طوفان الأقصى.. حقائق الواقع وسيناريوهات المستقبل
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
الحلقة الأولى- ساعة الصفر:
* كيف استطاعت المقاومة اختراق الجدار العازل بين قطاع غزة والمستوطنات الإسرائيلية؟
* ثلاثة أهداف حددتها المقاومة قبل انطلاق العملية
* السرية والتدريب والإيمان كانت وراء نجاح العملية وصدمة إسرائيل
مقدمة:
ابتداءً من هذا العدد تنشر "الأسبوع" حلقات مهمة تحمل عنوان «طوفان الأقصى.. حقائق الواقع وسيناريوهات المستقبل» للكاتب الصحفي مصطفى بكري - رئيس تحرير الأسبوع- يتناول فيها تطورات الأوضاع في قطاع غزة منذ انطلاق عملية الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي مرورًا بالعدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة التي تشن ضد أهلنا في غزة، والسيناريوهات المطروحة في الوقت الراهن.
وفي الحلقة الأولى يتناول الكاتب عملية الأقصى: كيف جرت، وكيف استطاعت المقاومة التكتم على هذه العملية الخطيرة ومفاجأة العدو واختراق سياج غزة والحدود الفاصلة بين القطاع والمستوطنات.
كان القرار قد اتخذ، مجموعة محدودة تلك التي كانت تعلم بالموعد المحدد على رأسهم يحيى السنوار رئيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس» بالداخل، ومحد الضيف القائد العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسام. كانت التدريبات قد اكتملت، مجموعات صغيرة جرى تشكيلها في إطار تسلسل قيادي، حفاظًا على سرية العملية وغيرها من العمليات الأخرى. الآن اكتمل كل شيء، الأسلحة والمعدات الطائرات الشراعية، وآليات الهجوم البحري، عناصر التحرك على الأرض تعرف الطريق الذي حددته كتائب القسام جيدًا. لم تكن الخطة مفاجئة، لكنها كانت صادمة لقادة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
لقد نشرت «النيويورك تايمز» الأمريكية في عددها الصادر في 30 من نوفمبر 2023 تفاصيل الخطة التي سبق أن تسرب بعض تفاصيلها منذ فترة من الوقت. قالت: إن مسئولين عسكريين واستخباراتيين إسرائيليين وصفوا الخطة السرية بأنها خيالية، ومن الصعب تنفيذها.
كانت الصحيفة قد أطلعت على وثيقة من (40 صفحة) أطلقت عليها السلطات الإسرائيلية «جدار أريحا» قد ذكرت بالتفصيل وخطوة تلو الأخرى عناصر الغزو «المدمر» الذي شنته حركة حماس ضد إسرائيل والذي أدى إلى مقتل وإصابة المئات.
صحيح أن الوثيقة لم تحدد موعد الهجوم، لكنها وصفت بالتفصيل خطوات القيام بهجوم منهجي بهدف التغلب على التحصينات الإسرائيلية حول غلاف قطاع غزة، والاستيلاء على مدن وبلدات إسرائيلية واقتحام القواعد العسكرية الإسرائيلية بما في ذلك فرقة غزة (الإسرائيلية).
وتضمنت الخطة المسربة سيناريو الأحداث التي تبدأ بإطلاق وابل من الصواريخ في بداية الهجوم، واستخدام طائرات بدون طيار لتحييد الكاميرات الأمنية والمدافع الرشاشة الآلية على طول الحدود، ثم تشجيع تدفق المسلحين لدخول «إسرائيل» واقتحام الحدود بشكل جماعي في طائرات شراعية وعلى دراجات نارية وسيرًا على الأقدام، وهو ما حدث في السابع من أكتوبر. وتضمنت الخطة أيضًا تفاصيل حول مواقع القوات العسكرية الإسرائيلية وحجمها ومراكز الاتصالات وغيرها من المعلومات الحساسة، مما أثار تساؤلات يومها حول كيفية جمع حماس لمعلوماتها الاستخباراتية، وما إذا كانت هناك تسريبات من داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
في هذا الوقت تم تداول الوثيقة على نطاق واسع من القادة العسكريين الاستخباراتيين الإسرائيليين، لكن الخبراء رأوا أن هجومًا بهذا الشكل يتجاوز قدرات حماس.
