التنمية مفتاح الرفاه المجتمعي
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
(التنمية هي السعي الأبدي للمجتمع الإنساني. إنه يحمل مفتاح رفاهية الناس)؛ هكذا يبدأ تقرير التنمية العالمية الصادر عن مركز المعرفة الدولية للتنمية، مقدمته التي يستعرض خلالها تلك التحديات الوطنية والإقليمية والدولية التي تواجه الدول في طريق بناء مجتمعها وتنميته، فما يشهده العالم اليوم من صعوبات جيوسياسية واقتصادية وصحية تنعكس مباشرة على التنمية الاجتماعية وبالتالي رفاهية المجتمع، إذ تقف أمام قدرته على اتباع نهجا تنمويا للتطوير والبناء.
ولأن التنمية تنبع من الإنسان وتتَّجه إليه فإنها تتخذ مجموعة من المعطيات الأساسية التي تجعل منه أولوية، ولهذا فإن إيجاد منظومة تنموية أقوى مجتمعيا وأكثر اخضرارا وصحة، وتعزيزا للانسجام بين الإنسان والطبيعة، سيكون لها أثر على الممارسات الإنمائية والتطوُّر والمشاركة الفاعلة، إضافة إلى قدرتها على فتح أنماط جديدة للتنمية المشتركة بين المجتمعات، والتي تُسهم في التغلب على الكثير من التحديات والصعوبات التي قد تواجه الدول.
إن التنمية ترتبط بالازدهار، وبقدرة المجتمعات على تحقيق الرفاه، ولهذا فإن منافع التنمية لا تتعلَّق بها وبمستقبلها على المستوى المحلي وحسب، بل بالمستقبل المشترك للإنسانية؛ فالسلام والتنمية يرتبطان بالبيئة والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، والتي تسهم في تيسير سبل حياة الناس وعيشهم المشترك في مجتمع قادر على إيجاد التوازن والشمول والمساواة بين أفراده، بما يؤسس مجتمع صحي متماسك ومساهم بفاعلية في البناء والتطوير.
وعلى الرغم من سعي المجتمعات نحو التنمية وإيجاد طرائق ووسائل فاعلة في تحقيقها، إلاَّ أن المعرفة المرتبطة بالتنمية وقدرتها على تحقيق الرفاه لا يعتمد على المؤسسات الإنمائية أو المتخصصة في مجالاتها؛ فالتنمية تتعزَّز بالمعرفة وتقوم على التفاعل الإيجابي المتبادل بين شركاء البناء المجتمعي أفرادا ومؤسسات، إذ لا يمكن أن تتحقَّق سوى بتوفير السياسات وتسهيل آفاقها، وتعزيز مبادئ الشراكة والتعاون والدعم والتمويل، إضافة إلى إتاحة مجالات للإبداع والابتكار خاصة في ظل التطوُّر المتسارع للتقنية والتكنولوجيا.
إن الأولويات الوطنية تقدِّم نفسها باعتبارها أساسا معرفيا للتنمية الوطنية، ولهذا فإنها المنطلق الذي يؤسِّس إمكانات الدول على التطوير بما يحقق أهدافها، وبما ينسجم مع متطلباتها ومستهدفاتها المستقبلية. ولعل تحقيق تلك الأولويات لا يكون سوى بتأهيل القدرات الوطنية وتمكينها، ليتسنى لها المساهمة من خلال البرامج والمبادرات التي تتيحها الدولة، وتلك التي يمكنه إبداعها بما يتواءم مع تطلعات أفراد المجتمع من ناحية، ويُحقِّق الرفاه المنشود من ناحية أخرى. يخبرنا مؤشر ليجاتم للازدهار للعام 2023، عن أهمية التنمية الاجتماعية في ازدهار المجتمعات؛ فلكي يتحقَّق الازدهار والرخاء لابد من وجود دافعية وإرادة وتصميم لاتخاذ خيارات دافعة نحو تطوير المجتمع، وهو قرار لا تتخذه الحكومات وحدها بل يُعد قرار توافقي وطني بينها وبين مواطنيها، حتى تتحقَّق ركائز ذلك الازدهار وينعم المجتمع بالرفاه والرخاء الذي ينشده، ولهذا فإن المسارات الإنمائية التي تتخذها الدول لا تعتمد على الاقتصاد وحده بل تشمل كافة القطاعات التي تمس الحياة، خاصة تلك التي تُعنى بالتماسك الاجتماعي وتحقُّق المساواة والعدالة إضافة إلى أهمية حرية التعبير عن الرأي، والممارسات الديموقراطية التي تعكس الحِراك المدني الواعي في المجتمع.
