جريدة الوطن:
2025-04-26@22:23:48 GMT

نبض المجتمع : القطاع العقاري .. إلى أين؟

تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT

نبض المجتمع : القطاع العقاري .. إلى أين؟

لا يستقيم أيُّ تطوُّر في أيِّ مجال بالحياة إلَّا بوجود تنظيمات وتشريعات وحلول مبتكرة للمشاكل الَّتي يواجهها، وهذا المنطق ينطبق على مختلف مناحي الحياة، فلو تحدَّثنا عن القِطاع العقاري مثلًا سنجد أنَّ الإشكاليَّات الَّتي يواجهها في مختلف دوَل العالَم مشاكل متشابهة إلى حدٍّ بعيد، ولكن هنالك دوَل عملت على إيجاد حلول عمليَّة وواقعيَّة لمعالجتها انطلاقًا من وجود هدف واضح وصريح، وهو تنمية هذا القِطاع ودعمه للقِطاعات الأخرى، فكما هو معلوم أنَّ تطوُّر قِطاع ما يساعد بصورة مباشرة وغير مباشرة على تطوُّر القِطاعات الأخرى والعكس صحيح، بل إنَّ أيَّ تطوُّر في القِطاع العقاري سيتبعه تطوُّر في الاقتصاد المحلِّي برُمَّته.

ولو نظرنا للنقطة الَّتي بدأنا بها المقال، وهي طبيعة المشاكل الَّتي يواجهها، فسنجد أنَّ أهمَّ إشكاليَّة هي في ثقة المستثمرين والمستفيدين في آنٍ واحد، ولذلك نجد في كثير من الدوَل غير المُهتمَّة بجانب التشريعات وسرعة إيجاد الحلول للمشاكل أنَّ عدم تطوُّر هذا القِطاع يعُودُ لهذه النقطة، فسَعى الكثير من الدوَل إلى بناء هذه الثقة بمجموعة من الإجراءات، لعلَّ أبرزها وجود قاطرة للمبالغ الَّتي يدفعها المستفيد إلى المستثمر بحيث لا يتسلم المستثمر أيَّ مبلغ إلَّا بعد إتمام المرحلة السابقة من البناء، بحيث تكُونُ هذه المبالغ في حوزة الجهة الحكوميَّة الَّتي تنسِّق هذه العمليَّة، وتضمن انسيابيَّتها بَيْنَ الطرفَيْنِ. من هنا تقلُّ عمليَّة الهروب الجماعي بالأموال الَّذي يمارس في بعض الدوَل والَّتي بمجرَّد أن يجمعَ المستثمر الأموال من المستفيدين من البناء إلَّا ويهرب خارج تلك الدَّولة دُونَ التمكُّن من إرجاع هذه المبالغ الَّتي دفعت، من هنا وعِند وجود هذا التنسيق تنشأ الثِّقة المتبادلة المنظَّمة والَّتي ـ بلا شك ـ تُسهم بفعاليَّة كبيرة في تطوُّر النشاط العقاري، وهذه فكرة بسيطة لا تحتاج لكثير عناء في مقابل مبالغ ضائعة لَمْ يجدْها أصحابها لليوم، وفي مقابل تردد الكثير من أصحاب الأموال عن استثمار أموالهم في هذا النشاط، والأمر ينطبق حتَّى على المباني المنشأة لغرض السَّكن الشخصي، فما زال الوضع على حاله، والدليل كمُّ القضايا المرفوعة في المحاكم في هذا المجال، والأمْرُ لا يحتاج أكثر من قاعدة بيانات خاصَّة للأشخاص المقبلِين على البناء لِيتأكدَ فقط من نزاهة المقاول وعدم وجود سجلِّ تعثرات لدَيْه، وهذا ليس بالأمْرِ الصَّعب، وإذا كان الأمْرُ مرتبطًا بالحفاظ على الخصوصيَّة فهذه معلومات ترتبط بطبيعة عمل قِطاع بأكمله وليس لها علاقة بجانب الخصوصيَّة في شيء. خطرت ببالي هذه الأفكار وأنا أتلقَّى اتصالًا هاتفيًّا من أحَد الزملاء الَّذي كان يشكو من تأخُّر بناء منزله لمدَّة (3) سنوات لمجرَّد أنَّه وقَّع مع المقاول الخطأ الَّذي تفنَّن في تأخيره لهذه المدَّة بأساليب ملتوية ومتعدِّدة لا يفقه فيها شيئًا، اكتشف بعدها كم المشاريع المتعثِّرة لدى ذلك المقاول، وكمّ القضايا المرفوعة عَلَيْه. ولكن من أين له هذه المعلومات في البداية؟ كيف بالإمكان الحصول عَلَيْها بطريقة رسميَّة وصحيحة بعيدة عن التأويلات؟ فلو كانت هذه المعلومات متاحة بصفة رسميَّة لِمَن يوَدُّ بناء منزل أو بناية معيَّنة لقلَّت تلك القضايا المرفوعة في المحاكم، وتطوَّر القِطاع العقاري برُمَّته، فقط مجرَّد إجراء بسيط لا يكلّف شيئًا.
وفي الجانب الآخر من القِطاع وهُمُ المستأجرون، وهُمْ عالَم آخر يدفع بهذا القِطاع إمَّا قُدُمًا إلى الأمام أو يرجع به للخلف، فالوضع يحتاج إلى قاعدة بيانات أيضًا لاتِّقاء مشاكلهم في التخلُّف في السَّداد أو المماطلة في دفع المتأخرات، فالمحاكم حبلى أيضًا، وكُلُّها تصبُّ في النِّهاية في قضيَّة تقدُّم النشاط العقاري من عدمه.
إنَّ وجود قاعدة بيانات موحَّدة ومرتبطة ببعضها البعض، وإتاحتها للمستفيدين وفق ضوابط محدَّدة وواضحة ستحلُّ نصف مشاكل هذا القِطاع، وستعمل على بناء الثِّقة بَيْنَ جميع الأطراف ممَّا سينعكس إيجابًا على تطوُّره في النِّهاية ودعمه للاقتصاد الوطني.

