أحمد ياسر يكتب: الفشل في غزة: بايدن ونتنياهو.. من سيخرج أولًا؟
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
يظهر توتر جديد في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، والذي يتجلى في الدعوات العلنية التي وجهها الرئيس بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف الحرب في غزة وتشكيل حكومة صهيونية "أكثر اعتدالًا" تقبل مبدأ "حل الدولتين".
والذي أصبح الخيار الوحيد القادر، ربما، على إنهاء هذا الصراع التاريخي من المنظور الأمريكي.
وتأتي الدعوة الأمريكية انطلاقا من الحرص على مصالح إسرائيل، خاصة وأن الرئيس بايدن كان أول رئيس أمريكي يزور إسرائيل وهي تخوض حربا ضد الفلسطينيين، وعلى الرغم من الدعم الأمريكي الثابت لحكومة نتنياهو منذ بدء عملية "حارس الجدران"، إلا أنها لم تكسب بايدن أي خدمات، وانتقد نتنياهو الولايات المتحدة بسبب جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في ألمانيا واليابان ودول أخرى.
المهم أن الخلافات الأمريكية الإسرائيلية أصبحت الآن في العلن، على الرغم من أن الكثيرين منا يدركون أنها كانت حاضرة طوال فترة رئاسة بايدن، وربما كانت علاقته بنتنياهو هي الأسوأ بسبب سياسات نتنياهو المتطرفة وإصراره على مواصلة الإصلاحات القضائية رغم الانتقادات الأمريكية، لأنها تشكل تحديا لـ”النظام الديمقراطي في إسرائيل”.
الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل بعد عملية حارس الجدران لم يكن مصلحة أمريكية بقدر ما كان مصلحة انتخابية شخصية للرئيس بايدن وحزبه، لكن ذلك كان مرتبطا بعامل الوقت، وضمان عدم توسع الحرب لتشمل دولا أخرى.
وكان هذا الدعم يرتكز بالضرورة على قناعة بايدن بأهمية وجود إسرائيل كذراع للولايات المتحدة في المنطقة، وتستخدمه لتنفيذ استراتيجيتها في الشرق الأوسط.
وارتكزت هذه الاستراتيجية على ثلاثة عناصر: أمن النفط، وأمن الممرات المائية الدولية (طرق التجارة)، وأمن إسرائيل… أصبح أمن إسرائيل الآن شيئًا من الماضي بعد عملية حارس الأسوار، وطرق التجارة مهددة بفعل تصرفات أنصار الحوثي في اليمن ضد كل ما يتعلق بالكيان الصهيوني وداعميه، وبالتالي، فإن أمن النفط أيضًا مهدد في أي لحظة بسبب احتمال إغلاق هذه الممرات، وهو ما يعني الفشل الذريع للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
ويرافق ذلك الفشل الإسرائيلي الكبير الناجم عن رفع المطالب في بداية الحرب، مما يجعل الحديث عن نهاية وشيكة للحرب ضربًا من الخيال… وذلك لتكريس هزيمة إسرائيل ومحاسبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومن سيأتي بعده من مسؤولي حكومته، مما يضطرهم إلى مواصلة الحرب والسعي إلى توسيعها إن أمكن.
هل ينجح بايدن في الضغط على نتنياهو؟
تاريخيًا، كان الرؤساء الديمقراطيون أكثر ميلًا نحو فكرة حل الدولتين، لكنهم لم يتمكنوا من الضغط على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لقبول هذه الرؤية، ويرجع ذلك إلى اعتبارات عدة، أبرزها حاجة الرؤساء الأمريكيين إلى الدعم من اللوبي الصهيوني (المنظم والمؤثر في تشكيل اتجاهات الناخبين الأمريكيين) واعتمادهم عليه، نظرًا لسيطرة اليهود على روافع مهمة في وسائل الإعلام الأمريكية ومساهماتهم المالية، للحملات الرئاسية الأمريكية.
وفي حين كانت الولايات المتحدة أكبر داعم لإسرائيل، إلا أنها لم تكن قادرة على ممارسة الضغط عليها، كما ظهر خلال عدة إدارات، وعندما حاول الرئيس كلينتون الضغط على إسرائيل للقبول بفكرة حل الدولتين، تمكن اللوبي الصهيوني من تهميشه بسبب فضيحة "مونيكا"، التي أصبحت ترمز إلى حياة كلينتون السياسية.
وعندما حاول أوباما الضغط على إسرائيل، قوبل بجرأة كبيرة من قبل نتنياهو، الذي كان في ذلك الوقت رئيسًا لوزراء إسرائيل، وقبل نتنياهو دعوة من الكونجرس الأمريكي وألقى خطابا هناك دون زيارة الرئيس أوباما.
