في خروج عن الأجواء الاحتفالية المعتادة التي تغطي مدينة بيت لحم بالضفة الغربية خلال عيد الميلاد، هذا العام، تُغطى المدينة بانعكاسات كئيبة، دون احتفالات موسيقية، أو مراسم إضاءة الأشجار، أو زخارف باهظة. لقد ألقت الحرب الإسرائيلية  المستمرة في غزة بظلالها على ما يعتبر تقليديا وقتا للاحتفال.

 

في تمثيل مؤثر لتأثير الصراع على المدينة، كشفت كنيسة عيد الميلاد اللوثرية الإنجيلية النقاب عن مشهد المهد مع لمسة قوية ورمزية.

الطفل يسوع، الملفوف بالكوفية الفلسطينية – يعبر عن الهوية الفلسطينية - لا يرقد في مهد تقليدي بل وسط الأنقاض، التي ترمز إلى الدمار في غزة.

 

قال القس منذر إسحاق للنيويورك تايمز، القس الذي تصور مغارة الميلاد المعدلة، "إن الله تحت الأنقاض في غزة، وهذا هو المكان الذي نجد فيه الله الآن".

 

أصبحت صور الأطفال الفلسطينيين القتلى الذين تم انتشالهم من تحت أنقاض الغارات الجوية الإسرائيلية رمزا للدمار الواسع النطاق. وبما أن ما يقرب من نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة هم من الأطفال، ونحو 70% من الضحايا هم من النساء والأطفال، فإن حصيلة الضحايا بين السكان المدنيين مذهلة.

 

على الرغم من أن بيت لحم تبعد حوالي 70 كيلومترًا عن غزة، إلا أن السكان يشعرون بارتباط عميق بالصراع. وتواجه المدينة التداعيات الاقتصادية للحرب، والقيود الإسرائيلية المشددة على الحركة، وإلغاء احتفالات عيد الميلاد. وفي الشهر الماضي، حث قادة الكنيسة في القدس التجمعات على التخلي عن الاحتفالات غير الضرورية والتركيز على المعنى الروحي لعيد الميلاد.

 

تشهد مدينة بيت لحم، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 35 ألف مسيحي، تقاليد عيد الميلاد النابضة بالحياة. ومع ذلك، هذا العام، فإن غياب شجرة عيد الميلاد الشهيرة والزخارف الصامتة على أبراج الكنيسة تؤكد الأجواء الخافتة.

 

سينطلق موكب البطريرك، وهو تقليد مهم، بصمت هذا العام، دون المرافقة الموسيقية المعتادة. وسيقود بطريرك الروم الكاثوليك الموكب من القدس إلى بيت لحم عشية عيد الميلاد، ويبلغ ذروته في قداس منتصف الليل في كنيسة المهد.

 

وقد توقفت السياحة، وهي محرك اقتصادي حيوي لبيت لحم، منذ بداية الحرب. وكشف رئيس البلدية حنا حنانيا أن قطاع السياحة، الذي يستقبل عادة ما بين 1.5 إلى 2 مليون زائر سنويا، أصبح الآن مشلولا.

 

تكبدت الشركات المحلية خسائر كبيرة. وصرح روني فاخوري، مدير دار الضيافة، بخسارة حوالي 27 ألف دولار في الإيرادات منذ بدء الحرب. وحتى لو توقف الصراع، فإن الانتعاش الفوري للسياحة غير مؤكد.

 

بالنسبة لسكان بيت لحم، تضرب الحرب مناطق قريبة من منازلهم. تحدث يوسف الظلوف، وهو محاسب ومصمم أزياء يبلغ من العمر 22 عاما، عن التجربة المروعة التي عاشها أجداده وعمته في غزة، مؤكدا على التكلفة البشرية للصراع.

 

بينما تمر المدينة بهذه الأوقات الصعبة، تبقى روح عيد الميلاد داخل جدران الكنيسة، حيث تكون الزخارف بمثابة شهادة على صمود الإيمان وسط أهوال الحرب.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إسرائيل تحتل الضفة الغربية غزة 50 ألف حامل في غزة عید المیلاد بیت لحم فی غزة

إقرأ أيضاً:

الحرب الإسرائيلية على الانقسام اللبنانيّ

ثمة، حيال كل ما يتعلق بقضايا لبنان وحروبه من يقيس كل شيء بمعيار الطوائف مأخوذة جملة. يتعامل مع الطوائف كما لو أنها الشكل الذي يتكثّف فيه تصادم الحضارات في مجتمع تعددي.
وثمة، من تجد لديه صعوبة في إقرار الواقع على طوائفه. فتراه يُكثر من تجميع ما أوتي من أقيسة وشواهد وصيغ قولية ومفاهيم مطوّعة لغرض القول إن الطوائف ليست منظاراً لقراءة هذا الواقع في حركة تطوره وتفاعله مع سواه، وإنما هي منظار للإغماض والحجر على هذا الواقع والتعتيم على تناقضاته الفعلية والتحدّيات الأساسية فيه. وبالتالي، لا تعدو الطوائف حينها سوى أخيلة وأشباح مضللة، لا أصل لها في بنية الاقتصاد نفسها، ولا إمكانية من الأساس لصرفها على المشرحة الجيوبوليتكية لنزاعات المنطقة، إلا كحجج ومسوّغات لهذا المشروع الهيمني أو ذاك.

ثمة في كل من هذين الحدّين القصويين كثير من الشطط والغلو، لكن الأكثر مكابرة على الواقع، في غالب الأحيان، هو المنظار الذي يشطب الطوائف عن البنى التحتية الاقتصادية الاجتماعية، أو عن العمق الأنثربولوجي للتعددية المجتمعية، أو عن أي أثر على جيوبوليتيك النزاعات شرق المتوسط.
وهذه هي الحال بالنسبة لواقع الأتون الذي أُدْخِل إليه لبنان اليوم. إذ لا يسمح التعالي على الانقسام اللبناني الداخلي العميق، ذي البعد الطائفي المحتقن، بفهم زاويتين على الأقل يستند إليهما المشهد ولا يختصر بهما.

الأولى أن «حزب الله» اختار الدخول منذ نحو العام في «حرب إسناد» حماس / قطاع غزة بالمراكمة والمكابرة على انقسام مزمن في الواقع اللبناني حول سلاحه، ومن يقرر الحرب والسلم في لبنان، وفي ظل اعتماد الحزب لمعادلة أن سلاحه في غنى عن الإجماع الوطني، وإصراره في الوقت نفسه على إسباغ هذا السلاح بصفة الشرعية في بيانات وزارية تنص على ما سمي «المعادلة الثلاثية» تحت عنوان «لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته» وهي البيانات إياها التي تنص جميعها على الالتزام بالقرار 1701 الذي ينيط الوضع جنوب الليطاني بقوات الطوارئ الدولية اليونيفيل المعززة وسلاح الشرعية اللبنانية. يعيش لبنان منذ اليوم التالي لحرب صيف 2006 في «نظام التباس» يمكن اختصاره بضم اليونيفيل لهذه المعادلة الثلاثية. أي هو نظام رباعية «لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته ويونيفيله».

طالما أن هذه الترتيبات سمحت بشكل عام بهدنة نسبية مزمنة جنوباً دامت سبعة عشر عاماً، كان من الممكن أن تجد من يسوّغ لدوام هذا الالتباس على أنه عملياً يخدم الغرض، غرض «تسكين الجبهة».

جرى التعامل إذاً مع ابتعاد الواقع جنوب الليطاني عن مندرجات القرار 1701 على أنه الشكل الواقعي لتنفيذ القرار وجرى التعامل مع الانقسام الداخلي حول سلاح الحزب، وحول جدية تنفيذ القرار 1701، على أنه تفصيل واه في لعبة الأمم.

المهم، كان، أن لا يَقلب «الحزب» الطاولة على ترتيبات 2006 جنوباً، وله التحكم بعد ذلك بمفاصل النظام السياسي اللبناني شرط أن لا يلغي تماماً هذا النظام ويقيم واحداً جديداً على صورته ومثاله.
عاش لبنان في «جمهورية لعبة الغميضة» هذه منذ أغسطس 2006 وحتى الانفجار الكارثيّ للوضع الآن.

فحتى أشهر «حرب المشاغلة» منذ أكتوبر الماضي، ظلت تبقي على الحدّ الأدنى من لعبة «الاستغماء» تحت مسمى «قواعد الاشتباك».

لكن البون صار نافراً – في أمد «المشاغلة» هذا – وعلى نحو صارخ، وعالي الكلفة، بين الواقع جنوب الليطاني وبين القرار الدولي، الذي على أساسه أوقفت حرب 2006.

واستفحل كذلك الشرخ بين الواقع شمال الليطاني وبين النظام الدستوري والسياسي بالشكل الذي أقره «اتفاق الطائف» ـ الذي على أساسه أوقفت الحرب الأهلية، أقله في السردية الرسمية.

لم يسبق أن دخل مجتمع في حرب بهذه الدرجة من الانقسام الداخلي حولها، وحول من يخوضها، وفي ظل فراغ رئاسي، وتعطيل مؤسساتي، وإفلاس مالي، ووضع ضاغط لملف اللاجئين، كما في ظل اتساع الهوة التكنولوجية مع العدو، وظهور الشهوة الإبادية لديه بشكل مريع ضد أبناء قطاع غزة، وهشاشة مخيفة للنظام العربي الرسمي، هذا في وقت لا يجمع المجتمع السياسي الإسرائيلي على شيء اليوم بمقدار ما يجمع فيه على الحرب على لبنان/ حزب الله.

ينقسم اللبنانيون على حرب تُهدّد مصير بلدهم جميعاً، وإن كانت تستهدف طائفة واحدة منهم، لا داعي للتأني هنا في الاصطلاح.

من الوهم النظر الى هذه الحرب على أنها ملحمة انصهارية لشعب دخلها منقسماً حولها وبشدة.
لا يعني هذا في المقابل أن الانقسام هو في حلّ من ميزان القوى، أو أنه يتعالى على اللحظة أو الظرف. الانقسام أيضاً هو من النوع «المحتبس» التائه. عندما تندلع حرب من الوهم أن يكون بمستطاعك إيقافها لمجرد أنك ترفضها.

ليس هناك أفق واضح لترجمة هذا الانقسام حول الحرب في زمن اقتراب الحرب من نقطة اللاعودة. لا يجعله مع ذلك انقساماً واهياً أو مفبركاً. هو انقسام له حيثيات راسخة ومثابرة، لكنه انقسام معطوب، إلى حين. هو كذلك، انقسام بين مجاميع من الهائمين على وجوههم، في كل اتجاه.
العنصر الثاني في المقابل هو أن الحرب الحالية وكلما اتجهت نحو قرين الحرب المفتوحة أو الكلية بين إسرائيل والحزب كلما راحت الأخيرة تحوّلها إلى حرب تطهير إثنو-مذهبي تستهدف طائفة كبرى من طوائف لبنان وليس فقط الحزب.

في يومين فقط جرى حمل نصف شيعة لبنان على النزوح إلى مناطق معظمها غير شيعية.
ما لم تثمر جهود تعطيل صاعق الحرب، وليس سهلاً تعطيلها الآن، فإن التنكيل بالمدنيين والتهجير للأهالي سيتحول أكثر فأكثر إلى النمط الأساسي للحرب الإسرائيلية.

وهذا اختبار حسّاس للواقع التعددي اللبناني برمّته. فهذا الواقع منقسم حول الحرب، لكن كل ركن فيه يدرك على طريقته خطورة أن تستهدف الحرب الإسرائيلية بشكل أكثر همجية من حرب 2006 طائفة برمتها، حيثما وجد أبناؤها على المساحة اللبنانية.

فالوهم الذي تشدّق به البعض بعد تفجيرات البيجر بأن الاستهداف بات من الممكن أن يكون «دقيقاً» ومحصوراً بكوادر ومسلحي الحزب تبخّر سريعاً، وبسرعة بات أكثر ضحايا الحرب الحالية من المدنيين الشيعة.

كيف يمكن للبنانيين الجمع بين وعي خطورة التطهير الإثني الإسرائيلي لطائفة منهم وبين واقعة أنهم منقسمون من الأساس حول الحرب وحول السلاح وحول كل أمر في نهاية المطاف؟ وحده المكتفي بانسجام الصيغ القولية له الحل لهذه المعضلة.

الواقع أكثر مرارة، وما هو متاح فعله الآن قليل. أفضل ما يمكن فعله هو عدم ترك الانفعالات تعطّل القدرة على رؤية الانقسام الفعلي من جهة، وعلى رؤية خطورة الحرب على طائفة بالنسبة لكل اللبنانيين من دون استثناء من جهة أخرى.

لا يلغي ذلك في المقابل أن غالبية الشيعة تعيش هي أيضاً في موقف مزدوج: لا تريد لنفسها أن تلاقي مصير سكان قطاع غزة، ولا تتعرف على نفسها وحتى إشعار آخر إلا من خلال خط الانحياز لحزب الله.

الانقسام «جواني» إذاً بين رغبتين في الفرد الواحد ضمن المناخ نفسه. رغبة في الإفلات سريعاً من هذا الأتون، ورغبة في الإبقاء على الحزب ومكانته لديهم. في حين أن الانقسام على الصعيد اللبناني العام «برّاني». فمعظم من لا يريد هذه الحرب من غير الشيعة لا يريد أيضاً دوام هيمنة «حزب الله» على قرار الحرب والسلم، وعلى أحوال البلد. وإن انقسمت الأمور هنا بين من يرى أن العدوانية الإسرائيلية لا تفسّر كردة فعل على حماس وحزب الله، وبين من يجنح إلى هذا الاختزال بشكل أو بآخر.

(القدس العربي)

مقالات مشابهة

  • المدينة التي لا ترحم: ارتفاع الإيجارات يدفع البغداديين نحو المجهول
  • شاهد.. فيديو من داخل الطائرات الإسرائيلية التي أغارت على مدينة الحديدة
  • إعلام لبناني: الغارة الإسرائيلية التي استهدفت شقة سكنية في الكولا جنوب بيروت قتلت شخصين
  • كاهن الروم الأرثوذكس: تحملوا الألم مثلما تحمل المسيح
  • أول فيديو للطائرات الإسرائيلية التي قصفت ميناء الحديدة باليمن ”شاهد”
  • واشنطن بوست: بعض القنابل الإسرائيلية التي اغتالت نصر الله أميركية من طراز BLU-109
  • وحدات الاستخبارات الإسرائيلية التي وفرت معلومات لاغتيال حسن نصر الله
  • صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
  • الحرب الإسرائيلية على الانقسام اللبنانيّ
  • شذرات من مسيرة حياته “من الميلاد إلى الشهادة”.. سيدُ المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله شهيدًا على طريق القدس وفلسطين