لجريدة عمان:
2024-11-22@22:09:49 GMT

التنمية مفتاح الرفاه المجتمعي

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

(التنمية هي السعي الأبدي للمجتمع الإنساني. إنه يحمل مفتاح رفاهية الناس)؛ هكذا يبدأ تقرير التنمية العالمية الصادر عن مركز المعرفة الدولية للتنمية، مقدمته التي يستعرض خلالها تلك التحديات الوطنية والإقليمية والدولية التي تواجه الدول في طريق بناء مجتمعها وتنميته، فما يشهده العالم اليوم من صعوبات جيوسياسية واقتصادية وصحية تنعكس مباشرة على التنمية الاجتماعية وبالتالي رفاهية المجتمع، إذ تقف أمام قدرته على اتباع نهجا تنمويا للتطوير والبناء.

ولأن التنمية تنبع من الإنسان وتتَّجه إليه فإنها تتخذ مجموعة من المعطيات الأساسية التي تجعل منه أولوية، ولهذا فإن إيجاد منظومة تنموية أقوى مجتمعيا وأكثر اخضرارا وصحة، وتعزيزا للانسجام بين الإنسان والطبيعة، سيكون لها أثر على الممارسات الإنمائية والتطوُّر والمشاركة الفاعلة، إضافة إلى قدرتها على فتح أنماط جديدة للتنمية المشتركة بين المجتمعات، والتي تُسهم في التغلب على الكثير من التحديات والصعوبات التي قد تواجه الدول.

إن التنمية ترتبط بالازدهار، وبقدرة المجتمعات على تحقيق الرفاه، ولهذا فإن منافع التنمية لا تتعلَّق بها وبمستقبلها على المستوى المحلي وحسب، بل بالمستقبل المشترك للإنسانية؛ فالسلام والتنمية يرتبطان بالبيئة والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، والتي تسهم في تيسير سبل حياة الناس وعيشهم المشترك في مجتمع قادر على إيجاد التوازن والشمول والمساواة بين أفراده، بما يؤسس مجتمع صحي متماسك ومساهم بفاعلية في البناء والتطوير.

وعلى الرغم من سعي المجتمعات نحو التنمية وإيجاد طرائق ووسائل فاعلة في تحقيقها، إلاَّ أن المعرفة المرتبطة بالتنمية وقدرتها على تحقيق الرفاه لا يعتمد على المؤسسات الإنمائية أو المتخصصة في مجالاتها؛ فالتنمية تتعزَّز بالمعرفة وتقوم على التفاعل الإيجابي المتبادل بين شركاء البناء المجتمعي أفرادا ومؤسسات، إذ لا يمكن أن تتحقَّق سوى بتوفير السياسات وتسهيل آفاقها، وتعزيز مبادئ الشراكة والتعاون والدعم والتمويل، إضافة إلى إتاحة مجالات للإبداع والابتكار خاصة في ظل التطوُّر المتسارع للتقنية والتكنولوجيا.

إن الأولويات الوطنية تقدِّم نفسها باعتبارها أساسا معرفيا للتنمية الوطنية، ولهذا فإنها المنطلق الذي يؤسِّس إمكانات الدول على التطوير بما يحقق أهدافها، وبما ينسجم مع متطلباتها ومستهدفاتها المستقبلية. ولعل تحقيق تلك الأولويات لا يكون سوى بتأهيل القدرات الوطنية وتمكينها، ليتسنى لها المساهمة من خلال البرامج والمبادرات التي تتيحها الدولة، وتلك التي يمكنه إبداعها بما يتواءم مع تطلعات أفراد المجتمع من ناحية، ويُحقِّق الرفاه المنشود من ناحية أخرى. يخبرنا مؤشر ليجاتم للازدهار للعام 2023، عن أهمية التنمية الاجتماعية في ازدهار المجتمعات؛ فلكي يتحقَّق الازدهار والرخاء لابد من وجود دافعية وإرادة وتصميم لاتخاذ خيارات دافعة نحو تطوير المجتمع، وهو قرار لا تتخذه الحكومات وحدها بل يُعد قرار توافقي وطني بينها وبين مواطنيها، حتى تتحقَّق ركائز ذلك الازدهار وينعم المجتمع بالرفاه والرخاء الذي ينشده، ولهذا فإن المسارات الإنمائية التي تتخذها الدول لا تعتمد على الاقتصاد وحده بل تشمل كافة القطاعات التي تمس الحياة، خاصة تلك التي تُعنى بالتماسك الاجتماعي وتحقُّق المساواة والعدالة إضافة إلى أهمية حرية التعبير عن الرأي، والممارسات الديموقراطية التي تعكس الحِراك المدني الواعي في المجتمع.

