لجريدة عمان:
2024-12-26@02:59:04 GMT

نوافذ: خاتم الذهب وتاريخنا الشعبي

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

قبل أكثر من مائة عام ضاع خاتم ذهب لرجل صومالي اسمه إبراهيم سمنتر في بندر كسمايو، وبينما هو مسافر إلى ممباسا أخبره رجل قابله هناك أنه رأى خاتمه الضائع في لامو مع امرأة تسمى فاطمة. لم يكذّب سمنتر الخبر وسافر من فوره إلى لامو، وقضى هناك أيامًا يسأل عن المرأة والخاتم إلى أن وجده أخيرًا مرهونًا لدى تاجر من البانيان يقال له المردادي.

ولأنه من غير المعقول أن يُعيد إليه التاجر خاتمه لمجرد ادعائه ملكيته، فإن الصومالي استنجد بوالي لامو السيد سيف بن سالم البوسعيدي برسالة بليغة يسرد فيها قصته ويؤكد ملكيته للخاتم، وأنه اشتراه من «برّ الكيبتون» في بلدة تسمى «سوس بري»، ذاكرا اسم البائع والشهود، بل واسم من طلب منه شراءه بعد ذلك.

أرخ إبراهيم سمنتر رسالته في نهايتها بغرّة ذي القعدة من سنة 1323هـ، الذي يعادل ميلاديًّا -تقريبًا- 27 ديسمبر 1905م، أي أن الرسالة ستُكمل بعد ثلاثة أيام من نشر هذا المقال 118 عامًا، وقد أهداني نسخة مصوّرة منها سعادة محمد بن ناصر المحروقي، عضو مجلس الشورى ممثل ولاية سناو، الذي هو قبل ذلك باحث مهتم بالتاريخ العُماني في شرق إفريقيا، ومترجم يوميات محمد بن حمد المرجبي الشهير بـ«تيبو تيب»، وأيضًا مؤلف كتاب جميل في أدب الرحلات عنوانه «من الفرضاني: يوميات رحلة إلى زنجبار وممباسا والبر الإفريقي».

ما يهمني في الحديث عن رسالة الصومالي لوالي لامو أن رسائل كهذه يمكن النظر إليها باعتبارها وثائق مهمة توثق التاريخ «الشعبي» في شرق إفريقيا إبان حكم العُمانيين له، في ظل شحّ التأريخ للمجتمع والناس هناك، بالمقارنة مع الكتب التي أرخت للأحداث السياسية وللسلاطين والأئمة. إنها تُكمل الصورة الناقصة التي قد تكون أهملتها أو غفلت عنها كتبٌ تاريخية مهمّة مثل «جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار» للشيخ سعيد المغيري، و«الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين» لابن رزيق، و«تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار» لزاهر بن سعيد النخلي. ولا أنسى هنا أن الباحث ناصر الريامي أورد بعضًا من هذا التاريخ الشعبي في كتابه المهم «زنجبار شخصيات وأحداث» معتمدًا على روايات شفهية من بعض الناس العاديين غير المحسوبين على هذه السلطة أو تلك ممن عاصروا أحداث يناير عام 1964م الذي يسميه كثيرٌ من العُمانيين «انقلاب زنجبار». كما أذكر أن الأستاذ أحمد الفلاحي وثّق في كتابه «بطين: لمحات عنها للأجيال القادمة» رسائل مهمة من عُمانيين في شرق إفريقيا تتنبأ بسقوط زنجبار، قبل هذا السقوط بسنوات.

كم أتمنى أن يلتفت الباحثون في التاريخ العُماني إلى هذه النوعية من الوثائق، التي قد لا تبدو مهمة للوهلة الأولى كونها صادرة عن أناس بسطاء ليسوا من رجال السياسة أو صفوة المجتمع، إلا أن دراستها ومقارنتها وتحليلها كفيلٌ بتشكيل ما يُمكن أن أسميه تاريخًا شعبيًّا عُمانيًّا موازيًا للتاريخ الرسمي، ورادمًا لبعض فجواته. وأستحضر هنا واحدًا من أهم الكتب الجديرة بالاحتذاء بها في هذا الإطار، وهو كتاب «التاريخ الشعبي للولايات المتحدة» للمؤرخ الأمريكي هوارد زن، الذي تمثلتْ مصادره الأساسية - كما يخبرنا مترجمه إلى العربية شعبان مكاوي في مقدمته - «في الكتابات المُهمَلة والاتفاقيات المتعمَّد نسيانها، ومقالات الصحف، والخطابات الشخصية، وسجلات المحاكم، وخطابات الناس إلى أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وشهادات الناس العاديين».

نعلم جيّدًا أن ثمة رسائل كثيرة بعثها عُمانيون من شرق إفريقيا إلى أهاليهم في عُمان، ساردين فيها أحوالهم، وأحوال مجتمعاتهم في زمن إرسال تلك الرسائل، متحدثين عن مشاهداتهم، وحكاياتهم في الغربة، فكم من هذه الرسائل قد ضاع يا تُرى بمجرد وفاة المرسل إليه، دون أن يطلع عليها أحد. إن كل رسالة منها هي خاتم ذهبي لا يقلّ أهمية عن خاتم إبراهيم سمنتر الذي لا نعرف هل عاد إليه بعد رسالته للوالي أم ضاع إلى الأبد؟

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: شرق إفریقیا

إقرأ أيضاً:

مصر ضمن أهم مقاصد تمويلات المشروعات الناشئة في إفريقيا

أظهرت بيانات إحصائية، أن دول مصر وكينيا و نيجيريا وجنوب إفريقيا، حلت، كالمعتاد، في المراكز الأولى كأهم مقاصد تمويلات المشروعات الناشئة في قارة أفريقيا بنهاية 2024 .


وأفادت بيانات "منصة إفريقيا: الصفقة الكبرى" - التي ترصد الاستثمارات المتدفقة على المشروعات الناشئة وقطاع المشروعات المشتركة في إفريقيا - بأن هذا العام شهد ازدياداً بواقع 50 مليون دولار أو أكثر، جرى استثمارها في مشروعات ناشئة في عدة دول إفريقية.


وقدرت البيانات حجم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة للمشروعات الناشئة في القارة الإفريقية، خلال العام الجاري، بنحو 2.2 مليار دولار.


وأضافت أنه خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، بلغت قيمة المشروعات الناشئة في كينيا 437 مليون دولار.


وجرى الكشف عن صفقتين أخيرتين بمليارات الدولارات، بواسطة "مونيبوينت" النيجيرية، و"تايمي" الجنوب إفريقية؛ وهو ما أشاع روح من التفاؤل في انتعاش سوق تمويل المشروعات الناشئة في القارة مع نهاية العام.

الشراكات في  المشروعات الناشئة يمكن أن تتخذ أشكالاً متعددة، مثل التعاون في تطوير منتج جديد، توزيع مشترك للمنتجات، أو تبادل الخبرات الفنية. عند اختيار الشركاء المناسبين، يجب أن يكون الهدف هو بناء علاقة مربحة للطرفين تعمل على تعزيز قوة الشركة الناشئة وتساهم في تحقيق نمو مستدام.

تلعب البرامج الحكومية دورًا هامًا في تمويل ريادة الأعمال. تعمل الحكومات على توفير برامج دعم مالي وتسهيلات للمشاريع الناشئة بهدف تشجيع الابتكار والتنمية الاقتصادية. يمكن أن تشمل هذه البرامج تقديم المنح المالية، والقروض ذات الفائدة المنخفضة، والضمانات المالية، والتدريب والتوجيه الفني.

بفضل هذه البرامج، يتم تخفيف العبء المالي على المشاريع الناشئة وتمكينها من النمو والتوسع. تعتبر برامج الدعم الحكومي فرصة قيمة للرواد الأعمال للحصول على التمويل اللازم ودعمهم في رحلتهم نحو بناء أعمال ناجحة.


 والتمويل الجماعي أحد الخيارات الشائعة لتمويل ريادة الأعمال. يتمثل التمويل الجماعي في جمع رأس المال من خلال مساهمة عدد كبير من الأفراد أو المستثمرين الصغار عبر منصات على الإنترنت. يعتبر التمويل الجماعي طريقة فعالة للحصول على التمويل بسهولة وتجاوز العقبات التقليدية المرتبطة بالبنوك والمؤسسات المالية التقليدية.

مقالات مشابهة

  • مرتضى منصور: عمر زهران مسرقش خاتم من شاليمار
  • الدفاع الجوي والحشد الشعبي يحققان انتصارين في دوري المحترفين لكرة السلة
  • الموصل تودع أحد أعمدة التاريخ العراقي الحديث
  • مصر ضمن أهم مقاصد تمويلات المشروعات الناشئة في إفريقيا
  • منعطف حرج للسوداني بين مشهد سوريا ومصير الحشد الشعبي المتعلق بـالفتوى المستحيلة
  • إيران تعلن موقفها من حل الحشد الشعبي
  • ندوة تثقيفية للدفاع الشعبي بجامعة المنيا
  • هل يهدد الحشد الشعبي هيبة الدولة؟ تصريحات الولائي تثير الجدل!
  • عاصفة تهب على العراق.. هل يمكن حل الحشد الشعبي؟
  • عاصفة على أبواب العراق.. هل يمكن حل الحشد الشعبي في العراق؟