قراءة نقدية وتقنية لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
أجريت حوارات علمية وفلسفية مع نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية؛ وبدأت حواري الأول مع نموذج «بَارْد» «Bard» الذي نُشِرَ في جريدة عُمان بتاريخ 3 ديسمبر 2023م، وألحقته بحوار آخر مع نموذج «شات جي بي تي» «ChatGPT» الذي نشرته جريدة عُمان بتاريخ 10 ديسمبر 2023م. تضمّنت الحوارات موضوعات فلسفية مع تداخلات علمية؛ إذ تمركز الحوار مع «بارد» في قضية الوجود ونشأته، وتفرّع إلى حوار عن هدف الوجود والعقل الكلي المحتمل لتوجيه هدف الوجود، وإلى مناقشة وجود الخالق الذي يُعدّ ضرورة لوجود العقل الكوني الكلي.
اتسمت الحوارات مع نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية بأسلوب السائل والمُجيب عبر التفاعل مع النموذج التوليدي باعتباره ذكيا وقادرا على مسايرة الحوار الذي لم يُعهد سابقا مع تطبيقات ذكية أخرى مثل التي تُستعمل في بعض الهواتف الذكية؛ حيث يأخذ الحوار انسجاما بين السائل والمُجيب بعيدا عن محدودية الجواب والأسلوب المعتاد عند محركات البحث وتطبيقات الدردشة الذكية التقليدية، ولكن تتضح عبر هذه الحوارات وجود الفروقات بين نموذج «بارد» ونموذج «شات جي بي تي» فيما يتعلق بالقدرات الحوارية وصياغة الجوابات واحترافيتها؛ فأظهر نموذج «شات جي بي تي» تفوقا ملحوظا على نموذج «بارد» في عدة مستويات مثل القدرة اللغوية؛ إذ رصدت لـ«شات جي بي تي» أخطاء لغوية أقل من تلك المرصودة في «بارد»، وكذلك فيما يخص التكرار النصي وحشوه؛ فيكاد يخلو «شات جي بي تي» من الحشو والنصوص غير الضرورية، بينما تكثُر التكرارات والحشو النصي لدى «بارد» مما اضطرني إلى حذف نصوص كثيرة من جوابات «بارد» نظرا للزحام النصي غير الضروري الذي يحتوي أيضا على نصوص مكررة من الجواب السابق أو من سؤال السائل، وكذلك من ناحية المصطلحات، يتفوق «شات جي بي تي» في تقديمه لجوابات بمصطلحات علمية وفلسفية متوافقة مع النمط العلمي والفلسفي المتداول. يمكن تشبيه نموذج «بارد» بإنسان مبتدئ في فنون المعرفة، بينما يمكن تشبيه نموذج «شات جي بي تي» بإنسان مفكر يجيد فن الحوار؛ ولهذا أرى أن نموذج «شات جي بي تي» -في نسخته الحالية- يمتلك بعض خصائص الدماغ البشري وقدراته التفكيرية، ويتفوق حينها بجدارة على نموذج «بارد» الذي يفتقد المستويات التفكيرية والحوارية ذاتها عند «شات جي بي تي».
بناء على القراءة السابقة التي قارنت بين النموذجين من حيث الأداء والكفاءة، يتولّد سؤال مهم: لماذا يتفوق نموذج «شات جي بي تي» على نموذج «بارد»؟ وما الأسباب التقنية لهذا التفوق؟ رغم امتلاك نموذج «بارد» لقدرات بحثية مرتبطة بمحرك البحث «جوجل» التي تمكّنه من الولوج المباشر إلى أحدث المعلومات لكنه يفتقد القدرات الحوارية العالية التي يمتاز بها نموذج «شات جي بي تي» الذي يمكن أن يُعدّ الأقربَ للنموذج التوليدي المتخصص في توليد النصوص متفوقا بذلك على «بارد» وفقا لاعتماده الكبير على البيانات المُدرب عليها رغم محدودية تحديث البيانات في النسخ المجانية؛ حيث إن تحديثات البيانات التي تدرب عليها «شات جي بي تي 3.5» تحتوي على البيانات الرقمية حتى عام 2021م، ولم يتدرب على بيانات تتجاوز هذا العام؛ وهذا ما يُفسر محدودية قدرات النسخة الثالثة لـ«شات جي بي تي» فيما يخص تناول المعلومات الحديثة -بعد عام 2021م- ومناقشتها، بينما تدرب النموذج الأحدث «شات جي بي تي 4» على بيانات تصل إلى شهر أبريل لعام 2023م -حسب عدد من المصادر مثل موقع الشركة المشغلة للنموذج التوليدي «OpenAI» وموقع «Business Insider»- إلا أن نسخة «شات جي بي تي 4» تستطيع الاستعانة بمحرك البحث «Bing» التابع لميكروسوفت؛ للوصول لمعلومات حديثة لم يتدرب عليها. رغم هذه الفروقات بين نسختي «شات جي بي تي» الثالثة والرابعة، لم أجد فروقات بارزة فيما يخص القدرات الحوارية إلا في وجود أدوات إضافية لدى «شات جي بي تي 4» مثل أداة تصميم الصور «DALL.E» وفقا لخيال النموذج الرقمي الذكي -التي سأخصص لها مقالا مستقلا أشرح فيه مهام الأداة وآلية عملها-، وأداة تحليل البيانات «Data Analysis» مع أدوات أخرى -لم أجدها مفيدة ومتميزة- بالإضافة إلى قدرة هذه النسخة المحدّثة الولوج إلى محرك البحث «Bing» للوصول إلى أحدث المعلومات -كما ذكرت آنفا.
