الخليج الجديد:
2024-09-19@10:13:10 GMT

الفلسفة والحضارة.. رؤية جديدة

تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT

الفلسفة والحضارة.. رؤية جديدة

الفلسفة والحضارة.. رؤية جديدة

العلاقة معقدة بين ثلاثة أنماط من التشكلات الثقافية الكبرى عرفتها كل الحضارات الأساسية وهي الدين والفلسفة والعلم.

كل الحضارات طرحت ثلاثة أسئلة جوهرية: من ماذا يتشكل العالم؟ وما هو الخير والشر؟ وما هو المسلك الذي يجب على الإنسان اتباعه في طريق العيش؟

ثمة تأرجح بين مقاربة داخلية نصية تحصر الفلسفة في الموروث اليوناني وتأويلاته وامتداداته، ومقاربة خارجية تربط الفلسفة بسياقات حضارية واجتماعية كرصيد مشترك بين الثقافات الإنسانية الكبرى.

هل تَشكّل تفكير فلسفي خارج المسار اليوناني- العربي - الأوروبي عبر نصوص الحكمة والتفكير الأخلاقي التي لا تخلو منها ثقافة إنسانية كبرى، أم أن الفلسفة تتحدث بلغة الوجود وتعتمد المفهوم والبرهان أداةً مميزة؟

تخلت مناهج كتابة تاريخ الفلسفة الغربية عن الفصل الصارم بين الدين والفلسفة والعلم باعتبار الأنساق الفلسفية الكبرى كان أغلبها صياغات برهانية لمضامين عقدية، كما أن حركة العلم تسبق المقاربات الفلسفية.

* * *

في كتابه الصادر مؤخراً بالفرنسية تحت عنوان «التاريخ العالمي للفلسفة»، يتناول الفيلسوف الشاب فنسان سيتوت الإشكالية المنهجية المألوفة في تاريخ الفلسفة، حيث يتم عادة التأرجح بين مقاربة داخلية نصية تحصر الفلسفة في الموروث اليوناني وتأويلاته وامتداداته اللاحقة، ومقاربة خارجية تربط الفلسفة بالسياقات الحضارية والاجتماعية وترى أنها رصيد مشترك بين الثقافات الإنسانية الكبرى.

من الواضح أن سيتوت يتبنى الرؤية الثانية، لكن من منظور جديد ومتميز. فلئن كان ينفي المركزية اليونانية الغربية في الفلسفة (أطروحة هيغل- هايدغر)، إلا أنه ينطلق في الآن نفسه من العلاقة المعقدة بين ثلاثة أنماط من التشكلات الثقافية الكبرى عرفتها كل الحضارات الأساسية وهي الدين والفلسفة والعلم.

في هذا السياق، يقف المؤلف عند ثماني حضارات كبرى هي: اليونان والرومان والإسلام وأوروبا وروسيا والهند والصين واليابان، معتمداً معيارين أساسيين لانتقاء العوالم الحضارية التي عرفت الثلاثية المذكورة، وهما: الاستمرارية التاريخية والنوعية الكيفية.

فإذا كانت الحضارة اليونانية عرفت بالممارسة الفلسفية التي تكرس المنحى المفهومي وتربط الحقيقة بالبرهان العقلي والبناء المنطقي، إلا أن هذا التوجه لم يكن خاصاً بالثقافة اليونانية، بل هو نمط من النزوع النظري الذي عرفته الحضارات الأخرى. كل الحضارات طرحت أسئلة ثلاثة جوهرية هي: من ماذا يتشكل العالم؟ وما هو الخير والشر؟ وما هو المسلك الذي يجب على الإنسان اتباعه في طريق العيش؟

إن هذه الأسئلة الثلاث تحيل إلى مقاربات مختلفة هي الأنطولوجيا (مبحث الوجود) والأكسيولوجيا (مبحث الأخلاق) والباراكسيولوجيا (مبحث الممارسة).

وفي كل حضارة تبرز أنواع ثلاثة من الطرق المنهجية للرد على هذه الأسئلة: إما بالرجوع إلى التقاليد والمعتقدات والرواية المقدسة (الدين)، أو باعتماد مسلك الاستدلال البرهاني (الفلسفة)، أو باختيار طريقة التحقق التجريبي والصياغة الصورية (العلم).