ولقد خطت عُمان خطوات متسارعة في التنمية وتحقيق الازدهار المجتمعي في كافة القطاعات ومختلف مناحي الحياة، ولعل ما تعكسه الرؤية الوطنية عمان 2040 من أولويات وركائز، يكشف العمق المعرفي الذي تأسَّست عليه، كما يقدِّم تصورا واضحا لآفاق الشراكة المجتمعية لبناء مجتمع ينعم بالازدهار المستدام والإدماج الاجتماعي ويحقق المساواة والعدالة، ولهذا فإن الرؤية تقدِّم بشكل واضح الطريق نحو تحقيق الرخاء المجتمعي والرفاه.
ولأن تحقيق الرؤية يحتاج إلى العمل المشترك، وتسريع وتيرة التنفيذ، خاصة في ظل ما تقدمه الدولة من تطوير في المنظومة التشريعية والسياسات، وما تشهده من تقدم في التقنيات، وما يُصاحب ذلك من تأهيل وتمكين، فإن وعي المجتمع بمفاهيم التنمية والمعرفة التنموية يكمن في قدرته على التنفيذ الإبداعي لأهداف الرؤية، فما تم تنفيذه من برامج ومبادرات هادفة وواعية خلال الفترة الماضية من عمر هذه الرؤية ينم عن تلك القدرة وذلك والوعي، إضافة إلى ما تشهده البلاد من بناء علاقات تشاركية واعدة على المستوى السياسي والاقتصادي بشكل خاص.
إن التنمية من أجل الازدهار هي خيار الدول الحكيمة القائم على بناء بيئة تمكينية تعزِّز تماسك المجتمع، وتطوِّر مؤسساته، وتمنح سيادة للقانون، وتحسِّن القوة الاقتصادية، بما يدعم مبادئ النزاهة والشفافية، ويبني روابط الثقة، ولهذا فإن مؤشر الازدهار العالمي للعام 2023 اعتمد على اثنتي عشرة ركيزة للازدهار في 167 دولة في العالم، من بينها الأمان، والتعليم والصحة، ورأس المال الاجتماعي، والحرية الشخصية وغير ذلك من ركائز تضمن تحقيق الازدهار المجتمعي وتكفل حرية الأفراد وقدرتهم على الإبداع في ظل ما يتمتعون به من عدالة ومساواة وفرص.
لقد جاءت سلطنة عمان في هذا التقرير في المرتبة 67 متقدمة عن مرتبتها في العام الفائت، وهو تقدُّم يكشف الاهتمام المتزايد في تطوير البنى التحتية، وتعزيز الأمن والسلامة، ودعم رأس المال الاجتماعي، وتيسير الظروف المعيشية للناس، إضافة إلى ما تبذله الدولة من أجل تطوير وسائل التعليم بأنواعه المتعددة، وتوفير وسائط الصحة للجميع، وهي تلك الركائز التي ظهرت فيها متقدمة أكثر من غيرها من ركائز المؤشر، والتي ما زالت تحتاج إلى تضافر الجهود من أجل تعزيزها.
فما تبذله عُمان في تحسين بيئة الأعمال من ناحية، وتعزيز البيئة الطبيعة، وما تحرص عليه في سبيل تعزيز الأمن والسلامة من ناحية أخرى، دوافع أساسية لتحسين الحياة المعيشية لأفراد المجتمع، وهي ركائز مهمة للتنمية المجتمعية، وعوامل هيكلية للازدهار والرفاه؛ فالمجتمع ينمو ويزدهر كلما كان ينعم بالأمن والاستقرار وبالتالي فإن تحقيق التنمية المستدامة يعتمد على تأصيل مفاهيم الأمان، وتحسين المستويات المعيشية للناس صحةً وتعليما وبيئة أعمال فاعلة.