سبق الحديث عن آلية عمل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية «بارد» و«شات جي بي تي» في مقال نُشِرَ في جريدة عُمان بتاريخ 22 يوليو 2023م، وأحيل القارئ إلى ذلك المقال المنشور تجنبا للتكرار، مع ذلك نحتاج إلى تقريب الزاوية التقنية لفهم جوهر الاختلاف بين النموذجين. نأتي أولا إلى جانب التدريب؛ فنجد أن نموذج «شات جي بي تي» تدرّب على بيانات أكثر تنوعا؛ مما منحه قدرات حوارية أفضل مقارنة مع أسلوب التدرب على البيانات المتبع لدى «بارد» الذي ركّز على البيانات المتعلقة بالبحث وأساليبه؛ مما جعله أقرب إلى سلوك محركات البحث. تصل حجم البيانات المستعملة في تدريب «شات جي بي تي 3» إلى 575 جي بي بايت «GB»، و45 تيرا بايت «TB» في «شات جي بي تي 4»، في حين لا توجد إحصائية رسمية لحجم البيانات المستعملة في تدريب نموذج «بارد» إلا عبر موقع «مدونة» «Meetanshi» الذي ذكر أن حجم البيانات المستعملة في تدريب «بارد» تصل إلى 750 جي بي بايت «GB»، وكذلك تنوع البيانات ومصادرها لدى «بارد» غير محدد بشكل واضح ورسمي. تتأثر كذلك قوة النماذج التوليدية بأعداد الأوزان «Weights» وقوتها التي تُستعمل في ربط الشبكات العصبية الرقمية التي تصل المدخلات بالمخرجات وتساعد في عملية التدريب؛ فتبلغ عدد الأوزان في نموذج «شات جي بي تي 3» إلى 175 مليارًا، في حين تُقدّر الكثير من المصادر أن عدد الأوزان في «شات جي بي تي 4» تبدأ من تريليون وتصل -أو ستصل مستقبلا- إلى 100 تريليون، بينما نجد أن عدد الأوزان في نموذج «بارد» لا يتعدى 137 مليارًا، وهذا رقم قليل مقابل عدد الأوزان التي يملكها «شات جي بي تي» وخصوصا النسخة الرابعة، وينبغي التركيز هنا -من الناحية التقنية- على دور هذه الأوزان -بجانب عدد البيانات وتنوعها- وأهميتها في تحسين كفاءة النماذج التوليدية؛ وحينها يمكن للقارئ أن يستنتج سببا رئيسا من الأسباب التي تجعل من نموذج «شات جي بي تي» أكثر جدارة في القدرات الحوارية والتحليلية من نموذج «بارد». نضيف إلى ذلك امتلاك «شات جي بي تي» قدرة على التفاعل المتبادل مع المستخدمين؛ مما يساهم في عملية التحسين المستمر عبر التعامل مع الحوارات، بينما يعتمد أداء نموذج «بارد» في عملية التفاعل مع المستخدمين عبر وسيلة البحث والتفاعل مع معطيات «جوجل» «Google»؛ مما يعوق عملية تحسين قدراته الحوارية والتفكيرية مقارنة بنموذج «شات جي بي تي». أرى أن هذه النماذج التوليدية لا تزال في بداية طريقها الرقمي، وها هي تشق طريقها بتسارع كبير وتنافس لا يستهان به، ووفقا للمبدأ العلمي؛ فإنَّ مستقبل النماذج التوليدية مثل «شات جي بي تي» يتَّجِه إلى مستويات تتجاوز فيها القدرات الدماغية لدى الإنسان من جميع النواحي بما في ذلك الشعورية نظرا للتطويرات المتسارعة التي تعتمد على مضاعفة بيانات التدريب والأوزان التي تزيد من ترابط الشبكات العصبية الرقمية وقوة تواصلها، وحتى ذلك الوقت سأواصل أسلوب الحوار بين الإنسان والآلة الرقمية رغبةً في كشف المزيد من الأفكار التي تتوارد في دماغ النموذج الرقمي الذكي.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التولیدیة على البیانات شات جی بی تی 4 الذی ی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يكشف سر الحفاظ على شباب الدماغ
في دراسة حديثة تربط بين الذكاء الاصطناعي وعلم الأعصاب، اكتشف باحثون في معهد كارولينسكا بالسويد، رؤى مهمة حول شيخوخة الدماغ، وتوصلوا إلى نتائج يمكنها التصدي لتحديات الأمراض المرتبطة بالخرف.
ووفق الدراسة، التي نشرتها مجلة "Alzheimer's & Dementia: The Journal of the Alzheimer's Association"، فقد اُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الدماغ من 739 شخصاً يتمتعون بصحة جيدة معرفياً بمدينة غوتنبرج، ويبلغون من العمر 70 عاماً، وشكلت النساء ما يزيد قليلاً على نصف مجموعة المشاركين.
وتسلط الدراسة الضوء على المصابين بالخرف، لافتةً إلى أن أكثر من 20 ألف شخص في السويد يصابون بأنواع مُختلفة منه سنوياً، حيث يمثل مرض الزهايمر نحو ثُلثي هذه الحالات.
ولاحظ الفريق البحثي أن من بين التغيرات التي تحدث: تقلص حجم الدماغ، وضعف كفاءة الاتصال بين الخلايا العصبية، مما يؤدي إلى تدهور القدرات المعرفية مثل الذاكرة والتركيز.
وكشفت النتائج أن عوامل مثل الالتهابات، وارتفاع مستويات السكر في الدم، وأمراض الأوعية الدموية، يمكنها أن تساهم في تسارع شيخوخة الدماغ، في المقابل فإن اتباع عادات صحية كالحفاظ على مستويات مستقرة للسكر في الدم وممارسة الرياضة بانتظام، يمكنها أن تساعد في الحفاظ على شباب الدماغ لأطول فترة ممكنة.
عمل الباحثون على تحليل نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة المشاركين باستخدام خوارزمية ذكاء اصطناعي متطورة طوروها لتقدير العمر البيولوجي للدماغ، مع أُخذ عينات دم لقياس مستويات الدهون، والسكر، ومؤشرات الالتهابات، بجانب القيام باختبارات معرفية لقياس الأداء العقلي لهؤلاء الأشخاص.
ولادة أول طفل في العالم بتقنية "Fertilo" خارج جسد الأم - موقع 24أدت تقنية خصوبة جديدة طورتها شركة "Gameto" للتكنولجيا البيولوجية، ومقرها نيويورك، باستخدام الخلايا الجذعية لمساعدة الأجنة على الاكتمال خارج الجسم، إلى أول ولادة بشرية حية في العالم.وأظهرت النتائج أن المصابين بالسكري، والسكتات الدماغية، وأمراض الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ، كان لديهم أدمغة تبدو أكبر سناً من أعمارهم الحقيقية، بينما أظهرت أدمغة الأشخاص الذين يتبعون نمط حياة صحياً مظاهر أكثر شباباً مقارنة بأعمارهم.
أهمية الأداة المُطورةوشدد الباحثون، على أن الأداة التي طوروها تُقدم نتائج دقيقة إلى حد كبير، ويمكن استخدامها كوسيلة بحثية مهمة، مع إمكانية توسيع تطبيقاتها لتشمل الدراسات السريرية المستقبلية، مثل أبحاث الخرف.
وأشارت النتائج أيضاً إلى وجود اختلافات بين الرجال والنساء في العوامل التي تؤثر على شيخوخة الدماغ، مما يعني أن الجنس قد يلعب دوراً في كيفية بناء المرونة الدماغية، وهو ما دفعهم للتأكيد على أهمية دراسة هذه الفروقات بين الجنسين بشكل كخطوة تالية وأعمق، عبر التركيز عوامل بيولوجية مثل الهرمونات، والتأثيرات الاجتماعية والثقافية، مع التركيز بشكل خاص على صحة الدماغ لدى المرأة.