د. خصيب بن عبدالله القريني
kaseeb222@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: هذا الق طاع

إقرأ أيضاً:

حين تصبح حماية الطفولة معركة وجودية

تستحق واجهة الطفل على منصة «عين» التي دشنتها وزارة الإعلام الخميس الماضي أن ننظر لها أبعد، وأعمق كثيرا من كونها مشروعا إعلاميا يضاف إلى مشاريع الوزارة الرائدة، إنها، في الحقيقة، استجابة كبرى ضمن مشاريع عمانية وعربية ودولية أخرى لإنقاذ الطفولة من حالة الاختطاف وإعادة هندسة الوعي الطفولي المبكر بعيدا عن القيم الإنسانية السوية.

ومن يقرأ تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، والكثير من الدراسات في نقد الإعلام الموجّه للأطفال، يدرك حجم الكارثة؛ فالطفل لم يعد كائنا يتشكل عضويا داخل ثقافته الأم، بل أصبح مشروعا مفتوحا لتشكيل مزيج مضطرب من الاستهلاك، والانعزال، والتشظي القيمي. لم تعد شاشات العالم، كما حلم التنويريون يوما، وسيلة للمعرفة والترقي، بل أداة تفكيك للهوية وتمييع للانتماء الإنساني الأصيل.

وفي هذا السياق، تأتي تجربة منصة «عين للطفل» محاولة لتجاوز الانفعال اللحظي نحو رؤية فلسفية أعمق تتمثل في محاولة إعادة تعريف وظيفة الإعلام الموجه للأطفال باعتباره حقلا أخلاقيا، لا مجرد نشاط اتصالي. المنصة، كما تشير فلسفتها المعلنة، تحاول أن تبني للطفل فضاء معرفيا وعاطفيا محميا، يراعي إشباع حاجاته النفسية والوجدانية دون التخلي عن مهمة حفظ هويته وتمكينه من التفكير الحر المسؤول.