إن التنمية بوصفها أساسا مجتمعيا لا تتحقَّق سوى بقدرتنا على الشراكة الفاعلة في تنفيذ ما نريده من آفاق المستقبل القائم على الرؤى الوطنية، ولعل المتابع لما تم تنفيذه من أهداف الرؤية الوطنية عمان 2040 من خلال ما تنشره المؤسسات المعنية من تقارير سيجد أن هناك العديد من المستهدفات التي تنمو وتتطوَّر بشكل متنامي، بينما هناك تراجع أو استقرار في بعض المؤشرات التي ينبغي أن تنمو بشكل أسرع، خاصة في ظل المعطيات التنموية المتطوِّرة في القطاعات المساندة لا سيما في الفرص الاستثمارية والتقنية والابتكار.
إذ يكشف تقرير رؤية عمان 2040 (2022 ـ 2023)، الصادر عن وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040، قيم مؤشرات الأولويات الخاصة بأهداف الرؤية، ومدى التقدم أو التراجع بناء على المستهدفات، إضافة إلى استعراض ما تم تنفيذه من جهود ومبادرات وبرامج ساعية إلى تحسين النتائج ورفع مستوى الأداء، وتقديم ما يمكن أن يعزِّز دور الشراكة المجتمعية؛ ففي أولوية الرفاه والحماية الاجتماعية يُلاحظ تحسُّن في حركة مؤشرات الأولوية خاصة في مؤشر التنمية البشرية، ومؤشر تنمية الشباب، وكذلك في مؤشر التقدُّم الاجتماعي.
إن هذا التحسُّن يعود إلى تلك الجهود التي قامت بها الدولة، وتعديل العديد من القوانين والتشريعات خاصة ما يُعنى بمنظومة الحماية الاجتماعية، وسياسات الحد من تأثير المتغيرات الاقتصادية على المجتمع، ونظام الأمان الوظيفي وغيرها من البرامج التي كان لها الأثر في دعم مؤشرات الازدهار والرخاء المجتمعي؛ فالتنمية لا تقوم على بناء الاقتصاد وحده بل على التنمية المجتمعية التي تجعل من الفرد والأسرة الأساس الحقيقي والغاية المنشودة.
فبالتنمية تقوم الدول وتنتعش المجتمعات، وتتشارك أفراد ومؤسسات من أجل تحقيق أهدافها، لذا علينا جميعا أن ننظر إلى أهداف رؤيتنا الوطنية 2040 باعتبارها غاية وطنية تقدِّم لنا الرفاه والاستقرار وتمنح أبناءنا المستقبل الواعد المزدهر، فلنتعاون جميعا أفرادا ومؤسسات من أجل المساهمة الفاعلة الإيجابية في تحقيقها.
عائشة الدرمكية: باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إضافة إلى من ناحیة خاصة فی عمان 2040 من أجل
إقرأ أيضاً:
مركز الخاتم عدلان للاستنارة و التنمية البشرية في الرد على أمجد فرد وحلفائه
مركز الخاتم عدلان للاستنارة و التنمية البشرية في الرد على أمجد فرد وحلفائه
التاریخ: ١٨ ديمسبر ٢٠٢٤
تحت عنوان :”استخدام المناصرة للعمل الإنساني كسلاح إدى إلى مأساة في مخيم زمزم للنازحين” كتب السیِدّ أمجد فرید مقالاً ینتقد فیه بیاناً تضامنیاً لمجموعة من منظمات المجتمع المدني السودانیة، بتاریخ ١٦ نوفمبر 2024 طالبت فیه القوات المشتركة التي تحارب بجانب الجیش السوداني، والتي أسست لھا وجوداً عسكریاً داخل معسكر زمزم للنازحین، الذي یقع بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور،بأن تنھي ھذا العمل غیر المسؤول الذي حتماً سوف یعرِّض النازحین المدنیین الأبریاء للخطر الجسیم لأنه یعسكر منطقة مدنیة. وقد حمّل كاتب المقال مسئولیة قصف معسكر زمزم من قبل الدعم السریع في بدایة شهر ديسمبر الجاري للجهات الموقعة على البیان التحذیري آنف الذكر، واصفاً البیان بأنه استخدام مقصود للمناصرة وخیانة للعمل الإنساني.
