هل يشكل خروج باريس من النيجر نهاية أفريقيا الفرنسية؟
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
نيامي- نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022، سحبت فرنسا آخر جنودها من دولة أفريقيا الوسطى، وفي نفس الشهر من 2023 سحبت آخر جنودها من النيجر، وما بين التاريخين عام حافل بالخيبات والإخفاقات بتراجع نفوذها وانحسار وجودها التاريخي غرب أفريقيا، وخروجها من 4 دول بالقارة، لتكتب النيجر ربما نهاية حقبة مليئة بالتدخلات والانقلابات التي كانت باريس خلفها منذ ستينيات القرن العشرين.
وكان جليا منذ الأيام الأولى للانقلاب في النيجر، توجهات المجلس العسكري الانتقالي الذي كان حاسماً في طلب إنهاء الوجود الفرنسي، وإلغاء الاتفاقيات العسكرية مع باريس.
وتعاملت فرنسا بالرفض وعدم الاعتراف بالسلطات الجديدة، متحدية مطالب سحب السفير وإنهاء الوجود العسكري، ومارست ضغوطا هائلة عبر مجموعة "إيكواس" التي فرضت عقوبات قاسية على هذا البلد بما فيها التهديد بالتدخل العسكري، وإعادة الرئيس بازوم، إلا أن فرنسا اضطرت للرضوخ والموافقة على الانسحاب بعد شهرين من الرفض والمحاولات الفاشلة.
عملية فك الارتباطبدأت القوات الفرنسية انسحابها مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث توجهت إلى تشاد مؤقتا حسب تصريحات السلطات الفرنسية، وصرح الملازم إبراهيم سليم قائلاً "تاريخ اليوم يمثل نهاية عملية فك القوات الفرنسية بمنطقة الساحل" مؤكداً أن العملية شملت 45 رحلة جوية و15 قافلة برية، نقلت حوالي 1500 عسكري فرنسي.
واختتمت مراسم الخروج بتوقيع وثيقة مشتركة بين قائد القوات البرية النيجرية العقيد مامان ساني، وقائد القوات الفرنسية بالساحل الجنرال إريك أوزان، وحضر مراسم التوقيع ممثلون عسكريون من الولايات المتحدة وتوغو، وسلمت فرنسا القاعدة الجوية إلى سلطات النيجر.
ويشكل خروج فرنسا من النيجر مرحلة فارقة، ودلالة ذات أهمية على مستقبل علاقاتها بأفريقيا، ففرنسا التي تمددت على ثلث هذه القارة على مدى 3 قرون مضت، لم تراجع سياساتها بالقدر الذي يؤهلها بالبقاء على علاقات متوازنة، ولم تحذو حذو الدول التي اعتذرت عن أخطائها التاريخية.
كما أخفقت باريس بشكل واضح في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية، في ظل تنافس دولي يتيح فرصاً للدول الأفريقية في تنويع الحلفاء، ومصادر الدعم، ويعتبر الطرد من النيجر -حسب محللين- ضربة قاصمة للنفوذ الفرنسي، أكثر مما جرى في أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو.
ورقة "إيكواس"فشلت جهود "إيكواس" في التوصل لتفاهمات مع المجلس العسكري الانتقالي بالنيجر كما حدث مع مالي وبوركينا فاسو، حيث تم الاتفاق على سقف زمني للانتقال، وهو ما لم يتم في حالة النيجر، مما دفع المراقبين للقول إن تشدد فرنسا واستخدامها منصة "إيكواس" للضغط على المجلس العسكري قاد إلى طريق مسدود.
وكانت "إيكواس" قد علقت في ديسمبر/كانون الأول الجاري عضوية النيجر بالمجموعة، وهي سابقة خطيرة قد تفضي إلى وضع يصعب معالجته لاحقا.
علاقات دولية أخرىخرجت فرنسا وبقيت القوات الأميركية بالنيجر، وقد أبدت واشنطن مؤخراً استعدادها لاستئناف التعاون مع النيجر، إذا اتخذ المجلس العسكري خطوات معينة، وجاء على لسان مساعدة وزير الخارجية الأميركي مولي في أنه "يتعين على المجلس العسكري الحاكم أن يعلن موعداً نهائياً لانتقال سريع وذي مصداقية، تنبثق منه حكومة منتخبة ديمقراطياً" كما أبدت ألمانيا التي تملك قوة محدودة هناك الاستعداد نفسه وبالشروط نفسها، وفق تصريح وزير دفاعها الذي كان في زيارة نيامي.
