ما المقصود بقوله تعالى :«وإن تصبهم سيئة».. ما معنى سيئه هنا ؟
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
قوله تعالى :«وإن تصبهم سيئة»، فما معنى سيئه هنا ؟ سؤال يكثر البحث عنه، حيث ورد في شأن تفسيرها العديد من الأقوال يقول الله تعالى: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)».
وجاء في بيانها قول الإمام القرطبي، إن هناك أربع مسائل في قوله تعالى :«وإن تصبهم سيئة»:
الأولى : قوله تعالى : أينما تكونوا يدرككم الموت شرط ومجازاة ، و " ما " زائدة وهذا الخطاب عام وإن كان المراد المنافقين أو ضعفة المؤمنين الذين قالوا : لولا أخرتنا إلى أجل قريب أي إلى أن نموت بآجالنا ، وهو أشبه المنافقين كما ذكرنا ، لقولهم لما أصيب أهل أحد ، قالوا : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فرد الله عليهم أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه . وواحد البروج برج ، وهو البناء المرتفع والقصر العظيم . قال طرفة يصف ناقة :
كأنها برج رومي تكففها بان بشيد وآجر وأحجار وقرأ طلحة بن سليمان " يدرككم " برفع الكاف على إضمار الفاء ، وهو قليل لم يأت إلا في الشعر نحو قوله: من يفعل الحسنات الله يشكرها أراد فالله يشكرها.
واختلف العلماء وأهل التأويل في المراد بهذه البروج ، فقال الأكثر وهو الأصح . إنه أراد البروج في الحصون التي في الأرض المبنية ، لأنها غاية البشر في التحصن والمنعة ، فمثل الله لهم بها. وقال قتادة : في قصور محصنة . وقاله ابن جريج والجمهور ، ومنه قول عامر بن الطفيل للنبي صلى الله عليه وسلم : هل لك في حصن حصين ومنعة ؟ وقال مجاهد : البروج القصور . ابن عباس : البروج الحصون والآطام والقلاع . ومعنى مشيدة مطولة ، قاله الزجاج والقتبي. عكرمة : المزينة بالشيد وهو الجص . قال قتادة : محصنة . والمشيد والمشيد سواء ، ومنه وقصر مشيد والتشديد للتكثير . وقيل المشيد المطول ، والمشيد المطلي بالشيد. يقال : شاد البنيان وأشاد بذكره .
وقال السدي : المراد بالبروج بروج في السماء الدنيا مبنية . وحكى هذا القول مكي عن مالك وأنه قال ألا ترى إلى قوله تعالى : والسماء ذات البروج و جعل في السماء بروجا ولقد جعلنا في السماء بروجا . وحكاه ابن العربي أيضا عن ابن القاسم عن مالك . وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال : في بروج مشيدة معناه في قصور من حديد . قال ابن عطية : وهذا لا يعطيه ظاهر اللفظ .
الثانية : هذه الآية ترد على القدرية في الآجال، لقوله تعالى : أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة فعرفهم بذلك أن الآجال متى انقضت فلا بد من مفارقة الروح الجسد ، كان ذلك بقتل أو موت أو غير ذلك مما أجرى الله العادة بزهوقها به . وقالت المعتزلة : إن المقتول لو لم يقتله القاتل لعاش . وقد تقدم الرد عليهم في " آل عمران " ويأتي فوافقوا بقولهم هذا الكفار والمنافقين .
الثالثة : اتخاذ البلاد وبناؤها ليمتنع بها في حفظ الأموال والنفوس ، وهي سنة الله في عباده . وفي ذلك أدل دليل على رد قول من يقول : التوكل ترك الأسباب ، فإن اتخاذ البلاد من أكبر الأسباب وأعظمها وقد أمرنا بها ، واتخذها الأنبياء وحفروا حولها الخنادق عدة وزيادة في التمنع . وقد قيل للأحنف : ما حكمة السور ؟ فقال : ليردع السفيه حتى يأتي الحكيم فيحميه .
الرابعة : وإذا تنزلنا على قول مالك والسدي في أنها بروج السماء ، فبروج الفلك اثنا عشر برجا مشيدة من الرفع ، وهي الكواكب العظام . وقيل للكواكب بروج لظهورها ، من برج يبرج إذا ظهر وارتفع ؛ ومنه قوله : ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وخلقها الله تعالى منازل للشمس والقمر وقدره فيها ، ورتب الأزمنة عليها ، وجعلها جنوبية وشمالية دليلا على المصالح وعلما على القبلة ، وطريقا إلى تحصيل آناء الليل وآناء النهار لمعرفة أوقات التهجد وغير ذلك من أحوال المعاش .
وأم قوله تعالى: وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله أي إن يصب المنافقين خصب قالوا : هذا من عند الله . وإن تصبهم سيئة أي جدب ومحل قالوا : هذا من عندك، أي أصابنا ذلك بشؤمك وشؤم أصحابك . وقيل : الحسنة : السلامة والأمن، والسيئة: الأمراض والخوف. وقيل : الحسنة: الغنى ، والسيئة: الفقر. وقيل : الحسنة : النعمة والفتح والغنيمة يوم بدر، والسيئة : البلية والشدة والقتل يوم أحد . وقيل : الحسنة: السراء ، والسيئة: الضراء. هذه أقوال المفسرين وعلماء التأويل - ابن عباس وغيره - في الآية . وأنها نزلت في اليهود والمنافقين ، وذلك أنها لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عليهم قالوا : ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه . قال ابن عباس : ومعنى من عندك أي بسوء تدبيرك . وقيل : من عندك بشؤمك ، كما ذكرنا، أي بشؤمك الذي لحقنا ، قالوه على جهة التطير . قال الله تعالى قل كل من عند الله أي الشدة والرخاء والظفر والهزيمة من عند الله ، أي بقضاء الله وقدره . فمال هؤلاء القوم يعني المنافقين لا يكادون يفقهون حديثا أي ما شأنهم لا يفقهون أن كلا من عند الله .
وفي جواب هل هناك شر محض أو أن الخير دائما نجده في كل شيء ؟ قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، إن عقيدة المسلم أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الخير والشر جميعا؛ ولذلك فإن الخير من خلق الله وإن الشر من خلق الله أيضا، ودائما يرى المسلمُ حكمةَ اللهِ في أفعاله؛ فيراها في خلقه للخير ويراها في خلقه للشر، وهذه الرؤية سوف تجعله متأنيا في جميع المواقف، متأملاً في كل الأحداث، راضيا بقضاء الله وقدره، ويقف أيضا موقف العدل؛ فيصف الأمر على ما هو عليه من خير وشر، فعندما يرى الشر لا تعميه هذه الرؤية عن رؤية الخير الذي قد يكون مختلطا معه، أو يكون في نهاية طريقه، أو يكون ناتجا عنه. فكأنه ليس هناك شر محض ولو كان هناك شر محض لاستهجنه ورفضه جميع الخلق؛ لأن الشر المحض ضد الفطرة، ولكن لما اختلط بشيء من الجمال وفي بعض الأحيان بشيء من المعاني زُين لبعضهم أن يفعله، وهذا التزيين هو مدخل الشيطان إلى الناس. قال تعالى: (تاللهِ لقد أَرسَلنا إلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فزَيَّنَ لهم الشَّيطانُ أَعمالَهم فهو وَلِيُّهم اليَومَ ولهم عَذابٌ أَلِيمٌ) .
أما أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الخير والشر معا، فقد قال تعالى: (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ وهو الواحِدُ القَهّارُ) ، وقال أيضا: (وإن تُصِبهم حَسَنةٌ يَقُولُوا هذه مِن عندِ اللهِ وإن تُصِبهم سَيِّئةٌ يَقُولُوا هذه مِن عندِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عندِ اللهِ فمالِ هؤلاءِ القَومِ لا يَكادُونَ يَفقَهُونَ حَدِيثًا * ما أَصابَكَ مِن حَسَنةٍ فمِنَ اللهِ وما أَصابَكَ مِن سَيِّئةٍ فمِن نَفسِكَ وأَرسَلناكَ للنّاسِ رَسُولاً وكَفى باللهِ شَهِيدًا) ، فهذان من النصٌوص الدالة على أن الله قد خلق كل شيء، ومن ذلك الخير والشر.
والرؤية المتأنية التي ذكرناها سنراها في سورة النور، حيث قال ربنا سبحانه وتعالى: (إنَّ الذين جاءُوا بالإفكِ عُصبةٌ مِنكم لا تَحسَبُوه شَرًّا لكم بل هو خَيرٌ لكم) ، فالإفك الذي صدر من بعض المخطئين فأحزنهم وأثر في نفوسهم، علمنا الله كيف نواجهه وكيف نرى فيه الخير بالرغم من أنه شر متفق عليه.
وهناك معنى آخر وهو ألا يكون الأمر شر أصلاً، بل هو في نفسه خير ولكن تقييمنا هو الذي اختلف فظنناه شرًّا، وفيه يقول ربنا سبحانه وتعالى: (وعَسى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وهو خَيرٌ لكم وعَسى أَن تُحِبُّوا شَيئًا وهو شَرٌّ لكم واللهُ يَعلَمُ وأنتم لا تَعلَمُونَ) .
وشدد: يعلمنا الله تعالى العدل في الوصف وفي الحكم فيقول: (لا خَيرَ في كَثِيرٍ مِن نَجواهم إلاّ مَن أَمَرَ بصَدَقةٍ أو مَعرُوفٍ أو إصلاحٍ بينَ النّاسِ ومَن يَفعَل ذلكَ ابتِغاءَ مَرضاتِ اللهِ فسوف نُؤتِيه أَجرًا عَظِيمًا)، وأما في الحُكم فيقول: (ولا يَجرِمَنَّكم شَنَآنُ قَومٍ على أَلاّ تَعدِلُوا اعدِلُوا هو أَقرَبُ للتَّقوى واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سبحانه وتعالى من عند الله الله تعالى قوله تعالى ن عند الله ابن عباس ل الله
إقرأ أيضاً:
كلمة مقتضبة من الملك سلمان بمناسبة عيد الفطر 2025
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)—هنأ العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، بكلمة مقتضبة مساء السبت، المسلمين بحلول عيد الفطر 2025، في كلمة ألقاها بالنيابة عنه، وزير الإعلام، سلمان الدوسري، وفيما يلي نصر الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى القائل في كتابه الكريم، (إليه يصعدُ الكلمُ الطيبُ والعملُ الصالحُ يرفعُه)، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبنائي وبناتي، إخواني وأخواتي المواطنين والمقيمين في وطننا الغالي المملكة العربية السعودية، والمسلمين في كل مكان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
نهنئُكم بعيد الفطر المبارك ونحمد الله عز وجل، الذي أعاننا على صيام شهر رمضان وقيامه وبلَّغنا هذا اليوم السعيد، مبتهلين إلى المولى سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم الدعاء وصالح الأعمال.
أيها الإخوة والأخوات،
لقد منَّ الله تعالى على بلادنا بنعم كثيرة لا تحصى، وعلى رأسها خدمة الحرمين الشريفين، وقاصديهما من حجاج ومعتمرين وزوار، وبذلُ كل ما من شأنه التسهيل لهم، لأداء مناسكهم في أمن وطمأنينة وسكينة.
وإذ نحمد الله تعالى أن يسر لملايين المعتمرين، أداء مناسك العمرة والزيارة خلال شهر رمضان هذا العام، لنشكر أبناءنا وبناتنا العاملين بإخلاص في مختلف قطاعات الدولة، على ما بذلوه من جهود كبيرة في هذا المجال.
أيها المسلمون والمسلمات،
يوم العيد يوم فرح وسرور، تتجلى فيه معاني الوحدة والتراحم والإخاء، فلله تعالى الحمد والشكر على ما وهبنا وأعطانا، قال عز وجل: (ولتُكملوا العدة ولتُكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون).
ونسأل الله عز وجل بمنه وكرمه، أن ينعم على بلادنا والأمة الإسلامية والعالم أجمع بالأمن والسلام، وأن يعم الاستقرار والازدهار في كل مكان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.