دبلوماسي إيطالي سابق: استحضار الهولوكوست لتبرير جرائم إسرائيل في غزة إهانة لضحاياه
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
"استحضار المحرقة لتبرير جرائم الحرب الإسرائيلية إهانة لضحاياها".. تحت هذا العنوان كتب ماركو كارنيلوس، الدبلوماسي الإيطالي السابق، والذي خدم في طاقم السياسة الخارجية لثلاثة رؤساء وزراء إيطاليين بين أعوام 1995 و 2001، مقالا في موقع "ميدل إيست آي"، منتقدا سردية تبرير قيادات الغرب لجرائم الاحتلال في غزة.
ويستحضر كارنيلوس، في مقاله الذي ترجمه "الخليج الجديد"، رسالة مفتوحة نشرتها مؤخراً مجموعة متميزة من الباحثين في شؤون المحرقة ومعاداة السامية، قالوا فيها: "نكتب للتعبير عن فزعنا وخيبة أملنا إزاء قيام القادة السياسيين والشخصيات العامة البارزة باستحضار ذكرى المحرقة لشرح الأزمة الحالية في غزة وإسرائيل".
واستشهد الباحثون، في رسالتهم، بالعديد من التصريحات والأفعال الإشكالية الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين وأوروبيين وأمريكيين في سياق الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة في أعقاب الهجوم الذي قادته "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
اقرأ أيضاً
مطالبات باستقالة رئيسات 3 جامعات أمريكية.. السبب معاداة السامية
مظاهر مقززةويستعرض الكاتب مظاهر استدعاء المسؤولين في إسرائيل والغرب للمحرقة لتبرير ما يحدث في غزة، حيث ارتدى السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة نجمة صفراء تحمل عبارة "لن يحدث ذلك مرة أخرى" أثناء مخاطبته مجلس الأمن الدولي، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن "حماس هي النازية الجديدة"، ووصف الحرب على غزة بأنها معركة من أجل الحضارة الغربية في مواجهة الهمجية، بينما أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أن حماس "انخرطت في أعمال همجية لا تقل خطورة عن المحرقة".
وتعليقا على ماسبق، يقول كارنيلوس: من العجيب كيف يتبع زعماء الغرب نفس النص، إلى حد التلفظ بسخافات صارخة، مثل الخلط بين إسرائيل وأوكرانيا في حين أن فلسطين هي التي احتلتها إسرائيل لأكثر من نصف قرن، وينبغي مساواتها بأوكرانيا.
ويضيف أن إن إسرائيل تتذرع بالمحرقة لتبرير ما ليس أكثر من عقاب جماعي لسكان غزة، حيث روجت كل قيادتها السياسية تقريباً لسرد غير عقلاني وخبيث، بدءاً بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، الذي قال: "لا يوجد مدنيون أبرياء في غزة"، حيث لم يتم النطق بكلمة إدانة واحدة لمثل هذه التصريحات الشنيعة من قبل هؤلاء القادة الغربيين الذين يؤيدون بفخر ما يسمى بالنظام العالمي القائم على القواعد.
وقد ترددت أصداء مثل هذه المواقف غير الحساسة في تصرفات وسلوكيات لا تصدق من جانب بعض "الديمقراطيات" الأوروبية، يقول الكاتب، حيث تمت مراقبة الاحتجاجات العامة السلمية لدعم الحقوق الفلسطينية والمطالبة بوقف إطلاق النار بعناية، وكثيرًا ما أعاقتها السلطات في المملكة المتحدة وفرنسا، وخاصة في ألمانيا.
ويمضي الكاتب بالقول: من الصعب التأكد مما إذا كان هذا السلوك ناجما عن الجهل أو الكسل أو الخوف أو التواطؤ المتعمد مع الحكومة الإسرائيلية.
اقرأ أيضاً
رئيس وزراء فرنسا السابق: إسرائيل جعلت منا دولة صغيرة بسبب "معاداة السامية"
قبل هجوم 7 أكتوبرويعتبر كارنيلوس أن الخطاب السياسي الأوروبي حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أصبح مسموما قبل فترة طويلة من هجوم 7 أكتوبر، حيث شهدت القارة العجوز فترة مكارثية خاصة بها، وتم قبول الروايات الأمريكية والإسرائيلية المعيبة بشكل أساسي حول الصراع دون إثارة أية اعتراضات.
وبعبارة لا لبس فيها، فإن مجرد التأكيد على الحقوق الفلسطينية أصبح مرادفا لمعاداة السامية، حيث تم ارتكاب حملات تشهير لا تصدق ضد أولئك الذين يطالبون بالعدالة للفلسطينيين.
محنة ماشا جيسنوتُعَد المحنة التي عاشتها الصحفية والكاتبة الروسية الأمريكية ماشا جيسن الأسبوع الماضي مثالاً درامياً لهذا المناخ السياسي السام، كما يقول الكاتب.
