لجريدة عمان:
2024-09-17@03:21:35 GMT

نوافذ: خاتم الذهب وتاريخنا الشعبي

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

قبل أكثر من مائة عام ضاع خاتم ذهب لرجل صومالي اسمه إبراهيم سمنتر في بندر كسمايو، وبينما هو مسافر إلى ممباسا أخبره رجل قابله هناك أنه رأى خاتمه الضائع في لامو مع امرأة تسمى فاطمة. لم يكذّب سمنتر الخبر وسافر من فوره إلى لامو، وقضى هناك أيامًا يسأل عن المرأة والخاتم إلى أن وجده أخيرًا مرهونًا لدى تاجر من البانيان يقال له المردادي.

ولأنه من غير المعقول أن يُعيد إليه التاجر خاتمه لمجرد ادعائه ملكيته، فإن الصومالي استنجد بوالي لامو السيد سيف بن سالم البوسعيدي برسالة بليغة يسرد فيها قصته ويؤكد ملكيته للخاتم، وأنه اشتراه من «برّ الكيبتون» في بلدة تسمى «سوس بري»، ذاكرا اسم البائع والشهود، بل واسم من طلب منه شراءه بعد ذلك.

أرخ إبراهيم سمنتر رسالته في نهايتها بغرّة ذي القعدة من سنة 1323هـ، الذي يعادل ميلاديًّا -تقريبًا- 27 ديسمبر 1905م، أي أن الرسالة ستُكمل بعد ثلاثة أيام من نشر هذا المقال 118 عامًا، وقد أهداني نسخة مصوّرة منها سعادة محمد بن ناصر المحروقي، عضو مجلس الشورى ممثل ولاية سناو، الذي هو قبل ذلك باحث مهتم بالتاريخ العُماني في شرق إفريقيا، ومترجم يوميات محمد بن حمد المرجبي الشهير بـ«تيبو تيب»، وأيضًا مؤلف كتاب جميل في أدب الرحلات عنوانه «من الفرضاني: يوميات رحلة إلى زنجبار وممباسا والبر الإفريقي».

ما يهمني في الحديث عن رسالة الصومالي لوالي لامو أن رسائل كهذه يمكن النظر إليها باعتبارها وثائق مهمة توثق التاريخ «الشعبي» في شرق إفريقيا إبان حكم العُمانيين له، في ظل شحّ التأريخ للمجتمع والناس هناك، بالمقارنة مع الكتب التي أرخت للأحداث السياسية وللسلاطين والأئمة. إنها تُكمل الصورة الناقصة التي قد تكون أهملتها أو غفلت عنها كتبٌ تاريخية مهمّة مثل «جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار» للشيخ سعيد المغيري، و«الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين» لابن رزيق، و«تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار» لزاهر بن سعيد النخلي. ولا أنسى هنا أن الباحث ناصر الريامي أورد بعضًا من هذا التاريخ الشعبي في كتابه المهم «زنجبار شخصيات وأحداث» معتمدًا على روايات شفهية من بعض الناس العاديين غير المحسوبين على هذه السلطة أو تلك ممن عاصروا أحداث يناير عام 1964م الذي يسميه كثيرٌ من العُمانيين «انقلاب زنجبار». كما أذكر أن الأستاذ أحمد الفلاحي وثّق في كتابه «بطين: لمحات عنها للأجيال القادمة» رسائل مهمة من عُمانيين في شرق إفريقيا تتنبأ بسقوط زنجبار، قبل هذا السقوط بسنوات.

كم أتمنى أن يلتفت الباحثون في التاريخ العُماني إلى هذه النوعية من الوثائق، التي قد لا تبدو مهمة للوهلة الأولى كونها صادرة عن أناس بسطاء ليسوا من رجال السياسة أو صفوة المجتمع، إلا أن دراستها ومقارنتها وتحليلها كفيلٌ بتشكيل ما يُمكن أن أسميه تاريخًا شعبيًّا عُمانيًّا موازيًا للتاريخ الرسمي، ورادمًا لبعض فجواته. وأستحضر هنا واحدًا من أهم الكتب الجديرة بالاحتذاء بها في هذا الإطار، وهو كتاب «التاريخ الشعبي للولايات المتحدة» للمؤرخ الأمريكي هوارد زن، الذي تمثلتْ مصادره الأساسية - كما يخبرنا مترجمه إلى العربية شعبان مكاوي في مقدمته - «في الكتابات المُهمَلة والاتفاقيات المتعمَّد نسيانها، ومقالات الصحف، والخطابات الشخصية، وسجلات المحاكم، وخطابات الناس إلى أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وشهادات الناس العاديين».

نعلم جيّدًا أن ثمة رسائل كثيرة بعثها عُمانيون من شرق إفريقيا إلى أهاليهم في عُمان، ساردين فيها أحوالهم، وأحوال مجتمعاتهم في زمن إرسال تلك الرسائل، متحدثين عن مشاهداتهم، وحكاياتهم في الغربة، فكم من هذه الرسائل قد ضاع يا تُرى بمجرد وفاة المرسل إليه، دون أن يطلع عليها أحد. إن كل رسالة منها هي خاتم ذهبي لا يقلّ أهمية عن خاتم إبراهيم سمنتر الذي لا نعرف هل عاد إليه بعد رسالته للوالي أم ضاع إلى الأبد؟

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: شرق إفریقیا

إقرأ أيضاً:

جبهة النضال الشعبي الفلسطيني تبارك الضربة الصاروخية اليمنية في مدينة يافا المحتلة

يمانيون – متابعات
باركت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، الضربة الصاروخية الناجحة التي قامت بها القوات المسلحة اليمنية في مدينة يافا “تل أبيب” المحتلة.

وقالت الجبهة في بيان لها اليوم الأحد: إن العملية اليمنية أدت إلى خلق معادلات جديدة في الصراع مع العدو وداعميه.. مشيرة إلى أن الضربة رد طبيعي على العدوان الصهيوني على مدينة الحديدة واستمرار حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني بدعم أمريكي غربي وتواطؤ عربي.

وأضافت: إن دور ودعم وإسناد إخواننا في اليمن الشقيق في المواجهة مع العدو دفاعا عن فلسطين يأتي في إطار الرد على دعم أمريكا والدول الغربية للعدو.

وأكدت أن “جبهة الإسناد للإخوة في اليمن شكلت معادلة إقليمية ودولية كبيرة في البحر الأحمر وفي مواجهة العدو الصهيوني– الأمريكي”.

ولفتت إلى أن هذه الجبهة وجبهات الدعم والإسناد في لبنان والعراق، ودور ودعم إيران وسوريا أثبتت أن قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية.

مقالات مشابهة

  • نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام أحمد علي عبدالله صالح يُعزّي في وفاة الدكتور علي الميري
  • أميرة سليم: كسبت التحدي بأغنية «بنحب المصرية» في اللون الشعبي
  • بيع المخدرات في الحي الشعبي.. قرار المحكمة ضد 3 من أباطرة الكيف بالمرج
  • الرياضي الإستوني جان روز يصنع التاريخ على جسر البوسفور!
  • تفجير يستهدف منتسبين بإعلام الحشد الشعبي غربي نينوى
  • كيف انتهى الحكم العماني في شرق إفريقيا؟ كتاب يجيب (1 من2)
  • صادقي:نشكر السوداني على تقديم (100) مليار دولار لإيران من خلال إبرام (14) إتفاقية ستنفذ من قبل شركة خاتم الانبياء
  • خاتم Oura قد يتمكن من قياس مستويات السكر في الدم قريبًا
  • جبهة النضال الشعبي الفلسطيني تبارك الضربة الصاروخية اليمنية في مدينة يافا المحتلة
  • أحاديث عن التاريخ وزوابعه!