الموقع بوست:
2024-09-30@19:42:07 GMT

بريف تعز.. "مأوى الضبع" وجد الحِمني راحته

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

بريف تعز.. 'مأوى الضبع' وجد الحِمني راحته

بإطلالة عتيدة وملامح صارمة وهيئة من أثر الأسلاف، يطل محمد ابراهيم الحِمني منتصبا -كلما شعر بالخطر- من أعالي الجبل الذي يحرسه في منطقة "حِمنة" بريف تعز، مطلقا نظرة متفحصة صوب الأسفل، قاطعا السكون بأصداء نداءات تحذيرية -يعرفها كل من زار المكان- قاصدا إخافة لصوص الحطب المحتملين، وقد نذر نفسه منذ 12 عاما لحراسه جبل يُدعى بـ"مأوى الضبع"، في مديرية خدير.

 

يقطع الحِمني (65 عاما) طريقا بطول 10 كلم، يمتد ما بين منزله والجبل، ويغذ الخطى كل يوم في البكور صوب الجبل حاملا جرابا عتيقا يحوي مؤنة بسيطة من الطعام والشراب يتزود بها طوال اليوم. ويحرص على الوصول قبيل آذان الفجر، استباقا لِلُصوص الحَطب، ويعكف على حراسة الأشجار طيلة النهار ولا يغادر إلا بعد ولوج الليل.

 


 

يؤكد ابراهيم أن حراسة الجبل هي مهنته الوحيدة، وهي ما يمنح حياته معنى. ويتساءل: ماذا سأفعل لو لم أحرس هذا الجبل؟ "إنها مهنتي وتلهيتي".

 

يرتبط ابراهيم بالجبل بصلة وجدانية متينة، ويشعر بانتماء كبير له. يقول، "متعلق أنا بهذا المكان وأحب وجودي هنا بين هذي الجبال". فهو ينتمي لها منذ الطفولة، بحسب قوله، ولا يمكنه أن يتصور حياته في مكان آخر غيرها. تجده يتعهد الشُجيرات ويقلق عليها من الحاطبين العشوائيين.

 

 

جاشت في نفسه الشجون وهو يحدثنا عن ذكريات صباه في الجبل، يقول: "لقد رحل كل رفاقي القدامى الذين لطالما رعيت الأغنام معهم في صباي في هذه الأماكن، غادروا الحياة وبقيتُ أنا بعدهم وحيدا".

 

لا تزال تشعل قلبه الكثير من ذكريات الصبى المرتبطة بهذا المكان، يلهج بها فينتعش مزاجه، فهي تؤنس وحدته وتمنحه العزاء فيما تبقى من سنوات حياته. بذكرياته يتسامى على واقعه، وبصلته بالجبل يكتسب المزيد من الإصرار لمواصلة الحياة.

 

 

فقد الحِمني زوجته قبل أعوام قليلة، وصار وحيدا. ورغم أن لديه خمسة من الأبناء الذكور، وابنة واحدة، لكنه يعيش وحيدا، ذلك أن جميعهم بعيدون عنه ولهم حيوات مستقلة عن حياته، باستثناء ابنته المستقرة مع زوجها وأسرتها في منطقة قريبة؛ لا تزال تفد إلى منزله وتتعهده بالطعام الذي يحمله معه كل يوم إلى عزلته في الجبل.

 

وهناك يقيم طوال النهار في ظل الأشجار أو داخل محراسه المؤلف من غرفة صغيرة كان قد بناها بيديه من أحجار الجبل. يقول الحمني أنه راض عن حياته، وتملؤه بالحبور مهمته الطوعية المتمثلة في حراسة الأشجار البرية في ذلك الجبل، الذي يُعرف بـ"مأوى الضبع"، لاحتوائه على كهوف يُعتقد شعبيا أنها مخابئ للضباع.

 

لا يحب الحمني مخالطة الناس منذ فقدان زوجته، لا سيما منهم أبناء هذا الجيل الذي لا يراهم سوى نماذج للجحود والنكران، مبديا سخطه عليهم، بسبب مما يبدو له أنه فقدان للصلة بالماضي لديهم، ذلك الماضي الذي يحوي كل ما هو حميم وأثير بالنسبة إليه.

