جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-22@04:09:09 GMT

صبرًا أهل غزة فإن موعدكم الجنة

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

صبرًا أهل غزة فإن موعدكم الجنة

 

حمد الحضرمي **

** محامٍ ومستشار قانوني

 

الصبرُ مقامٌ من أرفع مقامات الدين، وخُلقٌ من أعظم أخلاق المؤمنين، ومنزلةٌ من أجل منازل الصالحين، وشعبةٌ من أبرز شعب الإيمان، وعروةٌ من أوثق عُرى الإسلام، وفي الدنيا لا تتحقق الآمال، ولا تنجح المقاصد، ولا ينتصر الحق، ولا يؤتي عمل ثماره إلّا بالصبر، فمن صبر ظفر، ومن عدم الصبر لم يظفر في حياته، وبالإيمان الحقيقي والصبر صمد رجال ونساء غزة طوال شهرين؛ فلم يستطع الكيان الصهيوني والدول الداعمة له من السيطرة على بقعة صغيرة هي قطاع غزة، الذي حاصره الصهاينة من كل الجهات وقطعوا عن أهله الماء والغذاء والدواء والكهرباء، وقتلوا الآلاف من الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، وهدموا ودمروا المنازل والمستشفيات والمخابز ودور العبادة والطرق والمدارس ودور الإيواء، ولم يسمحوا بدخول المساعدات، وجعلوا من قطاع غزة مكان غير صالح للحياة.

ورغم كل ما فعله الصهاينة في قطاع غزة، نجد صمود وثبات المقاومة ورجال ونساء غزة ليس له مثيل، ولهذا الصمود دلالات واضحة تثبت بأن المقاومة قد أعدت عدتها بشكل كبير لمعركة شرسة طويلة مع الصهاينة، وأعدت لها كل مقومات النجاح في مواجهة العدو والنصر من جميع النواحي العسكرية واللوجستية والإعلامية والنفسية، وزرعوا الثقة بأهل غزة، فتمسكوا بأرضهم ووثقوا بشجاعة وبسالة مقاومتهم. والحمد لله بقوة صبر وإيمان أهل غزة ومقاومتهم الباسلة سيتحقق النصر على الأعداء، وقد رتب الحق سبحانه خيرات الدنيا والآخرة على فضيلة الصبر. فالصبر تذكرتك لدخول الجنة ونجاتك من النار، وعدتك للفوز في معركة الدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات، ولا تنهض دنيا إلا بالصبر؛ فالطريق إلى العُلا والمجد محفوف بالصعاب، ولا سبيل إلى اجتيازها إلا بالصبر، ولا يقدر عليها إلا الصابرون، ورجال المقاومة وأهل غزة كانوا بحق أبطال في قوة الإيمان والصبر وبمشيئة الله سيتحقق النصر المبين على الصهاينة المعتدين.

وإن من حسن التوفيق وأمارات السعادة الصبر على المُلمات وعند النوازل، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران: 200) فنزل الكتاب بتأكيد الصبر فيما أمر به وندب إليه، وجعله من عزائم التقوى فيما افترضه وحث عليه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصبر ستر من الكروب وعون على الخطوب" وقيل في منثور الحكم: "من أحب البقاء فليعد للمصائب قلبًا صبورًا"، وعندما يتحقق الصبر يكون الجزاء من الله بغير حساب: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" (الزمر: 10). والصبر يعتمد على حقيقتين: الأولى تتعلق بطبيعة الحياة الدنيا، فإن الله جعلها دار تمحيص وامتحان، والفترة التي يقضيها المرء بها فترة تجارب متصلة الحلقات يخرج من امتحان ليدخل في امتحان آخر.

