هل ستنفذ الدول الكبرى قرار دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة كما ينبغي؟
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
هل ستنفذ #الدول_الكبرى قرار #دخول #المساعدات الإنسانية إلى #غزة كما ينبغي؟
كتب م. علي أبو صعيليك
اعتمد مجلس الأمن قرارا يدعو إلى اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورا بإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتهيئة الظروف لوقف إطلاق النار، وامتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت بدلا من استخدامها التقليدي لحق النقض “الفيتو” في تعطيل أي قرار فيه فائدة للشعب الفلسطيني، ولذلك نرى أن القرار لن ينفذ بطريقة تؤدي إلى إدخال المعونات التي يحتاجها القطاع وأيضا سيتم التلاعب بوتيرة دخول المساعدات من أجل استمرار التضييق على الأبرياء الفلسطينيين من أجل الاستمرار في مخطط التهجير، ولكن في نفس الوقت ستعمل الولايات المتحدة من خلال وسائلها وأذرعها الرسمية في العالم أن تبيض وجهها القبيح على المستوى الشعبي بعدما ساهمت بفعالية في تنفيذ الإبادة المستمرة في قطاع غزة.
تستمر الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الحرب في تقديم كل وسائل الدعم لجيش الاحتلال من أجل إبادة الأبرياء الفلسطينيين في قطاع غزة بحجة الحرب على حماس، من أسلحة ثقيلة وسفن حاملات طائرات وجنود وغطاء سياسي في مواجهة الجميع من خلال “الفيتو” في وجه أي دعوة لوقف الحرب حتى وصل عدد الضحايا من الأبرياء أكثر من عشرين ألف، فهل هناك أكثر من هذا الشاهد لنكتشف أن أمريكا تنفذ الفكر الصهيوني الذي نشأ عليه الكيان المحتل وهو “القتل ومن ثم التهجير والتوطين”.
مقالات ذات صلةصحيح أن أمريكا سمحت بتمرير قرار تسريع وتيرة دخول المساعدات، ولكنها وفق أهدافها المعلنة في هذه الحرب لن تسمح بتنفيذه كما يجب، فهي تمثل “القاتل والقاضي” كيف لا وهي التي منعت التعديل الذي اقترحته روسيا من أجل وقف إطلاق النار، وهنا يأتي دور دول العالم في العمل على تطبيق القرار خصوصا من الجانب الإنساني، بداية من مصر حيث يقع معبر رفح، وطالما أنها أصبحت تمتلك الغطاء السياسي وهو “قرار مجلس الأمن” فإنه لم هناك مبرر للتلكؤ في تنفيذ القرار لكي يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأبرياء الذي يدفعون ثمن الغطرسة والوحشية الصهيو-أمريكية.
على جانب موازٍ، ستكثف الولايات المتحدة العمل من خلال أذرعها الإعلامية والسياسية من أجل تبييض وجهها الوحشي القبيح على المستوى الشعبي بعد أن اتضح للجميع أنها رأس الشر في الكون، وقد بدأت بالفعل مباشرة بعد إعلان القرار من أجل إعادة الاعتبار لشعبيتها التي تزلزلت، حيث صرحت مندوبتها لدى الأمم المتحدة بأن بلادها تعمل على حماية المدنيين وإيصال المساعدات لهم وهذا استمرار للسردية الصهيونية القائمة على الكذب المستمر لتحقيق الأهداف، ولا شك بأن لوسائل الإعلام الصهيونية دورا كبيرا في توجيه الرأي العام الغربي ولكن بعد مشاهد قتل الأطفال والنساء في غزة فإن أمريكا قد لا تنجح في إصلاح شيء، فلن يصلح قرار بسيط لا يحتوي على أمر بوقف إطلاق النار ما أفسدته الولايات المتحدة لإشباع رغبتها في السيطرة!
ودول العالم الكبرى وخصوصاً روسيا والصين وكذلك تركيا وحتى مصر العربية على المحك في تطبيق القرار رغماً عن أمريكا، حيث يتوفر الغطاء السياسي ولن يكون من المقبول الاستمرار في تفرد وتغول الولايات المتحدة على القرارات العالمية، فهل يترك الجميع أمريكا لكي تصبح القطب الأوحد؟ وحصول ذلك يعني توسع مشروعها الذي تسيطر من خلاله على ثروات الشعوب وهذا يؤثر كثيراً على مصالح الآخرين وخصوصا روسيا والصين.
صحيح أن مشروع القرار تقدمت به الإمارات نيابة عن الدول العربية، إلا أنه من المؤسف جدا استمرار غياب القوة في الموقف العربي في مواجهة ماكينة الحرب على الأشقاء في غزة، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود العديد من أدوات القوة، ولكن عدم استخدام هذه الأدوات واستمرار سقوط هذا العدد الضخم من الضحايا يزيد من حالة فقدان الثقة في الشارع العربي وزيادة الضغط الذي قد يولد الانفجار.