في يوليو من العام 2023، أي قبل عملية طوفان الأقصى بثلاثة أشهر حذر محلل عسكري كبير ينتمي للوحدة العسكرية (8200) التي هاجمتها المقاومة، وهي وكالة استخبارات إسرائيلية إليكترونية من أن حماس أجرت تدريبات مكثفة لمدة يوم يواحد بدت مشابهة لما تم تحديده في المخطط، لكن ضابطا برتبة عقيد - كما تقول الصحيفة - قلل من مخاوف الوحدة (8200)(1). قبيل العملية بفترة وجيزة، كانت حماس تحاول خداع الطرف الآخر، اختارت الموعد بعناية، أعياد يهودية، وبعد يوم واحد من الذكرى الخمسين لانتصار أكتوبر 73.
لم تكن الخطة معروفة للرجال الذين سينفذونها، صدرت التعليمات لقادة الكتائب والخلايا العنقودية بالتجمع في المساجد وغيرها في وقت مبكر من فجر السابع من أكتوبر 2023.
في السادسة والنصف من صباح اليوم ذاته (السبت) تم توزيع ذخيرة إضافية وأسلحة أكثر قوة ودقة على الرجال المجتمعين لإطلاعهم على بقية تفاصيل الخطة.
كان المقاتلون قد تلقوا تدريبات عديدة على هذه الأسلحة، ثم أعادوها مجددًا إلى ترسانة الأسلحة التي تمتلكها حماس في نهاية التدريبات التي كانوا يتلقونها بشكل مكثف خلال الآونة الأخيرة.
لقد حملوا في هذا اليوم قنابل يدوية مضادة للآليات العسكرية وقذائف صاروخية ورشاشات ثقيلة وبنادق قنص وكميات هائلة من المتفجرات. في السادسة صباحًا صدرت الأوامر النهائية، جرى تنفيذ المهام المحددة سلفًا، كافة المقاتلين ومعهم المتخصصون انطلقوا في السادسة والنصف من صباح اليوم المحدد، عبر الفجوات التي تم تحديدها، وسيتم تفجيرها أو تحطيمها عبر السياج المحيط بغزة والذي تكلف حوالي مليار دولار، ثم يقومون بمهاجمة النقاط العسكرية والاستيطانية التي جرى الاتفاق عليها على الجانب الآخر.
لقد تم توزيع المهام بإعطاء كل وحدة من الوحدات هدفًا منفصلًا، قاعدة عسكرية أو كيتوبر أو طريقا أو بلدة، حيث كانت التعليمات مصحوبة، في كثير من الأحيان، بخرائط توضح تفاصيل الدفاعات والمواقع الرئيسية داخل الأهداف المحددة سلفًا.
كانت حماس قد استقت معلوماتها الرئيسية من المتعاطفين مع العاملين الفلسطينيين داخل «إسرائيل». لقد حرصت قيادة الكتائب على تمرير التعليمات شفهيًا إلى الآلاف من مقاتلي الحركة المنتشرين بين سكان غزة والبالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. وكانت التعليمات الشفهية هي الإجراء المأمون لخداع أحد أقوى أنظمة المراقبة في العالم، وإخفاء أي خبر عن الخطة عن عيون شبكة من الجواسيس زرعتها إسرائيل منذ سنوات طويلة في غزة.
