تطوي تركيا عام 2023 بمزيد من التحولات الخارجية، التي كانت قد أطلقتها، قبل ثلاث سنوات؛ بهدف إصلاح علاقاتها مع محيطها الإقليمي، وإعادة تشكيل علاقاتها مع الغرب من منظور الواقعية الجيوسياسية.

تمثّلت أبرز التحولات التي شهدها العام، بإعادة تطبيع أنقرة عَلاقاتها الدبلوماسية بالكامل مع مصر وإسرائيل، وتعميق شراكاتها الجديدة مع الدول الخليجية، والشروع في حوار مع دمشق، رغم أنّه لم يُفضِ إلى الآن إلى نتائج،

فضلًا عن المصادقة على عضوية فنلندا في الناتو، وإبرام اتفاق مع السويد؛ بهدف إتمام عضويتها أيضًا في الحلف، وهي خطوات ساعدت في خلق آفاق جديدة في العلاقات التركية- الغربية عمومًا.

عكس تعيين أردوغان لهاكان فيدان- الذي يملك خبرة واسعة في مجال الأمن والاستخبارات بحكم وظيفته السابقة- وزيرًا للخارجية رغبة تركيا في المواءمة بين القوة والدبلوماسية في تفاعلاتها مع العالم بالنظر إلى أن هذين العنصرين يأخذان الحيز الأكبر من هذه التفاعلات

لا ينبغي أيضًا إغفال الزيارة التاريخية التي أجراها الرئيس رجب طيب أردوغان إلى اليونان وإعلان أثينا المشترك الذي رسم خارطة طريق لإصلاح العلاقات التركية- اليونانية.

مع استثناء الحرب الإسرائيلية على غزة، وما أحدثته من اضطرابات جديدة في العلاقات التركية- الإسرائيلية، فإن عام 2023 كان بمثابة انتقال إلى المرحلة الثانية من إستراتيجية تركيا لزيادة عدد أصدقائها، وتقليل عداواتها الخارجية.

إنّ تركيا- التي دخلت في عام 2023 القرن الثاني للجمهورية بطموحات عالية في السياسة الخارجية- بأمسّ الحاجة إلى إحداث استقرار طويل الأمد في سياساتها الخارجية، بعد عقد من الخصومات والتقلبات الحادة بفعل الاضطرابات الجيوسياسية المحيطة بها، وتوتر علاقاتها مع الغرب، واعتمادها بقدر كبير على القوة الصلبة لمواجهة التحديات الجيوسياسية، وتعزيز حضورها في الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا.

ولأن الاستقرار السياسي الداخلي ضروري- لبناء سياسة خارجية قوية يُمكن التنبؤ بها- فإن فوز أردوغان بولاية رئاسية ثالثة في مايو/ أيار الماضي، خلق وضعًا مريحًا للسياسة الخارجية؛ لأنه جعلها أكثر قدرة على الاستقرار في لحظة تحول مفصلية في علاقات أنقرة بالعالم الخارجي، وعلى تعزيز الهُوية الجيوسياسية لتركيا في ظل حكم أردوغان، كقوة توازن بين الشرق والغرب، وتكريس دورها الجديد في الشرق الأوسط، وأفريقيا، وجنوب القوقاز، كوسيط للقوة والاستقرار.

وستبقى هذه الاتجاهات مُهيمنة على السياسة الخارجية التركية في عام 2024، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التحديات الخارجية التي تواجهها في هذا الصدد آخذة في التصاعد، وتتطلب قدرًا أكبر من الموازنة بين القوة والدبلوماسية.

عكس تعيين أردوغان لهاكان فيدان- الذي يملك خبرة واسعة في مجال الأمن والاستخبارات بحكم وظيفته السابقة- وزيرًا للخارجية رغبة تركيا في المواءمة بين القوة والدبلوماسية في تفاعلاتها مع العالم بالنظر إلى أن هذين العنصرين يأخذان الحيز الأكبر من هذه التفاعلات.

ويُمكن تقسيم التحديات الأساسية التي تواجه أنقرة في العام الجديد إلى ثلاثة:

التفاعل المرن مع الضغوط والفرص المتاحة في العلاقات المتشابكة مع روسيا والغرب. إنتاج سياسة أكثر فاعلية في التعامل مع التحديات الجيوسياسية الشرق أوسطية الجديدة التي أفرزتها الحرب الإسرائيلية على غزة. تعظيم الدور التركي في الجغرافيا السياسية الجديدة، التي تشكّلت في جنوب القوقاز، بعد نجاح أذربيجان في استعادة السيطرة الكاملة على إقليم قره باغ من أرمينيا.

هذه المسارات الثلاثة تُشكل محور السياسة الخارجية التركية. كما أنّ نجاحها يتطلب تحقيق التوقعات المرجوة منها جميعًا؛ لأنها مترابطة فيما بينها. وفي حين أن تركيا عملت في السنوات الماضية على تعميق علاقتها مع روسيا، فإن تكريس نهج التوازن في تفاعلاتها مع موسكو والغرب يفرض عليها إعادة ضبط علاقاتها مع الغربيين.

وقد أظهر الانفتاح التركي في عام 2023 على إصلاح العلاقات مع الغرب، أن الواقعية الجيوسياسية بدأت تتفوق على ديناميكيات العلاقة بين أنقرة والغرب.

