البوابة نيوز:
2025-03-20@11:14:48 GMT

الحوار هو الحل «2»

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

استكمالًا لمقالنا السابق، الذي بدأنا معه الحديث عن أهمية الحوار في بناء الحضارات، واستهللنا ذلك بإمكانية الحوار بين ثنائية الشباب والشيوخ، نجد الراوي في الحكاية الشعبية المصرية «الملك اللي أمر بقتل العواجيز»، والتي أظن وجود روايات عربية لها، يحكي قائلًا: «كان هناك ملك وقد وافته المنية، وكان لديه ابن شاب، تولى حكم المملكة خلفًا له، وبمجرد أن تولى الابن الملك الشاب الحكم، أصدر فرمانًا، يقضي بضرورة التخلص من كبار السن (العواجيز)، بأن يقتل كل ابن أباه، ومن يتخلف عن تنفيذ هذا الفرمان، سيلقى الابن والأب المصير نفسه».

بالفعل استسلم كل الأبناء للفرمان، فقتلوا آباءهم، وهم في حالة من الحزن الشديد؛ لأنهم كانوا مغلوبين على أمرهم. غير أن أحد الأبناء لم تساعده يداه على قتل والده، فأخفى والده عن العيون في مكان لا يعرفه أحد، وظل يتردد عليه بين الحين والآخر؛ لإطعامه وشرابه.

مرت الأيام، وأصدر الملك الشاب فرمانًا جديدًا يقضي بأن يتوجه أبناء المملكة إلى الصحراء لحصد الهواء. انصاع شباب المملكة لفرمان الملك الجديد، وسحبوا مناجلهم، وراحوا يحصدون الهواء، وإمعانًا في إرضاء الملك، راحوا يحركون مناجلهم في الهواء يمينًا ويسارًا، كمن يحصد قمحًا بالفعل، وراح الشباب؛ تنفيذًا لفرمان الملك، يترددون على هذه الصحراء يوميًا، للقيام بهذا العمل الوهمي يوميًا.

عندما حان وقت زيارة الابن الشاب لأبيه، الذي أخفاه عن العيون؛ هروبا من فرمان الملك، ذهب الابن إلى والده، فسأله الأب؛ للاطمئنان عليه، عن حاله وعن حال المملكة. فأخبره الابن بفرمان الملك الجديد، وبما يفعله الابن مع الشباب يوميًا في الصحراء؛ امتثالًا لفرمان الملك الجديد.

هنا أصابت الحسرة الأب، وأدرك السبب الكامن وراء الفرمان الأرعن من الملك الشاب الطائش  تجاه كبار السن "العواجيز" الحكماء. طلب الأب من ابنه عندما يذهب في اليوم التالي للصحراء؛ لحصد الهواء، أن يفرك يده اليمنى في اليسرى، كمن يضع حبوب القمح في يديه، ويفركها، ثم يتوهم بوضع حبوب القمح الوهمية في فمه، وذلك بحركة تمثيلية، ثم قال له الأب عندما يسألك الملك لماذا تفعل هذا، فلتكن إجابتك أيها الابن: «ما نحصده، نأكل منه». تصادف في اليوم التالي، عندما كان الابن مع رفقائه في الصحراء، مرور الملك للتأكد من القيام بما أمرهم به.

عندما رأى الابن الملك الشاب، قام بتنفيذ ما نصحه به أبوه، من القيام بالحركة التمثيلية، التي يوهم فيها الملك، وكأنه يأكل قمحًا وهميًا، بفرك يديه في بعضهما، ثم تحريكهما في الهواء، ثم وضع إحداها في فمه. رآه الملك، فسأل الملك الشاب الابن: «ما الذي تفعله هذا؟»، فأجابه الابن بما أخبره به والده: «بأننا نأكل مما نحصده». نظر إليه الملك الشاب، وقال له: «هذا ليس كلامك، بل كلام أناس حكماء؛ إذن أنت لم تقتل أباك»، وأمره أن يحضر غدًا في المملكة بصحبة أبيه الناجي الوحيد من فرمان مذبحة الآباء.