وقد انتشرت التعليمات الصادرة من محمد الضيف (أبو خالد) في جميع أنحاء غزة، بشكل متسلسل، حيث أبلغت التعليمات أولًا لقادة الكتائب حيث الكتيبة مكونة من «مائة مقاتل» أو أكثر، ثم لقادة الفصائل المكونة من 20-30 مقاتلا للفصيلة الواحدة، والذين أخبروا بدورهم قادة الفرق حيث الفرقة مكونة من عشرة مقاتلين على الأقل، وهم الذين أوصلوا الرسالة إلى البقية. حيث تقدر المصادر عدد الذين دخلوا إلى السياج الإسرائيلي بحوالي 3 آلاف شخص تنتمي غالبيتهم إلى كتائب القسام، وبعضهم ينتمي إلى سرايا القدس (الذراع العسكرية للجهاد الإسلامي). لم يتم إبلاغ هذا الفصيل مسبقًا، ولكنه انضم في أعقاب علمه بالعملية (2).
ومع بدء العملية تدفق المدنيون من غزة، وعبروا من خلال الفجوات الموجودة في الجدار العازل وسط فوضى عارمة، حيث اصطحبوا معهم أعدادًا من الأسرى للمقايضة بهم للإفراج عن ذويهم من المعتقلين في السجون الإسرائيلية.
كان يحيى السنوار (أبو إبراهيم) الذي يبلغ من العمر 61 عامًا يدير خلية الأزمة، جنبًا إلى جنب مع محمد الضيف. والسنوار هو مؤسس في حركة «حماس»، قضى 23 عامًا في السجون الإسرائيلية لقتله جنودًا إسرائيليين، وذلك قبل إطلاق سراحه ضمن أكثر من ألف أسير تم تبادلهم عام 2011 في صفقة «جلعاد شاليط» الجندي الإسرائيلي الذي أسرته حماس قبل ذلك بنحو خمس سنوات.
أما محمد دياب إبراهيم المصري المعروف باسم «محمد الضيف» فهو القائد العام لكتائب عز الدين القسام، وهو أحد المطلوبين للكيان الصهيوني منذ عام 1995. وهو من مواليد 12 من أغسطس 1965. وقد فشلت قوات جيش الاحتلال في اغتياله سبع مرات سابقة، وهو عضو بارز في حركة حماس منذ عام 1987، وقد قتلت إسرائيل زوجته وداد عصفور واثنين من أطفاله أثناء محاولة اغتياله عام 2014 بعد أن تم تدمير منزله، وهو يلقب بالرجل الشبح.
طوفان الأقصىأهداف العملية:كانت أهداف العملية، كما وضعتها كتائب القسام، تنحصر في ثلاثة أهداف:
- اقتحام مقر جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «شين بيت» والحصول على كافة المعلومات الخاصة بالعمليات الأمنية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وليس في قطاع غزة فقط، وأيضًا اعتقال ضباط من العاملين في المقر والحصول على أجهزة الكمبيوتر وخوادمها التي تحتوي على تفاصيل دقيقة وبيانات عن العملاء الفلسطينيين وغيرهم من الذين يعملون لصالح الجهاز، وهو ما تحقق بالفعل.
- اقتحام مقر وحدة التجسس الإقليمي الإسرائيلية المعروفة بالوحدة رقم (8200) بكافة المعلومات والأسماء التي تهم إسرائيل في هذه الدولة، خصوصًا البرنامج النووي الإيراني. وقد نجحت كتائب القسام التي قامت بالعمل على الحصول على كافة أجهزة الكمبيوتر وخوادمها والملفات التي تحتفظ بها الوحدة.
- اقتحام قاعدة «بيت سليم» العسكرية التي توجد فيها قيادة المنطقة الجنوبية التي تشرف على العمليات في النقب والحدود مع مصر ومنطقة البحر الأحمر، والحصول على كافة المعلومات الممكنة، وأسر عدد من القيادات في مقر القيادة، حيث تم تنفيذ العملية بنجاح كامل.
انطلاق العملية:في السادسة والنصف من صباح السابع من أكتور 2023 سمعت صفارات الإنذار وهي تدوي في العديد من المستوطنات الإسرائيلية، وتحديدًا المجاورة لغلاف غزة. تدفق المقاتلون الفلسطينيون من البر والبحر والجو. اجتازوا الحدود الإلكترونية والأسوار الحديدية وعطلوا أجهزة المراقبة والرشاشات الآلية بيسر وسهولة. كانت آلاف الصواريخ قد انطلقت صوب مختلف المستوطنات الإسرائيلية من «ديمونا» في الجنوب إلى «هود هشارون» في الشمال إلى القدس في الشرق.
