ملحمة إعلامية تنافس العسكرية في غزة
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
ليست الملاحم العسكرية لكتائب المقاومة الفلسطينية وحدها المبهرة فيما يحدث في غزة، هناك ملحمة إعلامية تواكب تلك الملاحم العسكرية، وتسبقها أحيانا برفع الروح المعنوية للمقاومين وأنصارهم، وبث الرعب في نفوس عدوهم، وهو ما يسمى بالحرب النفسية.
الملحمة الإعلامية لطوفان الأقصى متشعبة، وتشارك فيها كتائب متعددة، سواء الإعلام العسكري لكتائب المقاومة الذي يرصد ويوثق العمليات العسكرية ويعيد بثها في قوالب تلفزيونية احترافية، أو المراسلين الميدانيين للقنوات والإذاعات، أو نشطاء السوشيال ميديا.
تناغمت هذه الأطراف الثلاثة فصنعت في النهاية ملحمة إعلامية رفعت الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، ومعه بقية الشعوب العربية والإسلامية والشعوب الحرة في العالم بأسره من ناحية، وأوقعت الرعب في نفوس الإسرائيليين وحلفائهم من ناحية ثانية، وقلبت الرأي العام العالمي من الدعم للعدوان الإسرائيلي وإدانة المقاومة في الأيام الأولى؛ إلى إدانة العدوان الإسرائيلي والمطالبة بوقفه لاحقا كما ظهر في تلك المظاهرات العارمة التي جابت العواصم الغربية والشرقية
ليس خافيا مدى سيطرة الصهاينة على كبريات وسائل الإعلام العالمية، وعلى شركات العلاقات العامة، وليس خافيا تلك القيود المتشددة التي وضعتها العديد من الدول الغربية على نشر الرواية الفلسطينية والاكتفاء بالرواية الإسرائيلية، وليس خافيا القيود التي وضعها مالكو شركات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وغيره) لمنع وصول الرواية الحقيقية للأحداث، ومع ذلك لم تصمد كل تلك القيود والسدود أمام إعلام المقاومة رغم ضعف إمكانياته.
ضعف الإمكانيات المادية لإعلام المقاومة عوضه بشكل كبير الروح التي تلبست المراسلين الميدانيين، فهم ليسو مجرد صحفيين باحثين عن سبق صحفي بهدف الشهرة والترقية، ولكنهم إلى جانب كونهم صحفيين ومصورين مهنيين فهم أيضا أصحاب قضية وهم أصحاب الأرض، ولذا وجدناهم يتحدون القنابل والرصاص والتهديدات المتكررة التي وصلتهم بشكل مباشر من العدو عبر هواتفهم.
لقد هرب الصحفيون الأجانب من التغطيات في غزة؛ إما التزاما بقواعد السلامة المهنية التي تتيح لهم منح الأولوية لسلامتهم الشخصية، أو تواطؤا مع العدو وهذا الأرجح، لكن المراسلين الفلسطينيين ظلوا مرابطين تحت القصف، وقد استشهد منهم حتى الآن مائة أو يزيد، فلم يفتّ ذلك في عضدهم، ولم يدفعهم للاستسلام والناي بأنفسهم عن أماكن الخطر.
رغم الترحيل القسري لنسبة كبيرة من أهل شمال القطاع إلا أن عددا من المراسلين والمصورين بقوا هناك فكانوا خير سند لمن تبّقى في الشمال، ينقلون معاناتهم، ويُظهرون صمودهم وتمسكهم بأرضهم وحقهم.. لقد حاول العدو بث دعاية خبيثة عن نجاحه في تفريغ الشمال تماما من ساكنيه، لكن أولئك المراسلين الفلسطينيين الأبطال دحضوا هذه الكذبة عمليا ببث صور المواطنين يتجولون في الشوارع، أو ينقلون شهداءهم وجرحاهم، او حتى يتفقدون بيوتهم المهدمة خلال فترات الهدنة الماضية، وأجهض هؤلاء المراسلون محاولة العدو صناعة صورة نصر زائفة بنقلهم الحقائق على الأرض صوتا وصورة.
صار حضور أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، وأبو حمزة، الناطق باسم سرايا القدس، أهم من غيره من الأحداث الكبرى، ترتفع نسب المشاهدة على البث الحي للقنوات خلال كلماتهما إلى حدها الأقصى، وينتظرها جمهور المشاهدين منذ اللحظات الأولى للإعلان عن موعدها.
اكتسب إعلام المقاومة مصداقية لم تتوفر للإعلام العسكري الرسمي العربي في الحروب السابقة، حين كان يعلن عن إسقاط عشرات أو حتى مئات الطائرات الإسرائيلية في حزب حزيران/ يونيو 1967؛ بينما كان جيش الاحتلال قد دمر سلاح الطيران المصري كاملا على الأرض، وحين كان يعلن أن القوات العربية على أبواب تل أبيب بينما كان جيش الاحتلال يجتاح سيناء والجولان وغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.. أو في حرب الخليج الثانية حين كان الصحاف، وزير إعلام صدام، يعلن القضاء على "العلوج" الأمريكان بينما كانوا يطرقون باب غرفته في الفندق، أو حتى في عاصفة الحزم، حيث توالت البيانات العسكرية عن قرب القضاء على التمرد الحوثي فإذا بالحوثيين يسيطرون على صنعاء، ويضربون في عمق الأراضي السعودية والإماراتية.
