رأي الوطن : منبر عماني للدفاع عن الحقوق الفلسطينية
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
على الرغم من حرص سلطنة عُمان على إقامة علاقات طيِّبة مع كافَّة دوَل العالَم، وحرص دبلوماسيَّتها على العمل الدؤوب لمدِّ جسور التعاون مع الجميع، والالتزام بسياسة الحياد الإيجابيّ، وأداء دَوْر الوسيط لنزع فتيل الأزمات الَّتي تؤثِّر على أمن واستقرار المنطقة والعالَم، إلَّا أنَّها تحرص على التمسُّك برؤيتها الخاصَّة حتَّى وإن خالفت توجُّهات ورؤى ومصالح بعض الدوَل، خصوصًا عِندما يتعلَّق الأمْرُ بالقضيَّة الفلسطينيَّة، الَّتي تتمسَّك الدبلوماسيَّة العُمانيَّة بدعمها ومساندتها، وتحرص على أنْ تكُونَ صوت فلسطين المسموع، خصوصًا في الأوقات الَّتي يسعى فيها البعض إلى إسكات هذا الصوت، وذلك انطلاقًا من الحقوق الأساسيَّة للشَّعب الفلسطيني، وإدراكًا لأهمِّية إيجاد حلٍّ عادل وشامل يُعِيد الحقوق الفلسطينيَّة المسلوبة، في مسار تحقيق السَّلام المنشود في المنطقة والعالَم.
ومن هذا المنطلق الثابت الَّذي يُعدُّ أحَد أهمِّ ثوابت الدبلوماسيَّة العُمانيَّة، حرصت سلطنة عُمان على التأكيد على وقوفها إلى جانب الشَّعب الفلسطينيِّ في نضاله وقضيته العادلة، وطالبت بنظام عالميٍّ يتشكَّل على أُسُس ومعايير المساواة وحماية الشعوب، وذلك في كلمتها أمام الدَّوْرة الاستثنائيَّة الطارئة العاشرة للجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة في نيويورك الَّتي تحمل عنوان: «الأعمال الإسرائيليَّة غير القانونيَّة في القدس الشرقيَّة المحتلَّة وبقيَّة الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة»، حيث عبَّرت عن رفضها القاطع لمشروع الإبادة الجماعيَّة والتطهير العِرقيِّ الَّذي يسعى كيان الاحتلال الصهيونيِّ إلى تحقيقه في الأراضي الفلسطينيَّة، محمِّلةً إيَّاه بوصفه سُلطة الاحتلال ومَنْ يسانده في تنفيذ هذه الجريمة المسؤوليَّة الكاملة، وهذا العدوان الغاشم الَّذي يتسبَّب في إسقاط الشرعيَّة عن مجلس الأمن ودَوْره في الحفاظ على الأمن والسِّلم الدوليَّيْنِ.
إنَّ الكلمة العُمانيَّة تؤكِّد على الموقف العُمانيِّ الصلب تجاه ما يحدُث من جرائم في الأراضي الفلسطينيَّة، معلِنةً عن رفضها الواضح والصريح لسعْيِ البعض إلى إخفات صوت فلسطين، من قولها إنَّ العالَم «لَنْ ينسى والشعوب المُحبَّة للسَّلام منْحَ بعض الدوَل الدَّاعمة للكيان الصهيونيِّ الضوء الأخضر ليتمادَى في جرائمه بحقِّ الشَّعب الفلسطينيِّ. فهذا الموقف العُمانيُّ يأتي في وقتٍ اكتفى مجلس الأمن بإصدار القرار رقم (2720) حَوْلَ غزَّة، والَّذي يدعو إلى اتِّخاذ خطوات عاجلة للسَّماح فورًا بإيصال المساعدات الإنسانيَّة بشكلٍ موسَّع وآمن ودُونَ عوائق ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدامٍ للأعمال القتاليَّة، دُونَ إعلان وقف فوريٍّ للعدوان الصهيونيِّ، ولا حتَّى البدء بإجراءات محاسبة هذا الكيان الغاصب على ما ارتكب من جرائم.