كانت السيارات رباعية الدفع والدراجات النارية والطائرات الشراعية وغيرها تتوجه للمستوطنات والبلدات والقواعد العسكرية المتاخمة للقطاع والتي تعرف باسم غلاف غزة، حيث سيطروا على عدد من المواقع العسكرية خاصة في «سيدروت»، ووصلوا إلى مستوطنة «أوفاكيم» واقتحموا «نتيفوت» وخاضوا اشتباكات عنيفة في العديد من المستوطنات المتاخمة، حيث أسروا العديد من الضباط والجنود وبعض المستوطنين للمقايضة بهم في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
كانت أصوات الصواريخ والرصاص تدوي في العديد من المستوطنات والقواعد العسكرية، إلا أن جيش الاحتلال كان غائبًا عن الوعي في هذا اليوم، حيث كانت الخمور والاحتفالات بمناسبة الأعياد اليهودية حتى وقت مبكر من صباح السبت 7 من أكتوبر.
كانت إسرائيل تعتقد أن حاجزها الأمني الذي يتميز بتقنية عالية، والذي يفصل أراضيها عن قطاع غزة، غير قابل للاختراق، فهو مجهز بالأسلاك الشائكة والكاميرات وأجهزة الاستشعار، ومحصن بقاعدة خرسانية ضد الأنفاق والمدافع الرشاشة التي يجري التحكم فيها عن بعد.
كانت الجرافات التي استخدمها المقاتلون قد اخترقت السياج المزدوج الذي يبلغ ارتفاعه ستة أمتار، حيث تدفق في البداية نحو 1500 مقاتل على متن شاحنات صغيرة ودراجات نارية عبر السياج ثم تبعهم آخرون باستخدام طائرات شراعية وزوارق سريعة.
كان الحدث صادمًا للكثير من القادة والجنود والمستوطنين. لقد وصفوا الهجوم بأنه «الأسوأ» في تاريخ إسرائيل الممتد لـ 75 عامًا. وقال الجنرال المتقاعد «ياكوف عميد رور» مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق: إنه «فشل كبير لأنظمة المخابرات والجهاز العسكري الإسرائيلي في الجنوب». وفي شهادة نشرت على موقع «إنستغرام» قالت جندية مراقبة: «إن الهجوم الذي وقع في ساعات الصباح الباكر لم يكن من الممكن أن أتخيله في أسوأ كوابيسي». وأضافت: «لم أعتقد قط أنني سأرى شيئا كهذا خلال المراقبة. لقد بذلت قصارى جهدي حتى أصاب قناص نظام المراقبة، وعبرت عن صدمتها بالقول: لقد فاجأونا ولم نكن مستعدين لذلك. لم تكن هناك أية معلومات استخباراتية على الإطلاق".
كانت قوات المقاومة قد تمددت في العديد من المواقع العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية، ومع حلول الثامنة من صباح 7 من أكتوبر ألقى محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام بيانا عبر وسائل الإعلام أعلن فيه عن بدء عملية عسكرية أطلق عليها اسم «طوفان الأقصى» حيث أكد: أن الضربة الأولى استهدفت مواقع العدو ومطاراته ومواقعه العسكرية، حيث تجاوزت خمسة آلاف صاروخ. وتحدث الضيف عن أسباب انطلاق العملية العسكرية قائلًا: إن هذه العملية جاءت لوضع حد للانتهاكات العسكرية وتدنيس الإسرائيليين للمسجد الأقصى وتجرئهم على مسرى الرسول (صلى الله عليه وسلم). مشددًا على أنه بدءًا من يوم السابع من أكتوبر ينتهي التنسيق الأمني مع الاحتلال. ومؤكدًا أن الشعب الفلسطيني سيستعيد بدءًا من اليوم أيضًا ثورته ويعود لمشروع إقامة الدولة حيث طالب بوحدة كل القوى العربية والإسلامية لكنس الاحتلال، كما طالب كل من يملك بندقية بإخراجها، فقد آن أوانها. واختتم بيانه بمطالبة الجميع بمتابعة التوجيهات والتعليمات عبر البيانات العسكرية المتتابعة.