اقتربت الحرب من إكمال ثلاثة أشهر منذ السابع من أكتوبر ولم يحقق الصهاينة النصر المزعوم بل إن لغة المقاومة الفلسطينية تزداد قوة وثقة وازدادت شعبيتها خصوصا أنها تقدم الأدلة بشكل شبه يومي على روايتها في مقابل هشاشة الرواية الصهيونية، وقد تغيرت مواقف الكثير من الشعوب في نظرتها لفلسطين من ناحية والاحتلال من ناحية أخرى ولا نستبعد أن تهرب الولايات المتحدة قريبا إلى الأمام والبحث عن وقف إطلاق النار لأنها بدأت تستوعب استحالة القضاء على المقاومة الفلسطينية.
كاتب أردني
aliabusaleek@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الدول الكبرى دخول المساعدات غزة الولایات المتحدة إطلاق النار من أجل
إقرأ أيضاً:
الفرص المتاحة: كيف يمكن للحرب التجارية بين أمريكا والصين أن تكون نعمة للدول النامية؟
إن الحرب التجارية المطولة والمتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، والتي تتسم الآن بفرض تعريفات جمركية كبيرة ومتزايدة على مجموعة من السلع، تشكل شبكة معقدة من التحديات والفرص للاقتصاد العالمي. ورغم أن التأثير المباشر كان مدمرا، وخاصة بالنسبة للقوتين الاقتصاديتين العملاقتين في قلب الصراع، فإن التحليل الدقيق يكشف عن بصيص أمل بالنسبة للدول النامية. وهذا الاحتكاك التجاري، بعيدا عن كونه قوة سلبية بحتة، يمكن أن يكون بمثابة محفز، ويخلق فرصا ذهبية لهذه الدول لتعزيز قدراتها التجارية والتصديرية بشكل استراتيجي على المسرح العالمي.
وتكمن الفرضية الأساسية لهذه الفرصة في تعطيل سلاسل التوريد العالمية القائمة. فعلى مدى عقود من الزمان، كانت الولايات المتحدة والصين متشابكتين بعمق في نظام بيئي معقد للتصنيع والتجارة. وكانت الصين، التي يشار إليها غالبا باسم "مصنع العالم"، مصدرا رئيسا للسلع المصنعة للسوق الأمريكية، في حين كانت الولايات المتحدة مستوردا كبيرا للمنتجات الصينية وموردا رئيسا لبعض السلع والتقنيات. وإن فرض التعريفات الجمركية الباهظة من قبل كلا الجانبين يجعل هذه التجارة المباشرة مكلفة بشكل متزايد وغير قابلة للتطبيق في بعض القطاعات، ويؤدي هذا إلى خلق فراغ، أي فجوة في شبكة الإمدادات العالمية، حيث تتمتع البلدان النامية بوضع فريد يسمح لها بملئها.
تعمل الحرب التجارية على تسريع اتجاه تنويع سلسلة التوريد، وإن الشركات المتعددة الجنسيات، التي عانت من الهشاشة الناجمة عن الاعتماد بشكل كبير على مصدر واحد، تبحث الآن بشكل نشط عن بناء سلاسل توريد أكثر مرونة وتنوعا جغرافيا. ويتطلب هذا الاستكشاف والاستثمار في مراكز التصنيع في البلدان النامية التي توفر تكاليف عمالة تنافسية
ومن أهم السبل أمام البلدان النامية تحويل مسار التدفقات التجارية، وبما أن الرسوم الجمركية تجعل السلع الصينية أكثر تكلفة في الولايات المتحدة، والعكس صحيح، فإن الشركات في كلا البلدين سوف تسعى بنشاط إلى مصادر وأسواق بديلة. والبلدان النامية التي تمتلك قدرات تصنيعية قائمة أو لديها القدرة على زيادة إنتاجها بسرعة في السلع الخاضعة للتعريفات الجمركية سوف تستفيد بشكل كبير. وقد شهدت دول في جنوب شرق آسيا، مثل فيتنام وتايلاند وماليزيا، بالفعل زيادة في الاستثمار وطلبات التصدير مع تطلع الشركات إلى نقل الإنتاج أو تنويع مصادرها بعيدا عن الصين. وعلى نحو مماثل، تستطيع البلدان في أمريكا اللاتينية وأفريقيا التي لديها القدرة على إنتاج السلع، مثل المنتجات الزراعية أو المواد الخام التي كانت تستوردها الصين سابقا من الولايات المتحدة، أن تجد أسواقا جديدة وموسعة.
