رمزية «موسم الثقافة العُمانية»
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
مع سياسات الانتقال إلى اللامركزية، وتنشيط اقتصاديات المحافظات؛ قدمت محافظات سلطنة عُمان خلال السنتين الماضيتين محاولات ملفتة في سبيل تعزيز الحراك الثقافي فيها، ونقصد هنا الثقافة بمفهومها الواسع؛ متضمنة شقها المعنوي والمادي. فسعت بعض المحافظات إلى إحياء بعض الأماكن التراثية والتاريخية والاستفادة منها كعوامل جذب للسياح ولأهالي المحافظات، وسعى بعضها إلى إقامة المهرجانات والاحتفالات التي تستند في جزء كبير من مضامينها إلى الفنون الشعبية، وأنماط الثقافة المرتبطة بتدبير العيش اليومي، والفنون المرتبطة بالانتاج والمناسبات الاجتماعية.
هناك ممكنات يمكن البناء عليها في التحول المنشود؛ أولها وجود تمرس مسبق في تنظيم الفعاليات المرتبطة بالشق الثقافي ومنها (مهرجان الثقافة العُماني)، والذي يُمكن البناء على فكرته وتوسيعه وتطويره، عوضًا عن تمرس بعض المؤسسات غير الحكومية في إقامة وتنظيم الفعاليات والمواسم الثقافية. وهناك أيضًا الجوائز الثقافية وعلى رأسها الجائزة الأهم (جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب)، والتي تعد من أرفع الجوائز في سياق الثقافة على مستوى المنطقة العربية. أما الممكن الثالث فهو ممكن التنوع، ونقصد به ثراء الثقافة العُمانية في تكوينها الأدبي والاجتماعي وتنوعها وتقاطعها عبر المحافظات، وهو ما يمثل فرصة سانحة لتطوير منتج ثقافي واقتصادي متجدد ومتنوع، عوضًا عن تمرس العُمانيين أنفسهم للثقافة، وتكمن دلالة ذلك في الأرقام التي يسجلها على سبيل المثال معرض مسقط الدولي للكتاب سنويًا، والعُمانيون المنخرطون في الصناعات الثقافية المختلفة كالمسرح، والفنون الغنائية، والفنون التشكيلية، عوضًا عن الأدباء الذين سطروا خلال السنوات الماضية تحديدًا أسماءهم في صدارة المسابقات والجوائز الثقافية. الممكن الرابع هو انفتاح الدولة على الفعل الثقافي واهتمامها بعنصر الثقافة بوصفه وسيطًا حافظًا للديمومة الاجتماعية، وندلل على ذلك بالتوجه الأخير بفتح المجال للاستثمار في المباني التراثية والتاريخية وتنشطيها، وربط الجيل بها، والانخراط مع الدول الأخرى في أنشطتها ومناسباتها الثقافية. كل هذه الممكنات تشير إلى أن البيئة الثقافية في عمومها من الممكن أن تدفع في اتجاه تطوير منتجات جديد وخلق مشهد ثقافي أكثر فاعلية خلال السنوات المقبلة.
