في الساعات الاولى من مساء أمس السبت، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن عن صيغة غامضة لما أسماها خارطة طريق، توصلت بموجبها الأطراف اليمنية (بتأثير الدور السعودي والعماني) إلى "الالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة"، وسط مؤشرات على أن السعودية ستواجه متاعب كبيرة في طريق إعادة فرض نفوذها على المشهد اليمني عبر الأدوات السياسية.



العناصر التي تشكل مفتتح خارطة الطريق والأرضية التي تنطلق ستشمل: "التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة".

العناصر السابقة هي الصيغة الأوسع لتدابير بناء الثقة التي نُفذ معظمُها مع بدء تطبيق هدنة طويلة بدأت منذ الاول من نيسان/ أبريل 2022، لكنها لم تشمل دفع مرتبات، ولهذا أوضح غروندبيرغ في ذات البيان أنه سيعمل "مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خارطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها"، أي أنه ما من خارطة طريق جاهزة. فكما أوضح بيان المبعوث الأممي، فإن خارطة الطريق "ستنشئ آليات للتنفيذ وستُعد لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة".

جاء إعلان المبعوث الأممي بمثابة إجراء سياسي دعائي مفصول عن المصالح الجوهرية الـ30 مليون يمني الذين أشار إليهم البيان، فهناك رغبة ملحّة من الجانب السعودي وربما من الجانب الأمريكي والوسطاء لتثبيت خطوة ذات جدوى في مسار الأزمة والحرب في اليمن، لتأكيد أن ثمة ضميرا دوليا يتحرك لإنهاء الحرب الطويلة في اليمن، وقد يعطي هذا مؤشرا على أن الضمير الأمريكي وضمير العالم لم يمت بعد، وهذا في تقديري هو التعبير الأكثر وضوحا عن استمرار الرغبة الأمريكية في مكافأة الحوثيين
لقد جاء إعلان المبعوث الأممي بمثابة إجراء سياسي دعائي مفصول عن المصالح الجوهرية الـ30 مليون يمني الذين أشار إليهم البيان، فهناك رغبة ملحّة من الجانب السعودي وربما من الجانب الأمريكي والوسطاء لتثبيت خطوة ذات جدوى في مسار الأزمة والحرب في اليمن، لتأكيد أن ثمة ضميرا دوليا يتحرك لإنهاء الحرب الطويلة في اليمن، وقد يعطي هذا مؤشرا على أن الضمير الأمريكي وضمير العالم لم يمت بعد، وهذا في تقديري هو التعبير الأكثر وضوحا عن استمرار الرغبة الأمريكية في مكافأة الحوثيين ودعم دورهم المدمر للدولة اليمنية.

لا زلت أصر على أن إنجاز الأهداف الأخلاقية للحرب اليمنية، لن يتم عبر استجداء الأشرار وأولئك الذين أفسدوا العملية السياسية الناجحة في اليمن وزجوا باليمنيين في أتون حرب مدمرة، والأمر يتعلق بالأطراف الداخلية كما بالأطراف الخارجية كذلك، إذ لا يُتوقع من أهم ثلاث دول إقليمية أثرت بالأزمة اليمنية، وهي إيران والسعودية والإمارات، وكل واحدة منهما لها مشروعها وطموحاتها وأولوياتها وأهدافها العدائية في اليمن، أن تتفق على اجتراح حل يعيد السلام إلى اليمن.

وفي الآن ذاته لا نتوقع أن تقدم الجماعات المسلحة التي انبثقت من مشاريع معادية للهوية السياسية لليمن ولوحدته الترابية؛ تنازلات تفضي إلى استعادة السلام والاستقرار في اليمن على قاعدة الالتزام الكامل بثوابت الدولة اليمنية والتخلي عن المشاريع السياسية المتصادمة معها.

أكثر من ثمانية أعوام مضت على بدء التدخل العسكري للسعودية في اليمن، والذي لم يعد كذلك بعد أن تحول الدور السعودي إلى ما يشبه الوساطة، وباتت هذه الوساطة هدفا ملحا لقيادة المملكة، لذلك تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى دفع الأطراف اليمنية إلى القبول بخارطة طريق تنتهي بالتوقيع على اتفاق يسدل الستار على الوجه الخارجي للحرب، ويضمن للسعودية الانسحاب من المشهد اليمني موفورة الكرامة مع سيل متوقعٍ من الإشادات بإنجاز اتفاق السلام، وهو أمر يسمح به قاموس النفاق الدولي على كل حال.