یقِول السیِدّ فرید ما یلي:
التعسّف وقلب الحقائق رأساً على عقب
في محاولته إلصاق التھمة بنا بكل سبیل مھما كان، یتبِعّ السیِدّ فرید أسلوباً كناّ نظنھه حكراً على جماعة الإنقاذ وحدها فأسمعه يقول:
“إن الاستخدام المتعمد للمناصرة لتصویر ملاذ مدني على أنه ھدف عسكري مشروع كان محاولة لتبریر ھذا العمل الشنیع، وھو أیضًا خیانة فاضحة للمبادئ الأساسیة للإنسانیة التي یُفترض أن تحكم دور المجتمع المدني”.
فھل سمع الناس باحتقار للعقول مثل ھذا؟ وھل شھدوا إھانة للذكاء والبداھة والحس السلیم بمثل ھذا؟ كیف جاز للسیدّ فرید أن یقلب الحقائق رأساً على عقب؟ كیف یدین بیاناً ھو من أوجب واجبات المجتمع المدني الأخلاقیةِ في حمایة المدنیین من التعرّض للخطر عن طریق التنبیه والتحذیر والكشف عن الحقائق وفضح المتورطین في الانتھاكات؟ وكیف جاز له أن یعتبره سبباً في الھجوم على المعسكر بھذه الطریقة المتعسفة البائسة الیائسة (المتلبطة) التي تدوس على المنطق السلیم بصورة یبدو معھا وكأنه یعتبر الناس أنعاماً لا یفقھون شیئاً ولا یعقلون؟ وماذا یریدنا السیدّ فرید أن نفعل؟ أن نرى القوات المشتركة تجعل من النازحین دروعاً بشریة ثم نصمت؟ ولماذا؟ ما ھي الفِوائد التي یحققھا الصمت؟.
یجیب السیِدّ فرید بوضوح أكبر أن الدعم السریع استندت على البیان لتبریر الھجوم. أسمعه یقول:
“استندت المبررات التي قدمتھا قوات الدعم السریع لھجومھا على مخیم زمزم بشكل كبیر إلى بیان مثير للجدل وقع عليه – أو نُسب زورا إلى – عدة منظمات مجتمع مدني بارزة، وُنشر في 16 نوفمبر 2024”.
وهذا يعني أمرين.أولهما أن قوات الدعم السريع لم تكن تعلم بأن القوات المشتركة لها وجود بالمعسكر رغم استخباراتها التي تخترق الجيش نفسه من قمته لقاعدته، وثانيهما أنهم يجلسون ببلاهة في انتظر بيان لمنظمات توفر لهم المعلومة و المبررات لكيما يهاجمون المعسكر الذي يقع في إقليم يسيطرون معظم ولاياته إن لم يكن كلها وهذا أمر مضحك حد الرثاء. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل قدمت قوات الدعم السريع مبررات للهجوم على مسكر زمزم قالت فيه إنها استندت على البيان؟ أين ومتى قالت قوات الدعم السريع إنها استندت في هجومها على بياننا؟ نحن نطالب السيد فريد أما بإبرز الإثبات علينا أو الاعتذار العلني، إلا و أنه سوف لن يعدو قدره.
ونحن بدورنا نتساءل متى احتاجت قوات الدعم السریع لمبررات في كل الانتھاكات والجرائم التي ارتكبتھا؟ فھي مثلھا مثل الجیش الذي أنشأھا، یقتلون المدنیین وینتھكون جمیع القوانین الإنسانیة دون أن یرمش لھم جفن. ونتساءل أیضا ھل الذي أثار حنق السیدّ فرید حقا ھو تحذیر البیان من عسكرة المعسكر أم لأن ھذه القوات تابعة للجیش الذي یسانده السیدّ فرید لدِرجة التماھي ولا یذكر له ولا جریمة واحدة؟ لا یا سیِدّي إن الخیانة الحقیقیة لیست في بیانات التضِامن من حیث ھي بل إن الخیانة الحقیقیة ھي التغاضي عن السبب الحقیقي وھو وجود قوات مشنركة داخل المعسكر أنشأت الإرتكازات و أدخلت الأسلحة في انتهاك فاضح لجمیع الاتفاقات والعھود والبروتوكولات التي تعُنى بحمایة المدنیین في وقت الحرب، وشھدت علیھا ثلاثة بیانات وردت من تنسیقیة المعسكر، یضاف إلیھا ما أكده المبعوث الأمریكي توم بیرییلو من وجود ھذه القوات في المعسكر وقد أدان ھذا الفعل غیر المسؤول، بقوله: “عسكرة (القوة المشتركة) لمخیم زمزم انتھاك للقانون الدولي الإنساني “.
