نوافذ: خاتم الذهب وتاريخنا الشعبي
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
قبل أكثر من مائة عام ضاع خاتم ذهب لرجل صومالي اسمه إبراهيم سمنتر في بندر كسمايو، وبينما هو مسافر إلى ممباسا أخبره رجل قابله هناك أنه رأى خاتمه الضائع في لامو مع امرأة تسمى فاطمة. لم يكذّب سمنتر الخبر وسافر من فوره إلى لامو، وقضى هناك أيامًا يسأل عن المرأة والخاتم إلى أن وجده أخيرًا مرهونًا لدى تاجر من البانيان يقال له المردادي.
أرخ إبراهيم سمنتر رسالته في نهايتها بغرّة ذي القعدة من سنة 1323هـ، الذي يعادل ميلاديًّا -تقريبًا- 27 ديسمبر 1905م، أي أن الرسالة ستُكمل بعد ثلاثة أيام من نشر هذا المقال 118 عامًا، وقد أهداني نسخة مصوّرة منها سعادة محمد بن ناصر المحروقي، عضو مجلس الشورى ممثل ولاية سناو، الذي هو قبل ذلك باحث مهتم بالتاريخ العُماني في شرق إفريقيا، ومترجم يوميات محمد بن حمد المرجبي الشهير بـ«تيبو تيب»، وأيضًا مؤلف كتاب جميل في أدب الرحلات عنوانه «من الفرضاني: يوميات رحلة إلى زنجبار وممباسا والبر الإفريقي».
ما يهمني في الحديث عن رسالة الصومالي لوالي لامو أن رسائل كهذه يمكن النظر إليها باعتبارها وثائق مهمة توثق التاريخ «الشعبي» في شرق إفريقيا إبان حكم العُمانيين له، في ظل شحّ التأريخ للمجتمع والناس هناك، بالمقارنة مع الكتب التي أرخت للأحداث السياسية وللسلاطين والأئمة. إنها تُكمل الصورة الناقصة التي قد تكون أهملتها أو غفلت عنها كتبٌ تاريخية مهمّة مثل «جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار» للشيخ سعيد المغيري، و«الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين» لابن رزيق، و«تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار» لزاهر بن سعيد النخلي. ولا أنسى هنا أن الباحث ناصر الريامي أورد بعضًا من هذا التاريخ الشعبي في كتابه المهم «زنجبار شخصيات وأحداث» معتمدًا على روايات شفهية من بعض الناس العاديين غير المحسوبين على هذه السلطة أو تلك ممن عاصروا أحداث يناير عام 1964م الذي يسميه كثيرٌ من العُمانيين «انقلاب زنجبار». كما أذكر أن الأستاذ أحمد الفلاحي وثّق في كتابه «بطين: لمحات عنها للأجيال القادمة» رسائل مهمة من عُمانيين في شرق إفريقيا تتنبأ بسقوط زنجبار، قبل هذا السقوط بسنوات.
كم أتمنى أن يلتفت الباحثون في التاريخ العُماني إلى هذه النوعية من الوثائق، التي قد لا تبدو مهمة للوهلة الأولى كونها صادرة عن أناس بسطاء ليسوا من رجال السياسة أو صفوة المجتمع، إلا أن دراستها ومقارنتها وتحليلها كفيلٌ بتشكيل ما يُمكن أن أسميه تاريخًا شعبيًّا عُمانيًّا موازيًا للتاريخ الرسمي، ورادمًا لبعض فجواته. وأستحضر هنا واحدًا من أهم الكتب الجديرة بالاحتذاء بها في هذا الإطار، وهو كتاب «التاريخ الشعبي للولايات المتحدة» للمؤرخ الأمريكي هوارد زن، الذي تمثلتْ مصادره الأساسية - كما يخبرنا مترجمه إلى العربية شعبان مكاوي في مقدمته - «في الكتابات المُهمَلة والاتفاقيات المتعمَّد نسيانها، ومقالات الصحف، والخطابات الشخصية، وسجلات المحاكم، وخطابات الناس إلى أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وشهادات الناس العاديين».
نعلم جيّدًا أن ثمة رسائل كثيرة بعثها عُمانيون من شرق إفريقيا إلى أهاليهم في عُمان، ساردين فيها أحوالهم، وأحوال مجتمعاتهم في زمن إرسال تلك الرسائل، متحدثين عن مشاهداتهم، وحكاياتهم في الغربة، فكم من هذه الرسائل قد ضاع يا تُرى بمجرد وفاة المرسل إليه، دون أن يطلع عليها أحد. إن كل رسالة منها هي خاتم ذهبي لا يقلّ أهمية عن خاتم إبراهيم سمنتر الذي لا نعرف هل عاد إليه بعد رسالته للوالي أم ضاع إلى الأبد؟
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: شرق إفریقیا
إقرأ أيضاً:
هولندا تكتب التاريخ في كأس ديفيز
ملقة (رويترز)
حققت هولندا إنجازاً تاريخياً بالتأهل لنهائي كأس ديفيز للتنس للمرة الأولى في تاريخها بتغلبها 2- صفر على ألمانيا في قبل النهائي.
وتأهلت هولندا بفضل انتصار بوتيك فان دي زاندسخولب وتالون جريكسبور في مباراتي الفردي.
وتلعب هولندا في النهائي المقرر الأحد مع الفائز من مباراة قبل النهائي الأخرى التي تقام بين إيطاليا حاملة اللقب وأستراليا.
واحتاج فان دي زاندسخولب، الذي أنهى مسيرة الإسباني رافائيل نادال يوم الثلاثاء الماضي، عشر نقاط للمباراة للتغلب 6-4 و6-7 و6-3 على الألماني دانييل ألتماير ليضع فريقه في المقدمة.
وفاز المصنف 80 عالمياً بالمباريات الثلاث التي خاضها في البطولة بينها مباراة الزوجي الفاصلة أمام الثنائي الإسباني المؤلف من كارلوس ألكاراز ومارسيل جرانوييريس يوم الثلاثاء الماضي.
وبدا أن الألماني يان لينارد شتروف سيبقي على آمال ألمانيا في التأهل للنهائي للمرة الأولى منذ 1993، بعدما فاز بالمجموعة الأولى، وكسر إرسال جريكسبور في المجموعة الثانية.
لكن اللاعب الهولندي، المصنف الـ40 عالمياً، انتفض ليفوز 6-7 و7-5 و6-4، ليحسم الفوز بالإرسال الساحق رقم 25 الذي يلعبه في المباراة.
وقال جريكسبور (28 عاماً) في مقابلة على جانب الملعب «إنه أمر لا يصدق، كنا نتحدث بهذا الخصوص منذ عامين أو ثلاث سنوات، وكنا نشارك في البطولة دائماً ونواجه قرعة صعبة على نحو لا يصدق ونخسر أمام فرق تمضي في طريقها للنهائي أو للفوز بالبطولة، وهذا العام واجهنا إسبانيا في دور الثمانية لكننا وثقنا في قدراتنا وشعرنا أن الفوز ممكن».
وبدا فان دي زاندسخولب في طريقه لفوز مريح في المباراة الأولى من مواجهة قبل النهائي، بعدما فاز بالمجموعة الأولى، وكسر إرسال منافسه في الثانية.
لكنه أهدر خمس نقاط لحسم المباراة في شوط فاصل ماراثوني بالمجموعة الثانية استمر 26 نقطة، قبل أن يفوز به ألتماير، ليدفع بالمباراة إلى مجموعة ثالثة.
ورغم أنه تقدم في النتيجة فإن اللاعب الهولندي سمح لمنافسه بالعودة، قبل أن يكسر فان دي زاندسخلوب إرسال منافسه ليتقدم 5-3.
ويبدو أن التوتر نال من اللاعب الهولندي الذي ارتكب ثلاثة أخطاء مزدوجة على الإرسال لكنه تمكن أخيراً من إنجاز المهمة.
وكانت مباراة الفردي الأخرى أعلى في المستوى، إذ قدم اللاعبان أداءً مذهلاً على الأرضية السريعة للملعب المغطى.
وقدم شتروف أداء لا تشوبه شائبة ليحسم المجموعة الأولى، لكنه أهدر فرصتين للكسر، عندما كانت النتيجة 3-4 في المجموعة الثانية.
وكانت هذه نقطة تحول، إذ تفوق جريكسبور على منافسه، وحافظ على هدوئه ليحافظ على شوط إرساله، ويحسم المواجهة.
وأثنى بول هارهوس كابتن الفريق، الذي لعب لمصلحة فريق هولندا بكأس ديفيز بين عامي 1990 و2005، على اللاعبين.
وقال «بالنسبة لي، هذا يعني أنني وصلت إلى النهائي للمرة الأولى على الإطلاق في كأس ديفيز، وأنني جزء من هذا الفريق الذي قدم مثل هذا الأداء الجيد في آخر خمس سنوات».
وأضاف «إنه أمر فريد بالنظر لأن فريقنا لا يضم لاعبين ضمن أفضل خمسة أو عشرة لاعبين في العالم، لكنه نتاج عمل جماعي وأظهرنا أن بمقدورنا الوصول إلى النهائي، يحظى اللاعبون بثقة كبيرة بعد هذا، لكن علينا أن نخوض المباراة بقوة كبيرة يوم الأحد ونثق أن وقتنا قد حان».