القدس المحتلة- لم يشفع لرؤساء كنائس القدس البيان الذي صدر عنهم، الذي وضحوا من خلاله سبب مشاركتهم في لقاء مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، قبيل حلول أعياد الميلاد. وكان اللقاء قد أثار غضبا وانتقادات.

وأكد رؤساء الكنائس في بيانهم أنهم طالبوا خلال زيارتهم بـ"وقف شلال الدم" في غزة، وأن "كل ما يتم تناوله خارج هذا الإطار هو بهدف تشويه صورة المسيحيين والكنائس، وخدمة لأجندات سياسية تترفع الكنائس عن الخوض فيها أو مخاطبتها".

ولم يمرّ هذا اللقاء -الذي عُقد الخميس الماضي- مرور الكرام، خاصة أنه نُقل عن إسحاق هرتسوغ قوله إن "قوى الشر نفذت هجمات همجية وسادية" في إشارة إلى السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وإنه يتوقع "من زعماء العالم المسيحي أن يدينوا بشدة فظائع حماس، وأن يدعموا جهودنا للقضاء على الشر" في الأراضي المقدسة، وفق تعبيره.

واستهل الأرشمندريت عبد الله يوليو -الرئيس السابق لدير الروم الملكيين الكاثوليك في رام الله- حديثه للجزيرة نت، بوصف اجتماع البطاركة بهرتسوغ بـ"الصادم"، لأن رؤساء الكنائس الذين اجتمعوا معه هم أنفسهم الذين اتخذوا موقفا بعدم وجود معايدات ومظاهر احتفال هذا العام، نظرا للأوضاع التي تمر بها البلاد.

لقاء رؤساء كنائس القدس مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الخميس (مواقع التواصل) لا حكمة في الزيارة

قال يوليو "لم يكن من الضرورة الذهاب إلى هناك لأن شعبنا يُذبح، والزيارة غير مناسبة وإن كان هناك بروتوكول سنوي كما يقولون، ولو افترضنا حسن النية بأن الزيارة كان هدفها المطالبة بوقف شلال الدم في غزة، فإن قليلا من الحكمة كان كفيلاً بعدم تنظيمها".

وتطرق الأرشمندريت إلى أن المسيحيين هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية، مضيفا أنهم ليسوا مجرد أقليات وطوائف، ووجودهم طارئ، بل هم جزء تاريخي وأصيل من الأمة، وموقفهم واضح تجاه القضية التي يرتبطون بها.

وأشار يوليو إلى أن "نادي شباب رام الله" نظم أمس السبت وقفة رافضة للزيارة رُفعت خلالها صورة رجل دين مسيحي واحد هو المطران هيلاريون كبوتشي الملقب بـ"حارس القدس"، وهو رجل الدين السوري الذي أفنى حياته دفاعا عن القضية الفلسطينية، حتى اعتقلته إسرائيل وحكمت عليه بالسجن الفعلي 12 عاما.

وأضاف يوليو "رفعت صورة هذا المطران، رغم مرور سنوات على رحيله ليقول الفلسطينيون إن هذا الرجل هو عنواننا، وهذا ما نريد أن يكون رجل الدين عليه في البلاد. يجب أن يكون جزءا من الشعب وهمومه وتطلعاته".

من جهته، استهل الباحث في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية أليف صبّاغ حديثه -للجزيرة نت- بوصف الزيارة بـ"المعيبة"، وسلوك ما يطلقون على أنفسهم الرئاسة الروحية للمسيحيين بـ"الشائن والفتنوي الذي لا يخدم سوى الاحتلال"، وأكد أنه لا يجوز غض الطرف عن هذه الزيارة ولا التسامح مع من قاموا بها "لأنهم ذهبوا لمصافحة القاتل من أجل تبرئته.. نحن لا نتسامح مع القاتل ولا نصافحه".

وتأتي هذه الزيارة وفقا للكاتب والمختص في الشؤون الإسرائيلية أليف صبّاغ بعد تأجيل أسبوعين، لأن إسرائيل أرادتها بالتزامن مع الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، لاستخدامها لصالحها أمام الرأي العام الأوروبي والأميركي، لتقول إنه لا مشكلة بينها وبين المسيحيين، ولتبرئ نفسها مجددا من قصف مستشفى المعمداني وغيره من الممتلكات المسيحية في قطاع غزة.

وأضاف صبّاغ "ما حدث في مستشفى المعمداني لا يجوز نسيانه، وما حدث من قنص في دير اللاتين لا يمكن إغفاله، وما يحصل من قتل للإنسان بقطاع غزة يجب عدم التسامح معه، ونعتبر رجال الدين المسيحيين الذين اجتمعوا مع هرتسوغ محتلين مثلهم مثل الاحتلال الإسرائيلي، لأنهم أجانب ولا يفهمون كرامة الشعب الفلسطيني ولا حقوقه، ويتعاون هؤلاء مع الاحتلال، لأنهم جزء منه".