وإلى جانب رغبة واشنطن وبرلين باستئناف التعاون مع النيجر مؤخراً، وقبل 3 أيام من استكمال فرنسا إنهاء وجودها بالنيجر، صرح رئيس الوزراء المكلف علي محمد الأمين زين لوكالة "نوفو سيتي" بأن بلاده ترغب في تعزيز التعاون مع روسيا في مجالات الاقتصاد والأمن قائلاً "مرة أخرى لابد من القول إن البلدين يتعاونان مجدداً، ونحن نحاول المضي قدماً في جميع مجالات الاتصال والأمن" وأشار إلى أن المعدات العسكرية التي تم شراؤها سابقاً من روسيا سمحت لسلطات البلاد بمواجهة الجماعات المسلحة بشكل أكثر فعالية.
مستقبل الوجود الفرنسي بأفريقياوكنتيجة طبيعية للتراجع الفرنسي بالمنطقة، توترت الأوضاع بين فرنسا وبوركينا فاسو على إثر تعليق السلطات فيها بعض وسائل الإعلام الفرنسية، واعتقال 4 موظفين اتهمتهم بكونهم عملاء للمخابرات الفرنسية، فضلاً عن توجه ما تبقى من دول مجموعة الساحل لحل المجموعة، بعد انسحاب النيجر وبوركينا فاسو منها بداية الشهر الحالي، وهي في الأصل كانت إحدى الجبهات التي تنفذ فرنسا عبرها سياستها في المنطقة بشكل عام.
وبقراءة فاحصة للتطورات التي تشهدها منطقة غرب أفريقيا، في ظل تنافس الفاعلين الدوليين على القارة، فإن حظوظ بقاء فرنسا بشكل قوي يواجه تهديداً حقيقياً، وربما تفقد ما تبقى لها من نفوذ في القارة، وهو الأمر الذي تتوفر له كل الأسباب.
وقد جاء على لسان دبلوماسي فرنسي سابق لوسائل إعلامية معلقاً على الظروف التي تواجهها بلاده في أفريقيا "نحن هنا بحاجة إلى إعادة التفكير بشكل كامل في علاقاتنا بأفريقيا" وأضاف "لقد طردونا وعلينا أن نغادر بلداناً أخرى قبل أن يطلب منا الرحيل" وهو ما يعبر بدقة عما تواجهه فرنسا في هذه القارة.
وما بين سياسة "فرانس أفريك" لشارل ديغول عام 1944 وسياسة "عدم الإنكار وعدم الاعتذار" لماكرون عام 2020 و"بريتون وودز" التي رسمت خارطة النفوذ الاقتصادي الفرنسي بأفريقيا، جرت مياه كثيرة، سنحت لفرنسا أن تكون اللاعب المتحكم في مصائر عدد من الشعوب الأفريقية، ولكن لم يكتب لقادتها رؤية الواقع المؤلم لشعوبها بل وتعمدوا إهمالها، مما دفع إلى تآكل نفوذها وتقلص مساحة قبولها في أوساط الشعوب الأفريقية، وانتهاء بعزلة ربما تكون نهائية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المجلس العسکری وبورکینا فاسو من النیجر
إقرأ أيضاً:
تشاد تطالب فرنسا بالانسحاب من أراضيها قبل نهاية يناير المقبل
طالبت السلطات في دولة تشاد، من القوات الفرنسية المتمركزة في البلد الأفريقي، بالانسحاب قبل نهاية يناير المقبل، في حين يرى الفرنسيون أنه طلب «غير واقعي» بسبب صعوبة سحب ألف الجنود في 7 أسابيع فقط.
وقالت مصادر تشادية وفرنسية عديدة، إن تشاد حددت مهلة لانسحاب القوات الفرنسية، حيث طلبت أن ينتهي هذا الانسحاب قبل يوم 31 يناير 2025، وذلك بعد أسبوعين من سحب فرنسا لمقاتلاتها التي كانت تتمركز في قاعدة جوية في العاصمة التشادية إنجامينا.
وكانت تشاد قد قررت يوم 28 نوفمبر الماضي إنهاء اتفاقية التعاون العسكري الموقعة مع فرنسا، وبررت ذلك بالسعي نحو تحقيق «سيادتها»، مع الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الحكومة الفرنسية بما يخدم مصالح الشعبين، على حد تعبير الحكومة التشادية.
الانسحاب الصعب
ورغم أن الفرنسيين تقبلوا إنهاء اتفاقية التعاون العسكري، وأعلنوا أنهم يتفاوضون مع تشاد في إجراءات سحب القوات الموجودة في البلد، فإن خلافاً بين الطرفين بدأ يظهر حول المهلة الزمنية الكافية لهذا الانسحاب.