علاوة على ذلك، تعمل الحرب التجارية على تسريع اتجاه تنويع سلسلة التوريد، وإن الشركات المتعددة الجنسيات، التي عانت من الهشاشة الناجمة عن الاعتماد بشكل كبير على مصدر واحد، تبحث الآن بشكل نشط عن بناء سلاسل توريد أكثر مرونة وتنوعا جغرافيا. ويتطلب هذا الاستكشاف والاستثمار في مراكز التصنيع في البلدان النامية التي توفر تكاليف عمالة تنافسية، وبنية أساسية محسنة، وبيئات سياسية مستقرة. ويمكن أن يؤدي هذا التحول إلى زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر في هذه الدول، وتعزيز التنمية الصناعية، وخلق فرص العمل، وتعزيز قدراتها التكنولوجية. ويمكن أن يؤدي نقل مرافق الإنتاج أيضا إلى نقل المهارات والمعارف مما يزيد من تعزيز إمكانات النمو الطويلة الأجل لهذه الاقتصادات.
وتمتد الفرصة إلى ما هو أبعد من مجرد استبدال أحجام التداول الحالية، كما أن الحرب التجارية تخلق مساحة للبلدان النامية للارتقاء في سلسلة القيمة. ومع بحث الشركات عن بدائل لهيمنة الصين في قطاعات تصنيعية معينة، يمكن للدول النامية أن تستثمر استراتيجيا في الصناعات ذات القيمة المضافة الأعلى. ويمكن أن يشمل ذلك التركيز على إنتاج مكونات أكثر تطورا، أو الانخراط في عمليات تصنيع متقدمة، أو تطوير علاماتها التجارية والملكية الفكرية الخاصة بها. الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، في حين تشكل تحديات كبيرة للنظام الاقتصادي العالمي، لا يمكن إنكار أنها تقدم فرصة فريدة للبلدان النامية. ومن خلال الاستفادة الاستراتيجية من تحويل التجارة، والاستفادة من تنويع سلسلة التوريد، ورفع سلسلة القيمة، وتعزيز الروابط الإقليمية، يمكن لهذه الدول زيادة تجارتها وصادراتها بشكل كبير، وتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامينومن خلال استهداف هذه القطاعات ذات الهامش المرتفع استراتيجيا، لا تستطيع الدول النامية زيادة عائدات صادراتها فحسب، بل يمكنها أيضا تعزيز الابتكار والتحول الاقتصادي طويل الأجل.
وعلاوة على ذلك، يمكن للحرب التجارية أن تعمل كحافز للدول النامية لتعزيز علاقاتها التجارية الإقليمية. ومع تحول الولايات المتحدة والصين إلى الداخل إلى حد ما، أو التركيز على الصفقات الثنائية مع شركاء مختارين، يمكن للدول النامية الاستفادة من الاتفاقيات والشراكات التجارية الإقليمية لتعزيز قدر أكبر من التكامل الاقتصادي فيما بينها. ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى إنشاء أسواق أكبر وأكثر مرونة، وتقليل الاعتماد على القوى الخارجية، وتعزيز التعاون فيما بين بلدان الجنوب. ويمكن أن يؤدي تعزيز التجارة الإقليمية أيضا إلى تطوير سلاسل قيمة إقليمية، مما يسمح للبلدان النامية بالتخصص في مختلف مراحل الإنتاج والاستفادة من وفورات الحجم الجماعية.
كما أن المناخ الجيوسياسي الحالي، الذي شكلته التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، يتطلب اتباع نهج دبلوماسي دقيق. إن الدول النامية بحاجة إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوتين العالميتين، وتجنب الاضطرار إلى اختيار أحد الجانبين. ويظل الانخراط في المنتديات المتعددة الأطراف ودعم مبادئ التجارة الحرة والعادلة من خلال منظمة التجارة العالمية؛ أمرا حاسما لضمان نظام تجاري عالمي مستقر وقابل للتنبؤ يعود بالنفع على جميع الدول، وخاصة الدول النامية.
في الختام، إن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، في حين تشكل تحديات كبيرة للنظام الاقتصادي العالمي، لا يمكن إنكار أنها تقدم فرصة فريدة للبلدان النامية. ومن خلال الاستفادة الاستراتيجية من تحويل التجارة، والاستفادة من تنويع سلسلة التوريد، ورفع سلسلة القيمة، وتعزيز الروابط الإقليمية، يمكن لهذه الدول زيادة تجارتها وصادراتها بشكل كبير، وتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامين. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الإمكانات يتطلب استجابات سياسية استباقية، واستثمارات في البنية التحتية ورأس المال البشري، والتنقل الدقيق في المشهد الجيوسياسي. وبالتالي، فإن الاضطراب الحالي يمكن أن يتحول من تهديد إلى حافز قوي لتمكين العالم النامي اقتصاديا، وإعادة تشكيل أنماط التجارة العالمية لعقود قادمة.