بريف تعز.. "مأوى الضبع" وجد الحِمني راحته
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
بإطلالة عتيدة وملامح صارمة وهيئة من أثر الأسلاف، يطل محمد ابراهيم الحِمني منتصبا -كلما شعر بالخطر- من أعالي الجبل الذي يحرسه في منطقة "حِمنة" بريف تعز، مطلقا نظرة متفحصة صوب الأسفل، قاطعا السكون بأصداء نداءات تحذيرية -يعرفها كل من زار المكان- قاصدا إخافة لصوص الحطب المحتملين، وقد نذر نفسه منذ 12 عاما لحراسه جبل يُدعى بـ"مأوى الضبع"، في مديرية خدير.
يقطع الحِمني (65 عاما) طريقا بطول 10 كلم، يمتد ما بين منزله والجبل، ويغذ الخطى كل يوم في البكور صوب الجبل حاملا جرابا عتيقا يحوي مؤنة بسيطة من الطعام والشراب يتزود بها طوال اليوم. ويحرص على الوصول قبيل آذان الفجر، استباقا لِلُصوص الحَطب، ويعكف على حراسة الأشجار طيلة النهار ولا يغادر إلا بعد ولوج الليل.
يؤكد ابراهيم أن حراسة الجبل هي مهنته الوحيدة، وهي ما يمنح حياته معنى. ويتساءل: ماذا سأفعل لو لم أحرس هذا الجبل؟ "إنها مهنتي وتلهيتي".
يرتبط ابراهيم بالجبل بصلة وجدانية متينة، ويشعر بانتماء كبير له. يقول، "متعلق أنا بهذا المكان وأحب وجودي هنا بين هذي الجبال". فهو ينتمي لها منذ الطفولة، بحسب قوله، ولا يمكنه أن يتصور حياته في مكان آخر غيرها. تجده يتعهد الشُجيرات ويقلق عليها من الحاطبين العشوائيين.
جاشت في نفسه الشجون وهو يحدثنا عن ذكريات صباه في الجبل، يقول: "لقد رحل كل رفاقي القدامى الذين لطالما رعيت الأغنام معهم في صباي في هذه الأماكن، غادروا الحياة وبقيتُ أنا بعدهم وحيدا".
لا تزال تشعل قلبه الكثير من ذكريات الصبى المرتبطة بهذا المكان، يلهج بها فينتعش مزاجه، فهي تؤنس وحدته وتمنحه العزاء فيما تبقى من سنوات حياته. بذكرياته يتسامى على واقعه، وبصلته بالجبل يكتسب المزيد من الإصرار لمواصلة الحياة.
فقد الحِمني زوجته قبل أعوام قليلة، وصار وحيدا. ورغم أن لديه خمسة من الأبناء الذكور، وابنة واحدة، لكنه يعيش وحيدا، ذلك أن جميعهم بعيدون عنه ولهم حيوات مستقلة عن حياته، باستثناء ابنته المستقرة مع زوجها وأسرتها في منطقة قريبة؛ لا تزال تفد إلى منزله وتتعهده بالطعام الذي يحمله معه كل يوم إلى عزلته في الجبل.
وهناك يقيم طوال النهار في ظل الأشجار أو داخل محراسه المؤلف من غرفة صغيرة كان قد بناها بيديه من أحجار الجبل. يقول الحمني أنه راض عن حياته، وتملؤه بالحبور مهمته الطوعية المتمثلة في حراسة الأشجار البرية في ذلك الجبل، الذي يُعرف بـ"مأوى الضبع"، لاحتوائه على كهوف يُعتقد شعبيا أنها مخابئ للضباع.
لا يحب الحمني مخالطة الناس منذ فقدان زوجته، لا سيما منهم أبناء هذا الجيل الذي لا يراهم سوى نماذج للجحود والنكران، مبديا سخطه عليهم، بسبب مما يبدو له أنه فقدان للصلة بالماضي لديهم، ذلك الماضي الذي يحوي كل ما هو حميم وأثير بالنسبة إليه.