وبعد هذا البيان الذي أحدث ردود فعل عديدة في كافة الأوساط، بدأ فلسطينيون من داخل قطاع غزة ينشرون ويبثون أخبارًا ومقاطع فيديو تصور دبابات محترقة وجنودًا قتلى ومستوطنين أسرى. ومع انطلاق المعارك داخل مستوطنة «سيدروت» نجحت عناصر المقاومة في اقتحام مقر الشرطة داخل المدينة، حيث أجهزت على كامل عناصره، وانتشرت صور تظهر جنودًا في جيش الاحتلال الإسرائيلي وهم مستلقون على الأرض وهم شبه عراة بينما يقف مقاتل فلسطيني مسلح فوق رؤوسهم.
وفي العاشرة صباحًا بدأت معركة «رعيم»، وكان الهدف من هذه المعركة هو الاستيلاء على القاعدة العسكرية، وهو ما تحقق بنجاح، حيث اقتحم المقاومون القاعدة، ثم خاضوا اشتباكات مع كل من تواجد فيها، حيث سقطوا ما بين قتيل وجريح وأسير. وكان على رأس القتلى العقيد الإسرائيلي «روى ليفي» الذي كان مسئولًا عن قيادة وحدة «رفائيم»، فضلًا عن مقتل المقدم سحر مخلوف قائد كتيبة الاتصالات الإسرائيلية (481). وبعد عدة ساعات انسحبت قوات المقاومة من هذه القاعدة وعادت إلى القطاع مع عدد من الأسرى والغنائم. في هذا الوقت أدلى صالح العاروري نائب رئيس حركة «حماس» ببيان على فضائية الأقصى الناطقة بلسان حماس قال فيه: إن معركة طوفان الأقصى جاءت ردًا على جرائم الاحتلال وإن المجاهدين في القطاع بدأوا عملية واسعة بهدف الدفاع عن المسجد الأقصى وتحرير الأسرى.
وطالب العاروري الأمتين العربية والإسلامية المشاركة في المعركة، كما طالب عناصر المقاومة في الضفة الغربية بالمشاركة أيضًا. أما السيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج فقد أصدر بيانًا صحفيًا أعلن فيه أن «طوفان الأقصى بدأ من غزة وسيمتد للضفة والخارج وكل مكان يتواجد فيه شعبنا وأمتنا». مؤكدًا أن «المقاومة تخوض في هذه اللحظات التاريخية ملحمة بطولية عنوانها «الأقصى ومقدساتنا وأسرانا».
كانت كتائب القسام قد نشرت صورًا أولية لقوات النخبة التي تنتمي إليها وهي داخل المستوطنات الإسرائيلية حيث أظهرت بعض المقاطع حصار المقاومة لجنود الاحتلال داخل قاعدة عسكرية تقع على مشارف القطاع، كما نشر لحظات الاقتحام الأولى والاستيلاء على معبر كرم أبو سالم شرق رفح وقتل للجنود الإسرائيليين في المواقع وغيره من المواقع، وقد علق «أبو عبيدة» الناطق الرسمي باسم كتائب القسام على العملية قائلًا: إن الذراع العسكري لحركة حماس يقوم بعملية دفاع عن الشعب والأرض والمقدسات، محملًا الاحتلال كامل المسئولية عن تبعات جرائمه بحق المسجد الأقصى ووقف مخططات الاحتلال الرامية إلى تهويده وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاض قبلة المسلمين الأولى، فضلًا عن تحرير الأسرى من السجون، كما أكد أبو حمزة الناطق باسم سرايا القدس أن التنظيم يملك العديد من الجنود الصهاينة والذين هم أسرى بين يدي التنظيم.