عاد الابن إلى أبيه، وهو في قمه الخوف والقلق. طمأن الأب ابنه، قائلًا: «اطمئن يا بني، ولا تقلق، وإذا سألك سؤالًا، فقم بإحالة السؤال لي، ولا تتحدث أنت». في اليوم التالي ذهب الأب المُسن وابنه إلى المملكة، وكان في انتظارهما الملك الشاب.

بمجرد أن وصلا، وجه الملك سؤاله إلى الابن الشاب: «لماذا لم تقتل أباك؟» هنا نظر الابن إلى أبيه، فتدخل الأب، وقال: «يا جلالة الملك ابني لم يخالف فرمانك، فعندما أصدرت جنابك الفرمان، كنت أنا خارج المملكة؛ حيث إنني كنت في جزيزة بعيدة، أشهد فيها على عقد قران ابن الغراب وبنت البومة، وحاولت حل مشكلة بينهما؛ حيث إن والد البومة اشترط على ابن الغراب أن يكون مهر ابنته مائة بلد خراب».

هنا انزعج الملك وسأل العجوز: «وهل استطاع ابن الغراب أن يجد هذا العدد الكبير من البلاد الخراب؟»، أجابه الأب العجوز: «يااااه يا جلالة الملك ما أكثر الممالك الخراب، فكل بلد يحكمها الصُّغار (الشباب)، فهي بلد خراب». هنا أدرك الملك المقصود مما يرمي إليه الأب المسن، والدلالة الرمزية لهذه الحكاية التي حكاها الأب. كذلك أدرك الملك طيش فرمانه، فتراجع عنه؛ لأنه أدرك أنه لا يوجد حكم ناجح دون الإفادة من طاقة الشباب وقوته، وأيضًا من حكمة العواجيز وكبار السن. فأساس الحكم هو الطاقة المحكومة بالحكمة؛ لأن الطاقة والقوة بمفردها ستكون غاشمة، والحكمة بدون قوة تحميها ستكون واهية وضعيفة. لذلك أصدر الملك الشاب فرمانًا جديدًا بتعيين الأب العجوز وزيرًا له؛ حتى يستقيم الحكم.

* أستاذ الأدب الشعبي - كلية الآداب، جامعة القاهرة

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أهمية الحوار الخوف والقلق فرمان ا

إقرأ أيضاً:

السلام هو الحل لليمن

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

يأتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وطاقمه اليوم ليُجَرِّب المُجرَّب ويُعيد إنتاج الفشل في اليمن، معتقدًا بأنَّ الحرب والقتل والدمار هو ما سيدفع "أنصار الله" إلى رفع الراية البيضاء وإعلان الاستسلام.

ترامب يمثل الشخصية الأمريكية التي تعتقد بأنَّ العالم بجغرافياته ملك لأمريكا ومرتع لها، بالقوة الخشنة أو بالقوة الناعمة؛ فترامب- كأي أمريكي- يؤمن بأنَّهم العالم الجديد والعالم النموذجي الأخير للبشرية، ونهاية أمريكا تعني نهاية العالم ونهاية التاريخ. الشخصية الأمريكية شخصية نشأت وتكوَّنت من المُهمَّشين في أوروبا، تشكل المجتمع الأمريكي من عقليات تُعاني جذورها ونشأتها الأولى من أعراض الاضطهاد والقمع والتهميش، وبالنتيجة قيام وتشكُّل مجتمعٍ ذي ثقافة عنف مُتجذِّر وعنصرية مُتجددة، لم يستطع تهذيبها علم ولا تطور ولا انفتاح على العالم. العقل الأمريكي ذو بُعد واحد، لهذا يؤمن بأنَّ كل من ليس معه فهو بالضرورة ضده، وكل من يعاديه أو يقاومه فهو بالضرورة إرهابي وفق "البورد" السياسي الأمريكي، وكل من لا يشبهه فهو بالضرورة "مُتخلِّف".

لهذا ولغيره من الأسباب، نجد الأمريكي يتصرف خارج قناعات البشر وتجاربهم ومفاهيمهم، لأنه يعتقد بأنه مُتفَرِّد ورسول العناية الإلهية بلا منازع!

ما يفعله ترامب اليوم من فتح جبهات حروب مجانية في وقت يمكنه كسبها بالقوة الناعمة، يوحي بأن الرجل مبعوث العناية الإلهية، ولكن لتفتيت بلده والعبث بمكتسباتها وتوسيع دائرة الأعداء وتقليص دائرة الحلفاء والأصدقاء.