وبحسب ما أوردت إذاعة فرنسا الدولية عن مصدر في الجيش الفرنسية، فإن المهلة المحددة من طرف تشاد غير كافية، ويضيف المصدر أن «7 أسابيع لنقل ألف جندي مع العتاد والمعدات، ذلك من شبه المستحيل».
وسبق أن طلب الفرنسيون خلال مفاوضاتهم مع السلطات في تشاد أن تصل المهلة الزمنية إلى شهر مارس عام 2025، ولكن سلطات تشاد تسعى لمغادرة آخر جندي فرنسي أراضيها قبل شهر فبراير ، أي قبل بداية شهر رمضان.
تحديات الانسحاب
يؤكد الفرنسيون أن عملية الانسحاب العسكري من تشاد تواجه صعوبات وتحديات لوجستية كبيرة، ما يتطلب مهلة زمنية لا تقل عن 3 أشهر، من أجل ضمان تنفيذه بأفضل طريقة ممكنة، ودون مشاكل لوجستية.
وتشير مصادر إلى أن الفرنسيين يشيرون إلى أن من أكبر المصاعب اللوجستية التي تعترض سحب جنودهم، هو وجود ألف جندي موزعين على قواعد عسكرية، بعضها يبعد عن العاصمة إنجامينا، أكثر من 10 أيام من السفر براً.
وتنشر فرنسا أكثر من ألف جندي في 3 قواعد عسكرية موزعة في تشاد، واحدة منها توجد في العاصمة إنجامينا، وهي واحدة من أكبر القواعد العسكرية الفرنسية في القارة الأفريقية.
وكانت فرنسا قد سحبت بالفعل طائرات «ميراج 2000» من القاعدة الجوية في إنجامينا، وكانت خطوتها الموالية إخلاء قواعدها في «فايا لارجو» و«أبيشي»، الذي من المقرر أن يبدأ في الأسبوع المقبل، حيث يتوقع أنه في غضون بضعة أشهر لن يبقى أي أثر للقوات الفرنسية على الأراضي التشادية.
ولكن الفرنسيين يتمسكون بضرورة أن يتم هذا الانسحاب «بشكل منظم وآمن»، وهو ما يعني أن «القيود اللوجستية تفرض جداول زمنية محددة لضمان انسحاب وفق القواعد المطلوبة».
الضغط التشادي
رغم الحجج التي قدّمها الفرنسيون حول «استحالة فكّ ارتباط ألف جندي ومعداتهم في غضون 7 أسابيع فقط»، فإن الحكومة التشادية لا تزال متمسكة بالمهلة التي حددت، وتعتقد أنها كافية لتحقيق الانسحاب.
وتتحدث مصادر عن «مناورة» يقوم بها نافذون في السلطات التشادية من أجل «الضغط» على باريس لإجبارها على الرحيل، وربما التنازل عن بعض المعدات التي يحتاجها الجيش التشادي في حربه على الإرهاب، وخاصة المعارك الدائرة منذ عدة أشهر ضد مقاتلي «بوكو حرام» في حوض بحيرة تشاد.
وفيما يحتدم الخلاف بين الفرنسيين والتشاديين، فإن الحوار ما زال مستمراً بينهم، ويصرّ الطرفان على أن «الحوار بنّاء»، وسينتهي بالتوصل إلى اتفاق يضمن انسحاباً فرنسياً آمناً ومنظماً من تشاد.
غضب تشادي
تأتي هذه التطورات بعد قرار وصف بأنه «مفاجئ»، حين أنهت تشاد تعاونها العسكري مع فرنسا نهاية الشهر الماضي، ورغم أن تشاد رفضت الحديث عن أي توتر في العلاقات مع فرنسا، مكتفية بالإشارة إلى أن السبب الوحيد هو «تحقيق السيادة» على أراضيها، فإن مصادر تشادية تحدثت عن أسباب أخرى.
قالت هذه المصادر إن إنجامينا «غاضبة» من عدم مساعدة الجيش الفرنسي في تقديم معلومات استخباراتية بحوزته حول تحرك عناصر من «بوكو حرام» شنوا هجوماً دامياً في شهر أكتوبر الماضي، خلّف 40 قتيلاً في صفوف الجيش التشادي.
وتضيف المصادر نفسها أن الجيش الفرنسي رفض الاستجابة لطلب من الحكومة التشادية بتقديم العون للقوات التشادية في ملاحقتها لعناصر «بوكو حرام». ورغم أن هذه المعلومات متداولة على نطاق واسع، فإنها لم تؤكد من مصادر رسمية.
وبالخروج من تشاد، تكون فرنسا قد فقدت آخر مراكز نفوذها في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن طردت قواتها من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي أصبحت حليفة لروسيا.