كان هجوم قوات "الدعم السريع" على عاصمة ولاية الجزيرة مدينة ود مدني (120 ميلاً جنوب الخرطوم)، المسماة على مأثرة ولي صوفي من القرن الـ16 هو محمد الأمين ود مدني السني، منعطفاً منذراً بتوسيع الحرب التي اقتصرت حتى يومنا على الخرطوم، إلى السودان الأوسط والنيلي. وبالطبع وسعت "قوات الدعم السريع" حربها في السودان الغربي، فحصدت مدناً عدة.

وهذا تصعيد يضع العصي في عجلة مساعي المفاوضات لوقف الحرب سواء في منبر جدة، أو منظمة الإيغاد، ويزيد طين الحرب بلة. فكانت "مدني" مأوى لنحو 68 ألف نازح من الخرطوم، علاوة على سكانها البالغ عددهم فوق نصف مليون. واتخذتها المنظمات الإغاثية مركزاً لبلوغ أهل الحاجة. ولكن اضطرها الهجوم إلى وقف كثير من عملياتها. فأوقف برنامج الإغاثة التابع للأمم المتحدة المساعدة عن 800 ألف نازح في النواحي كان يسعفهم من المدينة. وقالت وكالات الأمم المتحدة إن 3 ملايين طفل يتعرضون للخطر جراء تقدم "الدعم السريع" في ولاية الجزيرة. وستنقطع المساعدات عن 150 ألف طفل في الولاية. ناهيك عن أفواج من أهلها أكرهوا على مغادرتها إلى الولايات الجنوبية منها يداً بيد مع من أوى إليها من الخرطوم يضربون في المجهول للمرة الثانية.
كان أول ما جاءنا مفهوم التصعيد في هذه الحرب في مناسبة هجوم "الدعم السريع" على بلدة ود عشانا بشرق ولاية كردفان في أول أيام أكتوبر الماضي. ونبهت بريطانيا دون غيرها إلى الخطر على مآلات الحرب في السودان الذي حملته سيطرة قوات "الدعم السريع" على هذه البلدة نظراً إلى موقعها الاستراتيجي. فإن تمكنت "الدعم السريع" منه انفتح أمامها باب الهجوم على ولايات أخرى حتى تنتهي في الخرطوم. وجاء مفهوم التصعيد إلى خطاب حرب اكتفت أطراف مدنية فيها مثل قوى الحرية والتغيير (قحت) بمطلب وقف الحرب. فلا وقف للحرب وهي تستشري في مناطق توسمنا فيها أمن من نزحوا إليها في انتظار نهايتها للعودة لديارهم. فالمهجرون أمانة في عنق داعية وقف الحرب. فلم يقل مثله لا في وجه الحرب حيال من قال نعم إلا شفقة بالخَلق السودانيين الذين يتكبدون حرباً "عبثية"، في قولهم، لا ناقة لهم فيها ولا بعير، ضحية جنرالين استبدت بهما شهوة الحكم.
وتساءل الناس بعد احتلال ود عشانا إن كانت دعوة "لا للحرب"، التي تشتغل بها "قحت"، تحولت إلى طاقة سياسة وثقافية بإمكانها مناطحة وحوش الحرب وفرض إرادة السلم عليهما بصورة أو بأخرى. ولم تكن الإجابة مما تسعد به "قحت". فلا تجد للدعوة أثراً في الشارع يعبئ الناس لا حول معنى وقف الحرب فحسب، بل في تجاوز ويلات نقص الثمرات من جرائها وسد الحاجات أيضاً. ووقع التصعيد في الأسبوع الماضي في ولاية الجزيرة واحتلال عاصمتها ود مدني. وصدر بيان من "قحت" في هذا الخصوص (الـ16 من ديسمبر) لم يقنع أحداً حتى بعض ممن بين صفوفها. عبرت "قحت" في بيانها عن قلقها، والحرب تدخل شهرها التاسع، حيال "تمدد الحرب في مناطق جديدة في عدة مدن أبرزها الفاشر ومدني والأضية (تصغير أضاءة)" إلى جانب ضرب المدنيين بالقصف المدفعي والجوي في مناطق سكنية في نيالا والخرطوم. وتمسكت "قحت" برفض الحرب وتوسيع نطاقها وتحويلها إلى حرب أهلية تترتب عليها زيادة حجم المعاناة الإنسانية. فهي ترى توسع نطاق العمليات العسكرية وشمولها مناطق مأهولة بالنازحين الهاربين من الحرب. وحملت "قحت" القوات المشاركة في القتال من الطرفين، والمجموعات المرتبطة بهما المتواجدة في تلك المناطق والخاضعة لسيطرتهما، كامل المسؤولية الأخلاقية والسياسة والجنائية.
واستغرب كثيرون صمت بيان "قحت" عن ذكر أحد طرفي الحرب، "الدعم السريع"، الذي من وراء "تمددت" إلى ود مدني ومدن أخرى. وهذا ما أخذه عليها الناشط الثقافي عمر عشاري القريب منها. فوصف تحرك "الدعم السريع" نحو ود مدني بأنه "بربري وغبي ومتعد مثل انتهاكات صارخة كانت أبشعها عملية الإبادة للمساليت في دارفور". وقال إن "هذا التحرك تحرش بالمواطنين لا الجيش". وعبر عن مآخذه على بيان "قحت". فأثنى على توقيته، ولكنه أخذ عليه صمته عن ذكر من وراء الهجوم على ود مدني. ورأى في هذا عَرَضاً "لضعف المكون المدني وخشيته الواضحة من إثارة غضب الدعم السريع. فلا ينبغي لدعوة "لا للحرب"، في قوله، أن تصبح "حالاً من دفن الرؤوس في الرمال". وعاب عشاري على البيان أنه لم يتناول الهجوم على المدينة كحدث مستقل. فجاءت مدني فيه عرضاً في سياق "تمدد الحرب" إلى مدن منها الفاشر التي توقفت فيها المواجهة بين الجيش و"الدعم السريع" لأسابيع وإن بقي وضعها متوتراً.
ولأن وضع ود مدني كان مستقلاً وفي الواجهة ساعة كتابة البيان، انتظر عشاري من "قحت" أن تدين الهجوم عليها بصورة منفصلة عن الانتهاكات السابقة من الطرفين.
ونواصل
• وصدر بيان من "تقدم" قبل يومي طابق بيان قحت حيث بنى تمدد الحرب إلى مدني على المجهول.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع الهجوم على وقف الحرب ود مدنی