 

 

قبضة من أثر الأسلاف يُمثل الحِمني، فهو مثال حي لأصالة الإنسان اليمني الريفي الفريد، ذلك الإنسان المتعلق دوما بتراثه وأرضه. تبرُز في الحمني المعالم والصفات العتيقة في الشخصية الريفية، والتي ما عادت حاضرة كثيرا في مشهد الحياة، بفعل التنميط الذي جلبته التكنولوجيا والتقنية ووسائل العولمة، والذي بدد الكثير من خصوصيات الهوية.

 

ويجسد نموذجا جماليا من بأس شيخوخة لا تزال تقاوم الأفول. وفي كُليّته هو مشهد حي مما تبقى من أثر الأسلاف، ففيه لا تزال حية تلك البواعث الفطرية التي ما عادت مألوفة.

 

ما عاد الناس في المناطق الريفية يكترثون لحماية أشجار سقيمة في جبال بعيدة. وعلى النقيض منهم يفكر الحمني مكرسا نفسه طوال الوقت للانهمام بالجبل وحراسه الأشجار من الحاطبين، وبفضله تحتفظ تلك المنطقة اليوم بغطاء نباتي لافت يُضفي مظهرا جماليا عليها، لا يتوفر في المناطق الأخرى المجاورة.

 

يُسر الحمني بزوّاره القلائل الذين يفدون إليه إلى الجبل، يشاركونه بعض الطعام والقات، ويتلقون في المقابل الطرائف والمرح وتشريف مُلامسة الماضي. ويتحدد مشهد حياته اليوم في الإقامة بين تلك التلال، رفيقا للأشجار، ينعم في المساحات الخالية.

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن تعز قصة إنسانية لا تزال الذی ی

إقرأ أيضاً:

سيارات متنقلة ضمن مبادرة "أطفال بلا مأوى" لإنقاذ المشردين وحمايتهم.. وأستاذة علم اجتماع تحذر من تجاهل المجتمع لهم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي مؤخرا عن  إطلاق سيارات متنقلة مجهزة بفِرق عمل متخصصة تجوب الشوارع في أوقات محددة، لتقديم المساعدة الفورية للأطفال، سواء من حيث الرعاية النفسية، الاجتماعية، أو الصحية، وذلك ضمن مبادرة “أطفال بلا مأوى” في ظل جهود الدولة لرعاية الأطفال المشردين و تنفيذ استراتيجياتها الوطنية لحماية حقوق الأطفال والعمل على تحسين أوضاعهم.

وأطلقت وزارة التضامن الاجتماعي المصرية مبادرة "أطفال بلا مأوى" في عام 2016 ضمن جهود الدولة المستمرة لحماية حقوق الطفل، وتقليص ظاهرة الأطفال المشردين في مصر، المبادرة جاءت كرد فعل للزيادة الملحوظة في أعداد الأطفال الذين يعيشون في الشوارع، والذين يُواجهون ظروفًا معيشية خطرة قد تؤثر على مستقبلهم وحياتهم، وتهدف إلى تقديم الدعم والرعاية للأطفال الذين تخلت عنهم أسرهم أو الذين لا يجدون مأوى، وتعمل على إعادة دمجهم في المجتمع بشكل إيجابي.

كما تهدف المبادرة إلى معالجة ظاهرة الأطفال المشردين في مصر من خلال تقديم الدعم العاجل والمستدام، تعمل فرق العمل المتخصصة، المكوّنة من أخصائيين نفسيين واجتماعيين، على تقديم الاستشارات النفسية والرعاية الصحية الأولية للأطفال، بالإضافة إلى مساعدتهم في العودة إلى أسرهم أو توفير مأوى مؤقت لهم في دور الرعاية التابعة للدولة، هذه الفرق تُجري تقييمات فورية للأطفال للوقوف على احتياجاتهم المختلفة، ويتم إحالتهم إلى برامج تعليمية وتأهيلية تساعد في تطوير مهاراتهم وإعادتهم للحياة الطبيعية.