ما نقترحه هنا هو استحداثُ موسمٍ جامعٍ تحت مسمى (موسم الثقافة العُمانية)، وهي فعالية تنشط (المركز) و (اللامركز)، عبر حدث يتزامن تنظيمهُ في كل محافظات سلطنة عُمان، يعنى بالدرجة الأساس بتنشيط كل أشكال الثقافة العُمانية، وفقًا للثيمة الثقافية الطابعة لكل محافظة، ويقدمها وفق روزنامة محددة ومركزية، ويكون في الآن ذاته موسمًا لتوزيع الجوائز الثقافية الكبرى، واستنبات جوائز ثقافية جديدة في مختلف حقول الثقافة. وليكن من بين تلك الأفكار تقييم الاستثمار الأمثل للمباني التراثية والتاريخية، واستقطاب الرواة والأدباء في أيام ثقافية، وجمع الفعاليات والمهرجانات المتصلة بالمسرح العُماني ضمن نطاق الموسم، والمهرجانات المرتبطة بتقديم المأكولات العُمانية بطريقة مبتكرة وجذابة، عوضًا عن الفعاليات المتفرقة المرتبطة بالفنون التشكيلية. تتلخص الفكرة هنا في جمع أكبر قدر من الأنشطة والفعاليات الثقافية ضمن منصة واحدة، وضمن تنافسية واضحة للمحافظات لتقديم أجندتها وجدول فعالياتها المستند إلى ما تحتويه من مكون وميز ثقافية، هذا عوضًا عن الفعاليات الرئيسية الكبرى داخل المركز، والتي يمكن أن يكون المساهم الأول فيها المؤسسات الرسمية. سيحرك الموسم في تقديرنا عناصر عديدة للجذب السياحي، وسيمكن الأفراد من تخير الفعاليات والأنشطة التي تحوز اهتمامهم عبر المحافظات المختلفة في آن واحد، وهو ما سيعزز اقتصاديًا من حرك التنقل والسياحة الداخلية، كما أنه سيوحد المصادر التي تمول وتدعم من خلالها هذه الأنشطة، وقد يرتقي لاحقًا بعد عدة سنوات إلى تكوين صناديق متخصصة في تمويل الأنشطة الثقافية.
ومن المكاسب المتوقعة أيضًا تعزيز فعل الصناعات الإبداعية، وتحويلها إلى عنصر اقتصادي مساهم في الدورة الاقتصادية، هذا إلى جانب التمرس في تنشيط وتبني الأحداث الضخمة، وتسويقها على الأقل للمنطقة. ويمكن سلطنة عُمان من إيجاد التنوع في المواسم، بحضور الموسم الجاذب الآخر هو موسم خريف ظفار. ويوازن في الوقت ذاته بين نشاط المركز واللامركز ويسلط الضوء على حجم الثراء الثقافي والفاعلين الثقافيين في مختلف الحقول. على الصعيد الاقتصادي كذلك سيمنح تكوين مثل هذا الموسم نشاطًا أوسع للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وفي كل مجالاتها، سواء تلك العاملة في مجالات التغذية، أو التسويق والاتصال والإعلام، أو التنظيم والفعاليات، أو المرتبطة بالجوانب اللوجستية وغيرها. عوضًا عن مضاعفة المكتسب الذي تحقق في بعض مواسم المحافظات بتنشيط اقتصاديات الأسر المنتجة، كونها كانت فاعلًا ومستفيدًا أساسًا من تحول الأنشطة إلى اللامركز. وفي المجمل فإن ما تشكله الثقافة العُمانية في مكنونها من مقومات اقتصادية وفرص استثمارية، يعد رافعة تنموية يمكن البناء عليها والاعتداد بها كأحد مجالات التنوع الاقتصادي. غير أن هذه الفكرة في ذاتها لا تلغي النشاط المستقل للمحافظات، ودفعها نحو تكوين أنشطتها الثقافية المستقلة. وإنما تشكل موسمًا مركزيًا يمكن أن يمتد على سبيل المثال على مدار شهر واحد، وليكن في بداية العام. ثم يمكن للمحافظات إثراء المشهد كذلك بفعاليات دائمة ومستقلة استنادًا إلى عوامل/ ميز/ أوقات الجذب المناسبة للساكنين فيها.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الثقافة الع مانیة عوض ا عن موسم ا
إقرأ أيضاً:
قصور الثقافة تختتم ملتقى أهل مصر لفتيات المحافظات الحدودية في الوادي الجديد
احتضن مسرح سينما هيبس بمدينة الخارجة، حفل ختام الملتقى الثامن عشر لفنون المرأة والفتاة، ضمن مشروع "أهل مصر" المقام برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو, وزير الثقافة، ونظمته الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، بمحافظة الوادي الجديد، تحت شعار "يهمنا الإنسان".
شهد الختام مها رشدي، منسق فعاليات الإدارة العامة لثقافة المرأة، وميرڤت حامد، مدير إدارة الفنون بثقافة المرأة، وماهر كامل، مدير قصر ثقافة موط، ولفيف من القيادات الثقافية والتنفيذية بالمحافظة وإعلاميين.
