التَّفويضُ والتَّكوِيش
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
د. صالح الفهدي
استغرقَ إقناعُ رئيس الوحدة وقتًا طويلًا حتى اقتنع بعد إلْحاحٍ بأَن يفوِّض جزءًا من أعماله -التي ليست حتى من صميمِ صلاحياته- لمسؤولين آخرين في الوحدة بجهدٍ مُضنٍ قامَ به نائبه المقتنعِ بأهميَّة التفويض لتوقيعاتٍ، ومتابعاتٍ لا تستلزمُ اعتمادًا من رئيس الوحدة أو نائبه، لكنَّ الرئيس اشترطَ أن يكون التفويضَ لمدة عامين فقط، وبعدها ينظرُ في تمديدهِ أو إيقافه، فلمَّا انتهى العامان، رفض الرئيس تمديد التفويضات، بينما لم يسترجع نائبه التفويضات من مدراء العموم فقد رأى فيها تخلُّصًا من أعمالَ لا يفترض أن تنظر فيها الإِدارة العُليا، وإنَّما هي من مهام الإدارة الوسطى.
المسؤول الذي يفوِّضُ ما يراهُ عبئًا لا يرتبطُ بصميمِ وظيفته هو مسؤولٌ يعي جوهر السُّلطة ومهامِّها، كما أن التفويضَ يعني حرص المسؤول على وضع الثقة في الآخرين وهو ما يهدفُ إلى صنع صفوف ثانية في الوحدة التي يعمل بها في مختلف مستويات الإدارة، وهذا نجاحٌ صميميُّ للمسؤول، وأثرٌ حميدٌ من آثاره.
وصلتني ورقة موقعة من مدير عام، فنظرتُ إليها وقلتُ لمن سلَّمني الورقة: مثل هذه المهام لا يفترضُ أن يوقِّعها المدير العام؛ بل ولا المدير ولا رئيس القسم، وإنما أبسطُ موظف في الدائرة، فهي ورقة روتينية جدًا، كمثل عقود الإيجار التي لا توقيع فيها؛ بل مجرَّد ختم، وهذا يخلِّص المسؤولين في مختلف مستويات الإدارة من أعباءَ عمليَّةٍ ثقيلة، حيث يعودُ بعضهم برُزَمٍ من الأوراق إلى البيوت لتوقيعها، ومطالعتها ودراستها، وهذا أمرٌ غير صحيح إداريًا.
في إحدى السنوات قُلتُ لأحد الموظفين: اكتب صيغة محضر لجنة شؤون الموظفين، قال: في العادة يكتبُه المسودَّة المدير وأنا أنقلها!، سألته: هل أنتَ موظف إداري، أم طبَّاع يُملى عليه ما يكتبْ؟ قال: موظف إداري، قلت: إذن فأنا أطلبُ منك أن تنسى التوجيهات السابقة، وأفوِّضكَ بصياغة مسودة المحضر، وأنا أراجعه، فتكون العملية عكسيَّة.
إن التفويض يُلقي بالمسؤولية على الموظف أيًَّا كانت درجته ووظيفته، وهو ما يجعله حريصًا على أداء العمل بإتقانٍ ودقةٍ وأمانةٍ ولا يهم إن أخطأ في بدايته، فالثقة تُبنى بالتجارب، والتجارب تُبنى بتراكم المحاولات، ولا شيء يسمَّى فشلًا إنَّما كل فعلٍ هو تجربة بغضِّ النظر عن النتيجة.
وعَودًا على رئيس الوحدة الذي افتقد إلى التوقيع بعد عامين، وإلى الموافقات أو عدمها في بعض المواضيع، فإِن هذا النمط من الرؤساء هم مجرَّد موظفين إداريين لا يمكنهم أن يصلوا إلى صفةِ القيادة، لأن القائد يرسمُ الاتجاهات، ويحدد المسارات، ويضع الرؤى ثم يفوِّضُ من يراه مناسبًا من المنفِّذين، أو يصنع من يتوسَّمُ فيهم الصلاحية والقدرة والكفاءة للاضطلاع بالأهداف التي يأمل تحقيقها.