الشراكات والتعاون الدولي

تعمل المبادرة بالتعاون مع عدة منظمات دولية وإقليمية، مثل منظمة اليونيسف ومنظمات المجتمع المدني المصرية، لتقديم الدعم المادي والفني. كما تشمل المبادرة شراكات مع وزارة الداخلية لضمان حماية الأطفال وتطبيق القوانين المتعلقة بحقوق الطفل، ووزارة الصحة لتوفير الرعاية الصحية الأولية للأطفال المُنقَذين.

مبادرات أخرى لدعم الأطفال في مصر

بجانب "أطفال بلا مأوى"، نفذت الحكومة المصرية عدة مبادرات أخرى تهدف إلى حماية الأطفال والنشء، من أبرزها:

مبادرة "حياة كريمة"

 التي أطلقتها الدولة لتحسين الظروف المعيشية في القرى الأكثر فقرًا، حيث استفادت منها آلاف الأسر التي تضم أطفالًا يعيشون في ظروف صعبة، وتعمل المبادرة على توفير خدمات تعليمية وصحية متميزة لهؤلاء الأطفال.

برنامج "تكافل وكرامة"

استهدف  برنامج "تكافل وكرامة"  الأسر الفقيرة ويضمن لها دخلًا شهريًا، واستفاد من البرنامج آلاف الأطفال من الأسر التي تعاني من الفقر، مما يساهم في حمايتهم من التشرد والانخراط في العمل غير المشروع.

أهمية مبادرة "أطفال بلا مأوى" وتأثيرها على المجتمع

قالت " مروة ابو زيد" لـ( البوابة نيوز) ان هذة المبادرة تعتبر خطوة محورية في تحقيق استقرار الأطفال المشردين، و تؤثر بشكل إيجابي ليس فقط على حياة هؤلاء الأطفال، بل على المجتمع ككل، وإن إعادة دمج الأطفال المشردين في المجتمع من خلال برامج إعادة التأهيل والتعليم تساهم في خلق جيل جديد يتفاعل بإيجابية مع المجتمع ويكون أقل عرضة للانحراف، بالإضافة الى  أن دعم هؤلاء الأطفال في سن مبكرة يُقلل من احتمالات انخراطهم في الجريمة أو تعاطي المخدرات، ويساهم في تقليل نسب التشرد والإجرام في المستقبل .

كما أشارت ( أبو زيد) الى ضرورة تأقلم المجتمع و إعادة حساباته مع هؤلاء الاطفال، وعدم اعتبارهم نكرة، بل أنهم ضحايا لعدة ظروف  كالفقر و الظروف الصعبة و لأهل مهملين تخلوا عن مسؤوليتهم، وذلك لنكتسبهم ضمن القوة البشرية للمجتمع المصري، و ليس قنبلة موقوته يمكن ان تنفجر في اي لحظة و تصبح عدوا للمجتمع، لذلك تعتبر مبادرة (أطفال بلا مأوى) خطة انقاذ للمجتمع كله و ليس لهؤلاء الاطفال فقط.

مقالات مشابهة

  • "بداية".. توفير مأوى لسيدة مسنة كانت تقيم بحديقة في بورسعيد
  • انطلاق التمرين العسكري العماني الإيراني (صقور الجبل/1)
  • "أنانتارا الجبل الأخضر" يقدم تجارب استثنائية للزوار ضمن "مهرجان الجبل الأخضر"
  • «الياقوت الأحمر يزين الأشجار».. حصاد الرمان يرسم البهجة على وجوه مزارعي أسيوط
  • صواريخ إسرائيلية تستهدف فيلا للفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد بريف دمشق
  • سيارات متنقلة ضمن مبادرة "أطفال بلا مأوى" لإنقاذ المشردين وحمايتهم.. وأستاذة علم اجتماع تحذر من تجاهل المجتمع لهم
  • إعلام سوري: انفجارات في قاعدة كونيكو الأمريكية بريف دير الزور
  • نماء لخدمات المياه تطرح مشروع شبكات المياه لـدماء والطائيين أكتوبر القادم
  • معسكر لغرس الأشجار في قلعة المصالحة بالحمراء
  • لبنان.. 4 آلاف نازج يفترشون الشوارع ولا يجدون مأوى في صيدا (فيديو)