على أبواب عام مضطرب وقلق.. من غزة إلى واشنطن
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
أتيحت الفرصة بالأمس أمام مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا ليقدم مطالعة اعتلى معها «المنبر الأخلاقي» في انتقاده الشديد لموقف واشنطن ضد مشروع وقف إطلاق النار الدائم في حرب تهجير قطاع غزة.
وشخصياً، أزعم أن المزاج العام في العالم العربي كان متعاطفاً مع معظم ما ورد على لسان المندوب الروسي ضد الإصرار الأمريكي على إفراغ مشروع القرار الدولي من مضمونه، ودعم واشنطن اللامحدود للحرب الإسرائيلية المستمرة.
بيد أن العواطف شيء، والواقع السياسي شيء آخر. ولئن كانت موسكو اليوم تلعب الورقة الإنسانية والأخلاقية، فإن السنوات الفائتة، تحديداً منذ وقوف موسكو بعناد ضد الانتفاضة السورية، واستخدامها حق النقض الفيتو تكراراً، تكشف أن المسألة برمتها مسألة "صراع مصالح"، ونزاع استقطابي ممتد منذ حقبة "الحرب الباردة".
في صراعات ونزاعات من هذا النوع، تعلمنا أن لا مكان للأخلاق أو المبادئ. بل الكلمة العليا للمصالح وحدها.
ثم أننا نجد أنفسنا راهناً أمام طيف من الاعتبارات المعلنة والحسابات المضمرة، أطرافها القوى الأساسية المعنية في الحالة الفلسطينية الإسرائيلية. وعلى الرغم من مرور نحو 80 يوماً، لا يزال الغموض يكتنف الوضع. إذ ثمة جدلٌ حقيقي داخل إسرائيل نفسها عن مدى التقدّم الذي أنجزته الحرب حتى الآن، وفرص تحقيقها كل الأهداف التي حددها بنيامين نتانياهو وأركان حكومة الحرب التي يقودها.
أيضاً، إذا كان قد ثبت بالدليل القاطع أن لا حدود للدعم الأمريكي لتل أبيب، سياسياً وعسكرياً، فإن إيران تطرح علامات استفهام جدية أمام تفاصيل المقاربات الأمريكية المستقبلية. وهذا ما تعكسه العمليات العسكرية التي تشنها أذرع طهران في المنطقة، بدءاً من حزب الله، عبر الحدود مع لبنان، وسوريا، مروراً بالميليشيات الشيعية العراقية، وانتهاءً بالحوثيين في اليمن. واللافت بشأن هذه الميليشيات المتحركة وفق إيقاع طهران ومصالحها، أن واشنطن سعت بدايةً إلى "تحييدها"؛ تسهيلاً لتركيز إسرائيل على جبهة غزة. وبالفعل، منذ الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي، أعلنت واشنطن أن "لا أدلة لديها على دور لطهران في هجوم حماس يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)"... وهذا على الرغم من علمها التام بالعلاقة الوثيقة بين الجانبين.
كذلك شددت واشنطن، وكرّرت المناشدة، على "تحاشي توسيع العمليات العسكرية" خارج جبهة غزة، وبالذات، إلى الجبهة الشمالية مع لبنان. حيث حافظ الجانبان، أي ميليشيا حزب الله، والجيش الإسرائيلي على ما اصطلح على تسميته "قواعد المواجهة". وحقاً، التزم مقاتلو الجانبين بسقف مضبوط لاشتباكات..كانت أقرب إلى رسائل سياسية هدفها "إنقاذ ماء الوجه" و"رفع العتب" منها إلى معارك جدية تؤثر على ميزان القتال في القطاع المُعاد احتلاله. ولمن يتابع الوضع اللبناني، لا تغيب عن الذاكرة تطورات الفترة الأخيرة التي رحب فيها حزب الله، بالذات، بمهمة الموفد الرئاسي الأمريكي آموس هوكشتين المتصلة بترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. وهي مهمة ينتظر تجدّدها بمساعي هوكشتين على صعيد الحدود البرية.
الأمر نفسه ينطبق على الميليشيات العراقية التابعة لطهران، مع أن بعض المراقبين يقرأون فيها مرحلة "مساومة" جديدة في المسرح العراقي، حيث نجح الجناح الإيراني داخل القوى الشيعية، ممثلاً بـ"الإطار التنسيقي"، في تعزيز قبضته على السلطة في بغداد.
والمعروف طبعاً أن صعود الميليشيات الشيعية التابعة لإيران كان قد بدأ في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003. وكما نتذكر، بدأ توافد القوى المنفية إلى إيران بمجرد سقوط بغداد في قبضة القوات الأمريكية. ثم، بدأت مرحلة تعايش بين واشنطن وحكام العراق الجدد، تراوحت بين التفاهم والتنسيق والابتزاز.
لكن الجديد بالفعل، فيما يتعلق بأذرع إيران الإقليمية اليوم، هو النشاط العسكري المتنامي للحوثيين في جنوب البحر الأحمر، وهو نشاط غير مسبوق استوجب تحركاً أمريكياً غايته المعلنة حماية الطرق البحرية. وسيكون مثيراً للاهتمام رصد تداعيات تأسيس واشنطن تحالفها الدولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر وعبر مضيق باب المندب، في خليج عدن.
بطبيعة الحال، هنا تدخل المعادلة عدة قوى دولية، بينها الصين ذات المصلحة في حرية الملاحة، وروسيا التي تستفيد على مسرح العمليات الأوكراني من الانشغال الأمريكي في رمال الشرق الأوسط وبحاره. ومن ناحية ثانية، يترافق هذا الانشغال مع بدء العد التنازلي لعام الانتخابات الرئاسية الأمريكية في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
في الانتخابات الرئاسية هذه لا يجوز الاستخفاف بما يمكن أنه تُحدِثه حرب تهجير غزة من "ديناميكيات" جديدة في المعركة الانتخابية بين رئيس ديمقراطي تظهر استطلاعات الرأي تراجع شعبيته في أوساط وولايات مؤثرة إذا كان التنافس متقارباً، ومتصدر للمرشحين الجمهوريين تحوم حول وضعه القانوني الشبهات.
بناءً عليه، يحمل العام الجديد الذي يطل علينا خلال أيام شكوكاً ومخاوف لا يظهر أن بمقدور القيادات التحكم في تداعياتها.
إنه عام مضطرب وقلق يستقبله أيضاً عالم مضطرب وقلق، يحاول مواجهة مخاوفه بفرار يائس إلى الأمام.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة بايدن
إقرأ أيضاً:
بوريل يدعو إلى الضغط على حزب الله وإسرائيل لقبول مقترح واشنطن لوقف إطلاق النار
دعا مسؤول السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إلى الضغط على حزب الله وإسرائيل لقبول مقترح واشنطن لوقف إطلاق النار.
وقد أعلن الجيش الإسرائيلي، تنفيذ ضربات دقيقة على أهداف عسكرية في إيران.
وقالت مصادر، إن الضربة الإسرائيلية كانت مكونة من عدة مراحل وهدفها التدمير التام للدفاعات الجوية الإيرانية.
وفي وقت سابق، أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني عن إطلاق 200 صاروخ باتجاه إسرائيل في هجومٍ هو الأكبر من نوعه منذ فترة.
وأكدت وسائل إعلام متعددة، أن هذه الصواريخ استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية حساسة، مما يزيد من احتمال تصاعد الصراع في المنطقة.