وما دامت الحياة امتحانًا فلنكرس جهودنا للنجاح فيه بالإيمان والصبر لنفوز بخير الدنيا والآخرة. وأما الحقيقة الأخرى فتتعلق بالإيمان الذي لابد أن تخضع صلته للابتلاء الذي يمحصها، فإما كشف عن طيبها وإما كشف عن زيفها. وقد صبر الأنبياء والصالحين وضربوا أروع المواقف في الصبر، كسيدنا أيوب الذي صبر على مرضه وبلواه فكان آية في الصبر والحياء والأدب مع الله سبحانه؛ فقال الله كما جاء في القرآن الكريم: "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (الأنبياء: 83). وكذلك صبر سيدنا إبراهيم خليل الله عليه السلام الذي ابتلى بالإلقاء في النار والهجرة من الوطن، وبذبح ولده، وثبت في كل هذا وصبر، فكانت عاقبة أمره نصرًا وتكريمًا له حتى يوم الدين. ولولا صبر سيدنا يوسف عليه السلام لما بلغ ملك مصر، وكان صبر سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم صبراً فاق الجميع لكثر الابتلاءات التي تعرض لها طوال حياته، ونجده مع كل هذه الابتلاءات صابرًا ويقول: "لبيك وسعديك والخير في يديك، والشر ليس إليك".

وما يحدُث الآن على أرض المعركة على أرض غزة من من أحداث ووقائع تكشف بالدليل القاطع حجم الإيمان والصبر والثبات والصمود من المقاومة الباسلة وأهل غزة الأبطال من الرجال والنساء، وهذا خير مثال على الرضا بما كتبه الله عليهم، وبإيمانهم الصادق وصبرهم الكبير سيتحقق لهم التمكين والنصر والغلبة بإرادة الله وقوته، فقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم بداية الإسلام، عندما بذلت قريش كل ما في وسعها من قوة وحيلة في إطفاء أنوار الدعوة المحمدية، وباءت بخيبة مريرة حولت ذلك إلى نقمة على المستضعفين من المؤمنين كبلال وعمار ووالده ياسر وأمه سمية، وصهيب الرومي وخباب ابن الأرت، ومن النساء زنيرة والنهدية ولبيبة وأم عبيس.

وقد فعل الكفار بالمؤمنين كل أنواع العذاب، وعندما مر النبي صلى الله عليه وسلم على عمار وأمه سمية ووالده ياسر وهم يُعذبون قال لهم: "صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة" فمات ياسر تحت العذاب ومات سمية بطعنة من حربة أبي جهل في قلبها فكانت أول شهيدة في الإسلام.

وما أشبه اليوم بالبارحة؛ فالمؤمنون تعرضوا في بداية الإسلام إلى القهر والتعذيب والإهانة والتهجير، ولكنهم صبروا حتى تحقق لهم النصر والتمكين، واليوم يحدث لأهل غزة ما حدث للمؤمنين بداية الإسلام وهم بقوة إيمانهم وصبرهم صامدين ثابتين وسيكون النصر والتمكين بمشيئة الله وقدرته حليفهم، فصبرًا أهل غزة فإن موعدكم الجنة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر يعلن احتضان مصر للنسخة الثانية من مؤتمر الـحوار الإسلامي- الإسلامي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور أحــمَد الطَّـيِّــب شَـيْخ الأزهــر، إنَّ التاريخ يُحدِّثُنا بأنَّ أُمَّتَنا الإسلاميَّة لم تَجْنِ من الفُرقة والتّشَرذُم وتدخُّلِ بعض دولها في الشؤون الداخليَّة لبعضِها الآخَر، أو الاستيلاءِ على أجزاءٍ من أراضيها، أو استغلالِ المذهبيَّةِ والطائفيَّة والعِرقيَّة لزرعِ الفِتَن بين أبناء الوطن الواحد، أو محاولات تغيير المذاهب المستقرَّة بالتَّرغيبِ وبالتَّرهيبِ، كلُّ ذلك لم تَجْنِ الأمَّةُ منه إلَّا فُرقةً ونزاعًا وصراعًا أسلَمَها إلى ضعفٍ وتَراجُع أطمعَ الغيرَ فينا وجَرَّأه علينا، حتى رأينا وسمعنا مَن يُطالبُنا بتهجيرِ شعبٍ عريقٍ وترحيلِه من وطنه ليُقيم على أرضِه منتجعًا سياحيًّا على أشلاءِ الجُثَث وأجسادِ الشُّهداء مِن الرجالِ والنِّساءِ والأطفالِ مِن أهلِنا وأشقَّائنا في غزَّة المكلومة، وبالتأكيد تتفقون معي في أنه آنَ الأوانُ لتضامُنٍ عربيٍّ إسلاميٍّ أخوي خالٍ من كل هذه المظاهر إذا ما أردنا الخيرَ لبلادنا ولمستقبلِ أمتنا.