لجنة متابعة لسلوك رجال الدين

وفي إطار التحركات المسيحية المناهضة لهذه الزيارة أكد الباحث صبّاغ أنه تم عقد عدة لقاءات في فلسطين وخارجها، اجتمع خلالها عدد من الشخصيات والنشطاء المسيحيين، وتم الاتفاق على إنشاء لجنة متابعة، تضم شخصيات دنيوية لا دينية، لمتابعة سلوك رجال الدين المسيحيين وعلاقتهم مع الاحتلال الإسرائيلي.

وستكون لجنة المتابعة عامة تشمل كافة الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط، وستعمل ضمن برنامج بعيد المدى، يضمن عدم الصمت أو إغفال سلوكيات رجال الدين التي لا تخدم سوى إسرائيل.

يقول صبّاغ "نناضل منذ سنوات طويلة من أجل أن يكون رؤساء كنائسنا في فلسطين عربا لا أجانب، لماذا نرى رئيس الكنيسة الروسية روسيا والألمانية ألمانيا واليونانية يونانيا؟ في حين يُفرض علينا أن يكون رؤساء الكنائس في فلسطين أجانب. والإجابة أن مشكلتنا تكمن في السلطة السياسية الأردنية والفلسطينية، التي تدعم الأجنبي على حساب حقوق أبناء الكنيسة العرب".

وختم صبّاغ حديثه للجزيرة نت بالقول إنه "لو كان هؤلاء يريدون حقا خدمة المسيحيين والدفاع عنهم في فلسطين، لماذا لم نرَ منهم تحركا جادا عندما اتخذ المستوطنون عادة البصق بشكل شبه يومي على الصليب ورجال الدين، في القدس خاصة وفلسطين عامة؟"

وأجاب المتحدث ذاته أنهم "كانوا يدعون إلى التسامح حينها"، متسائلا ما إذا كانت زيارتهم الأخيرة لإسحاق هرتسوغ تندرج أيضا في إطار التسامح، أم في إطار تجاهل المأساة التي يمر بها الفلسطينيون في قطاع غزة.

يُذكر أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) استنكرت هذا اللقاء، وقالت في بيان لها "صدمتنا صورة القادة المسيحيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهم يجتمعون مع رئيس الكيان الصهيوني بمناسبة أعياد الميلاد، لا سيما أنه لم يتحدث أي منهم بما يمر به شعبنا من أوقات عصيبة، بسبب جرائم الإبادة وجرائم التطهير العرقي".

ورأت حماس "نحن نعتقد أن هذه القيادة المسيحية، بهذا السلوك، لا تمثل أبناء شعبنا بكل طوائفه"، وفق تعبير البيان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رجال الدین فی فلسطین أن یکون

إقرأ أيضاً:

الإعلام الإسرائيلي... أزهى عصور التعتيم!

في رسالته بمناسبة «اليوم العالمي لحرية الصحافة»، في 3 مايو (أيار) الماضي، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن فزعه للعدد الكبير من الصحافيين الذين قُتلوا في العمليات العسكرية الدائرة، منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الفائت، في غزة.

لقد قُتل عشرات الصحافيين المعنيين بتغطية أحداث تلك الحرب، وبسبب تصاعد وتيرة القتل، والغياب المُتعمّد لآليات التدقيق والتقصي، لم يعُد بالإمكان إحصاء عدد الصحافيين والإعلاميين القتلى على نحو دقيق، لكن بعض التقديرات تتحدث عن مقتل ما يزيد على مائة صحافي، واعتقال العشرات.
وفي الأسبوع الماضي، طالبت 15 وسيلة إعلام ألمانية كبرى بإتاحة الفرص لصحافييها للدخول إلى قطاع غزة، للقيام بدورها الضروري في تغطية الأحداث، عادّة أن منع دخولها القطاع لممارسة عملها «سابقة غير معهودة في التاريخ».

وبالتوازي مع ذلك، توالت الأنباء عن قصف وتدمير مقار لوسائل إعلام دولية وإقليمية ومحلية في القطاع المنكوب بالحرب، فضلاً عن ملاحقة السلطات الإسرائيلية عدداً من الصحافيين بتهم ارتباطهم بحركة «حماس»، والعمل لصالحها، وهي اتهامات قُدّمت من دون أدلة دامغة في أحيان عديدة.
ولم تكتفِ إسرائيل في سياساتها الرامية إلى تعقيم المجال الإعلامي المواكب للحرب بتلك الممارسات، لكنها فرضت أيضاً رقابة عسكرية صارمة على وسائل الإعلام المحلية بشقيها «التقليدي» و«الجديد»؛ إذ بات من الصعب جداً الحصول على صور أو فيديوهات أو تقييمات ميدانية للأوضاع على الأرض، وهو الأمر الذي غيّب الجمهور عن معرفة كثير من الحقائق الضرورية لإدراك تأثيرات الحرب وتطوراتها.