ومع استمرار تدفق البيانات العسكرية كان رجال المقاومة يتوغلون داخل المستوطنات الإسرائيلية، حيث خاضوا اشتباكات عديدة مع جنود الاحتلال. كما عاودت كتائب القسام إطلاق صواريخها من غزة ضد العديد من المنشآت الإسرائيلية تعرض خلالها 60 موقعًا للقصف.
طوفان الأقصىإسرائيل تعترف:في هذا الوقت اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن حركة حماس بدأت عملية مزدوجة شملت تسلل مسلحين إلى داخل «إسرائيل» وإطلاق قذائف صاروخية ضد العديد من المواقع، حيث أعلن رفع حالة التأهب وتوعد بأن تدفع حماس الثمن.
وكان «إيثمار بن غفير» وزير الأمن القومي الإسرائيلي قد أعلن حالة الطوارئ المدنية في إسرائيل ابتداءً من مساء السبب 7 من أكتوبر في ضوء العملية العسكرية التي تقوم بها حماس والفصائل الأخرى. وفي هذا الوقت أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال «أفيخاي أدرعي» إطلاق عملية «السيوف الحديدية» ضد حركة حماس في قطاع غزة ردًا على الهجوم.
أما الرئيس الإسرائيلي فقد نقل عنه أنه قال: «إن إسرائيل تواجه ساعات صعبة» داعيًا الجميع إلى الانصياع لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية وإظهار الدعم المتبادل والبقاء صامدين.
وقد أعلن وزير الجيش الإسرائيلي «يوآف غالانت» في أعقاب عملية «طوفان الأقصى» أن حماس ارتكبت خطأً فادحًا من خلال الهجوم الذي نفذته اليوم داخل مدن وبلدات إسرائيلية. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن "غالانت" قوله في ختام جلسة تقييم الوضع الأمني بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: «إن حماس بدأت الحرب ضد دولة إسرائيل، وإن جنود الجيش الإسرائيلي يقاتلون في كل نقاط الاختراق، مشيرًا إلى أن دولة إسرائيل ستنتصر في هذه الحرب (3).
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي فقد قال: إن حركة حماس ستدفع ثمنا باهظًا لهجومها على إسرائيل صباحًا. وقال في رسالة تليفزيونية مسجلة من مقره العسكري في تل أبيب: «إسرائيل في حالة حرب، وليس مجرد تحرك أو عملية عسكرية، مشيرًا إلى أنه أمر الجيش بتطهير المواقع التي دخلها مقاتلو حماس في البلدات والمدن الإسرائيلية.
في هذا الوقت أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي بيانًا أكد فيه أن قائد لواء «ناحال» للقوات الإسرائيلية الخاصة قتل في نفس اليوم (السبت) مع أحد المسلحين قرب معبر كرم أبو سالم الذي يفصل بين قطاع غزة و«إسرائيل».
وبالرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها شن هجمات على إسرائيل، فإن عملية طوفان الأقصى كانت غير مسبوقة من حيث قوتها وسريتها، حيث استمر المحللون العسكريون في وصف أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بالفشل الكبير إزاء التعامل مع هذا الحدث.
وذكرت شبكة (سي إن إن) الأمريكية: أنه قد مر أكثر من 17 عامًا منذ المرة الأخيرة التي تم فيها أسر جندي إسرائيلي في هجوم على إسرائيل، وهو الجندي «جلعاد شاليط» الذي جرى عقد صفقة للإفراج عنه مقابل ألف أسير فلسطيني، كما أن إسرائيل لم تشهد هذا النوع من التسلل إلى القواعد العسكرية والبلدات منذ حرب 1948، حيث قال: «جوناثان كونريكوس» المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي: لقد فشل النظام بأكمله، فمن الواضح أن البنية الدفاعية بأكملها فشلت في وقف الهجمات وتوفير الدفاع اللازم للمدنيين الإسرائيليين. وقال: «إن ما حدث يشبه الهجوم على «بيرل هاربر» حيث سيتغير كل شيء بالنسبة لإسرائيل بعد هذا الهجوم الأخير.