ولقد خطت عُمان خطوات متسارعة في التنمية وتحقيق الازدهار المجتمعي في كافة القطاعات ومختلف مناحي الحياة، ولعل ما تعكسه الرؤية الوطنية عمان 2040 من أولويات وركائز، يكشف العمق المعرفي الذي تأسَّست عليه، كما يقدِّم تصورا واضحا لآفاق الشراكة المجتمعية لبناء مجتمع ينعم بالازدهار المستدام والإدماج الاجتماعي ويحقق المساواة والعدالة، ولهذا فإن الرؤية تقدِّم بشكل واضح الطريق نحو تحقيق الرخاء المجتمعي والرفاه.

ولأن تحقيق الرؤية يحتاج إلى العمل المشترك، وتسريع وتيرة التنفيذ، خاصة في ظل ما تقدمه الدولة من تطوير في المنظومة التشريعية والسياسات، وما تشهده من تقدم في التقنيات، وما يُصاحب ذلك من تأهيل وتمكين، فإن وعي المجتمع بمفاهيم التنمية والمعرفة التنموية يكمن في قدرته على التنفيذ الإبداعي لأهداف الرؤية، فما تم تنفيذه من برامج ومبادرات هادفة وواعية خلال الفترة الماضية من عمر هذه الرؤية ينم عن تلك القدرة وذلك والوعي، إضافة إلى ما تشهده البلاد من بناء علاقات تشاركية واعدة على المستوى السياسي والاقتصادي بشكل خاص.

إن التنمية من أجل الازدهار هي خيار الدول الحكيمة القائم على بناء بيئة تمكينية تعزِّز تماسك المجتمع، وتطوِّر مؤسساته، وتمنح سيادة للقانون، وتحسِّن القوة الاقتصادية، بما يدعم مبادئ النزاهة والشفافية، ويبني روابط الثقة، ولهذا فإن مؤشر الازدهار العالمي للعام 2023 اعتمد على اثنتي عشرة ركيزة للازدهار في 167 دولة في العالم، من بينها الأمان، والتعليم والصحة، ورأس المال الاجتماعي، والحرية الشخصية وغير ذلك من ركائز تضمن تحقيق الازدهار المجتمعي وتكفل حرية الأفراد وقدرتهم على الإبداع في ظل ما يتمتعون به من عدالة ومساواة وفرص.

لقد جاءت سلطنة عمان في هذا التقرير في المرتبة 67 متقدمة عن مرتبتها في العام الفائت، وهو تقدُّم يكشف الاهتمام المتزايد في تطوير البنى التحتية، وتعزيز الأمن والسلامة، ودعم رأس المال الاجتماعي، وتيسير الظروف المعيشية للناس، إضافة إلى ما تبذله الدولة من أجل تطوير وسائل التعليم بأنواعه المتعددة، وتوفير وسائط الصحة للجميع، وهي تلك الركائز التي ظهرت فيها متقدمة أكثر من غيرها من ركائز المؤشر، والتي ما زالت تحتاج إلى تضافر الجهود من أجل تعزيزها.

فما تبذله عُمان في تحسين بيئة الأعمال من ناحية، وتعزيز البيئة الطبيعة، وما تحرص عليه في سبيل تعزيز الأمن والسلامة من ناحية أخرى، دوافع أساسية لتحسين الحياة المعيشية لأفراد المجتمع، وهي ركائز مهمة للتنمية المجتمعية، وعوامل هيكلية للازدهار والرفاه؛ فالمجتمع ينمو ويزدهر كلما كان ينعم بالأمن والاستقرار وبالتالي فإن تحقيق التنمية المستدامة يعتمد على تأصيل مفاهيم الأمان، وتحسين المستويات المعيشية للناس صحةً وتعليما وبيئة أعمال فاعلة.

