استكمالًا لمقالنا السابق، الذي بدأنا معه الحديث عن أهمية الحوار في بناء الحضارات، واستهللنا ذلك بإمكانية الحوار بين ثنائية الشباب والشيوخ، نجد الراوي في الحكاية الشعبية المصرية «الملك اللي أمر بقتل العواجيز»، والتي أظن وجود روايات عربية لها، يحكي قائلًا: «كان هناك ملك وقد وافته المنية، وكان لديه ابن شاب، تولى حكم المملكة خلفًا له، وبمجرد أن تولى الابن الملك الشاب الحكم، أصدر فرمانًا، يقضي بضرورة التخلص من كبار السن (العواجيز)، بأن يقتل كل ابن أباه، ومن يتخلف عن تنفيذ هذا الفرمان، سيلقى الابن والأب المصير نفسه».
بالفعل استسلم كل الأبناء للفرمان، فقتلوا آباءهم، وهم في حالة من الحزن الشديد؛ لأنهم كانوا مغلوبين على أمرهم. غير أن أحد الأبناء لم تساعده يداه على قتل والده، فأخفى والده عن العيون في مكان لا يعرفه أحد، وظل يتردد عليه بين الحين والآخر؛ لإطعامه وشرابه.
مرت الأيام، وأصدر الملك الشاب فرمانًا جديدًا يقضي بأن يتوجه أبناء المملكة إلى الصحراء لحصد الهواء. انصاع شباب المملكة لفرمان الملك الجديد، وسحبوا مناجلهم، وراحوا يحصدون الهواء، وإمعانًا في إرضاء الملك، راحوا يحركون مناجلهم في الهواء يمينًا ويسارًا، كمن يحصد قمحًا بالفعل، وراح الشباب؛ تنفيذًا لفرمان الملك، يترددون على هذه الصحراء يوميًا، للقيام بهذا العمل الوهمي يوميًا.
عندما حان وقت زيارة الابن الشاب لأبيه، الذي أخفاه عن العيون؛ هروبا من فرمان الملك، ذهب الابن إلى والده، فسأله الأب؛ للاطمئنان عليه، عن حاله وعن حال المملكة. فأخبره الابن بفرمان الملك الجديد، وبما يفعله الابن مع الشباب يوميًا في الصحراء؛ امتثالًا لفرمان الملك الجديد.
هنا أصابت الحسرة الأب، وأدرك السبب الكامن وراء الفرمان الأرعن من الملك الشاب الطائش تجاه كبار السن "العواجيز" الحكماء. طلب الأب من ابنه عندما يذهب في اليوم التالي للصحراء؛ لحصد الهواء، أن يفرك يده اليمنى في اليسرى، كمن يضع حبوب القمح في يديه، ويفركها، ثم يتوهم بوضع حبوب القمح الوهمية في فمه، وذلك بحركة تمثيلية، ثم قال له الأب عندما يسألك الملك لماذا تفعل هذا، فلتكن إجابتك أيها الابن: «ما نحصده، نأكل منه». تصادف في اليوم التالي، عندما كان الابن مع رفقائه في الصحراء، مرور الملك للتأكد من القيام بما أمرهم به.
عندما رأى الابن الملك الشاب، قام بتنفيذ ما نصحه به أبوه، من القيام بالحركة التمثيلية، التي يوهم فيها الملك، وكأنه يأكل قمحًا وهميًا، بفرك يديه في بعضهما، ثم تحريكهما في الهواء، ثم وضع إحداها في فمه. رآه الملك، فسأل الملك الشاب الابن: «ما الذي تفعله هذا؟»، فأجابه الابن بما أخبره به والده: «بأننا نأكل مما نحصده». نظر إليه الملك الشاب، وقال له: «هذا ليس كلامك، بل كلام أناس حكماء؛ إذن أنت لم تقتل أباك»، وأمره أن يحضر غدًا في المملكة بصحبة أبيه الناجي الوحيد من فرمان مذبحة الآباء.
عاد الابن إلى أبيه، وهو في قمه الخوف والقلق. طمأن الأب ابنه، قائلًا: «اطمئن يا بني، ولا تقلق، وإذا سألك سؤالًا، فقم بإحالة السؤال لي، ولا تتحدث أنت». في اليوم التالي ذهب الأب المُسن وابنه إلى المملكة، وكان في انتظارهما الملك الشاب.
بمجرد أن وصلا، وجه الملك سؤاله إلى الابن الشاب: «لماذا لم تقتل أباك؟» هنا نظر الابن إلى أبيه، فتدخل الأب، وقال: «يا جلالة الملك ابني لم يخالف فرمانك، فعندما أصدرت جنابك الفرمان، كنت أنا خارج المملكة؛ حيث إنني كنت في جزيزة بعيدة، أشهد فيها على عقد قران ابن الغراب وبنت البومة، وحاولت حل مشكلة بينهما؛ حيث إن والد البومة اشترط على ابن الغراب أن يكون مهر ابنته مائة بلد خراب».
