"استحضار المحرقة لتبرير جرائم الحرب الإسرائيلية إهانة لضحاياها".. تحت هذا العنوان كتب ماركو كارنيلوس، الدبلوماسي الإيطالي السابق، والذي خدم في طاقم السياسة الخارجية لثلاثة رؤساء وزراء إيطاليين بين أعوام 1995 و 2001، مقالا في موقع "ميدل إيست آي"، منتقدا سردية تبرير قيادات الغرب لجرائم الاحتلال في غزة.

ويستحضر كارنيلوس، في مقاله الذي ترجمه "الخليج الجديد"، رسالة مفتوحة نشرتها مؤخراً مجموعة متميزة من الباحثين في شؤون المحرقة ومعاداة السامية، قالوا فيها: "نكتب للتعبير عن فزعنا وخيبة أملنا إزاء قيام القادة السياسيين والشخصيات العامة البارزة باستحضار ذكرى المحرقة لشرح الأزمة الحالية في غزة وإسرائيل".

واستشهد الباحثون، في رسالتهم، بالعديد من التصريحات والأفعال الإشكالية الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين وأوروبيين وأمريكيين في سياق الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة في أعقاب الهجوم الذي قادته "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

اقرأ أيضاً

مطالبات باستقالة رئيسات 3 جامعات أمريكية.. السبب معاداة السامية

مظاهر مقززة

ويستعرض الكاتب مظاهر استدعاء المسؤولين في إسرائيل والغرب للمحرقة لتبرير ما يحدث في غزة، حيث ارتدى السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة نجمة صفراء تحمل عبارة "لن يحدث ذلك مرة أخرى" أثناء مخاطبته مجلس الأمن الدولي، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن "حماس هي النازية الجديدة"، ووصف الحرب على غزة بأنها معركة من أجل الحضارة الغربية في مواجهة الهمجية، بينما أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أن حماس "انخرطت في أعمال همجية لا تقل خطورة عن المحرقة".

وتعليقا على ماسبق، يقول كارنيلوس: من العجيب كيف يتبع زعماء الغرب نفس النص، إلى حد التلفظ بسخافات صارخة، مثل الخلط بين إسرائيل وأوكرانيا في حين أن فلسطين هي التي احتلتها إسرائيل لأكثر من نصف قرن، وينبغي مساواتها بأوكرانيا.

ويضيف أن إن إسرائيل تتذرع بالمحرقة لتبرير ما ليس أكثر من عقاب جماعي لسكان غزة، حيث روجت كل قيادتها السياسية تقريباً لسرد غير عقلاني وخبيث، بدءاً بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، الذي قال: "لا يوجد مدنيون أبرياء في غزة"، حيث لم يتم النطق بكلمة إدانة واحدة لمثل هذه التصريحات الشنيعة من قبل هؤلاء القادة الغربيين الذين يؤيدون بفخر ما يسمى بالنظام العالمي القائم على القواعد.

وقد ترددت أصداء مثل هذه المواقف غير الحساسة في تصرفات وسلوكيات لا تصدق من جانب بعض "الديمقراطيات" الأوروبية، يقول الكاتب، حيث تمت مراقبة الاحتجاجات العامة السلمية لدعم الحقوق الفلسطينية والمطالبة بوقف إطلاق النار بعناية، وكثيرًا ما أعاقتها السلطات في المملكة المتحدة وفرنسا، وخاصة في ألمانيا.

ويمضي الكاتب بالقول: من الصعب التأكد مما إذا كان هذا السلوك ناجما عن الجهل أو الكسل أو الخوف أو التواطؤ المتعمد مع الحكومة الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً

رئيس وزراء فرنسا السابق: إسرائيل جعلت منا دولة صغيرة بسبب "معاداة السامية"

قبل هجوم 7 أكتوبر

ويعتبر كارنيلوس أن الخطاب السياسي الأوروبي حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أصبح مسموما قبل فترة طويلة من هجوم 7 أكتوبر، حيث شهدت القارة العجوز فترة مكارثية خاصة بها، وتم قبول الروايات الأمريكية والإسرائيلية المعيبة بشكل أساسي حول الصراع دون إثارة أية اعتراضات.

وبعبارة لا لبس فيها، فإن مجرد التأكيد على الحقوق الفلسطينية أصبح مرادفا لمعاداة السامية، حيث تم ارتكاب حملات تشهير لا تصدق ضد أولئك الذين يطالبون بالعدالة للفلسطينيين.

محنة ماشا جيسن

وتُعَد المحنة التي عاشتها الصحفية والكاتبة الروسية الأمريكية ماشا جيسن الأسبوع الماضي مثالاً درامياً لهذا المناخ السياسي السام، كما يقول الكاتب.

