الفلسفة والحضارة.. رؤية جديدة
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
الفلسفة والحضارة.. رؤية جديدة
العلاقة معقدة بين ثلاثة أنماط من التشكلات الثقافية الكبرى عرفتها كل الحضارات الأساسية وهي الدين والفلسفة والعلم.
كل الحضارات طرحت ثلاثة أسئلة جوهرية: من ماذا يتشكل العالم؟ وما هو الخير والشر؟ وما هو المسلك الذي يجب على الإنسان اتباعه في طريق العيش؟
ثمة تأرجح بين مقاربة داخلية نصية تحصر الفلسفة في الموروث اليوناني وتأويلاته وامتداداته، ومقاربة خارجية تربط الفلسفة بسياقات حضارية واجتماعية كرصيد مشترك بين الثقافات الإنسانية الكبرى.
هل تَشكّل تفكير فلسفي خارج المسار اليوناني- العربي - الأوروبي عبر نصوص الحكمة والتفكير الأخلاقي التي لا تخلو منها ثقافة إنسانية كبرى، أم أن الفلسفة تتحدث بلغة الوجود وتعتمد المفهوم والبرهان أداةً مميزة؟
تخلت مناهج كتابة تاريخ الفلسفة الغربية عن الفصل الصارم بين الدين والفلسفة والعلم باعتبار الأنساق الفلسفية الكبرى كان أغلبها صياغات برهانية لمضامين عقدية، كما أن حركة العلم تسبق المقاربات الفلسفية.
* * *
في كتابه الصادر مؤخراً بالفرنسية تحت عنوان «التاريخ العالمي للفلسفة»، يتناول الفيلسوف الشاب فنسان سيتوت الإشكالية المنهجية المألوفة في تاريخ الفلسفة، حيث يتم عادة التأرجح بين مقاربة داخلية نصية تحصر الفلسفة في الموروث اليوناني وتأويلاته وامتداداته اللاحقة، ومقاربة خارجية تربط الفلسفة بالسياقات الحضارية والاجتماعية وترى أنها رصيد مشترك بين الثقافات الإنسانية الكبرى.
من الواضح أن سيتوت يتبنى الرؤية الثانية، لكن من منظور جديد ومتميز. فلئن كان ينفي المركزية اليونانية الغربية في الفلسفة (أطروحة هيغل- هايدغر)، إلا أنه ينطلق في الآن نفسه من العلاقة المعقدة بين ثلاثة أنماط من التشكلات الثقافية الكبرى عرفتها كل الحضارات الأساسية وهي الدين والفلسفة والعلم.
في هذا السياق، يقف المؤلف عند ثماني حضارات كبرى هي: اليونان والرومان والإسلام وأوروبا وروسيا والهند والصين واليابان، معتمداً معيارين أساسيين لانتقاء العوالم الحضارية التي عرفت الثلاثية المذكورة، وهما: الاستمرارية التاريخية والنوعية الكيفية.
فإذا كانت الحضارة اليونانية عرفت بالممارسة الفلسفية التي تكرس المنحى المفهومي وتربط الحقيقة بالبرهان العقلي والبناء المنطقي، إلا أن هذا التوجه لم يكن خاصاً بالثقافة اليونانية، بل هو نمط من النزوع النظري الذي عرفته الحضارات الأخرى. كل الحضارات طرحت أسئلة ثلاثة جوهرية هي: من ماذا يتشكل العالم؟ وما هو الخير والشر؟ وما هو المسلك الذي يجب على الإنسان اتباعه في طريق العيش؟
إن هذه الأسئلة الثلاث تحيل إلى مقاربات مختلفة هي الأنطولوجيا (مبحث الوجود) والأكسيولوجيا (مبحث الأخلاق) والباراكسيولوجيا (مبحث الممارسة).
وفي كل حضارة تبرز أنواع ثلاثة من الطرق المنهجية للرد على هذه الأسئلة: إما بالرجوع إلى التقاليد والمعتقدات والرواية المقدسة (الدين)، أو باعتماد مسلك الاستدلال البرهاني (الفلسفة)، أو باختيار طريقة التحقق التجريبي والصياغة الصورية (العلم).
ويبدو أن سيتوت يتبنى المنهج الوضعي التاريخي المعروف لدى أوغست كونت بقانون الحالات الثلاث، ولو من زاوية جديدة، معتبِراً أن كل حضارة تمر بثلاث مراحل متتابعة في المسار الفكري.
- المرحلة ما قبل الكلاسيكية: التي تهيمن فيها المعتقدات الدينية.
- المرحلة الكلاسيكية حيث تنفصل الفلسفة عن الخطاب الديني.
- المرحلة ما بعد الكلاسيكية التي يهيمن فيها العلم الصوري التجريبي على الحقل الثقافي.
وإذا كان يحسب لسيتوت خروجَه من المقاربة المركزية اليونانية الغربية في تصور الفلسفة وتاريخها، فإنه ظل سجين الرؤية الوضعية التاريخانية التي تفصل جذرياً بين الدين والفلسفة والعلم حتى ولو كانت جذور هذه التشكيلات الثقافية مشتركة.
إن هذه الرؤية تنبع من المركزية الثقافية التي ينتقدها لكونها تعتبر الحالة الوضعية خط اكتمال المسار الحضاري، وترى في الفلسفة خط القطيعة مع الدين، في حين أن الأمر هنا يتعلق فقط بالحضارة الغربية وليس بثقافات كونية أخرى يقترن فيها المقدس بالمفهوم والأنساق الرياضية الطبيعية.