وأنت إن أردت الحق فھو عمل جبان وحقیر من قبل القوات المشتركة. ھذا ھو السبب الحقیقي للھجوم .
السبب الواضح وضوح الشمس في كبد السماء، ولكن السیدّ فرید لا یراه من غرضٍ ورمدٍ أعمى قلبه وأغمى على عینیھ، لذلك ازورًّ منه وراغ كما یروغ الثعلب وذھبِ یتعلق بأسباب خیالیة أوھى من خیط العنكبوت ،ألا وھي أن بیان المنظمات ھو السبب، ویا للعجب! من الواضح أن اتھام المنظمات الموقعةّ على البیان یحقق له غایتین كبیرتین، الترویج لنفسه وتنصیبھا وصیاً على المجتمع المدني السوداني من ناحیة، والحط من قدر الآخرین من الناحیة الأخرى، خاصّة وأن ھناك سلوك رائج بین متعلمي بلادنا یحرِّكه الظن بأن الصعود للقمة عبر إزاحة المنافسین أسرع من منافستھم منافسة شریفة. لذلك حذقوا فنون التآمر والدس و”الحفر” وتصفیة الحسابات مع المنظمات التي یضطغنون علیھا. وھذا ھو عین ما مارس السیِدّ فرید عبر بیانھ المھترئ ھذا .
فإذا فھمنا دوافع السیدّ فرید ما بال المنظمات التي انسحبت؟ ھل بسبب شكل البیان أم متنه؟ فبحسب ما طالعناه من بيانات هناك منظمتان على الأقل لم تقولا أن سبب انسحابها هو عسكرة المعسكر معلومة كاذبة، بل جاء التسبیب أنھما لم یطّلعا على المقال قبل نشره! هل يعقل أن يكون جازت عليها حيلة هذا الرجل الذي لم یمنعه مانع من استخدام التھدید والوعید والابتزاز ضد من یفُترض أن یكونوا زملائه في المجتمع المدني السوداني؟ وإن كان من كلمة نقولھا في ھذا المقام فإن ھذا البیان الھش الركیك الذي یفتقد للمنطق السلیم، المليء بالتقعرّ والكذب ومحاولات التذاكي والدعایة للذات، والحاط من قدر الآخرین ،والمكّرر حد الملل، لیس فیه ما یحمل الناس على تغییر رأیھا والانسحاب. ونناشد زملاءنا الذین انسحبوا كردة فعل لهذا البيان أن يلقوا عليه نظره مرة أخرى و أن يراجعوا مواقفهم فالرجوع للحق فضيلة وقيمة من قيم مجتمعنا المدني.
نكران الحقائق الساطعة
جاء مقال السیدّ فرید محتشداً بالأخطاء والمغالطات والكذب الصریح. فھو یقول إنه لیست ھناك قوات مشتركة في المعسكر . دعونا نذكره بكلماته التي قال الآتي:
“ووصف البيان مشاهد مزعومة لدبابات ومركبات عسكرية وطائرات بدون طيار و أسلحة متوسطة إلى ثقيلة منتشرة داخل المخيم، لكنه لم يقدم أي أدلة داهمة. “و نفى سكان المخيم هذه الادعات، قائلين إن مثل الأحداث لم تحدث“. (الخطوط تحت الكمات من وضعنا)
دعونا نورد ملاحظة صغیرة على طبیعة ھذا النصّ على ضوء تحلیل الخطاب. مقارنة ببقیة فقرات البیان نجد أنھا الفقرة الأضعف في مخاطبة القارئ. بمعنى أنھا ترسل له رسالة خجولة مھزوزة غیر واثقة من نفسھا. وما ذلك إلا لأنھا تحتوي على كذبة. والكذبة ھي أن نفى معلومة ھو نفسه یعلم أنھا صحیحة. لذلك دّس فقرته في المقال بھذه الطریقة الخفیة، وكأنه یدخلھا بالباب الخلفي، بأمل أن تضیع وسط الزحام وألا ینتبه القارئ لبنیتھا الضعیفة خصوصاً مع ضجة الفقرات والنصوص الأخرى ذات النبّرة العالیة والمكرّرة مرة بعد أخرى بغرض تثبیتھا في وعي القارئ وفق نظریة النازي جوزیف غوبلز في تكرار الكذبة مھما كان حجمھا ووضوحھا ككذبة حتى ترسخ في وعي الناس فتصبح حقیقة. وھا نحن نشھد نازیین جُدد یتبعون أصحابھم وحلفائھم الجدد من أصحاب الأیادي المتوضئة في تطبیق ھذه النظریة أیضاً والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه.
