باريس – فاز الروائي العراقي الفرنسي فرات العاني في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بجائزة الأدب العربي لعام 2023، من مؤسسة جان لوك لاغاردير ومعهد العالم العربي بباريس، عن روايته "أتذكر الفلوجة".

وتخوض رواية "أتذكر الفلوجة" في قضية الهوية من خلال حوار مونودرامي بين أب وابنه، عبر لعبة الذاكرة وتقنية سردية مموهة ومخاتلة تمزج بين الماضي والحاضر، وبين القص التخييلي والسيرة الذاتية.

وفي شبه ترجمة قصصية لمقولة الشاعر الفرنسي روني شار "نحن لا نسكن إلا الأماكن التي نغادرها"، يحفر الكاتب فرات العاني في ذاكرة الأمكنة وتاريخ العراق في سبعينيات القرن الماضي، من خلال بطله أحمد رامي الذي بقي يحن لمدينته الأولى الفلوجة، ويبحث عن أصوله وهويته رغم العقود الثلاث التي عاشها في المنفى الفرنسي، بينما يجسد ابنه حالة اغتراب الأجيال العربية الجديدة المولودة في المنافي.

ولد الكاتب والصحفي فرات العاني في باريس عام 1980 لأبوين عراقيين، ورواية "أتذكر الفلوجة" هي الثانية في رصيده بعد روايته الأولى "عطر العراق" التي فازت بجائزة ألبرت لوندري العام 2019.

في هذا الحوار مع الجزيرة نت تحدث العاني عن حيثياث فوزه بجائزة الأدب العربي، وغاص في تفاصيل كتابته لرواية "أتذكر الفلوجة" التي قال إنها "تذهب أبعد من الخيال"، وأوضح أسباب هوسه الخاص بالذاكرة في كتاباته ونبشه الدائم في تاريخ العراق، كما بيّن أسباب تأثره الكبير بكتاب "هويات قاتلة" لأمين معلوف، وكشف عن موضوع ومناخات روايته القادمة التي تدور أحداثها بين العراق والاتحاد السوفياتي السابق. فإلى الحوار:

كيف تقبلت فوز روايتك "أتذكر الفلوجة" بجائزة الأدب العربي لعام 2023، من مؤسسة جان لوك لاغاردير ومعهد العالم العربي بباريس؟

فرحت كثيرا عندما علمت أنني فزت بهذه الجائزة المرموقة لعدة أسباب. أولا لأنها تمثل تكريسا أدبيا جميلا، وثانيا لأن والدي أخذني لأول مرة إلى معهد العالم العربي عندما كنت مراهقا واحتفظت بذكريات رائعة عن اكتشاف الثقافة الأدبية العربية.

إن حصولي على هذه الجائزة في هذا المكان حركني وجعلني أفكر في المرة الأولى التي وطأت فيها قدمي معهد العالم العربي بباريس.

ما إضافة مثل هذه الجوائز الفرنسية المرموقة ومساهمتها في تشجيع نشر الأدب العربي باللّغة الفرنسية؟

تسلط هذه الجائزة الضوء على أعمال الكتاب من العالم العربي أو الذين يكتبون ويعالجون قضايا ومواضيع عن الدول العربية. إنها طريقة رائعة لتعريف القراء بالثقافة الغنية للعالم العربي، ولكنها أيضا عرض لهذا الأدب الواسع. ومن المهم للغاية، مثل أي ثقافة أخرى، إدراج العالم العربي في مجموعة الكتابات المعاصرة.

تخوض رواية "أتذكر الفلوجة" في قضية الهوية من خلال حوار مونودرامي بين أب وابنه، عبر لعبة الذاكرة وتقنية سردية مموهة تمزج بين الماضي والحاضر، فهل الموضوع هو الذي فرض هذا البناء الفني المخاتل، أم العكس صحيح؟

كلاهما. لأن أحدهما يتغذى على الآخر. بالنسبة لي، كان استخدام هذه البنية الفنية واضحا لأنني أتعامل مع الذاكرة والماضي.