استهلت الفعاليات بتفقد معرض تضمن أعمالا مميزة نتاج الورش الفنية والحرفية التي نفذت خلال الأسبوع وهي: الإكسسوارات، حقائب بالخرز، مشغولات بالشبك، والرسم بالرمال.
وأوضحت مها رشدى منسق فعاليات الإدارة أن الملتقى جاء بمثابة منصة للتواصل بين الفتيات والسيدات، وإظهار مواهبهم طيلة فترة إقامته، التي شهدت إبداعات مميزة تلقي الضوء على عمق التراث الثقافي المحلي، وابتكارات تعكس الطموحات والآمال المستقبلية.
كما قدمت الشكر لكل من ساهم في إنجاح الفعاليات، مؤكدة استمرارها لدعم الهوية الثقافية وتمكين المرأة.
وأثنى مدير قصر ثقافة موط، على الأعمال المقدمة مبديا سعادته باستضافة الملتقى، بمحافظة الوادي الجديد التي أثبتت مكانتها كمنارة للإبداع والفن، مؤكدا أهمية دعم المرأة كشريك أساسي في التنمية.
ثم توالت فعاليات حفل الختام مع عرض فيلم تسجيلي قصير يوثق الورش الفنية والحرف التراثية، والأمسيات الثقافية، ودوائر الدعم النفسي، وكذلك الزيارات الميدانية للأماكن الأثرية ومنها معبد هيبس، مدينة القصر، ومدينة بلاط الإسلامية، وغيرها لإظهار مدى تأثير تلك الفعاليات في تعزيز الوعي الثقافي ودعم المشاركات.
وشهد الحفل عرضا فنيا نتاج ورشة الموسيقى للفنان سمير خاطر، قدمت الفتيات خلاله مقطوعات مستوحاة من التراث، تفاعل معها الجمهور.
أعقب ذلك تقديم نتاج ورشة الصحافة الحرة، حيث قدمت خلالها المشاركات أبرز كتابتهن الصحفية، وحظيت تلك التجربة بإشادة من الحضور.
ونتاج ورشة التصوير الفوتوغرافي بقيادة الفنان طارق الصغير، قدمت المشاركات مجموعة من الصور المبدعة التي وثقت اللحظات اليومية التي حظين بها خلال الملتقى، من ورش وأمسيات ثقافية، بجانب صور تبرز المعالم الطبيعية والأثرية التي تزخر بها المحافظة.
واختتمت الفعاليات بعرض فني لفرقة الوادي الجديد للفنون الشعبية، قدمت خلاله مجموعة من الرقصات الفلكلورية المستوحاة من التراث منها "الخزام" و"النوبي"، مما أضفى أجواءً من البهجة بالمسرح، وذلك عقب تكريم المشاركين في الملتقى ومدربي الورش والإدارات المعاونة، وعدد من القيادات الثقافية.
فعاليات الملتقى أقامتها الإدارة العامة لثقافة المرأة، برئاسة د. دينا هويدي، ضمن برامج الإدارة المركزية للدراسات والبحوث، برئاسة د. حنان موسى رئيس اللجنة التنفيذية للمشروع، بالتعاون مع إقليم وسط الصعيد الثقافي، برئاسة ضياء مكاوي، وفرع ثقافة الوادي الجديد، برئاسة ابتسام عبد المريد.
وقدم الملتقى فعاليات ثقافية وفنية ثرية بجانب الورش الفنية والحرفية، وذلك بكل من مسرح هيبس، قصر ثقافة الخارجة وقصر ثقافة موط.
كما تضمن أيضا عددا من المحاضرات واللقاءات التثقيفية والتوعوية، وورش العمل والأمسيات الثقافية، بالإضافة إلى تنظيم زيارات ميدانية لأشهر الأماكن الأثرية والتاريخية بالمحافظة.
مشروع "أهل مصر" أحد أهم مشروعات وزارة الثقافة المقدمة لأبناء المحافظات الحدودية "المرأة والشباب والأطفال"، وينفذ ضمن البرنامج الرئاسي، الذى يهدف لتشكيل الوعى، وتعزيز قيم الانتماء والولاء للوطن ورعاية الموهوبين، وتحقيق العدالة الثقافية.