سعيد عولقي يستذكر التاريخ.. اللقاء الأخير لسالمين في قصر الرئاسة بالتواهي
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
عدن ((عدن الغد)) خاص:
كتب /سعيد عولقي
(سالمين) من له اذنان للسمع، فليسمع.. حيث تكون الجثة، تتجمع النسور"لوقا"
كان يوماً بهيجاً من ايام1978م لم نعلم حينها انه سيكون له ما بعده.. الرئيس سالم ربيع علي-- سالمين -- في اتصال تليفوني مع رئيس اتحاد الفنانين قال : كلهم.. كلهم ياعيديد معزومين.. قال له : ولكنهم كثيرون اخي الرئيس.
في المقيل، وفي ختام الكلام سال الرئيس جموع الحاضرين اللذين كانوا يمثلون الادب والفن والاعلام عن طلباتهم ان كانت لهم طلبات.. ماذا يريدون.. اذكر ان الفنان محمد عبده الزيدي كان يريد منحة للعلاج في الخارج.. وفيصل عبدالله يريد دعماً مالياً لمسرحية كان يعمل على اخراجها.. وغيره كثيرون قدموا طلباتهم.. وكان سالمين يرفع يده مشيراً الى كبير المحاسبين في الرئاسة لتنفيذ الطلب.. تلك كانت وكأنها ليلة القدر لتحقيق الاماني.. على مائدة الغداء قال لي الاستاذ عبدالواسع قاسم : لا تشغل نفسك كثيراً بالرز والخبز.. صحيح بسمتي اصلي، ولكن لا يهم.. فقط ركز علئ اللحم.. بالذات من هذا الجدي الرضيع المشوي. !!
نرجع الى ليلة القدر.. في آخر اجتماع لفرقتنا المسرحية"المسرح الحديث"كنا نطمح الئ بناء مسرح الجيب داخل مقر فرقتنا الكبير الجميل بكريتر المجاور لمباني البلديات.. كنا قد اخترنا الاخ نجيب عبدالرحمن الدبعي رئيساً للفرقة.. وفوضناه للطلب من سالمين في ليلة القدر تلك.. وفعلاً اجاب علئ سؤال سالمين.. قال له : كم تطلبون لبناء مسرح الجيب ذاك؟ قال له نجيب : خمسة الاف شلن !! قال سالمين متسائلاً : خمسة او خمسين؟؟ فأكد نجيب وهو يبتسم : لا فقط خمسة.. وتمت اشارة سالمين للمحاسب.. وبنينا المسرح في مقر الفرقة.. وكانت تنقصنا الكراسي، فمنحنا تفويضاً للنقل البري ليعطينا الكراسي.. كانت كراسي جميلة ومتينة مأخوذة من باصات النقل البري المجرية التي استوردها باصرة.. والغيت بخروجها لعدم صلاحيتها للخدمة.. والقيت في صحراء العند.. وجهزنا مسرحنا بكراسي باصات الايكوروس المجرية المكنسلة.. وافتتحنا لاول مرة مسرح جيب مكيف ومريح في الطابق العلوي لمقرنا، وفيه كذلك جهاز لعرض افلام السينما تابع لنادي السينما الذي استحدثنا.
كان بن ربيع يرتدي فوطة حريرية راقية.. ومعه كنا علئ وشك توديع الفقر والعوز، وبناء دولة الكفاية والعدل.. في آخر خطاب متلفز له اختتمه بقوله علئ غير العادة :والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. !!
كان الناس يقولون، ونحن معهم نظن بانه: لو تزحزح هذا الجبل -- شمسان -- فسالمين لن يتزحزح.. في اخر انفاس معركته مع الرفاق قبل بالتنازل، وتسليم نفسه في وجه رفيقه علي عنتر علئ ان يترك البلاد الى منفى، في اثيوبيا.. وتعهدوا له بذلك.. وخلفوا العهد.. وقتلوه بطريقة لا تليق بالرجال
المصدر: عدن الغد
إقرأ أيضاً:
الفيتو الروسي ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ
الفيتو الروسي ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ
فايز السليك
ضجّت إذاعات الدنيا، في عام ١٩٩٤، حيث لم يكن في ذاك الوقت للأسافير وجود، وتساءل الناس عن دوافع تورط متهمين في محاولة اغتيال الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل للآداب. مثل المتهمون أمام المحكمة، فكان خبر مثولهم حكاية تصلح رواية، فقد أثاروا الدهشة في النفوس، وصدمت حكايتهم الجميع؛ لأن الذين أرادوا اغتيال محفوظ، كانوا لا يجيدون القراءة والكتابة”.
وروى المستشار أشرف العشماوي، القاضي المسؤول عن التحقيق في القضية في حوار تلفزيوني: “أن أحد المتهمين كان يتعثر في النطق باسم نجيب محفوظ، لدرجة أنه كان ينطق اسمه مقلوبا فكان يقول محفوظ نجيب، أي أنه لا يعرفه من الأصل.
كانت جماعات الهوس الديني تستثمر في مناخات الجهل والفقر والبطالة، وتتاجر في تغييب العقول، ولا تتهاون في سفك دماء الأبرياء، لدرجة الشروع في اغتيال شخصٍ في قامة نجيب محفوظ، بواسطة مجموعة لم تقرأ له روايةً، لكنها صدقت مزاعم الجماعات، واقتنعت بتفسير قراءات المتطرفين للأدب، وتأثرت بنعيق فتاواها البائسة.