للقيام بذلك، بدا لي منطقيا أن أجمع ماضي الشخصيتين الرئيسيتين معا، مثل مرآة مشوهة لحقيقتين قريبتين وبعيدتين في نفس الوقت. نقاش بين شخص فاقد للذاكرة وآخر يشعر بالحنين للماضي، هي طريقة لإعادة بناء واقع أحلامك، من خلال السؤال الكبير عن الهوية.

الكاتب فرات العاني: الأدب يعمل على تدوين الذاكرة في الوقت المناسب (الجزيرة) بقي بطل الرواية أحمد رامي يبحث عن هويته رغم الثلاثة عقود التي عاشها في المنفى الفرنسي، وكذا الأمر بالنسبة إلى ابنه الذي ولد في المنفى، هل يعكس هذا الغربة الجسدية والروحية والبحث عن الهوية التي تعيشها أنت ويعيشها جيلك والأجيال العربية المولودة في المنفى؟ وما المحفزات والأسباب التي جعلتك تختار موضوع الهوية ثيمة رئيسية لروايتك "أتذكر الفلوجة"؟

في هذه الرواية يحاول أحمد رامي إعادة التواصل مع ماضيه من خلال ابنه، وهو ما جعل هذا الابن يبحث عن نفسه ويطرح الأسئلة. لكن رامي يجد صعوبة في الحديث عن هذا الماضي بسبب الصدمات المرتبطة بطفولته وأيضا بسبب الصعوبة التي واجهها هناك في العراق كناشط سياسي يواجه نظاما استبداديا يطارد المعارضين.

المنفيون يأخذون كل شيء معهم، الأفراح والمصائب، ولذلك يصبح من الصعب على الجيل المولود في المنفى أن يبني نفسه بدون إعادة الاتصال بأصوله. يتم تحرير الاغتراب من خلال البحث عن الذات، وهذا يمر عبر الهوية في رأيي.

المنفيون يأخذون كل شيء معهم، الأفراح والمصائب، ولذلك يصبح من الصعب على الجيل المولود في المنفى أن يبني نفسه بدون إعادة الاتصال بأصوله. من جهتي، ليس للعراق أي ماضي استعماري مع فرنسا، لذا كان الأمر أكثر صعوبة. لم يكن لدي أي نقاط مرجعية. جاء المهاجرون الآخرون من حولي من أماكن أخرى ويمكنهم على الأقل أن يتشاركوا في تاريخ مشترك. بالنسبة للعراقيين في فرنسا، كان الأمر شبه مستحيل.

يتم تحرير الاغتراب من خلال البحث عن الذات، وهذا يمر عبر الهوية في رأيي. ولهذا أصررت على هذا الموضوع بالذات في روايتي "أتذكر الفلوجة".

كيف تعرف الهوية وكيف تعيشها أنت المولود في المنفى الفرنسي لأبوين عراقيين؟

الهوية ليست اسما، ولا بلد المنشأ، ولا بلد الميلاد، إنها كل هذه الأشياء، وهي ما نصنعه ونعيشه لاحقا. يستحضر الراوي هذه "الحقيبة غير المرئية" الشهيرة التي يحملها كل مسافر، بالنسبة لي هذه هي الهوية. نحن نمضي قدما بفتح حقيبتنا، وإغلاقها، وملئها، وإفراغها.

الهوية متحركة وليست ثابتة. يمكننا أن نقرر ماذا سنكون بينما نشعر بالفضول بشأن أصولنا، يمكننا أيضا الاستغناء عنها. إنها حالة خاصة. من جهتي، أعتقد أن الجذور مهمة لبناء المستقبل، لأن الهوية شجرة متعددة الفروع.

إنها (الهوية) متحركة وليست ثابتة. يمكننا أن نقرر ماذا سنكون بينما نشعر بالفضول بشأن أصولنا، يمكننا أيضا الاستغناء عنها. إنها حالة خاصة. من جهتي، أعتقد أن الجذور مهمة لبناء المستقبل، لأن الهوية شجرة متعددة الفروع.