ترسم هذه الوقائع صورة لما أرادته إسرائيل بخصوص المواكبة الإعلامية لحربها، التي بدأت مع «حماس»، ثم امتدت إلى لبنان مع «حزب الله»؛ إنها استراتيجية تعتيم متكاملة، تستهدف السيطرة على الصورة الذهنية عن تأثير الحرب، بما يُمكّن قادة الدولة العبرية من التصرف من دون ضغوط إعلامية، وبأقل قدر ممكن من المحاسبة الشعبية.

والشاهد، أن للحرب جانبين؛ أحدهما مادي، تحدده ديناميات القتال على الأرض، ونتائجها العملية، وثانيهما معنوي، تحدده صورة كل طرف من أطرافها خلال عمليات القتال وبعده، ويبدو أن إسرائيل أولت اهتماماً بالغاً بتلك الصورة، ويبدو أيضاً أنها تحقّق نجاحاً عملياً باطراد.

فلم تكن إسرائيل، منذ إنشائها، غافلة عن الأثر الكبير للصورة الذهنية والسمعية في مجريات صراعها مع العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، بل على العكس تماماً؛ إذ تثبت مراجعة أدبيات الهندسة الإعلامية وإدارة مجال الرأي العام المواكب للصراع من الجانب الإسرائيلي، وجود درجة عالية من الحساسية والوعي بأهمية هذا المجال.

فغداة إعلانها، بدأ رئيس الوزراء، آنذاك، ديفيد بن غوريون، تأسيس عدد من الهيئات والمنظمات، التي رأى أنها ضرورية وحيوية لتعزيز الدولة الوليدة، التي «تعيش في محيط من العداء، وتواجه التحديات الجسام».

ومن أولى الهيئات التي حرص بن غوريون على تأسيسها، آنذاك، «هيئة رؤساء تحرير الصحف»، وهي الهيئة التي ألزمت السلطات من خلالها جميع رؤساء التحرير في صحف الدولة كافّة بالاشتراك في عضويتها، والامتثال لقراراتها.

تحدّث بن غوريون، في اجتماع تدشين «هيئة رؤساء تحرير الصحف»، ليعطيهم ما يمكن وصفه بالتوجيه الاستراتيجي لعملهم، فقال: «يجب علينا أن نزن أقوالنا، ولا نعطي العدو معلومات، ولا نزرع الفتنة والفوضى في شعبنا».

صحيح أن إسرائيل سعت لاحقاً إلى تطوير استراتيجيتها الإعلامية في مواكبة حروبها ونزاعاتها العنيفة إلى ما اُصطلح على تسميته «كسب العقول والقلوب»، لكن تلك الاستراتيجية لم تصمد قط عندما احتدمت النزالات الكبرى؛ إذ ظلّت الرغبة في التعتيم أكثر تأثيراً في الممارسات الفعلية.

لم تكن الشكوى من سياسة التعتيم الإسرائيلية على مجريات الحرب في غزة ولبنان، خصوصاً ما يتعلّق بتأثيرها في الداخل الإسرائيلي، عالمية أو عربية فقط، لكن بعض وسائل الإعلام العبرية اشتكت أيضاً من خطورة تلك السياسة.

إنها سياسة تعتيم بارعة ومكتملة الأركان وناجعة إلى حد كبير، وأهم ما يميّزها أنها تحدث بسلاسة واطراد، وتحت شعارات براقة عن الحداثة، والديمقراطية، والرغبة في الانفتاح.

(الشرق الأوسط اللندنية)

مقالات مشابهة

  • انطلاق التحضيرات لانتخابات رؤساء الحرف والمهن بالشرقية
  • غرفة السياحة: إصدار باركود العمرة لحاملي تأشيرات الزيارة قبل 48 ساعة من السفر
  • الإعلام الإسرائيلي... أزهى عصور التعتيم!
  • تفسير حلم شراء ملابس جديدة في المنام.. دلالات مختلفة
  • انسحاب آبل من محادثات تمويل OpenAI: دلالات وأبعاد استراتيجية
  • شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تحكي قصة “الحكامة” التي خلعت ملابسها الداخلية وعلقتها داخل متحرك للدعم السريع وإنصاف مدني تقاطعها: (قولي قلعت لباسها عادي ما فيها حاجة)
  • الضمان الاجتماعي.. 5 شروط يجب توافرها لإجراء الزيارة المنزلية
  • 24 عاما على “انتفاضة الأقصى”.. زيارة شارون التي أغضبت الملايين
  • 24 عاما على انتفاضة الأقصى.. زيارة شارون التي أغضبت الملايين
  • مجلس كنائس مصر يناقش استخدام الذكاء الاصطناعي في الخدمة