ماذا ننتظر من حوكمة الذكاء الاصطناعي العالمية؟
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
برغم أن الذكاء الاصطناعي كان يساعدنا بهدوء لعقود من الزمن، مع تسارع التقدم في السنوات الأخيرة، فسوف نتذكر عام 2023 باعتباره لحظة «الانفجار العظيم». فمع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، اخترقت التكنولوجيا الوعي الشعبي وأصبحت تشكل الخطاب العام، فباتت تؤثر على الاستثمار والنشاط الاقتصادي، وتشعل شرارة المنافسة الجيوسياسية، وتغير أنماط الأنشطة البشرية كافة، من التعليم إلى الرعاية الصحية إلى الفنون.
تتحرك عملية صنع السياسات بنفس السرعة تقريبا، مع إطلاق مبادرات ومنتديات تنظيمية جديدة تسعى إلى مواكبة اللحظة ولكن في حين أن الجهود الجارية التي تبذلها مجموعة السبع، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة مشجعة، فإن أيا منها لا يتمتع بطابع عالمي يمثل المشاعات العالمية. في الواقع، مع تطوير الذكاء الاصطناعي بقيادة حفنة من الرؤساء التنفيذيين والقوى الفاعلة في السوق في قِـلة من البلدان، كانت أصوات الأغلبية، وخاصة من الجنوب العالمي، غائبة عن مناقشات الإدارة والحوكمة.
تتطلب التحديات الفريدة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي الاستعانة بنهج عالمي منسق في التعامل مع الحوكمة، وتتمتع مؤسسة واحدة فقط بالشرعية الشاملة اللازمة لتنظيم مثل هذه الاستجابة: الأمم المتحدة. يتعين علينا أن نُـحـسِـن التعامل مع مسألة إدارة الذكاء الاصطناعي إذا كنا راغبين في تسخير إمكاناته والتخفيف من المخاطر التي يفرضها. من هذا المنطلق، أُنـشِـئت الهيئة الاستشارية رفيعة المستوى المعنية بالذكاء الاصطناعي التابعة للأمم المتحدة لتقديم التحليلات والتوصيات لمعالجة عجز الحوكمة العالمية. تضم الهيئة مجموعة من 38 فردا من مختلف أنحاء العالم، يمثلون مجموعة متنوعة من المناطق الجغرافية، والنوع الاجتماعي، والخلفيات التخصصية، والسِـن، وتستفيد من خبرات الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية. نحن نشعر بالفخر لعملنا كلجنة تنفيذية للهيئة الاستشارية. واليوم، أصدرنا تقرير المجموعة المؤقت الذي يقترح خمسة مبادئ لترسيخ حوكمة الذكاء الاصطناعي ومعالجة تحديات مترابطة عديدة.
أولا، بما أن المخاطر تختلف باختلاف السياقات العالمية المتنوعة، فسوف يتطلب كل منها حلولا مصممة وفقا لذلك. لكن هذا يعني إدراك الكيفية التي قد تتعرض بها الحقوق والحريات للخطر بسبب تصميم واستخدام (وإساءة استخدام) الحوكمة واختيارات بعينها في التعامل معها. إن الفشل في تطبيق الذكاء الاصطناعي بشكل بنّاء- أو ما نطلق عليه «الاستخدامات المهدرة»- من الممكن أن يؤدي بلا داع إلى تفاقم المشكلات وأوجه التفاوت القائمة.
ثانيا، بما أن الذكاء الاصطناعي أداة للتنمية الاقتصادية والعلمية والاجتماعية، وبما أنه يساعد الناس بالفعل في حياتهم اليومية، فلابد أن يُـدار على النحو الذي يخدم المصلحة العامة. وهذا يعني أن نضع في الاعتبار الأهداف المرتبطة بالمساواة، والاستدامة، والرفاهة المجتمعية والفردية، فضلا عن قضايا بنيوية أعرض مثل الأسواق التنافسية والأنظمة البيئية السليمة للإبداع.
ثالثا، يجب أن تكون الأطر التنظيمية الناشئة عبر مختلف المناطق متوائمة من أجل معالجة تحديات حوكمة الذكاء الاصطناعي العالمية بفعالية.
رابعا، يجب أن تسير حوكمة الذكاء الاصطناعي جنبا إلى جنب مع التدابير اللازمة لدعم الوكالة وحماية الخصوصية وأمن البيانات الشخصية.