هل تعتبر روايتك "أتذكر الفلوجة"ترجمة سردية لكتاب أمين معلوف الفكري "الهويات القاتلة"، الذي ينظر لصراع الهويات المتعددة الذي تفرضه العولمة والمجتمع، ومحاولة إعادة توطينها من خلال السرد التخييلي ولعبة الذاكرة ؟ أين تبدأ الهوية الفردية وأين تنتهي الهوية الجماعية الإنسانية؟

من المضحك أن كتاب "هويات قاتلة" لأمين معلوف هو كتاب مؤسس في بحثي عن الهوية. لقد ترك هذا الكتاب بصماته علي وساعدني على فهم أشياء كثيرة. بداية الثقافة المزدوجة ليست 50% للأولى و50% للثانية، إنها أعقد من ذلك بكثير لأن المسألة ليست مسألة أرقام أو مسألة توزيع الدم والانتماء، إنها قبل كل شيء تجربة. لم أكتب هذه الرواية كتفسير لذلك الكتاب المرجع، لكن من الواضح أنه أعطاني نقطة انطلاق لفهم الهوية في حياتي الخاصة. الهوية ليس لها تعريف خاص بها. إنها أمر فريد بالنسبة للجميع، وأنا مقتنع بذلك اليوم.

تلخص روايتك "أتذكر الفلوجة"، المقولة الجميلة للشاعر الفرنسي روني شار "نحن لا نسكن إلا الأماكن التي نغادرها"، فكيف تتعامل مع ذاكرة الأمكنة في كتاباتك السردية؟ وإلى أي مدى تعتبر هذه الذاكرة محفزا للكتابة والإبداع؟ هل لديك أماكن ومدن أكثر من غيرها تستفزك للكتابة؟

هذا سؤال ممتاز. أعطي أهمية كبيرة للأماكن في كتاباتي وحياتي. أشعر بالحنين إلى الأماكن لدرجة أنني أحيانا أقوم برحلة حج للحنين، وأعود إلى أماكن من طفولتي، وهذا يلهمني كثيرا ويساعدني في إعادة كتابة الأشياء.

كصحفي وكاتب، لا أستطيع أن أتخيل الكتابة عن مكان معروف أو غير معروف بدون الذهاب والعودة إليه، تحفيزا للإلهام. المكان المادي الحقيقي لا يقل أهمية عن المكان الخيالي للرواية، لا أستطع الكتابة من دون وقع المكان وتأثيره.

بالنسبة لعلاقة المكان بالكتابة، نعم، لدي مدن وبلدان بعينها تلهمني أكثر من غيرها، في فرنسا وأماكن أخرى من العالم. أحيانا أنعزل وأحتاج للصمت التام في هذه الأماكن لأكتب. وأحيانا أخرى أحتاج إلى أمكنة صاخبة وضاجة بالحياة مثل المقاهي، أعتقد أن الأمر يعتمد على النوايا والمواضيع التي أفكر في كتابتها.

كتبت رواية وتخيلت الأماكن واخترعت الأسماء، ولكن من الواضح أنني احتفظت بالكثير من الواقع في "أتذكر الفلوجة". الخيال دائما مستوحى من الواقع.

جسدت شخصية السارد ابن البطل أحمد رامي، في مزاوجة فنية مباشرة ومتعمدة بين السرد التخييلي والسرد السير- ذاتي، فما أسباب هذا التوجه الفني؟ وأين يبدأ الموضوعي وأين ينتهي الذاتي في روايتك "أتذكر الفلوجة؟ وإلى أي مدى يستطيع الكاتب والمبدع عموما أن يتخلص من شخصيته وذاته وتفاصيل حياته في كتاباته وأعماله الإبداعية؟

لقد كتبت رواية وتخيلت الأماكن واخترعت الأسماء، ولكن من الواضح أنني احتفظت بالكثير من الواقع في "أتذكر الفلوجة". الخيال دائما مستوحى من الواقع. من ناحيتي أعتقد أن هناك إلهاما للسيرة الذاتية ولكن هناك أيضا جزء كبير من الخيال الذي لا أريد بالضرورة الكشف عنه، لأن أحدهما يتغذى على الآخر.