حصلت جيسن على جائزة "حنا أرندت" المرموقة للفكر السياسي، لكن الحفل كاد أن يُلغى لأن الجهة المضيفة للحدث، مؤسسة "هاينريش بول"، سحبت دعمها بسبب مقال نشرته الصحفية قبل أيام في صحيفة "نيويوركر"، بعنوان رمزي: "في ظل المحرقة".

وكانت خطيئة الكاتبة التي لا تغتفر هي أنها ساوت الأحياء اليهودية في أوروبا التي يحتلها النازيون بالوضع الحالي في غزة.

اقرأ أيضاً

الملكة رانيا: معاداة السامية سلاح لإسكات أي انتقاد لإسرائيل

ويقول الكاتب: لقد أصبح المناخ السياسي سخيفاً إلى حد أنه، وفقاً لأحد المراقبين الثاقبين، فإن "حنا أرندت نفسها لن تكون مؤهلة لجائزة حنا أرندت في ألمانيا اليوم".

ويعتبر الكاتب أنه من المحبط أن القانون الإنساني الدولي، الذي ظهر تدوينه في أعقاب المحرقة، يتجاهله الآن الجيش الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية بشكل علني.

ويضيف: من السخافة بالقدر نفسه أن تتهم المحكمة الجنائية الدولية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالنقل القسري للأطفال من أوكرانيا إلى روسيا، في حين لم يتم رفع أي شيء ضد إسرائيل، التي لم تجبر فقط على نقل الأطفال داخل غزة، بل قامت أيضاً بفرض عقوبات على إسرائيل. كما قتل ما لا يقل عن 10000 منهم.

تسليح معاداة السامية

في عام 2016، اقترح التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (IHRA) تعريفًا لمعاداة السامية مصحوبًا بـ 11 مثالًا محددًا لهذه الظواهر، 7 منها مرتبطة بإسرائيل، وبعضها مثير للجدل إلى حد كبير، مثل "الادعاء بأن وجود دولة إسرائيل هو مسعى عنصري" و"عقد مقارنات بين السياسة الإسرائيلية المعاصرة وسياسة النازيين".

وعلى الرغم من اعتماده من قبل الولايات المتحدة و27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي فقط، وعدم وجود قوة قانونية له، فإن تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست مؤثر للغاية ويحدد إلى حد ما الخطاب السياسي حول استخدام معاداة السامية في إطار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحالي.

ويعلق الكاتب: سيكون من الأصح القول بأنه يستخدم تعريفه كسلاح لقمع الانتقادات المشروعة لبعض السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

اقرأ أيضاً

نتنياهو قبيل إقرار حكومة الطوارئ: 7 أكتوبر الأفظع في التاريخ اليهودي منذ المحرقة

إعلان القدس

وفي عام 2020، اقترح بعض الأكاديميين تعريفًا بديلًا يسمى "إعلان القدس" بشأن معاداة السامية. وقدمت 15 مثالاً على معاداة السامية، يرتبط ما يصل إلى 11 منها بإسرائيل.

ومع ذلك، هناك 5 منها عبارة عن تصريحات تستخدم بشكل متكرر في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والتي تم إدراجها صراحة على أنها ليست معادية للسامية، وهي:

دعم المطلب الفلسطيني بالعدالة ومنحهم حقوقهم السياسية والوطنية والمدنية والإنسانية الكاملة، على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي. انتقاد أو معارضة الصهيونية كشكل من أشكال القومية أو الدعوة إلى مجموعة متنوعة من الترتيبات الدستورية لليهود والفلسطينيين في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، حيث تمنح هذه الترتيبات المساواة الكاملة لجميع السكان "بين النهر والبحر". الانتقاد المبني على الأدلة لإسرائيل كدولة، بما في ذلك مؤسساتها ومبادئها التأسيسية وسياساتها وممارساتها، في الداخل والخارج، بما في ذلك سلوكها في الضفة الغربية وغزة... ليس من معاداة السامية الإشارة إلى التمييز العنصري المنهجي ولا مقارنة إسرائيل بحالات تاريخية أخرى، بما في ذلك الاستعمار الاستيطاني أو الفصل العنصري. المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، كأشكال شائعة وغير عنيفة من الاحتجاج السياسي ضد الدول. وفي الحالة الإسرائيلية، فإنهم ليسوا في حد ذاتها معادين للسامية. الانتقاد [الموجه إلى إسرائيل] الذي قد يراه البعض مفرطا أو مثيرا للجدل، أو يعكس "معايير مزدوجة"، ليس في حد ذاته معاداة للسامية.

ويختم الكاتب مقاله بالقول: إن النضال ضد عودة معاداة السامية المثيرة للقلق هو نضال مشروع ولا ينبغي استخدامه كسلاح لأغراض سياسية، وللحفاظ على قبضة ضعيفة على السلطة، ولحماية إسرائيل من المساءلة عن الأفعال التي تتعارض مع قيمها الديمقراطية المزعومة.