وأخيرا، ينبغي للحوكمة أن ترتكز على ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وغير ذلك من الالتزامات الدولية حيث يتوفر إجماع عالمي واسع، مثل أهداف التنمية المستدامة.
يتطلب تأكيد هذه المبادئ في سياق الذكاء الاصطناعي التغلب على بعض التحديات العنيدة. يعتمد الذكاء الاصطناعي على مقادير هائلة من القوة الحاسوبية، والبيانات، وبالطبع مواهب بشرية بعينها. ويجب أن تنظر الحوكمة العالمية في كيفية تطوير وضمان الوصول على نطاق واسع إلى هذه المجالات الثلاثة.
يتعين عليها أيضا أن ترعى أيضا جهود بناء القدرات اللازمة للبنية الأساسية التي يقوم عليها النظام البيئي الذي يحتوي الذكاء الاصطناعي ــ مثل الإمداد الذي يمكن التعويل عليه من إنترنت النطاق العريض والكهرباء- خاصة في الجنوب العالمي. نحتاج أيضا إلى بذل جهود أكبر في مواجهة المخاطر المعروفة والتي لا تزال غير معروفة التي قد تنشأ عن تطوير الذكاء الاصطناعي أو نشره أو استخدامه.
الواقع أن مخاطر الذكاء الاصطناعي موضوع تتناوله مناقشات محتدمة. وبينما تركز بعض هذه المناقشات على سيناريوهات نهاية البشرية في نهاية المطاف، تنشغل أخرى بالأضرار التي قد تلحق بالناس هنا والآن؛ ولكن لا يوجد خلاف يذكر على أن المخاطر التي يفرضها الذكاء الاصطناعي المنفلت غير مقبولة.
يرتكز الحكم الرشيد على الأدلة الدامغة. ونحن نتوقع الحاجة إلى تقييمات موضوعية لحالة الذكاء الاصطناعي ومساره، لإعطاء المواطنين والحكومات الأساس السليم للسياسة والتنظيم. في الوقت ذاته، من الواضح أن إنشاء مرصد تحليلي لتقييم التأثير المجتمعي الذي يخلفه الذكاء الاصطناعي ــ من إزاحة الوظائف إلى تهديدات الأمن الوطني ــ من شأنه أن يساعد صناع السياسات على مواكبة التغيرات الهائلة التي يقودها الذكاء الاصطناعي خارج نطاق الإنترنت. يتعين على المجتمع الدولي أن يعمل على تطوير القدرة على مراقبة نفسه، بما في ذلك من خلال مراقبة الحوادث التي قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار والاستجابة لها (كما تفعل البنوك المركزية الكبرى في مواجهة الأزمات المالية)، وعن طريق تسهيل المساءلة وحتى إجراءات الإنفاذ. هذه مجرد أمثلة قليلة من التوصيات التي نحث على تنفيذها. ويجب أن يُـنـظَـر إليها على أنها الأرضية، وليس السقف. إنها في المقام الأول من الأهمية دعوة موجهة إلى مزيد من الناس لإخبارنا عن أشكال حوكمة الذكاء الاصطناعي التي يرغبون في رؤيتها.
إذا كان للذكاء الاصطناعي أن يحقق إمكاناته العالمية، فإن الحاجة واضحة إلى إنشاء هياكل وحواجز حماية جديدة لمساعدتنا جميعا على تحقيق النجاح مع تطوره. فالجميع لديهم مصلحة في تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل آمن ومنصف وخاضع للمساءلة. ومخاطر التقاعس عن العمل واضحة أيضا. نحن نؤمن بأن حوكمة الذكاء الاصطناعي العالمية تشكل ضرورة أساسية لجني الفرص الكبرى والتغلب على المخاطر التي تمثلها هذه التكنولوجيا لكل دولة، ومجتمع، وفرد، اليوم ولأجيال قادمة.
كارمي أرتيجاس وزيرة الدولة للرقمنة والذكاء الاصطناعي في إسبانيا، وعضو في اللجنة التنفيذية للهيئة الاستشارية رفيعة المستوى التابعة للأمم المتحدة المعنية بالذكاء الاصطناعي.
جيمس مانيكا نائب الرئيس الأول للأبحاث والتكنولوجيا والمجتمع في Google/Alphabet، وعضو في اللجنة التنفيذية للهيئة الاستشارية رفيعة المستوى التابعة للأمم المتحدة المعنية بالذكاء الاصطناعي.
إيان بريمر مؤسس ورئيس مجموعة أوراسيا وGZERO Media، وعضو في اللجنة التنفيذية للهيئة الاستشارية رفيعة المستوى التابعة للأمم المتحدة المعنية بالذكاء الاصطناعي.
ماريا سكاكي مديرة السياسات في مركز السياسات السيبرانية في جامعة ستانفورد، وعضو في اللجنة التنفيذية للهيئة الاستشارية رفيعة المستوى للأمم المتحدة المعنية بالذكاء الاصطناعي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حوکمة الذکاء الاصطناعی التابعة للأمم المتحدة التی قد
إقرأ أيضاً:
رايتس ووتس: الأمم المتحدة حذفت انتقادات للسعودية بمؤتمر حوكمة الإنترنت
أفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الخميس بأن مسؤولي الأمم المتحدة قاموا بإزالة انتقادات موجهة إلى الحكومة السعودية من السجل الرسمي لـ"منتدى حوكمة الإنترنت"، الذي نظمته الأمم المتحدة في الرياض في كانون الأول/ ديسمبر 2024، كما تعرضت منظمات المجتمع المدني لانتقام بسبب مشاركتها.
وتُعد هذه الأحداث، التي وقعت خلال النسخة التاسعة عشرة من المنتدى السنوي، أحدث مثال على استضافة مؤتمر أممي كبير من قبل حكومة قمعية، مما أدى إلى فرض رقابة على ممثلي المجتمع المدني وترهيبهم.
بعد منع الأصوات الإصلاحية من داخل السعودية، وملاحقة من يستخدم الإنترنت للتعبير عن تلك الآراء الإصلاحية
تواجدت اليوم #القسط متمثله بلينا الهذلول خلال #منتدى_حوكمة_الإنترنت بجانب فندق الريتز الذي استخدم للاعتقال، من خلال مقعد ومشاركة إلكترونية لم تستطع السلطات منعه.
ولكن ماذا فعلت؟ pic.twitter.com/eRJ7yB9ItT — عبدالله الجريوي (@Abdullah96wa) December 18, 2024
ووفقًا للمنظمة، فرضت أمانة منتدى حوكمة الإنترنت رقابة على انتقادات وجهتها ناشطة حقوقية سعودية بارزة خلال ورشة عمل نظمتها "هيومن رايتس ووتش"، كما هددت بطرد باحثة المنظمة المعنية بشؤون السعودية، وصادرت موادًا تسلط الضوء على حالات مدافعين عن حقوق الإنسان.
وأكدت نائبة مدير التكنولوجيا والحقوق والتحقيقات في "هيومن رايتس ووتش"، ديبرا براون، أن "على الأمم المتحدة ودولها الأعضاء إنهاء مناخ الترهيب والرقابة تجاه الدبلوماسيين والصحفيين والحقوقيين وممثلي المجتمع المدني الآخرين في مؤتمرات الأمم المتحدة"، مشيرة إلى أن تقييد حرية التعبير حول قضايا سياسة الإنترنت، بما فيها القضايا ذات الصلة بالبلد المضيف، يقوّض أهداف المنتدى.
ووفقا لمنظة "هيومن رايتس ووتش"٬ لم يتسنَّ الحصول على تعليق فوري من المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة عندما اتصلت به.
فضائح منتدى حوكمة الإنترنت 2024 تكشف بروباغاندا #بن_سلمان لتلميع الصورة..
⭕ في ظل سلسلة من الفضائح المتعلقة بالرقابة واختراق الجلسات، تبرز تساؤلات حادة حول ملاءمة #السعودية لاستضافة #منتدى_حوكمة_الإنترنت لعام 2024.
⭕ لكن على الرغم من أهمية هذا الحدث الذي ترعاه #الأمم_المتحدة… pic.twitter.com/MKTM2d5CZG — العدسة بوست (@TheLensPost) December 28, 2024
ويُعد منتدى حوكمة الإنترنت المنصة الرئيسة للأمم المتحدة للحوار حول قضايا السياسة العامة المتعلقة بالإنترنت، وقد عُقد مؤتمره السنوي في بلدان تُعرف بفرض قيود شديدة على حرية التعبير والمعارضة. وواجه صحفيون وممثلو المجتمع المدني رقابة مماثلة في مؤتمرات سابقة، بما في ذلك "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2023" الذي عُقد في الإمارات.
وأزالت أمانة المنتدى انتقادات موجهة إلى الحكومة السعودية من السجل الرسمي المرئي والمكتوب لورشة العمل التي استضافتها "هيومن رايتس ووتش" بالتعاون مع "منظمة القسط لحقوق الإنسان" السعودية، ومقرها لندن.
لينا الهذلول وسط الرياض رغما أنف ابن سلمان وتلقي كلمة ضمن فعاليات #منتدى_حوكمة_الإنترنت
يعجبني تظافر الجهود والعمل المؤسسي، ونعمل بالتوازي لاستعادة الشعب لحقوقه المسلوبة،
فإما أن يرضخ ابن سلمان، وإما يقرّر الشعب مصيره.
وقل اعملوا ... pic.twitter.com/MW057xASzC — فؤاد كوثر | Fuad Kawther (@fuadkawther) December 20, 2024
وركزت الورشة، التي ناقشت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجرائم الإلكترونية والقمع العابر للحدود، على تأثيرها المحتمل على حقوق الإنسان، باستخدام دراسات حالة من السعودية وأمريكا اللاتينية لتوضيح كيفية استخدام قوانين الجرائم الإلكترونية ومكافحة الإرهاب لاستهداف النشطاء.
وشاركت في الورشة لينا الهذلول، مديرة المناصرة في "القسط"، والتي لم تحضر شخصيًا بسبب مخاوف تتعلق بسلامتها.
وتم حذف تسجيل الفيديو الخاص بالجلسة من قناة المنتدى على منصة يوتيوب في 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كما أُزيل نص الجلسة من الموقع الإلكتروني للمنتدى.
وفي 13 كانون الثاني/ يناير الماضي، نشر المنتدى نسخة معدلة من الفيديو بعد إزالة أجزاء كبيرة من تصريحات الهذلول، بما في ذلك حالات سجن مدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية واستخدام القوانين لاستهداف النشاط السلمي على الإنترنت. كما حُذفت أسماء وتفاصيل حالات حقوقيين تم الوقوف دقيقة صمت من أجلهم.
وقالت الهذلول خلال الورشة: "في السعودية، تُستخدم قوانين مثل قانون مكافحة الإرهاب وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، التي تُعرِّف الجرائم بمصطلحات فضفاضة، بشكل روتيني لاستهداف النشاط السلمي وحرية التعبير". وأضافت أن القوانين الحالية تسمح بقمع الحريات الأساسية تحت ذرائع أمنية.
وأفادت "هيومن رايتس ووتش" بأن مسؤولي الأمم المتحدة أبلغوا الباحثة جوي شيا، التي أدارت الجلسة، بأن الحكومة المضيفة اشتكت من فيديو نشرته المنظمة على وسائل التواصل الاجتماعي يتناول قضية محمد الغامدي، وهو ناشط سعودي معتقل. وهدد المسؤولون بإلغاء شارة شيا التي تسمح لها بحضور المؤتمر، مشيرين إلى أن تسمية ناشطين محددين قد يشكل انتهاكًا لقواعد السلوك. ومع ذلك، لم تُلغَ شارة شيا في النهاية.
كما صادر موظفو المنتدى منشورات من موقع "منظمة العفو الدولية" سلطت الضوء على قضية الناشطة السعودية مناهل العتيبي، ونيث نهارا، المحتجزة في أنغولا بسبب تعليقات على "تيك توك". وتكررت حالات الضغط على المجتمع المدني في منتديات حوكمة الإنترنت السابقة، سواء بسبب انتقاد الدولة المضيفة أو الاحتجاج السلمي.
ودعت "هيومن رايتس ووتش" الأمم المتحدة إلى ضمان سلامة المشاركين في جميع المؤتمرات التي تحمل شعارها، مؤكدة أنه إذا لم تتمكن الدولة المضيفة من ضمان مشاركة جميع الأطراف بحرية، فيجب استبعادها من استضافة الفعاليات.
وأكدت براون أن "على الأمم المتحدة ودولها الأعضاء الدفاع عن حرية التعبير وتسهيل مشاركة المجتمع المدني الحقيقية في جميع مؤتمراتها، وليس المشاركة في الانتهاكات التي ترتكبها الحكومات المضيفة".