادة المخلص".