وفي السودان تستثمر ذات الجماعات اليوم في الجهل والتجهيل والتدليس والتضليل، فهي لا تخاطب عقولاً واعية، لكنها تخاطب عواطف ملتبسة، فانتظر ماذا ستكون الأجوبة إذا ما طرحنا سؤالاً حول سبب الترحيب بالفيتو الروسي ضد المشروع البريطاني حول السودان، هل قرأوا المشروع؟ هل فكروا في مضمونه؟ ما رأيهم إذا ما اكتشفوا أن المشروع يدعو لمحاسبة المتورطين في جرائم الحرب، لماذا يرفضون محاسبة متورطي الدعم السريع؟ وهل يرفضون انشاء مناطق مدنية خالية من السلاح لحماية الملايين من ضحايا العنف؟ البعض يقولون لك مناطق الجيش أكثر أمناً، لكن إلى متى؟ ماذا لو اندلعت معارك؟ ولماذا الفرار أصلاً من مناطق السكن والعمل؟ وهل سيكون الهروب أبدياً؟
أظنُّ وليس كل الظن اثمٌ أن مئات الآلاف لم يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على المشروع البريطاني، ولو اطلعوا عليه لم يفهموه على طريقة “حافظين، لكن ما فاهمين”، فهل فكروا في جدوى المشروع البريطاني بالنسبة لحياة ملايين السودانيين في الجزيرة؟ وهل فكروا في أن المشروع يطالب بفك الحصار عن مدينة الفاشر؟ وهل يعرفون دوافع روسيا، ولماذا وقفت وحدها، ولم تشاركها الجزائر ولا الصين في الموقف المريب؟ هل فعلاً وقفت روسيا لمصلحة السودان؟ أم هو موقفٌ جاء لمصلحة تدفق أسلحة الدوشكا والكلاشينكوف وطائرات الانتنوف على ساحات القتال للطرفين؟
هل يا ترى يعلم هؤلاء أن السلاح الروسي هو الذي يتقاتل به الطرفان؟ وهو ذات السلاح الذي قتلوا به المواطنين في شرق الجزيرة والسريحة؟ أم تناسوا رغبة موسكو في إيجاد قاعدة على البحر الأحمر؟ أم أنها لم تكن تستقبل طائرات الذهب المهرب من الطرفين؟ لم تخضع قضية السودان للمناورات السياسية مع الأزمة في أوكرانيا؟
بكل جهل وعنجهية يقول البعض “روسيا يا أخت بلادي”، هؤلاء هم من ينطبق عليهم قول الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير” “إن العديد من خصائص الجماهير الخصوصية، من مثل سرعة الانفعال، والنزق، والعجز عن المحاكمة العقلية وانعدام الرأي الشخصي والروح النقدية والمبالغة في العواطف والمشاعر وغيرها، كل ذلك نلاحظه لدى الكائنات التي تنتمي إلى الأشكال الدنيا من التطور”.
ويضيف “حين تكون السلطة غير منطقية، أو غير شرعية، أو استبدادية، أو فرعونية، حينئذ تسود ديناميات مرضية مثل الكذب والخداع والنفاق والعدوان السلبي واللامبالاة من جانب الجماهير”. ليس غريباً سيطرة “عقلية القطيع” وعلو أصوات الغوغاء، والتهريج وانتشار الكتابات الهتافية التي تنتشر بتخطيط واعٍ من مراكز مهمتها صناعة التضليل وبضاعة التدليس، وخداع الجماهير،
وغالباً ما يسوقون هذه البضائع المسمومة في أوراق سلوفان جميلة المظهر عليها علامات الكرامة والوطنية، إلا أنها أبعد ما تكون عن ذلك، وإلا لماذا ينساق مواطن بسيط في الجزيرة وراء هتافات لفيتو روسي يفجر أنهر الدماء، متفرجاً على شلالاتها المتدفقة. تنتشر في أزمنة الجهل والتجهيل الأخبار الكاذبة، والمعلومات المضللة، وتنشط الجماعات التي تستثمر في الجهل في تلك المناخات، كانت مصر تعيش أحد حقب غيبوبتها، ضجيج غوغاء الجماعات الدينية والسلفية المتطرفة، فسبقت محاولة اغتيال محفوظ، حادثة اغتيال المفكر فرج فودة في الثامن من يونيو ١٩٩٢، وشهدت الحقبة ذاتها الحكم بارتداد د. حامد نصر أبوزيد وتفريقه من زوجته بسبب أفكاره التي لم تستوعبها العقول المغلقة، وقبل ذلك اغتالت الجماعة المتطرفة الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات في السادس من أكتوبر عام ١٩٨١. بعد محاولة اغتياله قال نجيب محفوظ “نحن من فشلنا في توعية الناس وتغيير مفاهيهمهم”. ويرى كثيرون أن نجيب محفوظ، كان يرى أنه ليس المقصود بتلك الحادثة، لكن القصد اغتياله كرمز ثقافي، وبالتالي فإن قتله كان سيؤدي إلى صمت المثقفين وخوفهم.
وهنا في السودان نعيش حقبةً مشابهة لحقب الغيبوبة المصرية؛ في وقت تنتشر فيه وسائط التواصل الاجتماعي التي تسيطر عليها جحافل الحمقى، وتدير مشاهد مسرح العبث حيث امتلاء الفراغات بالغث من الهتافات، وشرر نافخات الكير، وعويل مستأجراتٍ نائحاتٍ. في المقابل تغيب قوى الاستنارة، ولا تقدم أطروحاتها البديلة، وتتعثر خطابات القوى المدنية، وتغيب الأصوات القليلة وسط جوقة الرجرجة والدهماء وبغاث الطير، فهل من عودة إلى تفكيرٍ هادئٍ ورزين كي يعود الوعي الغائب؟
الوسومالهوس الديني حرب السودان روسيا نجيب محفوظ