هنا انزعج الملك وسأل العجوز: «وهل استطاع ابن الغراب أن يجد هذا العدد الكبير من البلاد الخراب؟»، أجابه الأب العجوز: «يااااه يا جلالة الملك ما أكثر الممالك الخراب، فكل بلد يحكمها الصُّغار (الشباب)، فهي بلد خراب». هنا أدرك الملك المقصود مما يرمي إليه الأب المسن، والدلالة الرمزية لهذه الحكاية التي حكاها الأب. كذلك أدرك الملك طيش فرمانه، فتراجع عنه؛ لأنه أدرك أنه لا يوجد حكم ناجح دون الإفادة من طاقة الشباب وقوته، وأيضًا من حكمة العواجيز وكبار السن. فأساس الحكم هو الطاقة المحكومة بالحكمة؛ لأن الطاقة والقوة بمفردها ستكون غاشمة، والحكمة بدون قوة تحميها ستكون واهية وضعيفة. لذلك أصدر الملك الشاب فرمانًا جديدًا بتعيين الأب العجوز وزيرًا له؛ حتى يستقيم الحكم.
* أستاذ الأدب الشعبي - كلية الآداب، جامعة القاهرة
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أهمية الحوار الخوف والقلق فرمان ا
إقرأ أيضاً:
رسائل الواتساب المزعجة من المتاجر..الحظر «البلوك» ليس الحل
أصبحت رسائل الواتساب المزعجة من المتاجر مشكلة تؤرق الكثير من المستخدمين، حيث يتم استغلال أرقام الهواتف المسجلة لأغراض خدمية، مثل الضمان، أو حفظ الملف الطبي، لإرسال إعلانات تجارية دون إذن مسبق. يعتقد البعض أن حظر (البلوك) المرسل، هو الحل الأمثل للتخلص من هذه الإزعاجات، إلا أن هذا الإجراء لا يعالج المشكلة من جذورها، بل يؤخرها فقط.
عند حظر المتجر، قد يتم منع الإعلانات، ولكن ماذا إذا كنت بحاجة إلى استلام فاتورة آلية، أو التواصل مع خدمة العملاء؟ ستجد نفسك مضطرًا لرفع الحظر، لتعود دائرة الإزعاج من جديد. لذلك، من الضروري إدراك أن الحل الحقيقي يكمن في اتخاذ إجراءات نظامية، من خلال تقديم شكاوى رسمية ضد هذه المخالفات، وليس مجرد الاكتفاء بالحظر.
وفقًا لنظام حماية البيانات الشخصية في المملكة العربية السعودية، فإن إرسال الإعلانات دون موافقة صريحة من المستلم، يعدّ مخالفة صريحة للمادتين (25) و(26) من النظام. هذه المواد تنص على أن استخدام البيانات الشخصية، بما في ذلك أرقام الهواتف، يجب أن يكون ضمن الغرض الذي تم جمعها من أجله، ولا يجوز استخدامها للتسويق دون إذن مسبق.
والأمر لا يتوقف عند حدود الغرامات الإدارية فقط، بل يمتد ليشمل حق المتضرر في المطالبة بالتعويض أمام المحكمة المختصة، استنادًا إلى المادة (40) من النظام. تنص هذه المادة على أنه: “مع عدم الإخلال بإيقاع العقوبات المنصوص عليها في النظام، لمن لحقه ضرر نتيجة ارتكاب أي من المخالفات المنصوص عليها في النظام أو اللوائح، حق المطالبة أمام المحكمة المختصة بالتعويض عن الضرر المادي، أو المعنوي بما يتناسب مع حجم الضرر.”
لذا، فإن تقديم البلاغات النظامية لكل من يخالف هذه القوانين، هو الحل الأمثل. من خلال هذه البلاغات، يمكن للجهات المختصة اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الممارسات غير القانونية. كما أن رفع الدعاوى القضائية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن هذه الإعلانات، يعدّ وسيلة فعالة لإجبار الشركات على الالتزام بالقوانين، وحماية حقوق الأفراد.
على الجميع أن يدرك أن صمتهم، أو الاكتفاء بحظر المرسل، يعزز من استمرار هذه الممارسات، بينما يؤدي اتخاذ خطوات قانونية، إلى حماية المجتمع ككل من هذا النوع من الانتهاكات. فلنكن أكثر وعيًا بحقوقنا، ولنستخدم القنوات الرسمية للإبلاغ، حتى نضع حدًا نهائيًا لهذه المضايقات، التي تنتهك خصوصيتنا دون وجه حق.