جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-19@06:18:27 GMT

من استُغضب ولم يغضب

تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT

من استُغضب ولم يغضب

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

يُحاول مُعظم النَّاس تفادي الوقوع في الغضب بإتقاء مسوغاته وتدارك مسبباته لتجنب ما يعود به على النفس من أذى قد يؤهل صاحبه للدخول في طورٍ عصبي عارم يحرض مشاعره المتأججة على الرد بقصد الانتصار لنفسه واسترضائها أو التشفي في حال عدم القدرة على كبح جماحها بردعها، وقليلٌ من يتمتع بهذه الصفة؛ حيث باتت تمثل الضعف والهوان وربما الاستنقاص من الشأن خصوصًا في وقتنا الراهن الذي كثرت فيه علل الغضب وبواعثه السلوكية والمطالبة باسترداد الحقوق حتى المعنوية منها، كما أن "من استُغضب ولم يغضب فهو حمار" بحسب قول الإمام الشافعي.

بالطبع لا نقصد هنا معنى "الزعل" السائد جدًا والذي قد يقع بشكل شبه يومي في مُمارساتنا الحياتية وتعاطينا مع أعضاء المجتمع وربما هو أقرب للاعتراض، ويعتريه شيء من الضعف في إبداء صورةٍ من صور عدم الرضا، وغالبًا ما يستخدمه من أحس بتقاعسٍ في تلبية رغبةٍ أو مراد؛ كطلب الطفل الذي لم يتحقق، أو موقف يتخذه الإنسان لقياس مكانته عند الطرف الآخر، وهو غير ذي لياقة تامة للرجل الراشد في غور مفهومه حسب وجهة نظري القاصرة إلّا في حال ما درج عليه المفهوم العام؛ كإبداء عدم الرضا التام أو الامتعاض من أمر ما أو شأنٍ من الشؤون، وغالبًا ما ينتهي بتسطيح الضرر عند التفهم والاعتذار بعد شيءٍ من التوضيح المسبوق بالانتقاد أو العتاب، ويستدرك الشافعي هنا بقوله: "ومن استُرضيَ ولم يرض فهو شيطان".

وحتى لا نغرق كثيرًا في التحليل النفسي للغضب والفوارق بين درجاته والتفاضل في تباين تأثيره أكثر أو أقل بين شخص وآخر، فإني أدغم المعاني السابقة في الاكتفاء بمفهوم الغضب المتعارف عليه وإمكانيات تجنبه قبل حدوثه أو التقليل من أضراره عند وقوعه، ولكن ما بال مصدر الغضب أو من يعكف على افتعال الأسباب لإغضاب غيره وبشكلٍ دائمٍ ومستمر؟! لا شك أنه لئيم ويهدف لأغراض معلومة لديه لما وراء ذلك الافتعال.

قد يُسامِح الحكيم إذا استُغضب وهو تمالك العاقل نفسه ويمررها الحليم لأكثر من مرة كابحًا جماح شر غضبه، ولكن وما هو حال المرء عندما يُستغضب لعشرات السنين في ماله وحاله وعرضه حتى يُجبر على الوقوع في براثن الحقد؟! وهل يُسترضى إلّا بردِ اعتباره من خلال سعيه في الانتقام جراء إمعان العصابي اللئيم في القتل وانتهاك كل مُحرّمٍ وممنوع؟!

إنَّ لغة ضبط النفس في مثل هذا الموقف المثخن بالفقد لن تجدي نفعًا ولن يشفي مشاعر المظلوم إلا التشفي ولن يطفىء تلظي نار المكلوم إلّا الثأر، وقد غادرت الحكمة مسارح الجرائم التي رفع الاحتلال ستائرها أمام جماهير العالم المتفرج، ولم يعد للحلم موضع سوط في أرض أوغر طهر طينها آلاف الأطنان من القنابل المصممة لإحداث أكبر ضرر في مستقر الساكنين والبنيان من الباغي المستبد المتحصن بهالة الطغيان والمحاط بقوة من هيلمانٍ افتراضي وحارب بهما عن بعد فما لبث عواره أن بان عندما قرر الدخول الواقعي للحرب عن قرب ولم يكن لمسافة الصفر في تقدير العارفين حسبان.