وبناء على ما سبق نطرح تساؤلات بسیطة. إن كان ادِعّاء السید فرید صحیحاً، وإن البیان كان كاذباً في المعلومة نفسھا التي انبنى علیھا، فما ھي الجریرة الأكبر التي تطعن حقاً في مصداقیة المجتمع المدني؟ ھل هي الكذب والترويج له وتضليل الشعب السوداني، أم بیاننا المبني على ھذه المعلومة الكاذبة؟ فقد كان من المتوقع أن یركز السیِدّ فرید على اتھامنا یالكذب فھذا أبلغ في إدانتنا من تلك الأسباب الواھیة التي حاول أن یدیننا بھا. لأن الكذب عند الإنسانیة جمعاء یعتبر من الكبائر التي تحطم مصداقیة الأفراد والمؤسسات .وهل كان یتصور أحد أنه یمكن أن یفوّت السیدّ فرید ھذه الفرصة الذھبیة باتھامنا بالكذب؟ إن أھل القانون يقولون ما بني على باطل فھو باطل أیضاً. وأھِل البناَء یقولون إن الأساس أھم ما في البناء، فإن ضعف الأساس ضعف المبنى وتشقق وسقط. فھل فاتت ھذه اِلفرصة على “ذكائه الوقاّد” أم أنه ببساطة یكذب وھو یعلم في قرارة نفسه أنه یكذب، لذلك توكل على ﷲ ورماھا آملاً ألا یخاف عقباھا، ولكنھا أتته راجعة فماذا ھو فاعل بإزائھا؟ ھل یملك شجاعة الاعتراف بالخطأ ویعتذر عنه؟ أم تأخذه العزّة بالإثم فیكابر ویمضي قدما في طريق المغالطات والديماغوجية ؟ سوف ترى.
المنصّة الأخلاقیة العالیة والتكبرّ على المجتمع المدني
وبعد أن أشبعنا السیدّ فرید بالتقریع والتقزیم، اعتلى وبثقة كبیرة وغطرسة ظاھرة، منصت الأخلاقیة العالیة، ووضع فوقھا كرسيِ الأستاذیة وألقى علینا منھا دروساً في قیم المجتمع المدني وأخلاقیاته، منصباً نفسه وصیاً على المجتمع المدني السوداني طالباً منا التوبة ومحابسة أنفسنا قبل أن يحاسبنا هو. وليته أكتفى بذل،بل شرع یصدر تھدیدات بالمحاسبة القانونیة إن لم ننسحب من البیان ونلحق بمن انسحب واضعاً أسماءنا نحن الذین لم ننسحب بالبنط العریض. فھل سوف یقدمنا لمحاكم البرھان یا ترى؟
فانظر مثل ھذا الابتزاز الرخیص یصدر من شخص ھو الأقل تأھیلاً أخلاقیاً لإصدار أي أحكام على الآخرین. ومع ذلك لا یرى ھذا العیب الأخلاقي الكبیر في ذاته والذي یعافه كل صاحب قلب سلیم وفطرة سویةّ وفعل متسق. فھل نستغرب إن رأى حسنات الآخرین عیوباً تستحق العقاب؟
ستتوفر النسخة الإنجلیزیة قریباً.
مركز الخاتم عدلان للاستنارة 18 ديسمبر 2024
الوسومأمجد فريد القوات المشتركة المجتمع المدني مركز الخاتم عدلان للاستنارة معسكر زمزم