الذي أبطأ قضاء المصالح، وتخليص الإجراءات، هو عدم التفويض لمهامٍ وواجبات لا تستلزمُ أن تصلَ إلى وزيرٍ حتى ينظرَ فيها، فقد حدَّدت مسارها قوانين ولوائح وأنظمة، فالوزيرُ لديه- كما يفترض- من الأشغال ما لا يسمح له بالنظرِ في أمورٍ هي من واجب موظفٍ صغيرٍ في الوزارة، لهذا صدرَ مرسوم سلطاني رقم 17/ 2010 بإصدار قانون التفويض والحلول في الاختصاصات، لكنني لستُ على اطِّلاع على تطبيقه، لكنَّ صدور المرسوم يعني أنَّه جاء لحاجةٍ ماسَّةٍ إليه من أجل سيرورة العمل، ودفع الإنجاز نحو وتيرة أسرع.
أحد المسؤولين يقول: كنتُ أعودُ بملفَّات مليئة بالأوراق إلى بيتي كلَّ يوم، وكلَّها مهام يمكن التفويض بشأنها؛ إذ إنها ليست من الواجبات الكبيرة التي يُفترض أن ينظر لها مسؤولٌ في موقعي في الإدارة العُليا، فلَّما قمتُ بتفويض تلك الأعمال تخلَّصت من تلك الملفَّات المشحونة بالأوراق الروتينية، وتفرَّغت لأعمال مهمَّة هي من صميم وظيفتي التي عُيِّنتُ لأجلها.
المسؤول الحكيم هو الذي يعرفُ ماذا يفوِّضُ من صلاحيات، ومن الذي يفوِّض من مرؤوسيه، أمَّا الصنفُ المعاكسُ من المسؤولين فقد سلَّم بعض من فوَّضوهم الجملَ بما حمل، دون أن يتابعوهم في أدائهم، فانتهزوا تلك "الثقة العمياء" فيهم، وخانوا أمانة ما فوِّضوا به، وهو أمرٌ لا يمكن أن يتنصَّل منه من فوَّضهم، ولا يجب أن تستبعد مساءلته ومحاسبته.
لكن الأمر كما قال أحد المسؤولين أنَّه يفوِّض الصلاحيات والواجبات ولكنَّه يتلقَّى تقارير دوريَّة حول ذلك، ليكون على اطلاع واضح بالأداء، والإنجاز.
إنَّ الوزير في تفويضهِ للوكيل، والوكيل في تفويضه للمدير العام، وهذا الأخير في تفويضه للمدير ليخفِّف الاعمال المتراكمة على نفسه ويتفرَّغ لما هو جوهري من الأعمال، فإِذا وجدت مسؤولًا أو موظفًا ليس لديه من المهام إلّا أن يقوم مقام (المراسل) فيتلقَّى الموضوع من المرؤوس ليرفعه إلى الرئيس؛ فاعلم أنَّ جهة العمل تُعاني من إشكالية في طريقةِ إدارة بعضٍ من مسؤوليها المصابين بحُبِّ السُّلطة، وحبِّ التكويش عليها حتى وإن كانت على حساب واجباته الأهم، وصحته، ووقته، وجوانب أُخرى في حياته، أما إن رأيتَ جهة العمل وقد وزِّعت فيها الأعمال والواجبات بحسب الوظائف وطبيعة الأعمال؛ فأدرك أنها جهةٌ تعمل بموضوعية وواقعية، وتسيرُ عمليات الإنجاز فيها بسلاسة ويُسر.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بعد قرار تبكيرها رسميًا.. موعد صرف مرتبات مارس لــ4.5 مليون موظف بالحكومة
يبحث الملايين عن موعد صرف مرتبات مارس لموظفي الحكومة ، إذ أعلنت وزارة المالية تبكير موعد صرف مرتبات شهر مارس 2025 رسميا عن الموعد المعتاد.
ومن المقرر أن يبدأ الصرف يوم 23 مارس بدلاً من 24 مارس كما هو معتاد، وذلك تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أقر أيضًا زيادة الحد الأدنى للأجور لجميع العاملين في الدولة والهيئات الاقتصادية.
مواعيد صرف مرتبات شهر مارس 2025 لموظفي الحكومة
قبل العيد..موعد صرف مرتبات شهر مارس 2025
قبل العيد .. موعد صرف مرتبات شهر مارس 2025
بعد قرار تبكيرها رسميًا.. ما هو موعد صرف مرتبات شهر مارس؟
حددت وزارة المالية جدولًا زمنيًا لصرف المرتبات، بحيث تبدأ عمليات الصرف يوم 23 مارس وتستمر لمدة 5 أيام، مع تخصيص 3 أيام إضافية لصرف المتأخرات الخاصة بمستحقات العاملين.