المراسلون في فلسطين عموما وفي غزة خصوصا يستحقون الدعم السياسي والقانوني من المنظمات والهيئات الصحفية العالمية في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي يستهدفهم بشكل مباشر، ويستهدف عائلاتهم بهدف إخضاعهم ومنعهم من مواصلة عملهم في نقل الحقيقة
نماذج تدرس في كليات الإعلام قدمها المراسلون والمصورون الفلسطينيون، والذين يستحقون أعلى الجوائز العالمية بل يستحقون أن تُنشأ جوائز خاصة تليق بهم.. لقد استشهد زملاؤهم أمام أعينهم، بل استشهد أبناؤهم وآباؤهم، وتمكنوا بأيديهم من انتشالهم من تحت الأنقاض، ونقلوهم إلى المشافي أو المدافن، ثم عادوا يحملون كاميراتهم ينقلون الحقيقة، وحتى من أصيب إصابات بالغة مثل الإعلامي وائل الدحدوح رفض أن يبقى تحت العلاج حتى تلتئم جراحه؛ فعاد فورا إلى الميدان.
هذه مشاهد لم نقرأها في أي من كتب الإعلام، ولم نر لها مثيلا في حروب سابقة، فكما ذكرت؛ عادة ما تطلب المؤسسات الإعلامية من مراسليها ومصوريها توخّي الحذر والحرص على سلامتهم الشخصية.
المراسلون في فلسطين عموما وفي غزة خصوصا يستحقون الدعم السياسي والقانوني من المنظمات والهيئات الصحفية العالمية في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي يستهدفهم بشكل مباشر، ويستهدف عائلاتهم بهدف إخضاعهم ومنعهم من مواصلة عملهم في نقل الحقيقة. وحسنا فعل الاتحاد الدولي للصحفيين بتقديم دعوى ضد الكيان للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما انضمت إليه نقابة الصحفيين المصريين، وينبغي أن يلحقها اتحاد الصحفيون العرب، وكل المنظمات المعنية بحرية الصحافة، كما ينبغي على تلك المنظمات الدولية التحرك لعزل الكيان دوليا في كل المحافل ومحاصرة روايته الكاذبة والمضللة.
twitter.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة غزة الإعلامية صحفيين غزة الإعلام المقاومة صحفيين فلسطيين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدوان الإسرائیلی من ناحیة فی غزة
إقرأ أيضاً:
نعيم قاسم: الميدان هو الذي سيوقف العدوان وصواريخنا ستصل لكل إسرائيل
قال الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم "إن الخيار الحصري لحزب الله هو منع الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق أهدافه"، وشدد على أن وقف الحرب العدوانية يتوقف على الميدان، وأن صواريخ وطائرات المقاومة ستصل إلى كل مكان في إسرائيل.
وأثار قاسم في كلمته نقاطا عديدة تتعلق بالمقاومة اللبنانية وبمسارها في مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان، والذي قال إنه يهدف إلى القضاء على حزب الله.
وأوضح أن المقاومة اللبنانية لديها 3 عوامل قوة أساسية، وهي أن المقاومين والحزب يحملون "عقيدة إسلامية راسخة" تجعلهم يقفون مع الحق والثبات والعزة، وثانيا أن المقاومين "أعاروا جماجمهم لله"، وثالثا أن حزب الله هيأ نفسه وإمكانياته وقدراته للمواجهة مع الاحتلال.
وفي المقابل، فإن إسرائيل لديها أيضا 3 عوامل قوة، تتعلق بالإبادة وقتل المدنيين والظلم والاحتلال، ولديها قدرة جوية استثنائية وشبكة اتصالات، يضاف إليها دعم غير منته من "الشيطان الأكبر"، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وقال الأمين العام لحزب الله إن إسرائيل تشن حربا عدوانية على لبنان، تهدف إلى إنهاء وجود الحزب واحتلال لبنان ولو عن بعد وجعله شبيها بالضفة الغربية، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديه مشروع كبير يتخطى قطاع غزة ولبنان.
وأعرب المسؤول الأول في حزب الله عن قناعته بأن وقف العدوان الإسرائيلي يتعلق بالميدان، وليس بالحراك السياسي والاستجداء لوقف هذا العدوان، كما قال.
وفي السياق ذاته، أكد على مسألة المقاومة في الحدود والجبهة الداخلية الإسرائيلية، وقال "ستصرخ إسرائيل من الطائرات والصواريخ ولا يوجد مكان في إسرائيل ممنوع من الطائرات والصواريخ". و" الأيام الماضية كانت نموذجا".
كما كشف أن حزب الله لديه عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين الذين يستطيعون المواجهة والثبات، بالإضافة إلى إمكانيات متوفرة في المخازن وفي أماكن التموضع.
وبينما شدد على أن المقاومة ستجعل الاحتلال يسعى للمطالبة بوقف العدوان، أوضح قاسم أن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري "يحمل راية المقاومة السياسية"، وعندما يقرر الاحتلال وقف العدوان هناك طريق للمفاوضات عبر الدولة اللبنانية.
كما تطرق قاسم عن حادث اختطاف قوة كوماندوز بحرية إسرائيلية في وقت سابق أحد المواطنين في شمال البلاد، مطالبا الجيش اللبناني بإصدار توضيح لما حصل، وكيف حصل الخرق، وما دور قوة الأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل) وخاصة الألمان.
ويذكر أن قاسم ألقى كلمته في ذكرى "الأربعين" لاغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله، الذي استهدفته غارة إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية في 27 سبتمبر/أيلول الماضي.