ويبدو أن سيتوت يتبنى المنهج الوضعي التاريخي المعروف لدى أوغست كونت بقانون الحالات الثلاث، ولو من زاوية جديدة، معتبِراً أن كل حضارة تمر بثلاث مراحل متتابعة في المسار الفكري.

- المرحلة ما قبل الكلاسيكية: التي تهيمن فيها المعتقدات الدينية.

- المرحلة الكلاسيكية حيث تنفصل الفلسفة عن الخطاب الديني.

- المرحلة ما بعد الكلاسيكية التي يهيمن فيها العلم الصوري التجريبي على الحقل الثقافي.

وإذا كان يحسب لسيتوت خروجَه من المقاربة المركزية اليونانية الغربية في تصور الفلسفة وتاريخها، فإنه ظل سجين الرؤية الوضعية التاريخانية التي تفصل جذرياً بين الدين والفلسفة والعلم حتى ولو كانت جذور هذه التشكيلات الثقافية مشتركة.

إن هذه الرؤية تنبع من المركزية الثقافية التي ينتقدها لكونها تعتبر الحالة الوضعية خط اكتمال المسار الحضاري، وترى في الفلسفة خط القطيعة مع الدين، في حين أن الأمر هنا يتعلق فقط بالحضارة الغربية وليس بثقافات كونية أخرى يقترن فيها المقدس بالمفهوم والأنساق الرياضية الطبيعية.

ولنكتفِ هنا بالإشارة إلى أعمال مروان راشد التي بينت أن مسار الفلسفة في التاريخ الإسلامي تقاطع مع المباحث الكلامية والممارسات العلمية التجريبية. لم تكن هذه العناصر الثلاثة متنافرة أو متعارضة، بل إن الحركة الفلسفية الحقيقية تمت من داخل الحوار الكثيف المتواصل مع الفكر الديني، بما ولد الإشكالات الخاصة بالفلسفة الإسلامية الوسيطة، سواء من داخل علم الكلام (علم الكلام الفلسفي الذي تحدث عنه ابن خلدون في مقدمته)، أو من داخل الفلسفة (الفلسفة الإلهية لدى ابن سينا وفلسفة الإشراق اللاحقة).

كما أن نظريات اللغة والكلام في التقليد الإسلامي كانت وثيقة الصلة بالفكر الرياضي والعلمي (مثل ارتباط نظرية الجوهر الفرد في الطبيعيات أو الأحوال البهشمية بالجبر ونظريات الحركة والضوء).

بل إن مناهج كتابة تاريخ الفلسفة الغربية نفسها تخلت عن هذا الفصل الصارم بين الدين والفلسفة والعلم، باعتبار أن الأنساق الفلسفية الكبرى قديماً وحديثاً كانت في أغلبها صياغات برهانية لمضامين عقدية أو لاهوتية، كما أن حركة العلم تسبق عادة المقاربات الفلسفية، إلى حد أن دومنيك ديزانتي يقول إن كل فلسفة تستبطن علوم عصرها، وكل تحول كبير في النظر الفلسفي تم من داخل الثورات العلمية الكبرى.

وبقي السؤال التقليدي مطروحاً: هل تشكل تفكير فلسفي حقيقي خارج المسار اليوناني- العربي - الأوروبي عبر نصوص الحكمة والتأمل والتفكير الأخلاقي التي لا تخلو منها ثقافة إنسانية كبرى، أم أن الفلسفة كما كان يقول هايدغر تتحدث بلغة الوجود وتعتمد المفهوم والبرهان أداةً مميزة؟

سؤال نعود إليه لاحقاً.