إن التنمية بوصفها أساسا مجتمعيا لا تتحقَّق سوى بقدرتنا على الشراكة الفاعلة في تنفيذ ما نريده من آفاق المستقبل القائم على الرؤى الوطنية، ولعل المتابع لما تم تنفيذه من أهداف الرؤية الوطنية عمان 2040 من خلال ما تنشره المؤسسات المعنية من تقارير سيجد أن هناك العديد من المستهدفات التي تنمو وتتطوَّر بشكل متنامي، بينما هناك تراجع أو استقرار في بعض المؤشرات التي ينبغي أن تنمو بشكل أسرع، خاصة في ظل المعطيات التنموية المتطوِّرة في القطاعات المساندة لا سيما في الفرص الاستثمارية والتقنية والابتكار.

إذ يكشف تقرير رؤية عمان 2040 (2022 ـ 2023)، الصادر عن وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040، قيم مؤشرات الأولويات الخاصة بأهداف الرؤية، ومدى التقدم أو التراجع بناء على المستهدفات، إضافة إلى استعراض ما تم تنفيذه من جهود ومبادرات وبرامج ساعية إلى تحسين النتائج ورفع مستوى الأداء، وتقديم ما يمكن أن يعزِّز دور الشراكة المجتمعية؛ ففي أولوية الرفاه والحماية الاجتماعية يُلاحظ تحسُّن في حركة مؤشرات الأولوية خاصة في مؤشر التنمية البشرية، ومؤشر تنمية الشباب، وكذلك في مؤشر التقدُّم الاجتماعي.

إن هذا التحسُّن يعود إلى تلك الجهود التي قامت بها الدولة، وتعديل العديد من القوانين والتشريعات خاصة ما يُعنى بمنظومة الحماية الاجتماعية، وسياسات الحد من تأثير المتغيرات الاقتصادية على المجتمع، ونظام الأمان الوظيفي وغيرها من البرامج التي كان لها الأثر في دعم مؤشرات الازدهار والرخاء المجتمعي؛ فالتنمية لا تقوم على بناء الاقتصاد وحده بل على التنمية المجتمعية التي تجعل من الفرد والأسرة الأساس الحقيقي والغاية المنشودة.

فبالتنمية تقوم الدول وتنتعش المجتمعات، وتتشارك أفراد ومؤسسات من أجل تحقيق أهدافها، لذا علينا جميعا أن ننظر إلى أهداف رؤيتنا الوطنية 2040 باعتبارها غاية وطنية تقدِّم لنا الرفاه والاستقرار وتمنح أبناءنا المستقبل الواعد المزدهر، فلنتعاون جميعا أفرادا ومؤسسات من أجل المساهمة الفاعلة الإيجابية في تحقيقها.

عائشة الدرمكية: باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إضافة إلى من ناحیة خاصة فی عمان 2040 من أجل

إقرأ أيضاً:

خبيرة تربوية: تأسيس مراكز تعليمية مخصصة للأطفال ذوي الهمم خطوة إيجابية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في خطوة هامة نحو تعزيز العدالة التعليمية ودمج الأطفال ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة والإعاقات في المجتمع، تم الإعلان مؤخراً عن مبادرة جديدة تحت عنوان "طريق الحياة التعليمية"، والتي تستهدف تأسيس أول مركز تعليمي شامل من نوعه في مصر، يأتي هذا المشروع بالتعاون بين الحكومة وشركة العاصمة الإدارية، بالتنسيق مع شركة متخصصة مقرها بريطانيا، بهدف تقديم خدمات تعليمية وتأهيلية متميزة.


يهدف المركز إلى أن يكون نموذجًا فريدًا يتم تعميمه على مستوى المحافظات في المستقبل، حيث سيعتمد على معايير عالمية في تقديم الخدمات التعليمية والتأهيلية للأطفال ذوي الهمم، كما سيتم إنشاء مركز تأهيل متكامل لتدريب الكوادر التعليمية على أحدث الأساليب والمهارات اللازمة للتعامل مع هذه الفئة، مع توفير الدعم البشري والفني لضمان جودة الخدمة واستدامتها.


يعكس هذا التعاون التزام الدولة بحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتوفير بيئة تعليمية شاملة تمنحهم فرصًا متكافئة للمشاركة بفعالية جنبًا إلى جنب مع باقي أفراد المجتمع، وذلك في إطار استراتيجية متكاملة تهدف إلى تعزيز دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في جميع جوانب الحياة.