واليوم، وفي ظل وجود حكومة صهيونية متطرفة، مدعومة بمزاج شعبي داخل الكيان الصهيوني يطالب باستعادة "كرامة إسرائيل" وسحق حركة حماس، التي أصبح من المستحيل التعايش معها في المستقبل، فإن الرئيس ويبدو أن قدرة بايدن على إجبار نتنياهو على وقف الحرب محدودة.
ويعكس الحديث الأمريكي عن عزلة إسرائيل الدولية، نتيجة استمرار مجازرها ضد الشعب الفلسطيني، حجم التصويت على القرار الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي أيدته 153 دولة من أصل 193 دولة، والذي يدعو إسرائيل إلى وقف أعمال العنف.
وصوتت 153 دولة لصالح القرار، بينما عارضته 10 دول فقط، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة والنمسا وجمهورية التشيك وغواتيمالا وليبيريا وميكرونيزيا، وناورو، وبابوا، غينيا الجديدة، وباراغواي. وبناء على ذلك، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار بأغلبية 153 عضوا مؤيدا، ومعارض 10، وامتناع 23 عن التصويت.
في المقابل، كان القرار السابق الذي ناقشته الجمعية العامة في 27 أكتوبر2023، قد حصل على أغلبية 120 صوتا، ما يشير إلى تحول في الموقف الدولي تجاه الحرب.
أولوية إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة
وعلى الرغم من الدعم الأمريكي لكل من أوكرانيا وتايوان، والذي يتماشى مع استراتيجية الولايات المتحدة لاحتواء روسيا والصين، فإن الولايات المتحدة لم ترسل أساطيل إلى أوكرانيا لردع روسيا أو إلى بحر الصين الجنوبي لردع الصين عن غزو تايوان.
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، تاريخيًا، كان الوجود العسكري الأمريكي هو الأكثر كثافة في منطقة الشرق الأوسط، مما يعكس أهمية إسرائيل الخاصة للولايات المتحدة.
إن استمرار الحرب وعدم وجود نهاية متوقعة لها أدى إلى تهديدات ليس فقط ضد الرئيس بايدن وحزبه، بل شوهت أيضًا “السمعة الأمريكية”، وهذه السمعة هي لأمة ما دام وقفت نموذجا للعديد من الدول والشعوب وكانت أساس قوتها الناعمة التي جعلت الحلم الأمريكي حقيقة لعقود عديدة.
لقد أصبح إنهاء الحرب هو البوابة الحتمية الوحيدة للحفاظ على ما تبقى من الهيبة الأمريكية، إن إنهاء الحرب يعني هزيمة إسرائيل والدخول في مفاوضات مع حماس التي حددت شروطها بوضوح، وفي مقدمتها إطلاق سراح كافة الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح المستوطنين الإسرائيليين مبدأ (الكل مقابل الكل).
وسوف تستلزم هزيمة إسرائيل محاسبة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ومسؤولي حكومته، مما يجعل من غير المرجح أن يقبل نتنياهو الطلب الأمريكي، وهو ما يثير احتمال حدوث مواجهة صامتة بين البلدين.
الحديث الأمريكي عن دور نتنياهو في تقويض المجتمع الصهيوني وتقسيمه من خلال الإصلاحات القضائية، واصطفافه مع اليمين المتطرف في حكومته، وتعطيله للمؤسسة العسكرية الصهيونية، إلى جانب اتهامات أخرى توحي بأن الولايات المتحدة تسعى للإطاحة به، كحل لإنهاء حرب غزة.
ويبدو أن الأمر لم يعد في يد بايدن ولا في يد حكومته، إذ يجب على الدولة العميقة في الولايات المتحدة أن تعطي الأولوية للمصالح الأمريكية على مصالح بايدن وحزبه وحتى على مصالح إسرائيل إذا لزم الأمر.
مصلحة جميع الأطراف الآن تكمن في التخلص من نتنياهو من السلطة، لكن نتنياهو لن يدخر جهدا في الدفاع عن نفسه معتمدا على اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
فهل ينجح هذا اللوبي في خلق أزمة لبايدن قد تمنعه من استكمال ما تبقى من ولايته الرئاسية، خاصة أنه ليس على أرض صلبة، مع فضائح وشكوك كثيرة تحيط به وبولده هانتر؟
ويبقى السؤال: من سيترك موقفه أولا، نتنياهو المهزوم والمتعثر، أم بايدن الصهيوني المنتقم، الذي يهدد دعمه الثابت لإسرائيل المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة؟
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر فلسطين اخبار فلسطين غزة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو حماس طوفان الاقصي واشنطن الشرق الأوسط مجلس الأمن دونالد ترامب ايران روسيا أوكرانيا بايدن الانتخابات الرئاسية المصرية أخبار مصر الولایات المتحدة للولایات المتحدة الضغط على رئیس ا
إقرأ أيضاً:
لقاء الطغاة: ترامب ونتنياهو والولاء الغائب
#لقاء #الطغاة: #ترامب و #نتنياهو و #الولاء_الغائب
دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري
تستند محاولات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة إلى سردية تبريرية تدمج بين الادعاءات الإنسانية والأهداف الجيوسياسية، لكنها تصطدم بمواقف رافضة من الفلسطينيين والدول العربية، خاصّة مصر والأردن، والمجتمع الدول أيضا؛ الخطة التي تستدعي تاريخا استعماريا مؤلما مقيتا.
