الهجوم على ود مدني في فقه تصعيد الحرب

عبد الله علي إبراهيم

 

استغرب كثيرون صمت بيان “قحت” عن ذكر أحد طرفي القتال.

شكل هجوم قوات “الدعم السريع”على عاصمة ولاية الجزيرة مدينة ود مدني (120 ميلاً جنوب الخرطوم)، المسماة على مأثرة ولي صوفي من القرن الـ16 هو محمد الأمين ود مدني السني، منعطفاً منذراً بتوسيع الحرب التي اقتصرت حتى يومنا على الخرطوم، إلى السودان الأوسط والنيلي.

وبالطبع وسعت “قوات الدعم السريع” حربها في السودان الغربي، فحصدت مدناً عدة. وهذا تصعيد يضع العصي في عجلة مساعي المفاوضات لوقف الحرب سواء في منبر جدة، أو منظمة الإيغاد، ويزيد طين الحرب بلة.

فكانت “مدني” مأوى لنحو 68 ألف نازح من الخرطوم، علاوة على سكانها البالغ عددهم فوق نصف مليون. واتخذتها المنظمات الإغاثية مركزاً لبلوغ أهل الحاجة. ولكن اضطرها الهجوم إلى وقف كثير من عملياتها. فأوقف برنامج الإغاثة التابع للأمم المتحدة المساعدة عن 800 ألف نازح في النواحي كان يسعفهم من المدينة. وقالت وكالات الأمم المتحدة إن 3 ملايين طفل يتعرضون للخطر جراء تقدم “الدعم السريع” في ولاية الجزيرة. وستنقطع المساعدات عن 150 ألف طفل في الولاية. ناهيك عن أفواج من أهلها أكرهوا على مغادرتها إلى الولايات الجنوبية منها يداً بيد مع من أوى إليها من الخرطوم يضربون في المجهول للمرة الثانية.

كان أول ما جاءنا مفهوم التصعيد في هذه الحرب في مناسبة هجوم “الدعم السريع” على بلدة ود عشانا بشرق ولاية كردفان في أول أيام أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ونبهت بريطانيا دون غيرها إلى الخطر على مآلات الحرب في السودان، الذي حملته سيطرة قوات “الدعم السريع” على هذه البلدة نظراً إلى موقعها الاستراتيجي. فإن تمكنت “الدعم السريع” منه انفتح أمامها باب الهجوم على ولايات أخرى حتى تنتهي في الخرطوم. وجاء مفهوم التصعيد إلى خطاب حرب اكتفت أطراف مدنية فيها مثل قوى الحرية والتغيير (قحت) بمطلب وقف الحرب.

 

فلا وقف للحرب وهي تستشري في مناطق توسمنا فيها أمن من نزحوا إليها في انتظار نهايتها للعودة لديارهم، فالمهجرون أمانة في عنق داعية وقف الحرب. فلم يقل مثله لا في وجه الحرب حيال من قال نعم إلا شفقة بالخَلق السودانيين الذين يتكبدون حرباً “عبثية”، في قولهم، لا ناقة لهم فيها ولا بعير، ضحية جنرالين استبدت بهما شهوة الحكم.

وتساءل الناس بعد احتلال ود عشانا إن كانت دعوة “لا للحرب”، التي تشتغل بها “قحت”، تحولت إلى طاقة سياسة وثقافية بإمكانها مناطحة وحوش الحرب وفرض إرادة السلم عليهما بصورة أو بأخرى. ولم تكن الإجابة مما تسعد به “قحت”. فلا تجد للدعوة أثراً في الشارع يعبئ الناس، لا حول معنى وقف الحرب فحسب، بل في تجاوز ويلات نقص الثمرات من جرائها وسد الحاجات أيضاً. ووقع التصعيد في الأسبوع الماضي في ولاية الجزيرة واحتلال عاصمتها ود مدني. وصدر بيان من “قحت” في هذا الخصوص (الـ16 من ديسمبر / كانون الأول) لم يقنع أحداً حتى بعض ممن بين صفوفها. عبرت “قحت” في بيانها عن قلقها، والحرب تدخل شهرها التاسع، حيال “تمدد الحرب في مناطق جديدة في عدة مدن أبرزها الفاشر ومدني والأضية (تصغير أضاءة)” إلى جانب ضرب المدنيين بالقصف المدفعي والجوي في مناطق سكنية في نيالا والخرطوم. وتمسكت “قحت” برفض الحرب وتوسيع نطاقها وتحويلها إلى حرب أهلية تترتب عليها زيادة حجم المعاناة الإنسانية. فهي ترى توسع نطاق العمليات العسكرية وشمولها مناطق مأهولة بالنازحين الهاربين من الحرب. وحملت “قحت” القوات المشاركة في القتال من الطرفين، والمجموعات المرتبطة بهما المتواجدة في تلك المناطق والخاضعة لسيطرتهما، كامل المسؤولية الأخلاقية والسياسة والجنائية.

واستغرب كثيرون صمت بيان “قحت” عن ذكر أحد طرفي الحرب، “الدعم السريع”، الذي من وراءه “تمددت” إلى ود مدني ومدن أخرى. وهذا ما أخذه عليها الناشط الثقافي عمر عشاري القريب منها، فوصف تحرك “الدعم السريع” نحو ود مدني بأنه “بربري وغبي ومتعد مثل انتهاكات صارخة كانت أبشعها عملية الإبادة للمساليت في دارفور”. وقال إن “هذا التحرك تحرش بالمواطنين لا الجيش”. وعبر عن مآخذه على بيان “قحت”، فأثنى على توقيته، ولكنه أخذ عليه صمته عن ذكر من وراء الهجوم على ود مدني. ورأى في هذا عرضاً “لضعف المكون المدني وخشيته الواضحة من إثارة غضب الدعم السريع. فلا ينبغي لدعوة “لا للحرب” أن تصبح “حالاً من دفن الرؤوس في الرمال”. وعاب عشاري على البيان أنه لم يتناول الهجوم على المدينة كحدث مستقل، إ1 جاءت مدني فيه عرضاً في سياق “تمدد الحرب” إلى مدن منها الفاشر التي توقفت فيها المواجهة بين الجيش و”الدعم السريع” لأسابيع وإن بقي وضعها متوتراً.

 

 

ولأن وضع ود مدني كان مستقلاً وفي الواجهة ساعة كتابة البيان، انتظر عشاري من “قحت” أن تدين الهجوم عليها بصورة منفصلة عن الانتهاكات السابقة من الطرفين.

 

يقال في السودان للخذول وقت الحاجة “إنه لم يعط الأمر ضحوة”، و”الضحوة” هي نوبة الضحى في دورة الساقية اليومية التي تبدأ بالصباحي فالضحوي فالعشاوي. وتوقع كثيرون من غير أنصار “قحت” لو أعطت الأخيرة الهجوم على ود مدني ضحوتها خالصة مثل ما فعلت الخارجية الأميركية، بل وياسر عرمان الذي هو من نجوم “قحت” اللوامع. ففي الـ16 من ديسمبر ناشد ماثيو ميلر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، “الدعم السريع” أن توقف تقدمها إلى داخل ولاية الجزيرة والامتناع عن الهجوم على مدينة ود مدني على وجه السرعة. ونبه إلى أن الهجوم على المدينة سيعرض سكانها والنازحين إليها المنهكين إلى انتهاكات لا تتفق مع زعم “الدعم السريع” التي قالت إنها تقاتل لحماية السودان. وتشاءم ميلر من عواقب الهجوم لأن النزوح من المدينة بدأ لدى ذيوع خبر تقدم “الدعم السريع”. فخرج في قوله، إن “مواطني المدينة وضيوفها من نازحي الخرطوم لا يعرفون إلى أية وجهة يفرون”. وخرج ياسر عرمان، من جانبه، بضحوته مستقلاً. فقال إن “الهجوم على ود مدني، التي ضمت النازحين من الخرطوم بجانب سكانها، غير مبرر وانتهاك صريح لحقوق المدنيين وحمايتهم”. وهو هجوم، في قوله، سيتكرر فيه سيناريو الخرطوم من النهب الواسع لمال أهلها وعقاراتهم، ودعا إلى وقف الهجوم على ود مدني. وأضاف أن “قضية حماية المدنيين، نفساً ومالاً، أمر لا يحتمل التغاضي أو الصمت عنه، سواء جاء من ’الدعم السريع‘ أو من الجيش”، وأضاف أن سبيلهم إلى وقف الحرب وتعزيز جبهة وقفها ينحصر في الاحتجاج بصورة واسعة على وقوع مثلها.

الوسومالحرية والتغيير عبدالله علي إبراهيم قحت ود مدني ولاية الجزيرة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرية والتغيير عبدالله علي إبراهيم قحت ود مدني ولاية الجزيرة

إقرأ أيضاً:

قوى سياسية توجه دعوة الى الجيش السوداني والدعم السريع والمؤتمر الشعبي يوضح مشاركة علي الحاج في اجتماعات بنيروبي

أديس أبابا- متابعات – تاق برس – دعت قوى سياسية، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بالاتفاق على وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ييسر عودة النازحين واللاجئين لمدنهم وقراهم، و يضع حداً ومعالجة للكارثة الانسانية المروعة التي تعد الأكبر على مستوى العالم، وتمهد الطريق لحل سلمي تفاوضي يقود لسلام شامل وعادل ومنصف ومستدام في السودان وتقديم مصلحة الشعب السوداني على ما عداها.

 

 

وشاركت تلك القوى السياسية فى الاجتماع التشاوري، الذي دعت له الآلية الافريقية رفيعة المستوى ومنظمة الايقاد بمقر الاتحاد الافريقي بأديس أبابا في الفترة من 19-21 فبراير 2025م، والتي هدفت للبحث عن سبل اطلاق حوار يسهم في انهاء الحرب في السودان، عليه بعد نقاش معمق مع الآلية رفيعة المستوى والايقاد.

 

واكد بيان مشترك لكل من تحالف “صمود” حزب البعث العربي الاشتراكي – الأصل وحزب المؤتمر الشعبي ،دعمهم الكامل لهذه الجهود وثقتهم في المؤسستين الإقليميتين تأكيداً لمبدأ أولوية الحلول الافريقية لمشاكل القارة.

وناشدالبيان، جميع أبناء وبنات الشعب السوداني للتصدي لخطابات الفتنة و الكراهية والعنصرية، ولفت الى ان البلاد تشهد محنة كبرى تهدد وحدة ترابها وتمزق نسيجها الاجتماعي وتفرط في سيادتها ووجودها.

 

 

وتابع :”نوكد استمرارنا في بذل كافة الجهود من أجل التصدي للأزمة الانسانية وحماية المدنيين، والسعي للتوافق على تصميم عملية سياسية تشمل القوى السياسية والمجتمعية – عدا المؤتمر الوطني وواجهاته – تفضي لإنهاء النزاع في بلادنا عبر مشروع وطني ديمقراطي، ينهي كافة أشكال الاستبداد والهيمنة والتمييز، ويضع لبنات سودان حديث موحد مدني ديمقراطي مزدهر يسع كافة ابناءه وبناته”. وفق البيان.

وقالت القوى السياسية فى بيانها، أن هذه المشاورات تعد خطوة مهمة في طريق” بلوغ السلام في بلادنا، واننا لن ندخر جهداً من أجل ذلك، لذا سنظل في تواصل مستمر مع الاتحاد الافريقي والايقاد وكافة الأشقاء في الأسرة الاقليمية والدولية، و قبله مع كل الحادبين من أبناء و بنات شعبنا، بما يعزز من فرص إنهاء الحرب في بلادنا بأعجل ما يكون”.

 

في الاثناء دحض حزب المؤتمر الشعبي السوداني مشاركته في اجتماعات لقوات الدعم السريع واخرون بالعاصمة نيروبي للتوقيع على ميثاق سياسي لتشكيل حكومة موازية بمناطق سيطرة الدعم.

 

 

وانشق جناح من الشعبي يقوده الامين العام د. على الحاج.

واكد الشعبي فى بيان له مساء اليوم الجمعة ، بان الامين العام للحزب علي الحاج هو من شارك فى تلك الاجتماعات، وعطفاً على ذلك هو جزءً من الإصرار على وقف الحرب الدائرة الآن.

 

 

واضاف المؤتمر الشعبي بان لديه موقف سابق وواضح في نهج إستعمال السلاح في العمل السياسي، ويبارك كل مشروع سياسي يخاطب الأزمة التاريخية.

 

 

وتابع :”إن الذي نادينا به في مؤتمر المائدة المستديرة هو لابد من حكم البلاد على اساس فدرالي، ونؤكد على موقفنا الداعي لوقف الحرب منعاً لمشاريع التشظي والتمزق والتدخل الدولي في السيادة الوطنية.

المؤتمر الشعبيصمودقوى سياسية

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يقصف مواقع الدعم السريع في أم درمان
  • رويترز: الدعم السريع توقع ميثاقا لتشكيل حكومة موازية بالسودان
  • قوات الدعم السريع السودانية تتفق مع حلفائها على تشكيل حكومة عبر ميثاق جديد
  • قوى سياسية توجه دعوة الى الجيش السوداني والدعم السريع والمؤتمر الشعبي يوضح مشاركة علي الحاج في اجتماعات بنيروبي
  • الخرطوم تتهم كينيا بتهديد وحدة السودان بسبب استضافة اجتماعات لقادة الدعم السريع
  • تصعيد دموي في السودان: أكثر من 200 قتيل في هجوم لقوات الدعم السريع خلال ثلاثة أيام
  • الجيش السوداني يضيق الخناق على مقار الدعم السريع ويحكم سيطرته على كافوري في الخرطوم بحري
  • حكومة السودان تدخل تعديلات دستورية والدعم السريع يبحث تشكيل حكومة موازية
  • محمد ناجي الأصم: حكومة الدعم السريع القادمة بلا مشروع
  • في تصعيد للإحتجاج.. إستدعاء سفير السودان في كينيا وكشف علاقات نيروبي التجارية واللوجستية مع الدعم السريع