لجريدة عمان:
2024-10-03@14:36:39 GMT

متفائلًا بالماضي

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

لا مقاعد شاغرة في الغد المزدحم بالأقوياء والمنتصرين كي نذهب معهم إلى هناك لنلتقي بأنفسنا غدا، كي نحلم معا أو على حدة، لنشرع من بعدها في الخصام -إن كان لابدَّ- كأنداد متكافئين وبحرية أكبر حول آلية الانتقال من الحلم إلى موضع القدم الأول على أرض المستقبل المشترك. لكنهم لا يريدوننا معهم. فأينما تلفتنا من حولنا كان الغد محجوزا باسمهم أو باسم الغيب.

وكأن المستقبل قطعة مسيجة من سراب الصحراء المحتكرة تحت أقدام كبار الإقطاعيين الذين يقتسمونها فيما بينهم ثم يساوموننا على متر منها بمزيد من الأعمال الشاقة والخضوع وبذل الطاعة.

لا بيت لنا إذا، نحن المهزومين، سوى في الأمس المشاع، الماضي الذي لا سلطان عليه، حتى لو بات هذا الماضي نفسه «بلدًا أجنبيًا» كما كتب الروائي البريطاني ليسلي بولز هارتلي. ربما نحن أكثر سعادة في الماضي، ربما نحن أكثر انتشاءً واحتفاءً بالكسل الجميل من غيرنا؛ لأن مقياس الزمن في مناخنا الحزين يبدو أكثر تراخيًا مما هو عليه في تلك البلاد التي تطبع العملة وتبيعنا إياها. لا بأس، فلعلنا بذلك قد نجد الفسحة الكافية من الوقت لنتفرَّغ لكتابة الشعر، الشعر الذي يثير غيرة المنتصر من قدرتنا على إبداعه وتوليده من أعماق الهزيمة فينا، حتى لو كان لا يفهمه أو لا يجد وقتًا لقراءته.

إن إقامتنا في الماضي تمنحنا امتيازًا آخر يحسدنا عليه المنتصرون الأشقياء، ففي وسعنا أن نستريح من هوس الانتباه الدائم، بينما لا يستطيع المنتصر أن يغفل عن شاشات الرادار وكاميرات المراقبة لثانية واحدة، يخاف من أن يتمادى مع غفوة صغيرة أثناء نوبة الحراسة، وإلا فالنتيجة ستكون فقدان السيطرة والموت، أو الفضيحة على الأقل. وفي إسرائيل، بعد صبيحة السابع من أكتوبر الماضي، عبرة للمنتصرين المهووسين بالعقلية الأمنية، فضيحة تذكر بما حدث قبلها في صبيحة السادس من سبتمبر عام 2021 عندما اخترق ستة سجناء فلسطينيين بملاعق الطعام أكثر السجون الإسرائيلية تحصينا.

فبخلاف من يهربون إلى المستقبل خوفا من الماضي، هنا نحن في ماضينا، حيث يمكننا أن نتخفف من دروع الوقاية ومن هواجس الاغتيال والتربص، نحيا أقلَّ تحفظًا ضد زمننا الدائري السخي، الزمن الزائد أبدا عن حاجة الحالمين الذين يولدون في الماضي، ويكبرون في الماضي، ويحلمون في الماضي بحقهم في الحلم. فما أكثر الماضي إذا! ما أكثر الماضي الذي جربناه دون أن نشعر بأنه يدور علينا ويستدير.. ما أكثر الماضي الذي ما زال في وسعنا أن نكتشف مناجمه وأن نحمله معنا خردةً وخامًا طيعًا إلى مَخادع الأحلام!

الآن يحدث الماضي لنا ولهم، في سياقين منفصلين قد يتقاطعان عند مفرق ما من التاريخ، يحدث ببطء أخطر من الزلزال، ويتراكم كطبقات الجيولوجيا في ذاكرة البشر والشجر والحجر. أما الزمن فيتدفق مع نبضات القلب نهرا محايدا لا يجري لمصلحة أحد، ولا يعمل إلا موظفا منتظما ودؤوبا في خدمة الفناء، فناؤنا كلنا... وما التاريخ سوى موجز أنباء سريع لفعل الماضي المضارع.

هكذا يبدو لي أن لدى بعض الدول الصناعية المهيمنة، ذات الماضي الاستعماري الدموي، مشكلة أزلية في علاقتها بماضيها، أشبه بوسواس قهري تحاربه بالمهدئات المؤقتة. إنها «الدول الكبرى التي تفسد حديقة الشاعر» على حد تعبير هنري ميلر، والتي يتضح اضطرابها عندما تقع بين ثنائية الماضي والمستقبل، كأمريكا على سبيل المثال، الدولة التي تطور واقعها المادي عملا بعقلية ضمنية تقوم على استراتيجية الهرب إلى المستقبل من شبح الماضي النائم في كل شبر من جغرافيا ذاكرة المكان والسكَّان، وكأنها دولة محكوم عليها تاريخيا، بخلاف الأمم والشعوب «الحزينة» التي لم يكن ماضيها جميلا بالضرورة، إلا أنها تتفاءل عبر العودة إلى الماضي، بل تعيش وتقاوم وتحلم من خلال تصعيد الحنين واستثماره كطاقة روحية لا تنضب.

وأنا أحب الشاعرة الصينية الأمريكية، مارلين تشين، حينما تكتب بالنيابة عني، وعن كل «المهزومين» هذا الشعر مثلا:

«بالرغم من أن البلد قد فُقد

الأنهار والجبال ستبقى...

وسوف نحيا دائما

في هذا الشِّعر الذي نحبه،

من أجل أمي».

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الماضی

إقرأ أيضاً:

السعودية والامارات: ايادي محبة تحتضن لبنان في الزمن الصعب

في الزمن الصعب غير المسبوق الذي يعيشه لبنان، وتحوّل حوالى مليون لبناني الى نازحين في وطنهم، تطل بارقة أمل وعضد من الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
فقد أمر رئيس دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتقديم حزمة مساعدات إغاثية عاجلة بقيمة 100 مليون دولار إلى "الشعب اللبناني الشقيق".
وقالت وكالة الانباء الاماراتية ان "المبادرة تأتي في إطار جهود دولة الإمارات العربية المتحدة لدعم الأشقاء في لبنان ومساعدتهم على مواجهة التحديات الراهنة والتزامها الثابت بدعم الشعب اللبناني الشقيق".
كما أعلنت وزارة الخارجية السعودية انه "انطلاقاً من موقف المملكة الداعم للأشقاء في لبنان، صدرت توجيهات قيادة المملكة بتقديم مساعدات طبية وإغاثية للشعب اللبناني الشقيق لمساندته في مواجهة هذه الظروف الحرجة".
اوساط حكومية معنية اشارت الى ان هاتين المبادرتين ليستا غريبتين عن الامارات والسعودية، فالمملكة العربية السعودية التي تحتضن لبنان واللبنانيين منذ سنوات طويلة، كانت في كل المحطات الصعبة الشقيق الاكبر لوطننا، قولا وفعلا. كيف لا وهي التي احتضنت جهود انهاء الحرب اللبنانية في مؤتمر الطائف الذي انبثقت عنه وثيقة الوفاق الوطني وباتت في صلب الدستور الذي يبقى المرجع الاساس لحل كل الازمات الراهنة.
وتشدد الاوساط على "ان هذه الالتفاتة الجديدة تشكل حكما تعبيرا عن حرص السعودية"، بشخص جلالك الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الشيخ محمد بن سلمان "على لبنان واستقراره وعلى دعمه في كل المجالات".
وتؤكد الأوساط "انه في كل اللقاءات التي عقدها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع ولي عهد المملكة كان سمو الامير يجدد حرص المملكة على أمن لبنان واستقراره، وعلى استمرار الدعم الإنساني الذي تقدمه المملكة للشعب اللبناني الشقيق".

وتشدد الاوساط الحكومية على "ان المبادرة التي اطلقها رئيس دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لدعم لبنان تؤكد مجددا، متانة العلاقات الأخوية التي تجمع دولة الإمارات ولبنان. فالإمارات كانت ولا تزال إلى جانب الشعب اللبناني منذ عهد المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
وتذكّر الاوساط بمواقف رئيس الامارات الشيخ محمد بن زايد التي يعبّر عنها في كل المحافل بالتشديد على وحدة لبنان وسيادته وسلامة أراضيه ووقوف الامارات الدائم مع شعب لبنان".
وتشدد الاوساط على "ان رئيس الامارات عبر في كل لقاءاته مع رئيس الحكومة عن ان موقف الإمارات تجاه لبنان يقوم على دعم كل ما يحفظ أمنه واستقراره وسيادته ووحدة أراضيه وما يحقق مصلحة شعبه في التنمية والازدهار".
وتذكّر الاوساط بقول الشيخ محمد "إننا نريد أن نرى لبنان قوياً متماسكاً وطرفاً فاعلاً في محيطه العربي والإقليمي والدولي".
وتختم الاوساط بالقول "ان لبنان كان وسيبقى قويا اولا بوحدته مهما عصفت به المحن، وثانيا بدعم اخوانه واصدقائه، وستبقى العلاقة مع المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة نموذجا حيا للاخوة الصادقة والمتينة التي تزداد رسوخا مع الايام".

المصدر: لبنان 24

مقالات مشابهة

  • معرض "عبر الزمن" و"سمكة وطيارة" بجاليرى بيكاسو.. الثلاثاء
  • ارتفاع ضحايا اعصار هيلين الذي ضرب اميركا الى أكثر من 160 قتيلا
  • مدرب لايبزج متفائل بقدرة فريقه على الفوز أمام يوفنتوس في دوري أبطال أوروبا
  • خبير اقتصادي: منظومة الدعم العيني عفا عليها الزمن
  • جورجينا توضح أكثر الكلمات العربية التي تستخدمها
  • السعودية والامارات: ايادي محبة تحتضن لبنان في الزمن الصعب
  • حكاية حفرة من صنع البشر مشتعلة منذ 53 عاما.. تزداد خطورتها بمرور الزمن
  • وزير الخارجية الإيراني: على العدو الصهيوني القلق من المستقبل الذي بات ينتظره
  • عبدالله آل حامد: “اليوم الإماراتي للتعليم” يجسد المكانة التي يحظى بها العلم في فكر محمد بن زايد
  • عبدالله آل حامد: اليوم الإماراتي للتعليم يجسد المكانة التي يحظى بها العلم في فكر محمد بن زايد