المبادرات التعليمية لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة

لم يكن تأسيس هذا المركز سوى امتداد لجهود الدولة المتواصلة في دمج ذوي الهمم في المجتمع، ومن أبرز المبادرات الرئاسية في هذا الصدد مبادرة "قادرون باختلاف"، التي أطلقتها القيادة الحكومة لتسليط الضوء على قدرات ذوي الهمم وتعزيز مشاركتهم في كافة المجالات، كما تم إطلاق مبادرة "أحسن صاحب" التي تسعى إلى نشر ثقافة الدمج المجتمعي والتشجيع على بناء علاقات إيجابية بين الأطفال ذوي الهمم وزملائهم في المدارس.


كذلك، تعمل وزارة التربية والتعليم على دعم المدارس الحكومية والخاصة لاستقبال الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال توفير بيئة تعليمية شاملة، تشمل تجهيزات مادية ومعنوية، إلى جانب دعم أولياء الأمور من خلال برامج توعية ومساندة نفسية.


التعليم حق أساسي و ليس ترفيهًا

من جانبها قالت  الدكتورة شيماء عبد العزيز الاستشاري التربوي “البوابة نيوز”: إن تأسيس مراكز تعليمية مخصصة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يمثل خطوة إيجابية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، موضحة أن التعليم هو أحد أهم الحقوق الأساسية التي يجب أن تتوفر للجميع دون تمييز، خاصة للأطفال الذين يواجهون تحديات في التعلم بسبب إعاقتهم.


وتضيف أن مثل هذه المبادرات تعزز من مفهوم الدمج المجتمعي، حيث تساعد الأطفال ذوي الهمم على التفاعل مع أقرانهم واكتساب المهارات الاجتماعية اللازمة للعيش بكرامة واستقلالية، مؤكدا أن المجتمع بحاجة إلى تغيير نظرته لهذه الفئة من الاعتماد إلى التمكين، وهو ما يتحقق من خلال توفير فرص تعليمية متكافئة.

الدعم التعليمي والاجتماعي كخطوة لتخفيف العبء عن أسر الأطفال ذوي الهمم

كما تشير (عبد العزيز ) إلى أن الدعم الذي تقدمه الدولة في هذا الصدد لا يقتصر على الجانب التعليمي فقط، بل يمتد إلى تحسين أوضاع أسر هؤلاء الأطفال من خلال تخفيف العبء المادي والنفسي عليهم، لأن بإيجاد مركز مخصص و متوفر لأطفالهم يوفر عليهم المجهود و المال الذي يتغرمونه نتيجة بحثهم عن مكان قد يكون غير مناسب سواء بعيد او لا يتوفر فيه الامكانيات اللازمة او اسعاره مبالغ فيها.


ضرورة التدريب المستمر للمعلمين 

وأكدت أن نجاح هذه المراكز يعتمد بشكل كبير على مشاركة المجتمع ، إلى جانب توفير التدريب المستمر للمعلمين والعاملين فيها، لأن التعليم الجيد للأطفال ذوي الهمم ليس مجرد رفاهية، بل هو أساس لبناء مجتمع شامل ومتقدم.

مقالات مشابهة

  • خبيرة تربوية: تأسيس مراكز تعليمية مخصصة للأطفال ذوي الهمم خطوة إيجابية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية
  • أمانة الطائف تنفذ مبادرة “المراقب المجتمعي” لتعزيز التفاعل الإيجابي بين الأمانة والمجتمع المحلي
  • وكيلا مأرب والتعليم الفني يدشنان تجهيز وتأثيث كلية المجتمع بتمويل كويتي
  • زيارة رئيس الوزراء لمحافظة الوادي الجديد.. "مدبولي" يؤكد حرص الحكومة على تحقيق التنمية المستدامة بجميع المحافظات
  • ما علاقة التعداد السكاني بخطة التنمية الوطنية؟.. مستشار السوداني يوضح
  • الاهتمام المجتمعي بأسر الشهداء .. لفتة إنسانية تُجبر القلوب وتخفف المعاناة
  • المملكة عازمة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة خلال قمة قادة الـ 20
  • الحصادي: صندوق الإعمار يسهم في تحقيق تطلعات أهالي درنة بعد الكارثة
  • مستشار رئيس الوزراء: خطط التنمية الوطنية تعتمد على نتائج التعداد السكاني
  • وزير الاقتصاد يؤكّد عزم المملكة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة خلال قمة G20