*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الدين العلم الفلسفة الحضارة الغرب علم الكلام الثقافات الإنسانية من داخل وما هو

إقرأ أيضاً:

عز الدين: نتنياهو أعجز من أن يوسع الحرب في أي جبهة جديدة

أحيا "حزب الله" الاحتفال التكريمي للشهيد هاني حسين عز الدين (إسماعيل) في النادي الحسينيّ لبلدة دير قانون النهر الجنوبية، بحضور عضوي كتلة "الوفاء للمقاومة" النائبين حسن عز الدين وحسين جشي.
وألقى النائب عز الدين كلمة أشار فيها إلى تصريحات نتنياهو التي تحدث فيها عن توسيع الحرب على الجبهة الشمالية، فرأى أنّ نتنياهو أعجز من أن يوسع الحرب في أي جبهة جديدة، لأن الجيش المتعب والمنهك الموجود في غزة لم يحسم أمرها إلى هذه اللحظة، ولا يستطيع الادعاء بأنه انتصر في غزة، فكيف سيدخل في توسيع جبهة جديدة مع لبنان أو غيره؟".
وأثنى على العملية التي نفذها الجيش اليمني واستهدف فيها مدينة "تل أبيب" بصاروخ باليستي، فقال: "نقدّر العملية الشجاعة والجريئة التي قام بها شجعان اليمن والتي نفذتها القوة الصاروخية في الجيش اليمني، وهي رد طبيعي على العدو عندما اعتدى على الحديدة، وهذه العملية لها دلالات مهمة وعظيمة ولها مآلات أيضاً في مستوى هذه المعركة التي نخوضها، وتؤكد تماسك جبهات المقاومة، والتنسيق الكامل في ما بينها، كما تؤكد على متانة وقوة الميدان في المواجهة ضد العدو والانتصار لفلسطين ولأهل فلسطين".
وإذ أشار إلى الإمكانيات والقدرات الفنية والتكنولوجية التي يمتلكها العدو، والذكاء الاصطناعي والكم الهائل من قواعد البيانات الكبيرة جداً التي يوظفها في اعتداءاته واغتيالاته، أكد أنّه "كما استطاع اليمنيون تطوير الصواريخ إلى فرط صوتية واخترقوا كل هذه الأنظمة، فالمقاومة في لبنان تمكنت من أن تصنّع ما يعجز عنه العدو، ومنها المسيّرات التي ترصد والتي تقاتل وتنقض ولا يستطيع العدو أن يفعل لها شيئاً، بالإضافة إلى "الهدهد" الذي رصد أماكن حساسة في الكيان، وأيضاً الرصد البري للأفراد التي تتموضع على الحدود والذي ما زال فاعلاً ويملك القدرة والمراقبة على الحدود بفعالية".
وأضاف: "أنّ العدو في هذا السياق فشل في تحقيق أهدافه والأهم أنه فشل في المس بهذه المنظومة القيادية بالرغم من كل ما قام به من عمليات اغتيال خسرت فيها المقاومة كوادراً مهمة جدا حتى وصلوا إلى السيد فؤاد شكر، وهذه كانت خسارة كبرى، إنما مع ذلك فالميدان لم يتأثر بدءاً من القيادة العليا وصولا إلى القيادة الميدانية، وأنّ التنسيق بين أذرع المقاومة على مستوى الاختصاصات ما زال قائماً وموجوداً ومتكاملاً، والمقاومة ما زالت بخير". (الوكالة الوطنية)

مقالات مشابهة

  • «الإصلاح والنهضة»: مبادرة «بداية جديدة» تعكس رؤية شاملة لبناء الإنسان وتعزيز التنمية
  • محيي الدين علي: احتمال سقوط أمطار على المنطقة الغربية
  • الدولة والعلم الشرعى
  • خسوف القمر 2024:تأثير خسوف القمر على حياة الإنسان والعلم
  • رئيس “سدايا”: الخطاب الملكي حمل العديد من المرتكزات التي توضح دور رؤية 2030 في دعم الحراك التنموي بالمملكة
  • «مصر أكتوبر»: مبادرة «بداية جديدة» تعكس رؤية الجمهورية الجديدة
  • بيت الفلسفة.. منارة للاستثمار في العقول والأفكار
  • عاجل:- تعديلات تشريعية جديدة لتطوير مهنة التدريس وفق رؤية مصر 2030
  • إلهام صفّي الدين تكشف عن صور جديدة من حفل زفاف محمود شاهين
  • عز الدين: نتنياهو أعجز من أن يوسع الحرب في أي جبهة جديدة