استبدال كلاب الحراسة بالإوز في سجون البرازيل
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
قام أحد السجون في ولاية سانتا كانتارينا البرازيلية مؤخراً باستبدال كلاب الحراسة بسرب من الإوز، الذي من المفترض أنه يصدر أصواتاً عالية، عندما يكتشف أصواتاً غريبة، مثل شخص يحاول الهروب.
وعادة ما تتميز مجمعات السجون بأحدث أنظمة الكشف، التي تجعل من الصعب جداً على النزلاء الهروب دون أن يتم اكتشافهم.
ومع ذلك، وبغض النظر عن التقدم التكنولوجي، فمن الجيد دائماً أن يكون هناك نظام كشف تناظري احتياطي أيضاً، في حالة فشل الإجراءات المعقدة، وعادةً ما يكون الأوصياء البشريون وكلاب الحراسة هم القاعدة، لكن بعض السجون تستخدم بعض البدائل غير المتوقعة.
واستبدلت العديد من السجون في البرازيل كلاب الحراسة بالإوز، والتي يقولون إنها ليست فقط فعالة بنفس القدر، إن لم تكن أكثر فعالية، ولكن العناية بها أرخص أيضاً. ومن الواضح أن الإوز تتمتع بسمع جيد جداً وتصدر أصواتاً عالية كلما اكتشفت أصواتاً غريبة، وبالتالي تنبه الحراس البشريين.
وقال ماركوس روبرتو دي سوزا مدير السجن لرويترز: “لدينا مراقبة إلكترونية ومراقبة شخصية…وأخيرا مراقبة الإوز الذي حل محل الكلاب. الليل هادئ جداً. حتى أثناء النهار، كما ترون، فهو مكان صامت جداً وفي الليل أكثر صمتاً المكان يفضل هذا النوع من الأمان".
ويقوم سرب "حراس الإوز" بدوريات في المسافة الواقعة بين سياج السجن الداخلي وجداره الخارجي الرئيسي. وتعتمد السجون البرازيلية على الإوز لمنع السجناء من الهروب منذ 12 عاماً على الأقل. وفي عام 2011، تصدر سجن سوبرال في ساو باولو عناوين الأخبار الدولية، بعد إدخال سرب من الإوز كوسيلة لتنبيه الحراس البشريين لأي نشاط مشبوه.
ومن المثير للاهتمام أن الإوز كان يساعد دوريات الحدود الصينية في إبقاء المهاجرين غير الشرعيين بعيداً لمدة عامين على الأقل، لأنه أفضل بكثير من الكلاب في اكتشاف الضوضاء وقيادة القائمين على رعايتها من البشر إلى المصدر، بحسب موقع أوديتي سنترال.
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
عندما يُختزلُ المعتقلُ في جسده!
يحاولُ الجسدُ جاهدا فـي السجون «محو تمايزه خشية إثارة رد فعل وحشي من الحراس»، إلا أننا شاهدنا مؤخرا أجسادا من أعمار مختلفة تمهر نفسها لقضيتها، رغم معرفتها بترصد الآخر لها، وبرغبته المحمومة فـي إفنائها كما تفعل كل السياسات القاتمة.
بتنا نرى ونسمع قصص الخارجين من السجون من مسافة قريبة، أقرب مما كانت تُتيحه لنا السرديات التقليدية. نُبصر نحولهم وذبولهم، وتفزعنا التحولات التي تصيبهم، لا سيما عندما توضع صور المقارنة بين ما كانوا عليه وما آلت إليه أجسادهم.. هكذا تغدو الأجساد علامة كافـية لاستيعاب الشراسة التي طحنتهم وغيرتهم.
يكسرُ السجان المُدجج بأسلحته، التماع العينين، يكسرُ الرؤوس المرفوعة، تلك التي لا تراوغ فـي التخفـي. ففـي تلك الأماكن المحجوبة عن الأعين تتلاشى «الملكية الفردية للجسد»، ففـي وجود السجان والمُعذَب «يُختزلُ المعتقلُ فـي حقيقة واحدة.. جسده»، فتُحشد كل القوى لإضعافه وسحقه وتذويبه أيضا.