ولا يمكن فهم أهمية هذا المشروع إلا حين ندرك أن الطفل اليوم ليس متلقيا عاديا، بل يشارك في إنتاج معناه الخاص عبر تفاعله مع الشاشة، كما أثبتت الكثير من الدراسات حول «جيل الشاشة»، حيث لا يتعلق الخطر فقط بما يشاهده الطفل، بل بكيفية تشكيل وعيه من خلال التدفق المعلوماتي غير الخاضع لمعايير الهوية والأخلاق.

ولذلك فإن الرهان الكبير الذي تخوضه واجهة الطفل في منصة «عين» ليس تقنيا فقط إنما هو بكثير من الأشكال رهان وجودي ينطلق من محاولة الإجابة عن أسئلة من قبيل، هل يمكن بناء طفل عربي معاصر، يحيا داخل الزمن الرقمي دون أن يفقد انتماءه إلى الإنسان الكلي وقيم مجتمعه العميقة؟ هل نستطيع أن نقدم له محتوى يدمج بين الجاذبية الشكلية والأصالة المعرفية؟ وهل بمقدورنا أن نربّي في داخله شغف الاكتشاف دون أن نسلمه لآلة الاستهلاك المعرفي المعولم؟

ومثل هذا النقاش أوسع بكثير من إنتاج «قصص مصورة» أو «برامج تعليمية مبسطة»، ولكن الأمر يتعلق بمحاولة جادة لصناعة جهاز مناعي ثقافي داخل عقل الطفل وقلبه، كما دعت إليه أدبيات اليونسكو في تقاريرها حول «وسائل الإعلام والأخلاقيات الرقمية للأطفال».

هذه التجربة التي أنتجتها وزارة الإعلام تستحق أن تُقرأ كنموذج أولي لمشروع أوسع يتمثل في بناء منظومة رقمية كبيرة وواسعة مبنية على قراءة واعية بآلية تشكيل «المواطن الرقمي الصالح» يكون قادرا على أن يتفاعل مع معطيات التقنية دون أن تبتلعه، وعلى أن يسهم في بناء عالمه الجديد دون أن ينسلخ عن جذوره.

ولكن، حتى ينجح هذا المشروع، لا يكفي إنتاج منصة واحدة، بل ينبغي أن تصاحبها ثورة ثقافية كاملة في إدراك دور الإعلام التربوي، وإعادة بناء المناهج التربوية، واستحداث سياسات عامة تجعل من حماية الطفولة الرقمية جزءا لا يتجزأ من مشروع النهضة الوطني والعربي الأوسع.

إن أي تأخر في البدء بمثل هذا المشروع من شأنه أن يترك فجوات كبيرة، فالطفولة لم تعد مجرد مرحلة عمرية، إنها الآن ميدان لصراع عالمي على القيم والمبادئ والهوية. وإذا لم نبنِ اليوم فضاءات معرفية حقيقية لأطفالنا، سيبنيها الآخرون بما يخدم رؤاهم هم لا رؤانا.

إن «عين الطفل العماني» يمكنها أن تكون نقطة ضوء في زمن تغرق فيه الكثير من الشاشات بألوان زائفة، والضمان الوحيد لاستمرار هذا الضوء ألا نكتفي بأن نُدهش الأطفال بما يُعرض عليهم، بل أن نراهن على عقولهم، ونغرس في قلوبهم جسورا ممتدة بين جذورهم العميقة وأحلامهم البعيدة.

مقالات مشابهة

  • الحقد وأضراره على المجتمع
  • حين تصبح حماية الطفولة معركة وجودية
  • رئيس مراسم الجنازة: بابا الفاتيكان دعا إلى بناء الجسور لا الجدران
  • «أراضي دبي» تُطلق مبادرة «دبي كونكت وجهتك العقاريّة» بدءاً من الهند
  • جعجع: بناء الدولة يبدأ من البلديات
  • بناء قبور مجانية من ركام المنازل المدمرة في غزة
  • «الفجيرة للبيئة» تناقش تخفيف آثار التغير المناخي
  • تهنئة عيد العمال
  • مواعيد عمل مكاتب الشهر العقاري والتوثيق بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2025
  • “الصندوق العقاري” يودع أكثر من مليار ريال في حسابات مستفيدي “سكني” لشهر أبريل