وأكدت الوزارة أن الرواتب ستكون متاحة في الحسابات البنكية للعاملين، مما يتيح لهم سحبها في أي وقت دون الحاجة إلى التزاحم على ماكينات الصراف الآلي.
ووفقًا للجدول المعلن، سيتم صرف المرتبات في يوم 23 مارس للعاملين في عدد من الجهات، من بينها مجلس النواب، مجلس الأمن القومي، الجهاز المركزي للمحاسبات، المجلس القومي لحقوق الإنسان، المجلس الأعلى للصحافة، الأمانة العامة لمجلس الدفاع الوطني، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بالإضافة إلى وزارات التموين والتجارة الداخلية، القوى العاملة، الإسكان والمرافق، التضامن الاجتماعي، ومديريات الطرق والنقل.
أما يوم 24 مارس، فسيتم صرف مرتبات العاملين في وزارات التعليم العالي، التنمية المحلية، العدل، الكهرباء، التخطيط، الاستثمار، التعاون الدولي، التربية والتعليم، الزراعة، الخارجية، الشباب والرياضة، والمالية. كما تشمل الجهات المستحقة للصرف في هذا اليوم المحكمة الدستورية العليا، الأزهر الشريف، دار الإفتاء المصرية، هيئة النيابة الإدارية، الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، هيئة قضايا الدولة، مجلس الوزراء، النيابة العامة، واللجنة العليا للانتخابات.
وأوضحت وزارة المالية أن العاملين في الدولة يمكنهم صرف مرتباتهم عبر عدة قنوات رسمية، من بينها ماكينات الصراف الآلي ATM، فروع البنوك المختلفة، ومكاتب البريد المصري، مشددة على ضرورة تجنب التزاحم، نظرًا لأن الرواتب ستكون متاحة في الحسابات في أي وقت اعتبارًا من تاريخ الصرف المحدد.
زيادة الحد الأدنى للأجور اعتبارًا من يوليو 2025في سياق متصل، أقرت الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 7000 جنيه شهريًا، وذلك ضمن خطة تستهدف تحسين أوضاع العاملين في الدولة والهيئات الاقتصادية، على أن يتم التنفيذ من السنة الماليةى الجديدة.
وشملت الزيادات الجديدة لجميع الدرجات الوظيفية، حيث تم رفع رواتب الدرجة الممتازة من 12,200 جنيه إلى 13,800 جنيه، والدرجة العالية من 10,200 جنيه إلى 11,800 جنيه، ودرجة مدير عام من 9,200 جنيه إلى 10,300 جنيه، والدرجة الأولى من 8,200 جنيه إلى 9,800 جنيه، والدرجة الثانية من 8,000 جنيه إلى 8,500 جنيه. كما زادت رواتب الدرجة الثالثة من 7,500 جنيه إلى 8,000 جنيه، والدرجة الرابعة من 7,000 جنيه إلى 7,300 جنيه، والدرجة الخامسة من 6,500 جنيه إلى 7,100 جنيه، والدرجة السادسة من 6,000 جنيه إلى 7,100 جنيه.
نسب الزيادة في المرتباتووفقًا لما أعلنته وزارة المالية، فإن نسبة الزيادة في الحد الأدنى للأجور لموظفي الجهاز الإداري للدولة تتراوح بين 13% للدرجات العليا، وتصل إلى 18% لموظفي الدرجة السادسة، ومن المقرر أن يتم تطبيق هذه الزيادات اعتبارًا من يوليو 2025، حيث تكون اقل زيادة 1100 جنهي للدرجة السادسة ، و1600 جنيه للدرجة الممتازة.
جهود الحكومة لتحسين الأوضاع المعيشيةتأتي هذه القرارات في إطار سعي الدولة لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن المواطنين وتحسين مستوى المعيشة، حيث تسعى الحكومة إلى ضمان انتظام صرف المرتبات شهريًا، وتوفير السيولة المالية اللازمة لكافة الجهات الحكومية، مع استمرار التنسيق بين مختلف الوزارات لضمان سلاسة الإجراءات المالية والإدارية.