وقد تهرب قادة الجيش الإسرائيلي مرارًا وتكرارًا من الأسئلة حول ما إذا كانت أحداث السبت تشكل «فشلًا استخباراتيًا». وقد حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق «نفتالي بينيت» تبرير ما جرى بقوله: «في التاريخ العسكري هناك دائمًا مفاجآت كبيرة مثل «بيرل هاربر»، وحرب أكتوبر. في نهاية المطاف لا يمكن للاستخبارات أن تصل إلى أبعد مما وصلت إليه!!
غير أن المحللين الاستخباراتيين يشككون في قدرات الاستخبارات الإسرائيلية التي اكتسبت سمعة كبيرة على مر العقود بسبب سلسلة من العمليات والإنجازات التي حققتها ومنها إحباط مخططات في الضفة الغربية ومطاردة نشطاء حماس في دبي وقتل علماء نووين إيرانيين في قلب طهران وغيرها، ولكن عملية «طوفان الأقصى» ألقت بالشك على قدرات هذه الأجهزة، حيث يقول «ياكوف أميدرور» مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: «إن ما حدث يمثل فشلًا كبيرًا، وإن هذه العملية تثبت فعليًا أن القدرات الاستخباراتية في غزة لم تكن جيدة»(4).
وفي الاجتماع الأمني الذي عقد على الفور بقيادة نتنياهو حددت الحكومة الإسرائيلية أهدافها العاجلة على الوجه التالي:
- استرداد زمام المبادرة وبسرعة بعد تقييم الوضع الميداني.
- استرداد المستوطنات التي توجد فيها عناصر من حماس، مع السعي الحثيث لعدم السماح للعناصر الفلسطينية بالانسحاب مع أسرى من العسكريين أو المدنيين.
- العمل على استرداد صورة الردع وبسرعة، بعد أن تبين هشاشة الأمن القومي الإسرائيلي الداخلي (5).
الهوامش:(1) نيويورك تايمز: 30/11/2023.
(2) الجارديان البريطانية: 8/11/2023.
(3) يديعوت أحرونوت: 7/10/2023.
(4) جريدة الشرق الأوسط - لندن: 9/10/2023.
(5) صحيفة الشرق الأوسط: 7/10/2023.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فلسطين مصطفى بكري غزة قضية فلسطين الكاتب الصحفي مصطفى بكري العدوان على غزة طوفان الأقصى جیش الاحتلال الإسرائیلی المستوطنات الإسرائیلیة السابع من أکتوبر طوفان الأقصى الأمن القومی رئیس الوزراء کتائب القسام الإسرائیلی ا فی هذا الوقت فی العدید من فی السادسة من المواقع محمد الضیف حرکة حماس قطاع غزة حماس فی من صباح لم تکن جنود ا ا کانت صباح ا
إقرأ أيضاً:
يحيى السِّنوار (أبو إبراهيم) .. نور الوعد واليقين
بعد مسيرة حافلة بالصبر واليقين، وما بين الأسر إلى الشهادة، خطّ يحيى السنوار (أبو إبراهيم) (رضوان الله عليه) بحبره وعرقه ودموعه ودمه سفر خلود له ولشعبه ولقضيّته المقدّسة، وقد أقامه الله في مقام الصدق الذي عرفه الناس حقّ المعرفة ورأوه رأي العين في مشهد الخاتمة التي أكرمه الله بها، ليكون حجّة بالغة للسائرين على ذات الطريق، ولأولئك المرجفين الذين استهواهم الشيطان واستحوذ عليهم، والذين أساءوا الظنّ في مسيرة المقاومة، وفي رجالها الصادقين..