قبضة من أثر الأسلاف يُمثل الحِمني، فهو مثال حي لأصالة الإنسان اليمني الريفي الفريد، ذلك الإنسان المتعلق دوما بتراثه وأرضه. تبرُز في الحمني المعالم والصفات العتيقة في الشخصية الريفية، والتي ما عادت حاضرة كثيرا في مشهد الحياة، بفعل التنميط الذي جلبته التكنولوجيا والتقنية ووسائل العولمة، والذي بدد الكثير من خصوصيات الهوية.
ويجسد نموذجا جماليا من بأس شيخوخة لا تزال تقاوم الأفول. وفي كُليّته هو مشهد حي مما تبقى من أثر الأسلاف، ففيه لا تزال حية تلك البواعث الفطرية التي ما عادت مألوفة.
ما عاد الناس في المناطق الريفية يكترثون لحماية أشجار سقيمة في جبال بعيدة. وعلى النقيض منهم يفكر الحمني مكرسا نفسه طوال الوقت للانهمام بالجبل وحراسه الأشجار من الحاطبين، وبفضله تحتفظ تلك المنطقة اليوم بغطاء نباتي لافت يُضفي مظهرا جماليا عليها، لا يتوفر في المناطق الأخرى المجاورة.
يُسر الحمني بزوّاره القلائل الذين يفدون إليه إلى الجبل، يشاركونه بعض الطعام والقات، ويتلقون في المقابل الطرائف والمرح وتشريف مُلامسة الماضي. ويتحدد مشهد حياته اليوم في الإقامة بين تلك التلال، رفيقا للأشجار، ينعم في المساحات الخالية.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن تعز قصة إنسانية لا تزال الذی ی
إقرأ أيضاً:
توقيف 3 متورطين بـ«مجزرة التضامن».. واللجنة التحضيرية للحوار: لا محاصصة طائفية وعرقية في سوريا
البلاد – دمشق
رفضت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني في سوريا، المحاصصة الطائفية والعرقية، وذلك خلال جلسات حوارية عقدتها في مدينتي طرطوس دمشق وطرطوس، أمس (الاثنين)، بحضور شخصيات سياسية وإعلامية.
وشهدت الجلسة الحوارية في دمشق نقاش مع الإعلاميين في مبنى وزارة الإعلام، حيث تناول الحضور محاور تتعلق بمستقبل العملية السياسية ومسارات الحوار الوطني، وأكد المتحدث باسم اللجنة حسن الدغيم، رفض المحاصصة الطائفية والعرقية، موضحًا إلى أن ذلك لا يتناقض مع ضرورة تمثيل التنوع الديني والعرقي بالحوار، بحسب الوكالة السورية للأنباء (سانا).
وأشار الدغيم إلى أن الجلسة الأولى التي عُقدت في حمص تميّزت بحضور ممثلين عن مختلف المكونات، بما في ذلك قانونيون وخبراء، كما قُدمت خلالها أوراق عمل من مغتربين سوريين في الخارج، خاصة من أبناء حمص.
وفي طرطوس شهدت الجلسة مشاركة ممثل الشؤون السياسية في طرطوس واللاذقية، إياد هزاع، إلى جانب عدد من الخبراء والشخصيات المحلية.
وفي سياق آخر يتعلق بملاحقة مرتكبي المجازر والجرائم ضد المدنيين السوريين، أعلن مدير أمن دمشق، المقدم عبد الرحمن الدباغ، أمس، إلقاء القبض على أحد أبرز المسؤولين عن “مجزرة التضامن”، التي وقعت في العاصمة السورية قبل 12 عامًا، وذلك بعد عملية رصد ومتابعة دقيقة قادت كذلك لإلقاء القبض على متهمين آخرين.
ووفقًا للتحقيقات الأولية، فقد أدلى المعتقل بمعلومات قادت إلى تحديد عدة أشخاص آخرين تورطوا في المجزرة، حيث تمكنت الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض على اثنين منهم، فيما لا تزال التحقيقات مستمرة للكشف عن باقي المتورطين.
وأكد الدباغ أن الموقوفين الثلاثة اعترفوا بارتكابهم مجازر في حي التضامن، والتي راح ضحيتها أكثر من 500 رجل وامرأة من المدنيين، تم إعدامهم ميدانيًا دون محاكمة أو تهمة، موضحًا أن التحقيقات لا تزال وأن السلطات الأمنية لن تتهاون في ملاحقة كل من تورط في هذه الجرائم، لضمان تقديمهم إلى العدالة.