أمام الجهود الأممية ومن خلفها السعودية تحديات حقيقية، ومنها شرط الانفصال الذي يضعه المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، وتمسك الحوثيين المدعومين من إيران بصيغة الحكم التي تضع زعيمهم مرجعية مطلقة للدولة، وهما مشروعان لا يلتقيان مع هدف خارطة الطريق المحتكمة إلى مرجعيات معتبرة ومنها قرارات مجلس الأمن.

يجب أن تخجل الرياض من الاعتراف بأنها تخضع بشكل غير مسبوق لتحديات تطال سياساتها المتصلة باليمن، بسبب تزايد الدور العسكري والسياسي لكل من إيران والإمارات ولأدواتهما على هذه الساحة، وأنها بالفعل مضطرة إلى ممارسة السياسة والسياسة فقط للإبقاء على نفوذها على الساحة اليمنية
لن يكون موقف الانتقالي والحوثين سببا في استمرار خيار الحرب، ولكنه سيستمر في تحويل ملايين اليمنيين ممن يرفضون مشروع الحوثيين ويرفضون الانفصال ويصرون على استعادة دولتهم؛ إلى عالقين بين المشروع الانفصالي والمشروع الحوثي الإمامي الكهنوتي البغيض، بكل ما تعنيه كلمة "عالقين" من معنى. وسيترتب على فرض شرط الانفصال تقويضٌ تلقائيٌ للسلطة الشرعية التي تمثل رمزية مهمة للدولة اليمنية.

الإمارات تسعى وبقوة إلى تأمين البنية التحتية المؤسسية للدولة الانفصالية تحت مظلة سلطة شرعية ضعيفة ومرتعشة وخاضعة بالكامل لكل من الرياض وأبو ظبي. ومع ذلك فإن أخطر ما تواجهه الرياض هو تحدي خروج المجلس الانتقالي من تحت سيطرتها ليصبح أحد الأدوات المهمة للهيمنة الإماراتية في جنوب اليمن، إلى حد تحولت بسببه الإمارات إلى مكافئ إقليمي لإيران التي تمارس نفوذا كبيرا على الساحة اليمنية بسبب علاقاتها القوية والمتينة مع جماعة الحوثي.

لا يجب أن تخجل الرياض من الاعتراف بأنها تخضع بشكل غير مسبوق لتحديات تطال سياساتها المتصلة باليمن، بسبب تزايد الدور العسكري والسياسي لكل من إيران والإمارات ولأدواتهما على هذه الساحة، وأنها بالفعل مضطرة إلى ممارسة السياسة والسياسة فقط للإبقاء على نفوذها على الساحة اليمنية؛ الذي لطالما احتفظت به بشكل كبير جدا خلال العقود الستة الماضية وأكدت من خلاله قدرتها على التحكم بالقوة الجيوسياسية لليمن.

twitter.com/yaseentamimi68

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمن السعودية خارطة الطريق الحوثيين السعودية اليمن خارطة الطريق الحوثيين سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المبعوث الأممی خارطة طریق من الجانب فی الیمن على أن

إقرأ أيضاً:

نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"

في تطور سياسي وقانوني لافت داخل إسرائيل، دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى دراسة إمكانية إبرام صفقة "إقرار بالذنب" مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تهمًا بالفساد قد تضع مستقبله السياسي والشخصي في مهب الريح. هذه المبادرة تعيد إلى الواجهة تساؤلات كبيرة حول مصير نتنياهو وحجم التحديات السياسية والقانونية التي تواجهها إسرائيل في ظل أوضاع داخلية وإقليمية متأزمة.

خلفية القضية: نتنياهو في قفص الاتهام


يُحاكم نتنياهو منذ سنوات بتهم تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في عدة ملفات فساد معروفة في الأوساط الإسرائيلية. رغم محاولات مستمرة للطعن في الاتهامات واللجوء إلى الاستراتيجيات السياسية للبقاء في الحكم، إلا أن الضغوط القضائية تزايدت مع الوقت.

وظهرت فكرة صفقة الإقرار بالذنب عدة مرات في السنوات الأخيرة، لكنها كانت تصطدم برفض نتنياهو التام لأي تسوية تعني انسحابه من المشهد السياسي، الذي يعتبره خط دفاعه الأساسي. القبول بهذه الصفقة يعني الإقرار بوصمة عار قانونية تمنعه من تولي أي منصب رسمي مستقبلًا، وهي خطوة لم يكن مستعدًا لها حتى الآن.