السردية الأمريكية والإسرائيلية: بين «التطوير» والاستعمار الجديد
مقالات ذات صلة المحكمة: بيت العدل! 2025/02/10في لقائهما الأخير في واشنطن، استقبل ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحفاوة، متجاهلا مُذكّرة الاعتقال الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية. لم يقتصر اللقاء على مناقشة العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، بل تطرّق إلى القضية الفلسطينية، حيث أكّد ترامب دعمه «لحل جذري» في غزّة، بينما وصف نتنياهو الوضع هناك بأنّه «فرصة تاريخية لإعادة تشكيل المنطقة».
الرؤية الأمريكية – الإسرائيلية:
السيطرة طويلة الأمد: فرض إشراف أمريكي على إعادة إعمار غزّة، مع احتمال نشر قوات عسكرية لضمان «الاستقرار».
التطهير العرقي المُمنهج: الترويج للهجرة «الطوعية» لسكان القطاع نتيجة الدمار، وهو نهج يتماشى مع خطط إسرائيلية سابقة مثل خطة «موشيه ديان» و «إيغال آلون».
التطبيع مع الأنظمة اليمينية الإسرائيلية: رحّب ساسة إسرائيليون مثل «إيتمار بن غفير» و «بتسلئيل سموتريتش» بالخطة، معتبرينها «الحل الأمثل» لإفراغ غزّة من الفلسطينيين.
إن رغبة دونالد ترامب في تهجير الفلسطينيين من غزّة، التي تتماشى مع سياسات بنيامين نتنياهو، تعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي، لا سيما «اتفاقيات جنيف» التي تحظر النقل القسري للسكان، ورغم أن الولايات المتحدة طالما تغنّت بهذه القوانين، إلا أنها تتجاهلها عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل، التي تبنّت النهج الأمريكي في فرض الوقائع بالقوة.
لم يكن مستغربا أن تُعلن إسرائيل انسحابها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد يوم واحد فقط من إعلان ترامب الانسحاب منه، في خطوة تُضاف إلى سجل طويل من التنصّل من المحاسبة الدولية، كما انسحبت إدارة ترامب سابقا من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ضمن محاولاتها لتصفية قضية اللاجئين، وهو النهج الذي تبنته إسرائيل بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة.
علّلت إسرائيل انسحابها من مجلس حقوق الإنسان بحجج ركيكة واهية مثل «التحيّز ضد إسرائيل» ومسوّغات مُهترئة؛ ما عادت تُقنع أحدا، مثل الذريعة الدائمة «معاداة السامية»، التي يستخدمها ساسة الاحتلال عندما يُنتقدون بسبب إجرامهم الدائم، وعلى رأي إخواننا السوريين «كلّ ما دق الكوس بالجرّة».
أن هذه السياسات ليست فقط جزءا من مخططات سياسية، بل تترافق مع انسحاب الولايات المتحدة وإسرائيل من المؤسسات الدولية لمنع أي مساءلة قانونية.
السردية الفلسطينية: التمسّك بالأرض
يرى الفلسطينيون في هذه الخطة استمرارا لسياسات النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967، حيث أجبر الاحتلال مئات الآلاف على مغادرة أراضيهم. تُعزز هذه المخاوف وثيقة إسرائيلية مسرّبة في أكتوبر 2023، أوصت بتهجير سكان غزّة إلى سيناء كحل «مثالي» لإسرائيل.
رفض واسع: اعتبرت الحركات الفلسطينية مثل «فتح» و«حماس» أن التهجير «جريمة لا تقل عن المجازر»، وأكّدت تمسّك الفلسطينيين بأرضهم رغم الدمار.
الخوف من عدم العودة: تكرّرت وعود «العودة المؤقّتة» في التاريخ الفلسطيني، لكنها انتهت بتوطين قسري في دول اللجوء.
الموقف المصري والأردني: الأمن القومي ورفض التهجير كمبدأ.
رفض مصر والأردن الخطة ليس فقط لأسباب أمنية، بل أيضا لرفضهما المبدئي لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ويعتبر البلدان التهجير محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وتقويض أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلّة.