وقد كان الهدف أيضا في هذه الرواية الإجابة عن الأسئلة التي لم يكن لدي إجابات عنها. عندما توفي والدي، شعرت بالحاجة الملحة لاستكشاف هذا الخيال، لتكريمه ولكن أيضا لتلبية طلبات ورغبات الطفل التي لم يتم حلها بعد، وخاصة أن أكون في سلام مع قصتي.

يحضر تاريخ العراق بكثافة في روايتيك "أتذكر الفلوجة" و"عطر العراق"، بل ويتحول العراق والفلوجة ومدن أخرى إلى شخصيات بحد ذاتها في الرواية، فما رسائلك المضمونية والفنية من خلال توظيفك لهذه الحيلة الفنية؟

هذا صحيح، لأن شخصياتي ليست مجرد شخصيات بشرية، ولأنني أتخيل كل شيء كشخصيات. بغداد، الفلوجة، العراق، كلها شخصيات، ولكن أيضا فقدان الذاكرة والعار والغضب والصمت هي شخصيات روائية. أحب أن آخذ القراء على متن طائرة الخيال وأمسك بأيديهم وأدخلهم إلى أعماق نفسي، لأنني أؤمن أن كل شيء يمر عبر الأحاسيس، الروائح والتفاصيل ولون السماء وموقف الشخصيات.. إلخ.

في الحقيقة أريد أن أكون أقرب ما يمكن إلى دقة المواقف، ولكن بدون تقديم الكثير من التفاصيل دائما. في بعض الأحيان، كل ما يتطلبه الأمر هو جملة بسيطة لإثارة شيء معقد.

تقوم روايتك الأولى "عطر العراق" على لعبة التذكر والذاكرة، والحفر في تاريخ العراق قصصيا مثل رواية "أتذكر الفلوجة"، فما أسباب هذا التوجه الفني، وهل ستواصله في روايتك القادمة؟

نعم، لدي هوس خاص بالذاكرة. لن أعمل بالضرورة على هذا الموضوع فحسب، لكنه قريب من قلبي. الذاكرة هي الذكريات والماضي والتاريخ والسفر والعلاقة بين الوالدين والطفل، كل هذا يهمني بشكل كبير. ويصادف أن لدي ذاكرة جيدة وأتذكر كل التفاصيل. وهنا ولدت روايتي المصورة "عطر العراق"، وهي ليست رواية بالمعنى الكلاسيكي وإنما تسلسل زمني بسيط لذكرياتي في العراق منذ الطفولة، أما رواية "أتذكر الفلوجة" فهي تذهب إلى أبعد من الخيال.

رواية "عطر العراق" لفرات العاني (الجزيرة) حدثنا عن عملك الروائي القادم هل سيكون في نفس مناخات الذاكرة والهوية وتاريخ العراق أم ستغير البوصلة تماما نحو عوالم أخرى؟

لقد بدأت بكتابة روايتي القادمة. سيكون العراق حاضرا بالتأكيد ولكن ليس ذلك فحسب، حيث ستنتقل القصة أيضا الى الاتحاد السوفياتي السابق، إنه تحقيق عائلي آخر، ولكن أكثر من جانب الأم.

ترتكز القصة الرئيسية على شخصية عراقية مهمة، تتمثل في طيار عراقي من أفضل طياري الطائرات المقاتلة في الستينيات، يتم إرساله إلى روسيا ليتدرب على متن طائرة سوفياتية، إنها قصة يكتنفها الغموض والسرية أيضا. ستسافر بنا أولا الى العراق في الستينيات، ثم الى الاتحاد السوفياتي السابق، وستمتد الأحداث حتى يومنا هذا. لا أريد أن أكشف أكثر تفاصيل هذه القصة، ولكنني مهتم كثيرا بقصص الأساطير العائلية.