إقرأ أيضاً:

البرهان: الحرب لن تنتهي إلا بتطهير السودان من مليشيا “الدعم السريع”

 

الثورة / وكالات

حذّر رئيس “مجلس السيادة الانتقالي” في السودان عبدالفتاح البرهان، من أن “المُـؤامرة كبيرة جداً على الدولة السودانية في مواردها وأرضها وموقعها وجيشها”، وأن هناك “حصاراً مفروضاً على السلاح والذخائر جوّاً وبحراً لفرض هزيمة على الجيش الوطني السوداني”.
وأشار البرهان إلى أن هناك “عمليات شراء واسعة النطاق لذِمَم الأفراد، ومواقف الدول الصغيرة والكبيرة”، مؤكداً أن “النصر آتٍ لا محال مهما تكالب الأعداء، وتعرّض الجيش لانتكاساتٍ، فهي عابرةٌ، لن تُمكِّنهم من افتراس الدولة، وابتلاع خيراتها، وتجيير سُلطتها لملكية أسرة مُحدّدة، وإخضاع ثرواتها لصالح دول بعينها”.
وأضاف أن “الجيش السوداني يرفض أي اتفاق لا يسبقه انسحاب قوات الدعم السريع”، وأن “الحرب لن تنتهي إلا من خلال تطهير السودان” من تلك القوات.
كما كشف رئيس المجلس السيادي عن وجود مسلحين من تنظيم “داعش” يقاتلون في صفوف قوات “الدعم السريع”، وأوضح أن “الدعم السريع استهدفت مقار اعتقال لعناصر تنظيم داعش ونجحت في تحريرهم وأصبحوا الآن مقاتلين في صفوفها”.
وأشار إلى أن السلطات السودانية اعتقلت عدداً من المسلحين بعدما رصدت تحركات لخلايا تابعة لـ”داعش” وأخرى وافدة من الخارج خلال الفترة الأخيرة.
كذلك، أشاد البرهان بالدعم الشعبي الذي لم يقتصر على المشاركة في الحرب، إذ شارك أيضاً في تخفيف أعباء التكفل بملايين النازحين.
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية السودانية أنّ قوات “الدعم السريع منعت وصول شحنات من البذور وفّرتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة الفاو للمزارعين بولاية سنار للموسم الزراعي المطري”.
وأوضح بيان الناطق باسم الخارجية السودانية، أن “ما قامت به المليشيا الإرهابية يأتي امتداداً لاستهداف المناطق ووسائل الإنتاج الزراعي بغرض إحداث مجاعة في البلاد، وإفراغ الأقاليم المنتجة من سكانها الأصليين بغرض توطين مرتزقتها وعناصرها الأجنبية”.
وأضاف البيان أن “المخطط الإجرامي للمليشيا شمل نهب أكبر مخازن برنامج الغذاء العالمي في ود مدني في ديسمبر الماضي، وتعطيل الموسم الزراعي الشتوي في مشروع الجزيرة بعد نهب الآليات الزراعية والأصول المتحركة وإغلاق الترع، ونهب المحاصيل التي تم حصادها والبذور المعدة للزراعة”.

مقالات مشابهة

  • البرهان: الحرب لن تنتهي إلا بتطهير السودان من مليشيا “الدعم السريع”
  • الأمم المتحدة: الحرب تشرد 136 ألفاً من جنوب شرق السودان
  • وفيات جراء غرق سودانيين أثناء هربهم من الحرب.. بينها عائلات كاملة
  • البرهان: مسلحون من تنظيم الدولة يقاتلون مع قوات الدعم السريع
  • السودان.. نزوح أكثر من 136 ألف شخص بسبب معارك سنار
  • 25 نازحا سودانيا فروا من الحرب فغرقوا في النيل الأزرق
  • بايدن برر بؤس أدائه في المناظرة بكثرة الأسفار التي هدت حيله وكادت ترميه من طوله !!..
  • الكلام ده اكبر من البرهان واكبر من حميدتي … لكن الله اكبر
  • “إلا بعزة”.. البرهان يحدد شروط التفاوض مع الدعم السريع
  • البرهان يحدد شروطا للتفاوض مع الدعم السريع.. وتوسع في خطة مساعدة السودان