المصدر | ماركو كارنيلوس / ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الهولوكوست المحرقة معاداة السامية جرائم إسرائيل غزة معاداة السامیة اقرأ أیضا إلى حد فی غزة

إقرأ أيضاً:

الجيش الإسرائيلي: دوي صفارات الإنذار في عدة مناطق بوسط إسرائيل إثر إطلاق صاروخ من اليمن

إسرائيل – أفاد الجيش الإسرائيلي فجر اليوم الثلاثاء، بدوي صفارات الإنذار في عدة مناطق بوسط إسرائيل إثر إطلاق صاروخ من اليمن.

وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أنه “تم إطلاق صفارات الإنذار للتحذير من إطلاق صواريخ في تل أبيب، ويافا، وبيتح تكفا، وريشون لتسيون، وأشدود، ورمات غان، واللد، والرملة، وهرتسليا، ورحوفوت”.

كما تم إطلاق صفارات الإنذار من الصواريخ والقذائف في “عراد وكسيفة وعرعرة في النقب، وفي تل عراد ومريت وسافا”، وفق الصحيفة.

وبين الجيش الإسرائيلي أنه “عقب التحذيرات التي تم تفعيلها قبل قليل، تم اعتراض صاروخ أطلق من الأراضي اليمنية قبل أن يعبر إلى أراضي البلاد”.

وأوضح أنه “تم تفعيل الإنذارات الصاروخية والصاروخية خوفا من سقوط شظايا الصواريخ الاعتراضية”.

ويأتي ذلك بعد ساعات من إعلان حركة الحوثيون امس الاثنين، تنفيذ عمليتين عسكريتين على هدفين عسكريين إسرائيليين في منطقتي عسقلان ويافا.

جدير بالذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن  مؤخرا في بيان مصور أن إسرائيل ستواصل التحرك ضد الحوثيين في اليمن، متهما إياها بتهديد الملاحة العالمية والنظام الدولي.

من جهتهم، أعلن الحوثيون يوم السبت الماضي، “تضامنا مع غزة وردا على العدوان  على اليمن”، استهداف موقع عسكري إسرائيلي في تل أبيب بصاروخ باليستي فرط صوتي، تمكن من تجاوز منظومةِ الدفاع الجوي الإسرائيلية وأصاب هدفة بدقة.

في حين نفذت طائرات إسرائيلية يوم الخميس سلسلة غارات على البنية التحتية للطاقة والموانئ في اليمن، في خطوة قال المسؤولون إنها رد على مئات الهجمات التي يشنها الحوثيون بالصواريخ والطائرات المسيرة منذ بدء حرب غزة قبل 14 شهرا.

ويؤكد الحوثيون أنهم يستهدفون بالصواريخ والمسيّرات سفن الشحن الإسرائيلية أو المرتبطة بها في عدة بحار، كما يستهدفون تل أبيب وعددا من المناطق والموانئ الإسرائيلية، “تضامنا مع غزة” التي ترزح منذ أكثر من عام تحت ضربات الهجوم الإسرائيلي.

وتشدد “أنصار الله” على أنها “مستمرة في عملياتها العسكرية ضد العدو الإسرائيلي استجابة للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، واستجابة لنداءات الأحرار من أبناء شعبنا اليمني العزيز وأبناء أمتنا العربية والإسلامية، وأن هذه العمليات لن تتوقف إلا بوقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها”.

في الجهة المقابلة، ينفذ تحالف “حارس الازدهار”، الذي تقوده الولايات المتحدة، وتشارك فيه بريطانيا بشكل رئيسي، ضربات جوية على مواقع للحوثيين، كما قصفت إسرائيل عدة مواقع في اليمن أيضا.

 

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • دبلوماسي سابق: ليبيا حاليًا ساحة للصراع الدولي.. وبلوغ الانتخابات العام المقبل أمر لن يحدث أبدًا
  • أستاذ إعلام بجامعة أردنية: الدول العربية فضحت جرائم الاحتلال الإسرائيلي
  • كيف تعادي إسرائيل السامية ولماذا تهاجم اليهود؟
  • خرافة “سهم باشان”.. ما حاجة الصهيونية لتبرير أطماعهم؟!
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن انتهاء عمليته في المستشفى الإندونيسي بغزة
  • إسرائيل تستشيط غضبًا.. بيع قمصان تحمل صورة السنوار بأمريكا
  • الجيش الإسرائيلي: دوي صفارات الإنذار في عدة مناطق بوسط إسرائيل إثر إطلاق صاروخ من اليمن
  • تحليلٌ صهيوني: المشكلة مع أنصار الله معقّدة وهم تحدٍ لم تواجهه “إسرائيل” سابقًا
  • تقرير سنوي: حرب غزة محفز جيوسياسي للإسلاموفوبيا في أوروبا
  • إصابة مواطن إيطالي في الهجوم على سوق عيد الميلاد في ماجدبورغ