من الملفات الأساسية المُدرجة على جدول أعمال العلاقات التركية- الغربية في 2024 إتمام عضوية السويد في الناتو، ودفع عملية شراء تركيا مقاتلات "إف 16" من الولايات المتحدة، وإحداث تقدم ملموس في علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي، على غرار تحديث اتفاقية التبادل الجمركي، وتحرير تأشيرة الدخول للمواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد.

مع ذلك، فإن الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي ستُجرى في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ستكون لنتائجها تداعيات كبيرة على السياسة الخارجية التركية، كما هو الحال بالنسبة للسياسات العالمية.

ومن الملاحظ أن السنوات الثلاث الماضية- من ولاية الرئيس جو بايدن- شهدت تهدئة نسبية في التوترات التركية- الأميركية، والتركية- الأوروبية، لكنّها خلت من تحقيق خروقات جوهرية. ويرجع السبب في ذلك إلى الآمال التي كانت تُعلقها واشنطن وبروكسل على أن تؤدي الانتخابات الرئاسية التركية إلى إحداث تغيير سياسي في أنقرة، لكنّ ذلك لم يتحقق.

وفي حين أن فوز أردوغان شكل حافزًا للأميركيين والأوروبيين للبحث عن إطار عمل أكثر فاعلية مع تركيا، فإنّ هذا الاتجاه سيبقى مُهيمنًا على العَلاقات التركية الغربية في العام الجديد. كما أن عودة محتملة للرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قد تؤدي إلى خلق آفاق أكثر قوة في العلاقات التركية- الأميركية، والتركية- الأوروبية. ويُمكن افتراض أن أردوغان وترامب سيكونان أكثر قدرة على إقامة علاقة عمل قوية، على غرار ما فعلاه في عهد ترامب.

بالنسبة للشرق الأوسط، ستعمل تركيا في العام الجديد على تعميق شراكاتها الإستراتيجية مع الدول الخليجية على وجه الخصوص. وقد عكست القمة الخليجية الأخيرة، التي حضرها أردوغان، في الدوحة كيف أن تطوير هذه الشراكة إلى تعاون في السياسات الإقليمية، يكتسب حاجةً متزايدة للطرفين.

ستبقى الحرب الإسرائيلية على غزة مصدرَ ضغطٍ كبيرٍ على العلاقات الجديدة بين تركيا وإسرائيل، لكنّ أنقرة ستعمل على الاستفادة من هذا الوضع المضطرب لتعميق حضورها في القضية الفلسطينية.

وفيما يتعلق بالصراع في سوريا، فإن الاتجاه التركي سيبقى مُركزًا على التوصل إلى تعاون مع دمشق، وموسكو، وطهران في بعض المسائل الأساسية، مثل: مكافحة الإرهاب، وتحقيق العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين.

وفي جنوب القوقاز، فإن أنقرة ستواصل تعميق حضورها في الوضع الجيوسياسي الجديد في المنطقة، ولعب دور صانع السلام بين أذربيجان وأرمينيا بالتعاون مع كل من روسيا وإيران، وهو ما سيُساعدها في توفير الظروف المناسبة لإعادة تطبيع علاقاتها مع أرمينيا.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: السیاسة الخارجیة الترکیة العلاقات الترکیة علاقاتها مع فی العلاقات ترکیا فی عام 2023

إقرأ أيضاً:

مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: سنتابع الإجراءات ضد مرتكبي العنف بسوريا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن الاتحاد الأوروبي سيتابع الإجراءات ضد مرتكبي العنف بسوريا، حسبما أفادت قناة "القاهرة الإخبارية"، في خبر عاجل.
وأوضحت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: "يجب أن تصل المساعدات الإنسانية للمحتاجين بغزة، ونريد أن نرى بناء حكومة شاملة في سوريا".

وفي 17 مارس 2025، انعقد في بروكسل مؤتمر المانحين لدعم سوريا، بحضور دولي واسع ومشاركة ممثلين عن الحكومة السورية لأول مرة، ويهدف إلى حشد الدعم لإعادة إعمار سوريا وتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة.

في هذا السياق، أدانت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، الهجمات الأخيرة ضد المدنيين في سوريا، مؤكدةً التزام الاتحاد بمتابعة الإجراءات ضد مرتكبي العنف.

كما شددت على ضرورة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، ودعت إلى تشكيل حكومة شاملة في سوريا.

من جانبه، أكد وزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، أن أمن واستقرار سوريا يتعرضان لتهديدات خارجية تستهدف سيادة البلاد وتعيق جهود إعادة الإعمار.

مقالات مشابهة

  • مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: سنتابع الإجراءات ضد مرتكبي العنف بسوريا
  • تركيا.. انتحار قاض في أنقرة
  • كيف أصبح الصومال حجر الزاوية في استراتيجية تركيا بأفريقيا؟
  • كيف أصبحت الصومال حجر الزاوية باستراتيجية تركيا في أفريقيا؟
  • لماذا تركيا حذرة من اتفاق الشرع مع قسَد؟
  • أردوغان يؤكد دعم جهود ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا
  • أول اتصال هاتفي بين أردوغان وترامب يتناول العلاقات الثنائية والوضع بأوكرانيا وسوريا
  • تركيا تتحول إلى مركز العالم
  • السياسة.. طبخة تحتاج لطباخ ماهر
  • روبيو عن بوتين: السياسة الخارجية تعني العمل مع أشخاص لا تحبهم ..فيديو