لقَدْ كانت السَّلطنة من أولى الدوَل الَّتي رحَّبت بهذا القرار، لكنَّها في ذات الوقت أكَّدت أنَّه لا يُلبِّي الإجماع الدوليَّ الواسع النطاق الدَّاعيَ لوقف إطلاق النَّار، داعيةً مجلس الأمن إلى القيام بمسؤوليَّاته في تنفيذ جميع قراراته المتَّصلة بالصراع العربي ـ الإسرائيلي تحقيقًا للسَّلام العادل والشامل والدَّائم، على أساس حلِّ الدولتَيْنِ وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانونيِّ للأراضي العربيَّة، وهي دعوةٌ يجِبُ على المنظومة الأُمميَّة الاستماع لها. فمواصلة حماية كيان الاحتلال الصهيونيِّ بـ( الفيتو) سيقوِّض أيَّة جهود أُمميَّة لتحقيق الأمن والاستقرار، خصوصًا مع تحذير كافَّة المنظَّمات الأُمميَّة والإنسانيَّة من خطر مجاعة على وشك الحدوث نتيجة تفاقم الأزمة الإنسانيَّة في قِطاع غزَّة جرَّاء العدوان الصهيونيِّ المستمرِّ.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الع مانی
إقرأ أيضاً:
انعكاسات السياسات التجارية العالمية على الاقتصاد العُماني
عباس آل حميد
في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها الاقتصاد العالمي، تبرز السياسات الحمائية التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تهدف إلى إعادة هيكلة نظام التجارة الحُرة بما يخدم مصالحها القومية. وعلى الرغم من أن هذه السياسات تبدو للوهلة الأولى مقلقة، إلا أنها قد تحمل في طياتها فرصًا غير مباشرة لاقتصادات مثل الاقتصاد العُماني، خاصة فيما يتعلق بأسعار النفط والتغيرات في سلاسل الإمداد العالمية.
أثر السياسات الحمائية على أسعار النفط
تشير التوقعات إلى أن زيادة القيود الجمركية في الولايات المتحدة، إلى جانب الإجراءات المضادة التي تتخذها الدول العظمى كرد فعل على هذه السياسات، ستؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، مما يدفع الصناعات المحلية إلى التوسع لسد الفجوة الناتجة عن تقلص الواردات. هذه التوجهات ستؤدي بدورها إلى ارتفاع الطلب على الطاقة، حيث ستحتاج المصانع إلى المزيد من النفط والغاز لتلبية احتياجات الإنتاج، مما يعزز فرص ارتفاع أسعار النفط عالميًا.
بالنسبة لعُمان، التي تعتمد على إيرادات النفط كمصدر رئيسي للدخل، فإن أي ارتفاع في أسعار الخام سينعكس إيجابيًا على الميزانية العامة للدولة، مما يوفر مجالًا أوسع لتعزيز الاستثمارات الحكومية في قطاعات البنية التحتية والتعليم والصحة، ويدعم جهود السلطنة في تنفيذ رؤية عُمان 2040 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل.
تغيرات التجارة العالمية وتأثيرها على الاقتصاد العُماني
تؤدي السياسات الحمائية إلى اختلال ميزان التجارة العالمي، حيث تصبح السلع المنتجة في الدول ذات الحماية الجمركية المرتفعة أكثر تكلفة، بينما تتجه المنتجات إلى الأسواق التي لا تفرض قيودًا جمركية صارمة. بالنسبة لعُمان، التي تعتمد على نظام تجاري مرن ومنفتح، فإن هذه التغيرات قد تؤدي إلى تدفق مزيد من المنتجات إلى الأسواق المحلية بأسعار أقل، مما يمنح المستهلك العُماني خيارات أوسع، لكنه في المقابل قد يشكل تحديًا أمام أي محاولات للنهوض بالصناعة المحلية.