إنَّ مرحلة الوضع مع المقاومة الفلسطينية قد تجاوز ضبط النفس بمراحل ونازل مقاييس الحكمة ومعايير الحلم بمنازل، ونُصبت عند نقطة اللاعودة موازين "العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص"، وإنها الحرب مع عدو لا يقيم لأخلاقيات الحروب وزنًا ولا يعير للآداب والسلوك اهتمامًا، وإنْ أوهم العالم بالمصطلح المستهلك لـ"الإرهاب"، والحق المنتحل للدفاع عن النفس، وإلحاقًا بما عُرِفَ به من غدرٍ ونكثٍ للعهود والمواثيق عبر تاريخه الكاسف الموغل في المكر والغش والخداع، ويكاد لا يوجد في غزة اليوم إنسان حي ليس له مطلبةُ دمٍ أو ثأر في عنق الكيان الصهيوني المُحتل، ولا تزال الإدارة الأمريكية تراوغ مع ربائبها اللاتي في حجرها بعروض النقض مع إبداء التعاطف وصفقات التبادل مع الامتعاض والهدن بتواريخ صلاحية مع الاستمتاع بتمويل القتال غير آبهةً بسقوط عشرات الآلاف من الأبرياء ولا بالضرر النفسي والمعنوي الواقع على أهل الدم ولا بحجم الدمار الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الحروب.

لماذا غضب الإنجليز عندما كانت الطائرات النازية الألمانية تقصف مدنهم وتقتل المدنيين وتحاصرهم بإغراق سفن المُساعدات الغذائية الأمريكية لمدة عامين ولم يغضبوا للفلسطينيين الذين تُمارس عليهم النازية الصهيونية نفس الدور؟! لأن الأمر ليس في معرض التسامح مع المعتدي ولابد من ردعه بالانتقام ولم يتردد ونستون تشرشل في ذلك ولم يمارس عليه أحد حقاً من حقوق النقض أو الاعتراض، لكنه لا يستقيم في حالة فلسطين "فالأمر مختلف" كما يقول ديفيد كاميرون وزير الخارجية البريطاني، وكذلك هو الحال حين أحدث انتحاريو الكاميكاز صدمةً عظيمة في الأسطول البحري الأمريكي وقصفت القوات الجوية اليابانية ميناء بيرل هاربر، فلم نعلم ولم نسمع بمبادرات صفقات تبادل أسرى أو وقف لإطلاق النار لينفس هاري ترومان عن غضبه برد الصاع صاعين بالانتقام من مئآت الآلاف من المدنيين اليابانيين الآمنين والطمس دون تردد بأسلحة الفتك الذرية في لمح البصر ثم تقام الاحتفالات الوطنية والأهازيج المنتشية بالانتصار على جثث النساء والأطفال والشيوخ وما أشبه الحاضر بالماضي واليوم بالأمس "وما يهمنا فقط هو عدد الخسائر في صفوفنا" كما قال كولن باول وزير الخارجية الأمريكي.

تحاول الإدارتان الأمريكية والبريطانية إبهام عارهما باستخدام بصمة إبهام طوفان الأقصى دليلًا لإثبات صفة الاعتداء وقد اعتادوا على التدليس وقلب الحقائق، ولكن في مقاييس الحرب ما هي إلّا عملية عسكرية ضمن المعارك الدائرة منذ 103 أعوام والتي بدأ بها الاحتلال البريطاني وأكملها الإسرائيلي الصهيوني بدعم أمريكي ولازالوا يفعلون؛ إذ إنَّ تعطشهم للقتل لا رواء له ويعتاشون بشرب الدماء ولا يرتوون كالْهِيم لا يرويها الماء، وإننا لنجد العذر كله؛ بل الحق كاملًا للفسطينيين عمومًا وأهل غزة خصوصًا، في مقاومتهم الشريفة لنيل حريتهم ضد المتسلطين الطغاة والاقتصاص لدماء قتلاهم الأعفَّاء، وهو حق أقرته كل الشرائع والحضارات القديمة والحديثة والمجتمعات والقوانين والأعراف.

إنَّ ما يظهر إعلاميًا من شدٍ وجذب بين الإدارة الأمريكية والإسرائيلية ما هو إلّا "زعل" أحباب على خلافات سطحية في التعاطي اليومي مع الأحداث، وستنتهي باتصال هاتفي معاتب أو جلسة صباحية لاحتساء كوب شاي في شرفة البيت الأبيض المطلة على الحديقة الجنوبية باعتبارهما "على قلب واحد" حسب الكنيسة اللوثرية، ووفق مصلحةٍ وهدفٍ مشتركين باعتبار قانون المؤسسين الإنجيليين، وعلى النقيض من ذلك في خلافاتهم مع عدوهم الأزلي من المسلمين والفلسطينيين وأهل غزة المغدور بهم والمُضحّى بإنسانيتهم وبدماء أبريائهم، وقد صبروا كثيرًا وصابروا ولا زالوا يفعلون، إلّا أن "للصبر حدود" ولن يبقى الحكيم والحليم كذلك أبدًا، وهو يُستغضب كل يوم ويُستكره على الرد والانتقام والثأر، ويبدو أن الأوان قد آن "وفي يوم من الأيام سيُغادر المحتل"، كما قال المؤرخ والفيلسوف البريطاني أرنولد توينبي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بيان من الوكالة الأمريكية للتنمية بشأن وقف إطلاق النار في غزة

أصدرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بياناً صحفياً تحدثت من خلاله بشأن الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين.