وتوجه شيخ الأزهر -خلال كلمته بمؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي، بحضور ملك البحرين، بقصر الصخير الملكي- إلى اللهِ تعالى بالدُّعاء أن يُوفِّقَ قادة العرب في قِمَّتهم العربيَّة المُرتقبة في جمهوريَّة مصر العربية، وفي المملكةِ العربيةِ السعودية، وأنْ يجمعَ كلمتهم ويُوحِّد شملهم.

وقدم شيخ الأزهر الشكر لعلماءِ المسلمين وفقهائهم ومُفكِّريهم، لاستجابتِهم الكريمةِ لدعوةِ الأزهر الشريف ومجلسِ حكماء المسلمين، للتشاورِ حولَ تحدِّيات ثقيلة فرضها واقعٌ مؤلم لا يزال يجثم على صدور الجميع، معربا عن تقديره لهذا «المشهد» الاستثنائي الذي لم تَعْتَده أعيُننا بهذا الجمع، والذي تلاقت فيه أطيافُ الأُمَّة، وعلماؤها من السُّنَّةِ والشِّيعة الإماميَّة والزيديَّة، ومن الإباضية، بل من عامَّةِ المسلمين جميعًا مِمَّن وصفهم نبيُّ الإسلام صلوات الله وسلامه عليه، وهو يُحدِّدُ لنا: مَن هو «المسلم» الذي له في رقابِ المسلمين ذِمَّة الله ورسوله، وذلك في قولِه في الحديث الشريف: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَاكم الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ؛ فَلَا تخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ»..

ومن بابِ الحرصِ على استكمالِ المَسيرةِ وتجديد النوايا لخدمةِ الإسلام، أُعلِن شيخ الأزهر أنَّ المحطَّةَ التالية لمؤتمر الحوار الإسلامي – الإسلامي، سوف تحتضنُها جمهوريَّةُ مصر العربيَّة في الأزهر الشَّريف سائلا الله -جلَّ وعلا- أنْ يُوفِّقنا في العملِ لما فيه خير أُمَّتنا، وأنْ يُمكِّن لهذه الأُمَّة كلَّ سُبُلِ التآلُف والتقارُب والوحدة والتقدُّم والرَّخاء.

وعبر شيخ الأزهر عن امتنانه لاحتضانَ جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، لهذه الدعوة المخلصة للحوار بين الإخوة من أجل جمع الكلمة وتوطيد الأخوَّة الإسلامية في مواجهة التحدِّيات المشتركة، وتوفير الإمكانات اللازمة لإنجاحه وإيصال صوته ورسالته إلى العالم كله، سائلا الله أنْ يُديمَ على البَحْرين وسائرِ بلاد المسلمين الأمنَ والأمانَ والسَّلامةَ والاستقرار.

1000067194 1000067192 1000067188 1000067182 1000067186 1000067190 1000067184 1000067180 1000067178 1000067172 1000067174 1000067176 1000067168 1000067170 1000067166

مقالات مشابهة

  • سرّ جديد عن اغتيال نصرالله.. من الذي خطط لذلك؟
  • علي جمعة: 5 مليار شخص سيدخلون الجنة بغير حساب
  • علي جمعة: 5 مليارات شخص سيدخلون الجنة والنار قد تُفنى أو تُلغى
  • برنامج الامم المتحده الانمائي : الاقتصاد السوري بحاجه الى 55عاما للعوده الى المستوى الذي كان عليه في 2010قبل الحرب
  • دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة
  • من هو “خط الصعيد ” المجرم الذي قضى عليه الأمن المصري مؤخرا؟
  • دعاء للزوج المتوفي بالرحمة والمغفرة.. كلمات تدخل السرور عليه في قبره
  • شيخ الأزهر يتوجه إلى الله بالدعاء أن يوفق قادة العرب في القمة المرتقبة
  • شيخ الأزهر يعلن احتضان مصر للنسخة الثانية من مؤتمر الـحوار الإسلامي- الإسلامي
  • هل الإيذاء من الأقارب يبيح قطيعة الرحم.. الإفتاء توضح