ولنكتفِ هنا بالإشارة إلى أعمال مروان راشد التي بينت أن مسار الفلسفة في التاريخ الإسلامي تقاطع مع المباحث الكلامية والممارسات العلمية التجريبية. لم تكن هذه العناصر الثلاثة متنافرة أو متعارضة، بل إن الحركة الفلسفية الحقيقية تمت من داخل الحوار الكثيف المتواصل مع الفكر الديني، بما ولد الإشكالات الخاصة بالفلسفة الإسلامية الوسيطة، سواء من داخل علم الكلام (علم الكلام الفلسفي الذي تحدث عنه ابن خلدون في مقدمته)، أو من داخل الفلسفة (الفلسفة الإلهية لدى ابن سينا وفلسفة الإشراق اللاحقة).
كما أن نظريات اللغة والكلام في التقليد الإسلامي كانت وثيقة الصلة بالفكر الرياضي والعلمي (مثل ارتباط نظرية الجوهر الفرد في الطبيعيات أو الأحوال البهشمية بالجبر ونظريات الحركة والضوء).
بل إن مناهج كتابة تاريخ الفلسفة الغربية نفسها تخلت عن هذا الفصل الصارم بين الدين والفلسفة والعلم، باعتبار أن الأنساق الفلسفية الكبرى قديماً وحديثاً كانت في أغلبها صياغات برهانية لمضامين عقدية أو لاهوتية، كما أن حركة العلم تسبق عادة المقاربات الفلسفية، إلى حد أن دومنيك ديزانتي يقول إن كل فلسفة تستبطن علوم عصرها، وكل تحول كبير في النظر الفلسفي تم من داخل الثورات العلمية الكبرى.
وبقي السؤال التقليدي مطروحاً: هل تشكل تفكير فلسفي حقيقي خارج المسار اليوناني- العربي - الأوروبي عبر نصوص الحكمة والتأمل والتفكير الأخلاقي التي لا تخلو منها ثقافة إنسانية كبرى، أم أن الفلسفة كما كان يقول هايدغر تتحدث بلغة الوجود وتعتمد المفهوم والبرهان أداةً مميزة؟
سؤال نعود إليه لاحقاً.
*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني
المصدر | الاتحادالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الدين العلم الفلسفة الحضارة الغرب علم الكلام الثقافات الإنسانية من داخل وما هو
إقرأ أيضاً:
موعد رؤية هلال شهر ذو الحجة 2025
تتزايد معدلات البحث حول موعد رؤية هلال شهر ذو الحجة 2025، وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025، لما لهذه الأيام من قدسية خاصة في الدين الإسلامي، سواء لدى حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة أو لدى المسلمين في الدول العربية والإسلامية، والذين يحتفلون بها بالصلاة، وذبح الأضاحي، وصلة الرحم.
موعد رؤية هلال شهر ذو الحجة 2025وتوفر «الأسبوع» لمتابعيها معرفة كل ما يخص موعد رؤية هلال شهر ذو الحجة 2025، وذلك ضمن خدمة مستمرة تقدمها لزوارها في مختلف المجالات ويمكنكم المتابعة من خلال الضغط هنا.
أول أيام ذو الحجة 2025وفقًا للحسابات الفلكية، من المتوقع أن يكون الأربعاء 28 مايو 2025 هو أول أيام شهر ذو الحجة 1446هـ.
موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025وأشارت الحسابات إلى أن هلال شهر ذو الحجة لعام 1446هـ سيولد مباشرة بعد حدوث الاقتران في تمام الساعة 5:03 فجرًا بتوقيت القاهرة المحلي يوم الثلاثاء الموافق 27 مايو 2025، وهو اليوم الذي ستتم فيه عملية الرؤية الشرعية.
في عام 2025، يُتوقع أن تكون وقفة عرفة يوم الخميس الموافق 5 يونيو، على أن يوافق أول أيام عيد الأضحى يوم الجمعة، 6 يونيو حسب الحسابات الفلكية الأولية. ويعتبر يوم عرفة من أهم أيام شهر ذي الحجة، حيث يقف الحجاج على جبل عرفات لإتمام أهم مناسك الحج. بعدها، يبدأ المسلمون حول العالم الاحتفال بعيد الأضحى بمختلف الطقوس والمظاهر الدينية والاحتفالية.
موعد إجازة عيد الأضحى 2025وطبقا للحسابات الفلكية التي أجراها المعهد القومي للبحوث الفلكية، من المتوقع أن يكون موعد عيد الأضحى 2025 يوم الجمعة 6 يونيو، ويستمر حتى نهاية يوم الإثنين 9 يونيو في معظم الدول العربية والإسلامية.
ومع ذلك، يعتمد تحديد الموعد الرسمي على رؤية هلال شهر ذي الحجة، والتي ستتم مساء يوم الثلاثاء 27 مايو 2025، وستعلن دار الإفتاء المصرية النتيجة الرسمية عبر بث مباشر على صفحاتها الرسمية.
الإجازات الرسمية المتبقية في 2025- 21 أبريل الإثنين عيد شم النسيم
- 25 أبريل الجمعة عيد تحرير سيناء
- 1 مايو الخميس عيد العمال
- 5 يونيو الخميس إجازة يوم وقفة عرفات
- 6 يونيو الجمعة عيد الأضحى المبارك
- 7 يونيو السبت إجازة عيد الأضحى المبارك
- 26 يونيو الخميس رأس السنة الهجرية
- 30 يونيو الإثنين ثورة 30 يونيو
- 23 يوليو الأربعاء عيد الثورة
- 4 سبتمبر الخميس عيد المولد النبوى الشريف
- 6 أكتوبر الإثنين عيد القوات المسلحة
اقرأ أيضاًأبرز أفلام والنجوم في عيد الأضحى 2025
فلكياً.. معهد البحوث يحدد يوم وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025
القائمة المبدئية لأفلام عيد الأضحى 2025