فبعد أن استَنزَفت أمريكا طاقاتها وطاقات حلفائها الأوروبيين في تبني قضية خاسرة تمثلت في قضية الحرب في أوكرانيا، عقد ترامب صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتسوية ملف أوكرانيا وكأنَّ شيئًا لم يكُن، مقابل ضغطه على الرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي للتوقيع على التنازل عن ثروات بلاده لأمريكا كتعويضٍ عن الدعم الأمريكي طيلة سنوات الحرب. وبهذا الموقف طعن ترامب شركاءه وحلفاءه الأوربيين في الظهر، وأعلن الحرب عليهم؛ مما دفع الأوربيين إلى التشبث بأوكرانيا وزيلينسكي لتعويض شيء من خسائرهم، تلك الخسائر التي أوصلت بعض اقتصادات أوروبا إلى حافة الإفلاس.

حقيقة ما يجمع الأمريكي والأوروبي هو تحالف الضرورة وليس القواسم المشتركة كعادة قواعد التحالف من جغرافيا وتاريخ ومصير مشترك؛ فمشروع مارشال الأمريكي بعد الحرب الأوروبية (العالمية) الثانية لإعمار أوروبا، كان يعني في حقيقته ومراميه السيطرة الأمريكية المُطلقة على أوروبا، وهذا ما تحقق بالفعل.

كان حريٌّ بترامب السعي إلى إغلاق الملفات المُلتهبة بدءًا من أوكرانيا وصولًا إلى إيران ومرورًا باليمن ولبنان وسوريا وغزة؛ فهذه الملفات كفيلة بتحقيق الريادة والصدارة له ولاقتصاد بلاده ودولاره؛ بل وكفيلة بتعطيل أو إبطاء التكتلات الاقتصادية الناشئة والتي تُهدد عرش بلاده وعملته بالأفول.

وكما حدث لأمريكا جراء تدخلها في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، والذي جنت منه التموضُع المُريح في الشرق الأوسط، وتجفيف النفوذ الأوروبي إلى حد كبير. أمريكا والعالم اليوم يعانون من غياب الزعامات والساسة الحقيقيين؛ فبغياب الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر يمكن القول بغياب آخر الزعماء وآخر الساسة الحقيقيين لأمريكا، فقد تعاقب عليها ثُلة من المُقامرين وضحايا وأتباع اللُوبيات الثلاثة المعروفة: السلاح والنفط والمال.

ما يحتاجه اليمن اليوم هو الهجوم عليه بالسلام، هذا السلام الذي سيجعل من اليمن واليمنيين ينهمكون في ثقافة السلام والإعمار إلى النخاع ولسنوات طويلة، أما خيار الحرب على اليمن، فسيُعيد اليمنيين واليمن- وكعهدهم التاريخي- مقبرةً للغُزاة، وجمهوريين صباحًا وملكيين في الليل.

قبل اللقاء.. إذا نفذت قوة الأرض، تبقى قوة السماء هي الفصل، فأمريكا تُريد والله فعّال لما يُريد.

وبالشكر تدوم النعم.

 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • في اتصال بولي العهد.. ستارمر يشيد بدور المملكة في استضافة الحوار الأمريكي الروسي
  • في اتصال بولي العهد.. رئيس وزراء بريطانيا يشيد بدور المملكة في استضافة الحوار الأمريكي الروسي
  • في اتصال بولي العهد.. رئيس وزراء بريطانيا يشيد بدور المملكة في استضافة الحوار الأمريكي الروسي - عاجل
  • اعمل مشيئة الله .. في عظة الأربعاء للبابا تواضروس
  • الشباب يقترح تأجيل انطلاق كأس الملك
  • مركز الملك عبد العزيز ينظم برنامج لجمع الشباب السعودي مع نظرائهم من الدول الأخرى
  • الأم المثالية بالقليوبية: مررت بصعاب كثيرة في حياتي وربنا أكرمني بأولادي
  • إطلاق «استراحة معرفة» في أستراليا لتعزيز الحوار المعرفي
  • الأنبا عمانوئيل يلتقي الراهبات بالإيبارشية .. صور
  • السلام هو الحل لليمن