هل هناك مشروع لترجمة رواية "أتذكر الفلوجة" من الفرنسية إلى لغة الضاد وتوطينها في ثقافتها العربية الأصلية الرئيسية التي كانت موضوع أحداثها؟

لدي وكيل أدبي يتولى الحقوق الأجنبية. في الوقت الحالي، وقعنا على ترجمة الرواية إلى اللغة الإنجليزية، وآمل أن يفتح هذا المجال أمام ترجمات أخرى، وخاصة العربية. سأكون سعيدا برؤية هذه الرواية التي كتبها شاب عراقي فرنسي تترجم في العالم العربي.

الأدب بالنسبة لي هو إطالة عمر الكلمات والذاكرة، من خلال لعبتي الكتابة والقراءة.

يقول فرناندو بيسوا "الأدب هو الدليل على أن الحياة لا تكفي"، فكيف تعرف الأدب والكتابة وكيف تعيشهما؟

هذه مقولة جميلة جدا أجد نفسي فيها. لكنني أعتقد أيضا أن الأدب يعمل على تدوين الذاكرة في الوقت المناسب.

الأدب يتيح لنا أن نقول ما لم نقله قط. في بعض الأحيان لا نستطيع التحدث عن كل شيء، على سبيل المثال التعبير من خلال أصواتنا عن الأشياء الصعبة أو حتى الأشياء الجميلة. الكتابة تساعد على إنشاء هذا الجسر.

الأدب بالنسبة لي هو إطالة عمر الكلمات والذاكرة، من خلال لعبتي الكتابة والقراءة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: العالم العربی الأدب العربی تاریخ العراق هذه الروایة بالنسبة لی أحمد رامی فی المنفى من الواقع أعتقد أن من خلال کل شیء

إقرأ أيضاً:

مَن يُنزل حزب الله عن شجرة الجنوب؟

المعلومات المتوافرة عن المفاوضات الجارية بالنسبة إلى الوضع القائم في قطاع غزة لا توحي بكثير من التفاؤل، وإن كان البعض يعتقد أن الحرب بمعناها العسكري قد انتهت فعليًا من دون أن تتضح معالم المرحلة التي ستلي، مع تأكيد تل أبيب أن عمليتها الأمنية لن تتوقف. وهذا يعني أن ملاحقة إسرائيل لقادة حركة "حماس" ستتواصل، سواء أكانوا داخل القطاع أو خارجه. ولكن يبقى السؤال عن وضع الجبهة الجنوبية بعد وقف الحرب الهمجية في غزة من دون جواب واضح، خصوصًا أن "حزب الله" لن يعود لديه الحجّة الكافية للإبقاء على سخونة الجبهة بعد زوال السبب الأساسي، الذي جعله يفتح هذه الجبهة، وهو مساندة الغزاويين في مواجهتهم للآلة الإسرائيلية، وإن كان خصوم "الحزب" يُتهمونه بأنه ورّط لبنان بحرب لغير الأسباب المعلنة، والتي يعتبرونها غير مقنعة وغير مجدية من حيث النتائج.   وعلى رغم هذه الأجواء الضبابية فإن اللقاءات التي يعقدها نائب الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم مع نائب مدير المخابرات الألمانية أولي ديال قد توصل إلى نتيجة محتملة، وإن لم يكن لمفاعيلها مواقيت محدّدة وقريبة، لأن التفاوض مع "الحزب" له شروطه وقواعده ومقتضياته ومفاعيله الآنية والمستقبلية، وإن كانت تجربة المخابرات الألمانية في مفاوضاتها السابقة مع "حارة حريك" أدّت إلى انفراجات نسبية في وقت لم تؤدِّ أي مفاوضات غربية أخرى إلى أي نتيجة، بل زادت الأمور تعقيدًا.   وفي اعتقاد الذين يتابعون التحرّك الألماني في اتجاه "حزب الله"، وإن من بعيد، أن الأمور متجهة نحو انفراجات لم تكن متوقعة من قبل، ولكن الأهمّ من كل هذا ما يدور في خلد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وما الذي يسعى إليه بالنسبة إلى الجبهة الجنوبية بعد هدوء جبهة غزة، وهل سيتجاوب مع المسعيين الأميركي والفرنسي عبر آموس هوكشتاين وجان ايف لودريان، وهل سينجح الألماني في السياسة كما نجح في العامين 2004 و2008 بالأمن عندما كان التفاوض محصورًا برئيس وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا، وحينما كان الجانب الألماني وسيطاً بين "الحزب" وتل أبيب لتنفيذ صفقتي تبادل الأسرى الشهيرتين؟   ما يهمّ الجانب الألماني في الوقت الحاضر هو معرفة خطة "حزب الله" بعد انطلاق المرحلة الثالثة من الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، والتعرّف إلى موقفه، تمامًا كما كان همّ هوكشتاين عندما طرح على الرئيس نبيه بري الخطة الأميركية القاضية بسحب مقاتلي "المقاومة الإسلامية" إلى العمق الجنوبي بما يوازي العشرة كيلومترات. وهذا ما رفضته "حارة حريك" في حينه، متمسكة بخيار مواصلة عملياتها انطلاقًا من مواقعها الحدودية المتقدمة ما دامت الحرب مستعرة في غزة.   فهل ينجح الألماني في المساهمة بمساعدة "حزب الله" على النزول من شجرة الجنوب حيث فشل الآخرون، وهل يمكن أن تشهد المرحلة المقبلة مفاوضات من نوع آخر بين برلين و"حارة حريك" على خلفية ما سينتج عن المرحلة الثالثة من الحرب الإسرائيلية على غزة؟   أسئلة كثيرة، ولكن الأجوبة عنها تبقى رهن التطورات الميدانية في غزة، خصوصًا أن تل أبيب لا تزال تناور في ما خصّ المرحلة الثالثة من حربها، التي لا حدود لها ولا أفق سياسي، أو بمعنى آخر أنها لا تسعى إلى المساهمة في التجاوب مع المساعي الدولية في محاولة لـ "ترتيب" البيت الفلسطيني الداخلي. فما هو أكيد بالنسبة إلى المجتمع الدولي، وبالأخص بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية أن من كان الأداة الفعلية لنشوب "حرب العصر" لن يستطيع بالتأكيد أن تكون له مساهمات في صنع السلام، أي رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو من جهة، وقادة "حماس" من جهة ثانية، على أن يبقى موضوع "حزب الله" موضوعًا على رفّ التسويات المؤجلة في انتظار اكتمال حلقاتها مع وصول مسعود بزشكيان إلى رئاسة الجمهورية الإيرانية. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • اتهام مؤلف مسلسل The Sandman بالاعتداء الجنسى.. وهذه التفاصيل
  • «العربي الناصري»: التعليم والصحة والسلع الغذائية على رأس أولويات الحكومة الجديدة
  • مَن يُنزل حزب الله عن شجرة الجنوب؟
  • رمانة يدوية تودي بحياة طفلين في الفلوجة
  • زيارة تحذيرية.. لماذا تواجد البارزاني في بغداد بعد 6 سنوات من القطيعة؟
  • (34.7) مليار دولار قيمة مشاريع المقاولات التركية التي نفذت في العراق
  • رئيس الوزراء يوجه بالإسراع في تنفيذ مبادرة «100 مليون شجرة»
  • إحصائية مرعبة.. مركز معالجة الإدمان في العراق يستقبل 700 حالة خلال ستة اشهر
  • دي يونج يكشف عن لحظاته الأولى له في الكامب نو
  • الذكاء الاصطناعي والأدب والترجمة في مناقشات صالون "مصر المحروسة" بروض الفرج