تفاصيل صفقة الإقرار بالذنب

وفقًا لما نشرته صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، تتضمن الصفقة خروج نتنياهو من الحياة السياسية مقابل عدم دخوله السجن. الصفقة تعتمد على إقرار نتنياهو جزئيًا أو كليًا ببعض المخالفات، بعد تعديل لائحة الاتهام لتقليل خطورة الجرائم المزعومة.

مقابل ذلك، ستسقط النيابة العامة بعض التهم أو تقبل بعقوبة مخففة، ما يجنبه المحاكمة الطويلة واحتمال السجن الفعلي. هذه الاستراتيجية القانونية، المعروفة عالميًا باسم "صفقة الإقرار بالذنب"، تتيح إنهاء القضايا الجنائية بسرعة لكنها غالبًا ما تكون محفوفة بالجدل السياسي والأخلاقي.

السياق الدولي: مذكرات اعتقال إضافية تلاحق نتنياهو

لا تقتصر التحديات القانونية لنتنياهو على المحاكم الإسرائيلية فقط. ففي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

وجاء في بيان المحكمة أن هناك أسبابًا منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات استهدفت السكان المدنيين واستخدما التجويع كسلاح حرب. كما أشارت المحكمة إلى أن الجرائم شملت القتل والاضطهاد وأفعالًا غير إنسانية أخرى.

الكشف هذه الأوامر ضاعف من الضغوط على نتنياهو داخليًا وخارجيًا، وساهم في تعقيد حساباته السياسية والقانونية.

احتمالات المستقبل: إلى أين يتجه المشهد الإسرائيلي؟

دخول الرئيس هرتسوغ على خط الأزمة يعكس قلق المؤسسة السياسية من تداعيات استمرار محاكمة نتنياهو على استقرار الدولة. فالخيار بين محاكمة رئيس وزراء حالي أو سابق وسجنه، أو التوصل إلى تسوية سياسية قانونية تخرجه بهدوء من المشهد، يحمل في طياته آثارًا سياسية واجتماعية عميقة.

ورغم أن إبرام صفقة الإقرار بالذنب قد يبدو مخرجًا مناسبًا للعديد من الأطراف، إلا أن قبول نتنياهو بها لا يزال بعيد المنال. فنتنياهو، الذي يَعتبر نفسه ضحية ملاحقات سياسية، قد يفضِّل المضي قدمًا في المعركة القضائية حتى النهاية، آملًا في البراءة أو في انقلاب سياسي لصالحه.

أما إسرائيل، فهي تجد نفسها أمام مفترق طرق: هل تواصل السير في طريق المواجهة القانونية بكل تبعاته، أم تلجأ إلى تسوية مكلفة سياسيًا لكنها تتيح طي صفحة من أكثر الفصول إثارة للانقسام في تاريخها الحديث؟

تطرح مبادرة الرئيس هرتسوغ سؤالًا وجوديًا على إسرائيل: ما هو ثمن العدالة وما هو ثمن الاستقرار السياسي؟ بغض النظر عن النتيجة، فإن مصير بنيامين نتنياهو سيكون علامة فارقة في مسار السياسة الإسرائيلية للسنوات المقبلة.

 

مقالات مشابهة

  • استشارية التنمية البشرية تناقش خارطة طريق لإعداد الشباب للذكاء الاصطناعي
  • لجنة التنمية البشرية: خارطة طريق لإعداد الشباب المصري للذكاء الاصطناعي
  • "الصحة" تناقش خارطة طريق لإعداد الشباب المصري للذكاء الاصطناعي
  • مباحثات سعودية أوروبية حول التحديات الاقتصادية في اليمن وتطورات البحر الأحمر
  • السعودية تضع خططًا جديدة لمرحلة ما بعد الحوثيين: هل يشهد اليمن تحولًا جذريًا؟
  • نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"
  • ما أكبر التحديات التي تواجه الممثل؟.. ريهام عبد الغفور تروي تجربتها
  • وزير الطاقة يبحث مع رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر التحديات التي تواجه قطاعي المياه والكهرباء
  • محمد الفيومي: منح العقار رقما قوميا يسهم في تجاوز التحديات التي تواجهها المنظومة
  • أمير القصيم: خارطة طريق طموحة لرسم المستقبل