مصر: ترى في التهجير تهديدا لاستقرار سيناء، حيث قد تتحوّل إلى منطقة صراع مستمر، مما يُضعف سيطرة الدولة عليها.
الأردن: يخشى من تغيير التوازن الديموغرافي داخله، حيث يُشكّل الفلسطينيون نسبة كبيرة من السكان، ما قد يؤدي إلى اضطرابات سياسية.
رغم الضغوط الأمريكية، بما في ذلك التلويح بتقليص المساعدات العسكرية، تمسكّت القاهرة وعمّان بموقفيهما، مدركتين أن القبول بالتهجير قد يؤدّي إلى زعزعة استقرارهما الداخلي.
من سايكس بيكو إلى «صفقة القرن«
تعكس الخطة الأمريكية امتدادا لمشاريع استعمارية سابقة، مثل اتفاقية سايكس بيكو (1916)، التي قسّمت المنطقة دون اعتبار لإرادة الشعوب، واليوم، تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إعادة رسم خريطة فلسطين عبر التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي كما حدث في النكبة، إذ تحاول إسرائيل تهجير الفلسطينيين لفرض سيطرتها الجغرافية، إضافة إلى الاستعمار الاقتصادي من خلال تحويل غزّة إلى مشروع عقاري تحت الهيمنة الأمريكية، دون منح سكانها أي حقوق سياسية وإنسانية؛ الأمر الذي رفضته جميع الدول العربية والدولية.
وقد وصف السناتور الأمريكي «كريس كونز» الخطة بأنّها «مزيج من الجنون والخطورة»، بينما اعتبرتها منظمات حقوقية «تطهيرا عرقيا». كما أبدت الأمم المتحدة قلقها من انتهاكات القانون الدولي، داعية إلى حلول تعتمد على مبدأ الدولتين، حيث صرّح الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش»: «بأنّ غزّة جزء لا يتجزّأ من الأراضي الفلسطينية»، وقال المتحدّث بإسم الأمم المتحدة «ستيفان دوجاريك»: «إن أي تهجير قسري للناس، يعد تطهيرا عرقيا»، حتى أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق «إيهود باراك» وصف خطة ترامب بـ «الخيال».
الحلول المقترحة
في مواجهة هذه الخطط الإجرامية، تبرز الحاجة إلى حلول بديلة تعتمد على الشرعية الدولية وحقوق الإنسان، وعلى رأسها دعم المؤسسات الفلسطينية لتعزيز صمود الفلسطينيين في مواجهة التهجير والغطرسة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو وداعمه الأول ترامب، تزامنا مع الضغط الدولي الحقيقي لوقف السياسات الاستعمارية الإسرائيلية ودعم قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وإحياء مفاوضات السلام بناء على مبدأ حلّ الدولتين، مع ضمان حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير.
استعمار بثوب جديد
ما يطرحه ترامب ونتنياهو ليس مجرّد مقترح سياسي، بل هو امتداد لمشروع استيطاني استعماري يسعى لتفريغ فلسطين من سُكّانها الأصليين. لكن هذه الخطة تصطدم بإرادة فلسطينية صلبة، ومواقف عربية رافضة، وإدراك دولي متزايد لخطورة سياسات التهجير القسري التي تعمل عليها الحكومة الإسرائيلية المُتطرّفة؛ يقودها غُلاة مُتعطشون لاقتلاع الفلسطيني من أرضه بعد أن أثخنوا الإبادة بأهل قطاع غزّة، على مرأى من العالم ونقلا صوتا وصورة.
خطة ترامب بشأن غزّة تعني تطهيرا عرقيا وجريمة حرب ومزيدا من الدمار في الشرق الأوسط، حتى أنّ فكرة الأخير بدت أكثر تتطرّفا من أفكار بن غفير.
التاريخ يثبت أن محاولات اقتلاع الشعوب من أوطانها غالبا ما تؤدّي إلى مقاومة مستمرة وأكثر شراسة، وأن أي «ريفييرا» تُبنى على أنقاض قطاع غزّة ستبقى رمزا للاستعمار الحديث، لا للسلام.
والسؤال الذي يبقى دون إجابة، ما هي الجدوى من اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل؟ في ظل استمرار الإبادة الجماعية في القطاع ومشروع التطهير العرقي فيه، والجرائم في الضفة الغربية، بعد أن نقل الجيش الإسرائيلي آلة دماره من غزّة إلى شمال الضفة، فيدمّر مربعات سكنية في جنين وطول كرم وطوباس بشكل يومي؛ مُخلّفا وراءه شهداء بالجملة.
Ahmad.omari11@yahoo.de