فـي السجون حيث يغدو الجسد مُتاحا لغصص المعاناة، يتكثفُ النضال اليومي فـي سبيل البقاء، فتغدو مهمة إسكات الجوع ومقاومة البرد وتحمل سوء المعاملة والتعذيب تحت سياط التنكيل مهمة غير يسيرة، كما يشير دافـيد لوبروتون فـي كتابه المهم «انثروبولوجيا الجسد والحداثة»، ت: محمد الحاج سالم، صفحة٧، فالتجاور فـي السجن يكشف سمات حياة أجساد الآخرين، وهذا ما تُكثف السرديات كتابته، أعني كل ما هو مكبوت فـي العيش اليومي.
«ففـي الحياة اليومية المعتادة تخف تضاريس الجسد حدّة، وكأنّ عملياته تتم فـي سراديب مغلقة، بينما فـي السجن، حيثُ يُجرد الإنسان من إنسانيته يتحول تركيزه المكثف إلى أحشائه التي ينبغي أن تُملأ لتفرغ لاحقا، فتكبر معركة المسجون مع اليومي فـي كل لحظة.
يستعينُ السجناء بذكرياتهم، يحاولون جاهدين صونها بعيدا عن الأيدي المُعذِبة، فـيتلاعبُ السجان بالضحية عبر قتل الذكرى، عبر تلفـيق قصص موت الأحبة، لتفتيت شريط الذكريات. لقد شاهدنا صدمة البعض عندما وجدوا الحقيقة مُغايرة لما لفقه السجان، بينما خرج بعض آخر للخواء الشاسع جراء الموت الفعلي لأصل الذكرى!
فقد بعض من قضى عقودا فـي السجن الألفة مع اليومي، فبدا مذهولا كإنسان الكهف عندما رأى الهواتف المحمولة ونمط العيش المتبدل، ولذا خرج إلى الحياة ليُكابد اغترابا مضاعفا، فكل ما كان يشحذ به عقله ليبقى متماسكا تغير بصورة جذرية، ولذا ليس علينا أن نتعجب من الذين ماتوا بعد أيام أو أسابيع من خروجهم من السجن، وكأن كل قوى النضال، انهارت دفعة واحدة فـي لحظة الانفراج المنتظرة.
وإن بدا التعذيب سببا أساسيا فـي فقد بعض السجناء لإدراكهم، فإنّ عدم كفاية «المُحفزات الحسية الطبيعة قد تكون سببا آخر»، حيث تبدأ الهلوسات فـي الظهور لسد هذا النقص. وهو ما يطلق عليه «التعذيب النظيف» أي الحرمان الحسي كما يحدث فـي السجون الانفرادية على سبيل المثال، فالإدراك الحسي للعالم - كما يصفه لوبروتون- يصطبغ بمسحة عاطفـية، تتشكل من نغمات الصوت الروائح والضوضاء، فنحن نتحركُ ضمن مجال سمعي وبصري ونسجل ما يلتقطه جلدنا من تقلبات الحرارة، جوار الشم والتذوق لقياس علاقتنا بهذا العالم. «والإدراك لا يعني مطابقة الحقيقة بل تفسيرها. فهذا العالم هو نتاج جسد يُحول العالم إلى معانٍ، وهكذا يغدو الجسد أشبه ما يكون بمصفاة دلالية». وعليه فعندما يُحجب هذا العالم الحيوي عن السجين -ولعليّ أتذكر قصّة الرجل الذي لم يُبصر الشمس طوال فترة مكوثه فـي السجن- فهو يسقط فـي لُجة الهلاوس المروعة!
لكن ورغم السوداوية المفرطة التي كابدها الخارجون من ظلمات جحور العدو، إلا أنّنا عندما شاهدنا بأس من بقي لعقودٍ مُستعينا بوقود إيمانه وصلابته العميقة، فذلك يُعلمنا أيضا كم تتخاذل النظريات وتغدو محدودة ومبتورة أمام التجربة الحية والواقعية، فذلك الانشداد للأفكار العظيمة والراسخة، يجعلنا ننظر بذهول وتعجب إلى ما لا يكسره السجان فـي الروح المتقدة.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى