أسدلت العاصمة التونسية “تونس”، الستار على فعاليات الدورة الثامنة من مهرجان القيروان للشعر العربي، الذي أقيم تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ونظمته دائرة الثقافة في الشارقة بالتعاون مع وزارة الشؤون الثقافية في تونس، بمشاركة فاعلة ومميزة من شعراء ونقاد وأدباء تونسيين وعرب من الجزائر وليبيا.

أقيم حفل الختام، في بيت الحكمة في قرطاج، بحضور سعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ومحمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، والشاعرة جميلة الماجري مديرة بيت الشعر في القيروان، وجمع كبير من محبي الكلمة.

وحَفِلَ اليوم الختامي بالعديد من الفعاليات حيث شهد أمسية شعرية شارك بها عدد من الشعراء التونسيين، وندوة نقدية بعنوان “الشعر واللغة” تناولت دور الاستعمال الشعري في إثراء اللغة تركيباً نحوياً وتصريفاً واشتقاقاً معجمياً وأهمية استعمال اللغة في السياق الشعري.

وأشار المتحدثون في الندوة إلى السمات المميزة للعربية سواء ما تعلّق منها بظاهرة التصريف الإعرابي والنزوع إلى الأصوات الصامتة وخصوبة الأوزان أو بصرف الأسماء وصرف الأفعال حيث تضفي على نظامها العام طابعا مزدوجا فهو محافظ من جهة ومبتكر من أخرى.

وأكّد شعراء ونقّاد مشاركون في الدورة الثامنة من مهرجان القيروان للشعر العربي أن الشارقة المحرك الأساسي للفعل الثقافي العربي بفضل رعاية صاحب السمو حاكم الشارقة، معبّرين في الوقت نفسه عن سعادتهم بالمشاركة في المهرجان باعتباره أفقاً إبداعياً مميزاً، وأن بيت الشعر في القيروان يعد مكسباً على المستويين المحلي والعربي خاصة حيث يستقطب شعراء من كافة مناطق تونس وخارجها؛ وأعربوا عن امتنانهم لصاحب السمو حاكم الشارقة الداعم الأول للشعر العربي عبر مبادرة عربية غير مسبوقة تتمثّل في بيوت الشعر.

وقال منصف الوهايبي (فائز بجائزة الشارقة لنقد الشعر العربي) إن مهرجان القيروان للشعر العربي حافظ على تقاليده السنوية في جمع كل الحساسيات الشعرية في تونس ويتسع للقراءات المتجددة والجديدة كما يتسع للمناقشات المتعلقة بالتجارب الشعرية والمتن الشعري واللغة العربية، مضيفاً أن البيت أغنى الحياة الثقافية والشعرية في تونس خاصة وأنه منفتح على جميع التونسيين والتونسيات بل ومن خارج تونس.

ولفت حاتم الفطناسي إلى أن المهرجان أصبح قبلة ثقافية للشعراء والنقّاد والمثقفين الذين يمنّون النفس بالمشاركة فيه وحقق إضافة نوعية باطروحاته المتجددة، موضحاً أن بيت الشعر أصبح منفتحاً على كل شبرٍ في تونس؛ وقال إن الشارقة أصبحت المحرك الأساسي للفعل الثقافي العربي وهو أمر يُلمس ويُحسّ ويرى رأي العين فالشارقة في الثقافة هي حاضنة التجديد والتنوّع.

وقالت الشاعرة الليبية إسراء النفّاتي : سعدت بهذه المشاركة خاصة وأنها الأولى خارج ليبيا بدعوة من بيت شعر القيروان الذي يعدّ جزءا من مشروع ثقافي عربي ريادي يأتي من الشارقة، وإن إنشاء بيوت للشعر في الوطن العربي إنما يدل على اهتمام صاحب السمو حاكم الشارقة بالثقافة والمثقفين العرب .

وأشار الشاعر عرّادي نصري إلى أن المهرجان يجمع كثير من الشعراء التونسيين والعرب ويضعنا أمام مساحة واسعة للاستماع إلى مبدعين جدد، مؤكداً أن ما وصل إليه المهرجان يأتي بفضل الرعاية الكبيرة التي يحظى بها بيت الشعر والمهرجان.

وقال الشاعر الجزائري خليل عبّاس إن بيت الشعر في القيروان لطالما احتفى بالشعر والشعراء من كافة الدول العربية وقّدم الكثير من العطاء الثقافي للشعر العربي ويجمع كوكبة من الكتّاب في الساحة الشعرية في الشمال الإفريقي ويلم شمل المبدعين في هذه الأقطار المغاربية ككل.

وقال الشاعر التونسي محمد غيلان إن بيت الشعر في القيروان ينفذ نشاطا أدبيا حثيثا في كافة مناطق تونس، معتبراً أن البيت أصبح معلماً ومكسباً ثقافياً لتونس؛ وأشاد في الوقت نفسه بما قدمته الشارقة للثقافة العربية والتونسية لا سيما بيت الشعر.

وأكد أن الدور الريادي الذي تقوم به الشارقة من خلال إنشاء بيوت الشعر في الوطن العربي يعكس جهدا ثقافياً كبيراً يستحق الإشادة والثناء والعرفان.وام


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: حاکم الشارقة فی تونس

إقرأ أيضاً:

ما يبقى من الشعر وما يبقى للشعراء

حاتم الصكر

رغم أن تفوهات الشعراء في الاستجوابات الصحافية والنقدية تُعد متوناً خارج نصوصهم، أجدني مهتماً بها ومتابعاً لتفاصيلها بفضول معرفي للمقارنة بينها وما يتحقق في النصوص. بهذا الإحساس قرأت التحقيق الذي أجراه وقدم له الصديق الناقد عبد اللطيف الوراري (القدس العربي-14 شباط/ فبراير2025) وهو ممن يحرصون على متابعة شؤون الشعر وشجونه، وتقلبات كتابته وتلقيه. لذا وضع عنواناً دالّاً بأقل العبارات. إنه يستفتي أربعة من (شعراء اللحظة الراهنة) كما يصفهم العنوان عبر سؤال جوهري (هل ما زال في جعبة الشعر ما يقوله ويصطنع الدفاع عنه؟).

في التقديم خلص الوراري إلى رسم مشهد شديد التفاؤل براهن الكتابة الشعرية. وجدتني أشاطره إياه، مستذكراً تجربتي حين كنت أجمع نصوص كتابي عن الميتاشعري في قصيدة النثر العراقية، ونصوصاً عربية لجزء تالٍ عن قصيدة النثر العربية. فقد أحسست أن النصوص تشي بكثير من المزايا الفنية والجمالية اللافتة، ذكّرني بها ما تحدث عنه الوراري في التقديم. فقد ارتقت الهوامش الشعرية إلى مقام المراكز التقليدية وبرزت حساسيات شعرية جديدة، ووعي منشقّ متسم بالرفض والغضب والجرأة المضمونية والشكلية.

لكن الوراري يضع يده من بعد على أزمة التلقي، فوجد أن (الجمهور) لا يرى في الشعر الجديد ما يرجوه بالمقايسة مع ما عهده في ذخيرته. إن الأزمة في جانب مهم منها في (التلقي)، كما أود تسميته توسيعاً لمصطلح (الجمهور)، وتخلصاً من إحالاته العامة التي يشير لها وضع الجمهور بإزاء الإلقاء والحالة الشفاهية لتوصيل الشعر. وهو عنصر مهم في صراع النصوص الجديدة مع تداوليتها الناقصة. فالجمهور يقيس بما يعيد لذاكرته (دور الشعر) في التحفيز ومعالجة الأدواء الاجتماعية والسياسية الراهنة، فيما يبدو واضحاً أن الكتابة الشعرية لم تعد قادرة على أن تكون صوتاً مناسباً لتسارع ما يجري، وما يتغير كل ساعة من حولنا. ويقابل ذلك إهمال التلقي المطلوب بكيفيات تحفظ شعرية الشعر وحداثته، وأدبية الكتابة أيضاً. وهو ما سنعالجه في فقرة تالية.

استطاع الوراري إذاً أن يضع طرفيْ المشكلة في صلب استفتاءٍ قصد به استجلاء ما يراه الشعراء في تلك التساؤلات، ما داموا ممن يكتبون الجديد، ويمثلون حساسيات عربية من خمسة بلدان.

وبالعودة إلى الإجابات سنرى أن الشاعرة نجاة علي (مصر) تؤكد ما تشهده القصيدة الجديدة، وهي قصيدة النثر عندها، فهي تتطور وتحرر الكتابة من كون الشعر مجرد شكلٍ لحمل مضامين تسلب روحه الحقيقية. وترى أن الشعر ينجو بالعودة إلى ذات الشاعر وأسئلته. ونفهم أن هذا هو دوره في رأيها.

أما سعيف علي – تونس، فيرى أن التلقي بخير، ويحتكم إلى ما تمثله القراءة عبر المنافذ المستحدثة خلافاً لطريقة التلقي التقليدية أي النشر الورقي حيث الأعداد متواضعة. وهو يذهب إلى الكتابة الشعرية ذاتها وينزع عنها أي دور، فهي تقوم بوظيفتها عبر ما تحققه من إنجاز وتلغي المنبرية وتتجه نحو علاقات تلقٍ يراها مناسِبة. ويأخذنا العراقي أحمد ضياء إلى ما هو قريب من قناعات زملائه في فك ارتباط الشعر بالسياسة كعمل مباشر، وهجْر المنبرية والخطابية، ويلفت النظر إلى ما تفعله الثورة الرقمية من تشتيت التلقي. ويكمل عبد الجواد العوفير من المغرب ما يراه زملاؤه، فالشعر ليس له دور حقيقي في التغيير المطلوب اليوم، لكنه يغير عبر مهمة شعرية أكبر يقوم بها الشاعر للتحرر من المسلمات. ويختم اليمني محيي الدين جرمة بالقول إن التغيير بالمعنى السياسي المباشر والنمطي لا يقوم به الشعر، ويوكل له مهمة جمالية تقترب مما يعوّل عليه زملاؤه عبر عزلات مشروعة ورؤى جديدة لكونه اختياراً جمالياً فرديا.

لاحظت من الإجابات أن ثمة قناعة لدى المستفتين بأن الشعر غادر دوره المرتبط بالمنبرية، وتبعية الجماعة. وأنه ينجز دوره مع تعديل الوظيفة والمصطلح عبر الاقتراب من ذات الشاعر والابتعاد عن الدور السياسي المباشر، لا لتعالٍ أو تجنب لما هو مشروع في الحياة، وحق يتعلق بالحرية والعدالة، ولكن دون خضوع لصوت أعلى من صوت الشعر الذي يصر الشعراء على أنه غادر المنبر والخطابية، واكتفى بجمالياته القادرة على استيعاب ما يجري عبر وعي (مضاد) وعميق ينطلق من ذات الشاعر لا من قناعات جمعية جاهزة، لا تدع له مكاناً خاصاً لتوصيل رؤيته.

حسناَ. للشعراء أن يقولوا ما يرون. فهم أمراء الكلام يصرفونه أنّى شاءوا، كما ينقل حازم القرطاجني في «منهاج البلغاء» عن الخليل بن أحمد. ويستطرد حازم على كلام الخليل بصدد حرية أمراء الكلام، فيقول إنهم لا يقولون شيئاً لا وجهَ له. وذلك يتطلب تأوُّل ما يقولون بوجه من الصحة وتخريج كلامهم عليه.

وهم بحسب هولدرلين في مقولته «ما يبقى يؤسسه الشعراء» موكلين بإنجاز حضاري كبير، لكونهم كما في إحدى قصائده:

الشعراء أوعيةً مقدسة

تُحفَظ فيها خمر الحياة

وروح الأبطال

لكن الفرضية التي يحتج بها العرب لتعظيم دور الشاعر، وحقه في التصريف الحر مشروطة أيضاً. لأن الشعراء موكلون (باستخراج ما كلَّت الألسن عن وصفه ونعته، والأذهان عن فهمه وإيضاحه. فيقربون، البعيد ويبعدون القريب، ويُحتج بهم ولا يُحتج عليهم). وهذا يحيلنا إلى ما ورد من تصريح في نماذج الإجابات لشعراء الجيل الراهن. فإعلاء شأن الشاعر يجب أن يكتمل بتقديم ما لا تستطيعه الألسن الأخرى غير الشعرية. ويعني التنبه إلى كثرة التكرار والتماثل في الأصوات والأساليب حتى في نماذج من شعر الحداثة.

وإذا كنا بصدد الكتابة الجديدة وقصيدة النثر تحديداً، فليكن لنا الحق في افتراض أن لكل شاعر قصيدة نثره. بمعنى تلك التي تعبر عن ذاته ورؤيته. وإلا فقد نجد أنفسنا أمام تقليدية جديدة وهو ما حذّر منه بعض من ساهم في الإجابة على تساؤلات الوراري.

ليكن للشعراء الحق في الابتعاد عن منهجيات الخطاب المباشر ونثره الذي لا يناسب مقاصد القصيدة الجديدة. ولكن علينا أن نتعرف ما تعنيه دعوة الشعراء للعودة إلى الذات. وهو ما يتطلب إزالة غموض والتباس كبيرين يحايثان ذلك. فالذات ليست تلك المقصودة في الشعر الرومانسي مثلاً، أو التي تقف مناوئة للأنا الجمعية التي يندرج الشاعر تلقائياً واختيارياً فيها، حين يكون عليه الاصطفاف مع الآخر في حقوقه وفي عصر يتسم بالقسوة وافتقاد العدالة والانحدار السريع نحو الدكتاتوريات وتجلياتها الاجتماعية.

أما ما يشير له الشعراء في إجاباتهم، وكذلك تقديم الناقد الوراري، حول أزمة التلقي فهو إعلان صادق عن إحساس عام لدى الشعراء بأن القراءة أصبحت بعيدة عن مطمحهم. فهم لا يجدون الصدى والرجع المطلوب لما يكتبون، لا بكونهم أفراداً بانتظار تقويم تجاربهم بقدر الحاجة لمعرفة أصداء كتاباتهم الجديدة وموقعها في الخط الشعري المتنامي، والمعبر عن راهن شعري متميز بمعايشة التحولات الكبرى في الحياة وذلك ما لا تحققه لهم ردّات فعل القراءة الراهنة. فالشعر يأخذ شيئاً فشيئا مكانة قصية من اهتمامات الأجيال والدارسين. ويمكننا أن نعزو ذك لعدة أسباب منها عودة الشفاهية الجديدة بسبب الثورة الرقمية والاستغناء عن القراءة والمتابعة. إنها وباء حضارة الفرجة: نقلة أو ردّة شفاهية لا أريد حصرها شعرياً في تراجع الحداثة وتصدر المنبر والوزن، لكنها سياق عام أهم من ذلك، وأخطر بالضرورة تتمثل في الفرجة والشفاهية.

وفي حوار مع ماريو فارغاس يوسا ترجمة الشاعر اسكندر حبش (ضفة ثالثة. 18/12/24) يجيب على سؤال عما يخص الاتجاه الذي يسلكه العالم اليوم؟ وهل نحن على الدرب السليم؟ فيقول يوسا: إننا في حضارة الفرجة صرنا نعيش تراجعاً أو انحطاطاً (فالحرية الاقتصادية وحرية السوق لم ترافقهما حياة ثقافية مكثفة ولا حياة روحانية، لقد أصبحت الثقافة لعبة، ترفيهًا، وتسلية. لقد هُمّشت بطريقة كبيرة إزاء الزينة والسهولة والسوق). وأحسب أن البصر يتفرج الآن، ويرى لاهياً من دون أن يبصر ما يجري، حتى في حالتنا العربية التي يعوزها التبصر بمآلات حاضرنا ووجودنا.

وها نحن نعيش سطحيات العصر الإلكتروني كما يرى أولتر أونج. عصر «يعادل مرحلة ثانوية من الشفاهية، لا يعتمد فيها الفهم والتصور على مجردات الكتابة، بقدر اعتماده على الحكايات المروية والصور التوضيحية ومغامرات الأبطال، حيث تأخذ المؤثرات السمعية والبصرية بلبّ المتلقي وتسلبه قوة التركيز الذهني».

ولدينا عربياً ما يدعو للإحباط وإضعاف التلقي، متمثلاً بدعوات النقد الثقافي الممنهجة بنسخته العربية إلى نبذ جماليات الشعر، والتهشيم المتعمد لرموزه ومشروعه الحضاري، وتراثه وحداثته، بدعوى نسقيته، والحكم عليه بنفاد صلاحيته.

وأحسب أن مناقشة تلك التفاصيل ستفضي إلى التعرف على ما يمكن للشعر أن يفعله في عالم لا شعري بجدارة.

ولكن يبقى الشعر علامة على إنسانية الإنسان  وتجدد خطاب مواجهة الفناء والانحسار الروحي الخطير.

المصدر: القدس العربي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • بالشاي والبصل .. طرق علاج الشيب نهائيا
  • دولة عربية هجرها نصف مهندسيها.. 20 مغادرًا يوميًا
  • كوزمين يضع «اللمسات الأخيرة» على طريقة لعب الشارقة
  • القمر الدموي.. خسوف كلي تزامنا مع ليلة النصف من رمضان
  • تركي آل الشيخ يزيح الستار عن عمل عالمي بطولة أحمد عز
  • ما يبقى من الشعر وما يبقى للشعراء
  • تونس.. قانون الصكوك البنكية الجديد يلقي بثقله على النمو الاقتصادي
  • العقاب الذهبي يعود للبراري التونسية بمبادرة لإنقاذ الأنواع المهددة
  • صناعة الحصير في تونس.. مهنة تقليدية تحاول الوصول للأسواق العالمية
  • جدل واسع في تونس بسبب مواعيد مباريات الدوري في رمضان