في فلسطين يزرع الناس الزيتون كما يزرعون الشهداء، فينموان معاً، ومن عصيرهما تستقي الحياة نورها وبهاءها، وتنشر الزهور ضوعة طيوبها، وتملأ السكينة القلوب، ويصنع التاريخ، ومنذ أن غرس الغرب مشروعه المشؤوم في هذه الأرض يريد تسميمها وتفكيك تربتها ونهب ثروتها، وتزييف تاريخها وجغرافيتها، واحتلال وعيها، والاستحواذ عليها، كانت فلسطين بمثابة رأس الجسر في هذا المشروع، وألف أبجديته، ونقطته المركزية التي يتمحور عليها، وفي معركة “البصيرة” التي انطمست لدى الكثيرين، عُمّيت حقيقة هذا المشروع الشيطاني، وسقط الكثيرون في شراكه التي نصبت بإتقان، وعلى مدى قرون من الزمن وليس عقود، وتعدّدت الاجتهادات في توصيف ما جرى ويجري، واختلف الناس وتناقضوا في تشخيص المعيار الذي بموجبه يحكم على الأشياء صلاحاً وفساداً، نفعاً وضرّاً، وهذا التناقض كان جزءاً من المشروع ذاته، وأداة من أدواته، ينفذ من خلاله في عمق خلايا الأمة ليدمّر نسيجها ويحرف وظيفتها، ويقودها إلى حيث يريد، وإلى حيث مصالحه وحده لا شريك له..
في هذه المعركة الوجودية التي فرضت على فلسطين والأمة، برز رجال محّصهم الله في مختبرات الفتنة، وابتلاءات الحوادث، فتخرجوا من هذه المدرسة الإلهية بدرجة الفلاح والصدق، واستحقّوا مقاماً رفيعاً في قلوب العباد، وفي دروب الجهاد، وفي سيرة البلاد، ومن هؤلاء الرجال كان يحيى السِّنوار (أبو إبراهيم)، الذي ختم مشواره الجهادي بملحمة “طوفان الأقصى”، هذه الملحمة التي ترقى إلى ملاحم التاريخ الكُبرى التي فرقت العالم إلى ما قبلها وما بعدها، فعالم ما بعد “طوفان الأقصى” لن يكون كعالم ما قبل “طوفان الأقصى”، وكل المحاولات التي تجري لاستيعاب هذه المرحلة واحتوائها لصالح المشروع الصهيوني لن تتمكّن من تغييب هذه الحقيقة، ولا من إعادة عقارب زمن وعصر المقاومة إلى ما قبل “طوفان الأقصى”، فالطوفان الذي يقف على رأسه أبو إبراهيم الشهيد وقادة محور الجهاد والمقاومة وفي طليعتهم سيد شهداء طريق القدس السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) انطلق، ولن يتوقف.. نعم قد يتعرّج صعوداً وهبوطاً، وستوضع في طريقه السدود والحواجز، وسيُتآمر عليه باسم الحرص على الشعب الفلسطيني، وسيُحاصر بإشاعات من المخلّفين، والمعوّقين، واليائسين، وستستنفر ضدّه كل أدوات الصهيونية العالمية بعناوينها الأعجمية والعربية، وسيقال فيه ما لم يقل في الشيطان الرجيم، وستجمع الأبواق للنفخ لإطفاء نوره، ولكن هيهات لأنّ سفينته المحمولة على دماء الشهداء ستعبر به كل هذا اليباب والتصحّر الذي تعيشه الأمة، وهو ماضٍ ليستوي على جودي الحق الذي جاء ولن يتوقف حتى يزهق الباطل بإذن الله..
وعندها سيذكر القوم أنّ رجلاً اسمه يحيى كان صاحب هذا الطوفان، كما كان صلاح الدين صاحب حطين وكما كان سيف الدين قطز صاحب عين جالوت، وسيذكر القوم أنّ رجلاً شجاعاً قام ومعه رجال من أولي البأس الشديد، عبروا ملكوت فلسطين، وعلّقوا قناديل العودة على درب الآلام لتعبر الأمة من خلفهم على هدىً وبصيرةٍ وحسن مآب.
* كاتب وباحث- رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية الإيرانية