حصلت جيسن على جائزة "حنا أرندت" المرموقة للفكر السياسي، لكن الحفل كاد أن يُلغى لأن الجهة المضيفة للحدث، مؤسسة "هاينريش بول"، سحبت دعمها بسبب مقال نشرته الصحفية قبل أيام في صحيفة "نيويوركر"، بعنوان رمزي: "في ظل المحرقة".
وكانت خطيئة الكاتبة التي لا تغتفر هي أنها ساوت الأحياء اليهودية في أوروبا التي يحتلها النازيون بالوضع الحالي في غزة.
اقرأ أيضاً
الملكة رانيا: معاداة السامية سلاح لإسكات أي انتقاد لإسرائيل
ويقول الكاتب: لقد أصبح المناخ السياسي سخيفاً إلى حد أنه، وفقاً لأحد المراقبين الثاقبين، فإن "حنا أرندت نفسها لن تكون مؤهلة لجائزة حنا أرندت في ألمانيا اليوم".
ويعتبر الكاتب أنه من المحبط أن القانون الإنساني الدولي، الذي ظهر تدوينه في أعقاب المحرقة، يتجاهله الآن الجيش الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية بشكل علني.
ويضيف: من السخافة بالقدر نفسه أن تتهم المحكمة الجنائية الدولية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالنقل القسري للأطفال من أوكرانيا إلى روسيا، في حين لم يتم رفع أي شيء ضد إسرائيل، التي لم تجبر فقط على نقل الأطفال داخل غزة، بل قامت أيضاً بفرض عقوبات على إسرائيل. كما قتل ما لا يقل عن 10000 منهم.
تسليح معاداة الساميةفي عام 2016، اقترح التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (IHRA) تعريفًا لمعاداة السامية مصحوبًا بـ 11 مثالًا محددًا لهذه الظواهر، 7 منها مرتبطة بإسرائيل، وبعضها مثير للجدل إلى حد كبير، مثل "الادعاء بأن وجود دولة إسرائيل هو مسعى عنصري" و"عقد مقارنات بين السياسة الإسرائيلية المعاصرة وسياسة النازيين".
وعلى الرغم من اعتماده من قبل الولايات المتحدة و27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي فقط، وعدم وجود قوة قانونية له، فإن تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست مؤثر للغاية ويحدد إلى حد ما الخطاب السياسي حول استخدام معاداة السامية في إطار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحالي.
ويعلق الكاتب: سيكون من الأصح القول بأنه يستخدم تعريفه كسلاح لقمع الانتقادات المشروعة لبعض السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
اقرأ أيضاً
نتنياهو قبيل إقرار حكومة الطوارئ: 7 أكتوبر الأفظع في التاريخ اليهودي منذ المحرقة
إعلان القدسوفي عام 2020، اقترح بعض الأكاديميين تعريفًا بديلًا يسمى "إعلان القدس" بشأن معاداة السامية. وقدمت 15 مثالاً على معاداة السامية، يرتبط ما يصل إلى 11 منها بإسرائيل.
ومع ذلك، هناك 5 منها عبارة عن تصريحات تستخدم بشكل متكرر في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والتي تم إدراجها صراحة على أنها ليست معادية للسامية، وهي:
دعم المطلب الفلسطيني بالعدالة ومنحهم حقوقهم السياسية والوطنية والمدنية والإنسانية الكاملة، على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي. انتقاد أو معارضة الصهيونية كشكل من أشكال القومية أو الدعوة إلى مجموعة متنوعة من الترتيبات الدستورية لليهود والفلسطينيين في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، حيث تمنح هذه الترتيبات المساواة الكاملة لجميع السكان "بين النهر والبحر". الانتقاد المبني على الأدلة لإسرائيل كدولة، بما في ذلك مؤسساتها ومبادئها التأسيسية وسياساتها وممارساتها، في الداخل والخارج، بما في ذلك سلوكها في الضفة الغربية وغزة... ليس من معاداة السامية الإشارة إلى التمييز العنصري المنهجي ولا مقارنة إسرائيل بحالات تاريخية أخرى، بما في ذلك الاستعمار الاستيطاني أو الفصل العنصري. المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، كأشكال شائعة وغير عنيفة من الاحتجاج السياسي ضد الدول. وفي الحالة الإسرائيلية، فإنهم ليسوا في حد ذاتها معادين للسامية. الانتقاد [الموجه إلى إسرائيل] الذي قد يراه البعض مفرطا أو مثيرا للجدل، أو يعكس "معايير مزدوجة"، ليس في حد ذاته معاداة للسامية.ويختم الكاتب مقاله بالقول: إن النضال ضد عودة معاداة السامية المثيرة للقلق هو نضال مشروع ولا ينبغي استخدامه كسلاح لأغراض سياسية، وللحفاظ على قبضة ضعيفة على السلطة، ولحماية إسرائيل من المساءلة عن الأفعال التي تتعارض مع قيمها الديمقراطية المزعومة.