وفيما يلي نص البيان كما وصل "سوا":

الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية

مكتب العلاقات الصحفية

15 كانون الثاني/يناير 2025

بيان لمديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانتا باور بشأن الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن

ترحب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بإعلان وقف إطلاق النار في غزة. لقد كان هذا الاتفاق نتيجة مباشرة للدبلوماسية الأمريكية المكثفة مع شركائنا في المنطقة، وهو سيطلق عملية إعادة الرهائن إلى حضن عائلاتهم التي تمزقت أوصالها ويبدأ بإغاثة المدنيين الفلسطينيين الذين عانوا كثيرا طيلة هذا الصراع الوحشي.

ومع تنفيذ وقف إطلاق النار، ستواصل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إعطاء الأولوية لجهود إيصال المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى المتضررين من هذه الحرب المدمرة. يحتاج أكثر من 2,1 مليون مدني فلسطيني إلى مساعدات طارئة، وبما في ذلك حوالي 1,9 مليون نازح. وستكون الزيادة الفورية والمتواصلة للمساعدات الإنسانية في مختلف أنحاء غزة أساسية لتجنب المزيد من الجوع والمرض والموت.

لقد قدمت الولايات المتحدة ما يقرب من 1,2 مليار دولار من المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والدول المجاورة منذ بدء الحرب. ونحن ممتنون جدا لشركائنا في المجال الإنساني والذين تحملوا مخاطر كبيرة لرفع المعاناة وإنقاذ الأرواح طيلة فترة الصراع، الذي كان الأكثر دموية تاريخيا بالنسبة إلى العاملين في المجال الإنساني. سيتواصل عملهم وسنسعى إلى توسيع نطاقه إلى حد كبير بفضل الاتفاق على وقت إطلاق النار. وستعمل الولايات المتحدة مع كل من الأمم المتحدة والحكومة الإسرائيلية وشركائنا في المنطقة لتحسين ظروف تسليم المساعدات الإنسانية ودعم تجول الفاعلين في المجال الإنساني بشكل منتظم وآمن وميسر. ويبقى من المهم بشكل حاسم أن يتم التصدي للنهب الإجرامي لإمدادات الإغاثة ولانهيار القانون والنظام الذي فاقم بيئة العمل غير المستقرة والخطيرة أصلا.

هذه مرحلة مليئة بالإمكانات المذهلة، وعلى حد تعبير الرئيس بايدن، الولايات المتحدة مستعدة لتحقيق أفضل قدر من الإنجازات في خلالها، وذلك بزيادة كمية المساعدات المنقذة للحياة في مختلف أنحاء غزة وعدم الاكتفاء بالعمل على إنهاء الحرب، بل العمل أيضا على بناء سلام عادل ودائم للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار العربية والدولية بايدن يعلن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة محدث: ترامب يعلن التوصل لاتفاق بشأن إطلاق سراح الرهائن في غزة السيسي وبايدن يبحثان جهود وقف إطلاق النار في غزة الأكثر قراءة الأونروا: ناقشنا مع السعودية دورنا ضمن تحالف تنفيذ حل الدولتين التربية: استهداف إسرائيلي ممنهج يُهدد التعليم وطلبة وأطفال فلسطين بالفيديو: الجيش الإسرائيلي ينسحب من طولكرم مُخلّفا دمارا كبيرا بن غفير يوجه طلبا للشرطة بشأن هدم البيوت بأراضي الـ48 عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • إعلان لشركة طيران يُثير الغضب لتشابهه مع هجمات 11 سبتمبر .. صورة
  • سلفاكير يحث مواطني دولة الجنوب على ضبط النفس وعدم الإنتقام من السودانيين
  • المحكمة العليا الأمريكية تؤيد قانون حظر تطبيق تيك توك
  • المحكمة العليا الأمريكية تدعم قانونًا يمهد لإغلاق "تيك توك"
  • هيئة محامي دارفور تستنكر أحداث كبكابية و تطالب بضبط النفس
  • العقوبات الأمريكية على قائد الجيش لماذا؟
  • أشعل الغضب في صدره| حيثيات الحكم علي قاتل طليقته بالأزبكية
  • بلينكن: اتفاق غزة دليل على قوة الدبلوماسية الأمريكية
  • بيان من الوكالة الأمريكية للتنمية بشأن وقف إطلاق النار في غزة
  • البرلمان العراقي يرد على الخارجية الأمريكية: تدخلكم بشأن الموازنة مرفوض