إعادة توزيع الميزة التنافسية العالمية
يستند نظام التجارة الحرة العالمي إلى مفهوم الميزة التنافسية النسبية، حيث تتخصص الدول في إنتاج السلع التي تمتلك فيها تفوقًا نسبيًا. إلا أن القيود الحمائية المفروضة حاليًا تعطل هذا النظام، مما يدفع بعض الدول إلى تعزيز صناعاتها المحلية، سواء لتلبية الطلب الداخلي أو لزيادة صادراتها إلى الأسواق ذات الرسوم الجمركية المنخفضة.
وهذه التغيرات قد تؤثر بشكل مباشر على الدول التي تعتمد على الاستيراد، ومنها عُمان، حيث ستشهد الأسواق تغيرات في الأسعار، وتوافر بعض السلع، وقد تواجه بعض القطاعات التجارية تحديات جديدة نتيجة اضطراب سلاسل التوريد. ومع ذلك، فإن عُمان، بحكم موقعها الاستراتيجي كمركز تجاري إقليمي، يمكنها استغلال هذه التحولات لتعزيز دورها كمحور لوجستي للتجارة العالمية.
الفوضى الاقتصادية العالمية: هل تشكل فرصة لعُمان؟
من المتوقع أن تؤدي هذه التحولات إلى حالة من عدم الاستقرار في الأسواق العالمية، حيث تعيد الدول الكبرى ترتيب أولوياتها الاقتصادية وفقًا لمصالحها القومية. هذه الفوضى الاقتصادية قد توفر فرصًا للدول التي تمتلك مرونة في سياساتها الاقتصادية، حيث يمكن لعُمان استغلالها بعدة طرق:
1- تعزيز قطاع الخدمات واللوجستيات:
- تطوير الموانئ العُمانية مثل ميناء الدقم وصلالة كمحاور رئيسية لإعادة التصدير والتجارة الإقليمية.
- تحسين كفاءة النقل والتخزين لتعزيز قدرة السلطنة على استقطاب مزيد من الاستثمارات في مجال التجارة.
2- جذب الاستثمارات الأجنبية:
- في ظل تصاعد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، تبحث العديد من الشركات عن وجهات بديلة للاستثمار. عُمان يمكنها أن تقدم نفسها كبيئة استثمارية مستقرة وملائمة، خاصة في القطاعات التكنولوجية والخدمات المالية والطاقة المتجددة.
3- تعزيز الأمن الغذائي والتكنولوجيا الزراعية:
- مع اضطراب سلاسل الإمداد العالمية، أصبح الاستثمار في التقنيات الزراعية الحديثة ضرورة استراتيجية لتقليل الاعتماد على الواردات وتأمين احتياجات السوق المحلية.
الاقتصاد العُماني بين التحديات والفرص:
ورغم أن عُمان قد لا تكون طرفًا مباشرًا في النزاعات التجارية العالمية، إلا أن تأثيرات هذه التغيرات ستكون ملموسة على اقتصادها، سواء من خلال تقلبات أسعار النفط، أو تغيرات تدفقات التجارة العالمية، أو فرص الاستثمار الجديدة.
والمرحلة الحالية تتطلب نهجًا اقتصاديًا ديناميكيًا قادرًا على استيعاب هذه التغيرات، وتعزيز القدرة التنافسية للقطاعات غير النفطية، واستغلال الموقع الاستراتيجي للسلطنة كمحور اقتصادي وتجاري في المنطقة.
وكما قال الإمام علي: "اغتنموا الفرص، فإنها تمر مر السحاب"، فإن على عُمان أن تستثمر هذه التحولات العالمية لتعزيز موقعها الاقتصادي، والاستفادة من الفرص التي قد تنشأ في ظل إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي.