جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-02@03:13:56 GMT

قصة "غزة والضبع المجنون"

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

قصة 'غزة والضبع المجنون'

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

"غزّة"، وما أدراك ما "غزّة".. فتاة في مقتبل العمر، جميلة، عظيمة، مهيبة، تزوجت "الهمّ" صغيرة، وأنجبت أكثر من مليوني شهيد، تعيش بمعزل عن العالم مع أولادها، رغم أن لديها أكثر من عشرين أخًا يعيشون حولها، ولكنهم يقاطعونها؛ لأنها خرجت عن إرادتهم، و"عرّت" شرفهم، تخرج كل يوم لتلتقط رزقها، وتروي عطش أطفالها، وتسقي زرعها، لكي تبقى قوية متماسكة، إمكاناتها ضعيفة، ومواردها شحيحة، ولكن إرادتها لا تُقهر، وعزيمتها لا تُهزم، تنام في كثير من الأيام في العراء دون طعام، تقاسم الشمس نورها، وتفترش أديم الأرض، وتلتحف غيمات السماء، ليس لديها هَم سوى الحفاظ على كرامتها، وشرفها.

تخلّى الجميع عنها، ونسوا أمرها، واعتبرها إخوتها فتاة مارقة، لا تستحق اهتمامهم، فضاقت عليها الأرض بما رحبت، وهي تشاهد إخوانها يهرولون نحو "الضبع" الغريب الجائع الذي جاء مع عصابته من أصقاع الغابة، فالتَهَمَ حقها، وسرق أرضها وبحرها، ونهب لقمة عيشها، وسكن في مساكنها، وظلمها ظلما كبيرًا، وعاث في الأرض الفساد، وها هو يقف مع قطيع من عصابته على حدود أرضها، يُهدد أمنها، ويقتل أطفالها دون هوادة، ويتحكّم في رزقها وعملها، ويعتدي على أبنائها، وبناتها، ويحيطها بسياج ضخم من الصخر والأسلاك، لديه سلاح فتاك، وجنود مدججين بالأنياب، شرسين، لا يعرفون الرحمة.

ورغم ذلك بدأ إخوان "غزّة" يتخلون عنها واحدًا واحدًا، ويهرولون لأحضان الضبع، لم تستطع أن تتحمّل كل هذا الألم، لم تعد تطيق هذا الحصار الذي فرضه عدوها عليها، وهذا التجويع، والترهيب، والقتل، والدمار اليومي، فأخذت سلاحها البسيط، ومضت مع مجموعة من أولادها، ودخلت إلى مضجع الضبع، ومارست حقها في الدفاع عن نفسها، العين بالعين، والنفس بالنفس، وقتلت عددًا من المجرمين المعتدين، والذين أتوا من كل غابات وجبال الدنيا، ليسكنوا بجوارها، ويستولوا على أرضها، ويقيموا منازلهم على جماجم أبنائها، حاولت أن تدافع عن نفسها وشرفها، وأن تلفت نظر "ملوك الغابة"، ونظر إخوانها لقضيتها المنسيّة، فيرحموا ضعفها، ويردوا حقوقها المسلوبة، ويثأروا لكرامتها، وتهتز فيهم شعرة النخوة، والقربى، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.

هاج الضبع وماج، استدعى كل ضباع العالم، وصرخ بأعلى صوته، وبكى واستبكى، ورعد وأبرق وأزبد، وبدأ هجومًا لا مثيل له- ومعه أصدقاؤه الضباع الكبار- دون رحمة على "غزة".. أباد الصغار، وقتل الكبار، وأخرج الأطفال من أحشاء أمهاتهم، وأحرق الزرع والضرع، وهدّم البيوت على رؤوس ساكنيها، وأباد النساء، ولم يسلم من صرعه وخلله العقلي صغير ولا كبير ولا أرض ولا ثمر، أبادهم كلهم، بينما وقف ملوك الغابة يتفرجون على المشهد، ويصفقون لكل مذبحة، وشاهدت "غزة" أخوتها مبعثرين، يكتمون ضحكاتهم في العلن، ويطلقونها في الخفاء، يهرولون- على استحياء- لوقف جنون الضبع، ويتسوّلون من المجرم وقف القتل، وأن يسمح لهم بإدخال صهريج ماء، أو حزمة غذاء، أو مناديل طبية لتنشيف دم الجرحى، ولا يفعلون أكثر من الصراخ، والعويل، ولا يوفّرون حفلًا، ولا مؤتمرًا ولا اجتماعًا دون أن يحمّلوا أختهم المسؤولية عن المجازر التي حصلت لها، تمامًا كما يفعلون- بخجل- عند إدانة القاتل، فساوُوا بين الضحية والجلّاد، ورغم كل المآسي والدمار وصور الأشلاء وركام الأنقاض، ظلّت "غزة" صامدة في وجه المجرمين، تُعلّم العالم دروسًا في الكرامة والشرف والنخوة التي افتقدها حتى إخوتها الكبار، وستخرج يومًا من الرماد كما تفعل العنقاء من رحم النار.

تحوّلت قصة "غزّة والضبع" إلى حكاية أسطورية تسردها الأمهات لأطفالهن قبل النوم في كل العالم، لا ليناموا، ولكن ليستيقظوا من سباتهم العميق، ويسخروا من خرافات الضبع وأصدقائه القتلة الفاشلين، المُلطخة أياديهم بدم الأطفال والنساء، وأصبحت "غزة" رمزًا للصمود والشرف والكرامة التي افتقدها معظم العالم، وكثير من إخوانها البائسين.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وقفة.. الحرب العالمية الثالثة

وقفتنا هذا الأسبوع حضراتكم سوف نتحدث فيها عما وصل إليه العالم جميعه الآن لمنحدر في غاية الأهمية والخطورة، للدرجة التي يمكن معها القول إننا بدأنا فعلا الحرب العالمية الثالثة.

نعم أظن أننا نحن الآن في بدايتها، فما يحدث من مواجهات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة من مواجهة مباشرة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، ومواجهة مباشرة مخففة بعض الشيء بين حزب الله اللبناني وحزب الله العراقي وجماعة أنصار الله (الحوثيين) باليمن، من ناحية ومن خلفهم إيران وروسيا ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي من ناحية أخرى.

ووقوف أمريكا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا وإيطاليا، وبعض دول حلف الناتو خلف قوات الاحتلال الصهيوني وما يحدث بسببها من مواجهات في البحر الأحمر والبحر المتوسط ليست بالسهلة والمواجهة الحربية القاسية أيضا بين روسيا تدعمها دول أهمها الصين وكوريا الشمالية من ناحية وأوكرانيا من ناحية أخرى تدعمها أمريكا ودول حلف الناتو، واهتمام أغلب شعوب العالم بما يدور من رحى في فلسطين وأوكرانيا بل انقسامه في تأييد ذلك أو ذاك.

وإن كانت أغلب شعوب العالم الآن تقف بجانب أشقائنا الفلسطينيين واضح جدا من المظاهرات اليومية التي تحدث في كثير من دول العالم، وخاصة اعتصامات ومظاهرات طلبة الجامعات في جميع انحاء العالم، وكم القتل والتدمير الناتج عن الطائرات الحربية والمسيرة خاصة بالأراضي الفلسطينية المحتلة وأوكرانيا، ووقوف وصمود أسطوري للمقاومة الفلسطينية في مواجهة آلة القتل الصهيونية.

رغم كمية الصواريخ والقنابل التي تطلق يوميا من طائرات المعتدى الصهيوني، بشكل أبهر العالم أجمع تأكيدا للآية القرآنية الكريمة، بسم الله الرحمن الرحيم "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" صدق الله العظيم آية رقم 60 من سورة الأنفال، لهو تأكيد على عظمة القرآن الكريم وما تحقق من صمود المقاومة الفلسطينية لمدة تسعة أشهر تقريبا برغم بدائية السلاح المستخدم.

أمام أقوى الأسلحة الأمريكية والأوروبية، مع خطط تحرك ومواجهة رائعة للغاية جعلت المعتدي الصهيوني يغرق في مستنقع غزة، وبشكل يؤكد انتصار المقاومة الفلسطينية الباسلة حتى ولو لم تتوقف الحرب الآن ولكنها في جميع الحالات أصبحت محققة لانتصار رائع بصمودها الأسطوري، شعر به الكثير من الإسرائيليين الآن الذين شعروا بحجم الخسارة اليومية في البشر والآلات الحربية، وأدركوا ما فعله نتنياهو بهم الذى أغرق الإسرائيليين ماديا وعسكريا واقتصاديا وبشريا، بالشكل الذى أصبح معه يمثل عبئا على الإسرائيليين وحلفائه من الأمريكان ودول حلف الناتو التي أصبحت شريكة له في الهزيمة بكل تأكيد.

ويستمر نتنياهو في الغرق وإغراقهم معه للدرجة التي أصبح بالفعل لا يعلم إلى أين يسيرون ومتى تنتهى هذه الحرب؟ لكن المؤكد أنهم جميعا خاسرون ويخسرون هم ومن يواليهم، والمشكلة هنا أن العالم كله الآن يتأثر بتلك الحروب الفاشلة، التي لم تفد أحدا بل يغرق معها قادتها كل يوم أكثر وأكثر، ونحن ننتظر متى ستنتهى تلك المهازل التي نتائجها أصبحت بالفعل نتائج حرب عالمية ثالثة بالفعل.

إلى هنا انتهت وقفتنا لهذا الأسبوع ندعو الله أن أكون بها من المقبولين، وإلى وقفة أخرى الأسبوع القادم إذا أحيانا الله وأحياكم إن شاء الله.

اقرأ أيضاًروسيا تحذر فرنسا من الحرب العالمية الثالثة إذا تدخلت في أوكرانيا

عرض فيلم الحرب العالمية الثالثة بالمركز الثقافي الروسي.. السبت المقبل

مقالات مشابهة

  • سقوط لأميركا وليس لجو بايدن
  • ترامب يتقدَّم... الرجاء ربطُ الأحزمة
  • ترمب يتقدَّم... الرجاء ربطُ الأحزمة
  • وقفة.. الحرب العالمية الثالثة
  • أماكن قوافل تعليم الكبار في المنوفية خلال شهر يوليو
  • 110 لغة جديدة تنضم إلى خدمة ترجمة “غوغل”
  • «شارة نصر»
  • الإرهاب الأمريكي الإسرائيلي
  • عمان في مؤشر السلام العالمي 2024
  • نحو سياسة تعليمية جديدة