المصدر | ماركو كارنيلوس / ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الهولوكوست المحرقة معاداة السامية جرائم إسرائيل غزة معاداة السامیة اقرأ أیضا إلى حد فی غزة
إقرأ أيضاً:
ما سر الغضب الإسرائيلي الأميركي من أوامر الجنائية الدولية؟
قوبلت أوامر المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بغضب واستياء عارمين في تل أبيب وواشنطن وتهديدات بإجراءات قوية ضدها.
ويقول الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة إن التصريحات الغاضبة لإسرائيل تأتي في سياق ردود أفعال مشابهة أطلقتها ضد هيئات دولية أخرى مثل أوامر محكمة العدل الدولية، وهي نتاج نفسية ليست وليدة اللحظة إنما تربت فكريا وشجعها العالم.
وأشار هلسة إلى أن التصريحات الغاضبة لإسرائيل تأتي في سياق اعتقادها الحصري أنها "فوق القانون" واحتكارها "فكرة الضحية، ولا أحد سواها، في حين البقية بنظرها أعداء معتدون".
وإضافة إلى ما وصفه "المركّب النفسي التكويني الإسرائيلي" قال الخبير بالشأن الإسرائيلي إن "التعاطي اللين من طرف الولايات المتحدة والغرب وضع إسرائيل فوق القانون".
وفي وقت سابق اليوم الخميس، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، وقالت إن هناك "أسبابا منطقية" للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
وقالت المحكمة في بيان إن جرائم الحرب المنسوبة إلى نتنياهو وغالانت تشمل استخدام التجويع سلاح حرب، كما تشمل جرائم ضد الإنسانية، والمتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية بحق السكان المدنيين.
وعقب القرار شن وزراء إسرائيليون وقادة بارزون في المعارضة هجوما ضد المحكمة الجنائية الدولية، ووصفوا قرارها بـ"وصمة عار أخلاقية معادية للسامية وتحط من العدالة".
ولا تتقبل إسرائيل نفسيا فكرة انتقادها لفظيا وكلاميا حيث "يُجن جنونها عندما يغرد أحد خارج سربها" -وفق هلسة- رغم أنها تدرك أن قرارات هذه الهيئات الدولية "لن تمنعها من مواصلة أفعالها على الأرض".
وحسب الأكاديمي هلسة، ذهبت إسرائيل تاريخيا إلى مزيد من البطش والقتل والمجازر والتدمير ضد الفلسطينيين فيما بدا كأنها "معاقبة المنابر والهيئات الدولية".
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست أن وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر بحث مع سفراء إسرائيل بالخارج ما بعد قرار "الجنائية الدولية".
تهديدات أميركيةبدوره، يرى المحامي المختص في قضايا حقوق الإنسان ريموند ميرفي أن "الجنائية الدولية" باتت معتادة على التهديدات الأميركية التي تطلق بحق المدعي العام للمحكمة وأفراد عائلته وقضاتها.
وقال ميرفي إن نظام روما الأساسي يحظى بتأييد أكثر من 120 دولة، مطالبا هذه الدول بدعم المدعي العام للجنائية الدولية ومؤسسات المحكمة من أجل "ضمان محاسبة من وجهت إليه مذكرات الاعتقال".
وخلص إلى أن "الجنائية الدولية" لن تُقوض رغم التضييقات والتهديدات الأميركية.
ورفضت الإدارة الأميركية الحالية المنتهية ولايتها برئاسة جو بايدن ونظيرتها المنتخبة بقيادة دونالد ترامب بـ"شكل قاطع" قرار "الجنائية الدولية" بحق نتنياهو وغالانت.
وكشفت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية أن إسرائيل أعدت توصيات لإدارة ترامب المقبلة بشأن فرض عقوبات على المحكمة الدولية وأعضاء فيها.
بدوره، تعهد مايكل والتز مستشار الأمن القومي للرئيس المنتخب ترامب بـ"رد قوي في يناير/كانون الثاني (موعد تنصيب ترامب) على تحيز الجنائية الدولية المعادي للسامية".
وقال والتز إن "الجنائية الدولية" لا تتمتع بأي مصداقية، معتبرا أن إسرائيل "دافعت بشكل قانوني عن شعبها وحدودها ضد الإرهابيين".
و"الجنائية الدولية" محكمة أُسست بصفة قانونية في الأول من يوليو/تموز 2002 بموجب ميثاق روما الذي دخل حيز التنفيذ في 11 أبريل/نيسان من السنة نفسها، وتعمل على وقف انتهاكات حقوق الإنسان عبر التحقيق في جرائم الإبادة وجرائم الحرب.