هل يدخل مضيق هرمز على معادلة حرب غزة بعد باب المندب؟
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
لم يمض أسبوع على تحذير وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني في 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري من أن الولايات المتحدة ستواجه مشكلات كبيرة إذا أرادت تشكيل قوة دولية في البحر الأحمر، إلا وأعلن قائد بحرية الحرس الثوري الأدميرال علي رضا تنكسيري أن قواته انتهت من إعداد قوات تعبئة بحرية خاصة للعمل في مياه الخليج.
وبحسب تنكسيري فإن تعداد هذه القوة يبلغ 55 ألف عسكري، وستضم 33 ألف قطعة بحرية للعمل في مياه الخليج العربي وصولا إلى سواحل تنزانيا في شرق أفريقيا، وهو ما يتيح لتلك القوات الانخراط في معارك بقوارب سريعة، وحراسة المنصات النفطية والغازية البحرية الإيرانية.
كما أشار تنكسيري إلى تجهيز عوامات بحرية مسلحة بقذائف صاروخية في القرى الإيرانية المطلة على الخليج لاستخدامها عند اللزوم.
جاءت تصريحات الأدميرال تنكسيري بعد 3 أيام فقط من إعلان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عن مبادرة "حارس الازدهار" الخاصة بتشكيل قوة دولية بحرية من 19 دولة من بينهم 10 دول وافقت على الإعلان عن أسمائها، وذلك لردع هجمات الحوثيين ضد السفن وتأمين حركة الملاحة بالبحر الأحمر.
وحظي الإعلان عن القوة بدعم من الاتحاد الأوروبي على لسان مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل الذي أكد على أن الدول الأعضاء في اللجنة السياسية والأمنية بالاتحاد ستشرع في دعم المبادرة الأميركية بالمعلومات الاستخبارية والسفن.
وتشير تلك التطورات إلى أن نطاق الصراع في البحر الأحمر ومضيق باب المندب قابل للاتساع ليصل إلى مضيق هرمز والخليج وذلك على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما قد يؤثر سلبا على حركة الملاحة في المنطقة، ويثير المخاوف من اتساع الحرب إقليميا.
إن ما كشفه قائد بحرية الحرس الثوري يندرج ضمن نظرية الحرب البحرية الإيرانية غير المتكافئة، والتي اعتمدتها طهران بناء على دروسها المستفادة من حربها مع العراق لمدة 8 سنوات، والتي تخللتها اشتباكات مع البحرية الأميركية في مياه الخليج.
فقد استهدفت البحرية الإيرانية -في ذلك الوقت- ناقلة نفط كويتية ترفع علما أميركيا، كما أصابت السفينة الحربية الأميركية "صمويل روبرت" بلغم بحري إيراني، وهو ما دفع واشنطن للرد بعملية موسعة أدت في عامي 1987 و1988 إلى تدمير منصات نفط إيرانية ونحو نصف الأسطول الحربي الإيراني.
ومن أبرز الدروس التي خرجت بها طهران من تلك الحرب، هو أهمية زيادة عمقها الدفاعي الإستراتيجي عبر دعم شبكة من التنظيمات والجماعات الحليفة في المحيط الإقليمي للحماية لنقل المواجهة مع الخصوم إلى خارج الأراضي الإيرانية ضمن إستراتيجية "الدفاع الأمامي".
كما انتبهت طهران إلى ضرورة معالجة ضعف قدراتها العسكرية التقليدية في ظل العقوبات المفروضة على تسليحها، وذلك عبر الاستثمار في بناء قدرات عسكرية غير متكافئة، وهو ما تجلى في انخراط طهران في مشاريع لتطوير قدراتها الصاروخية وصناعة الطائرات المسيّرة وصولا إلى بناء منظومة دفاعية بحرية تعتمد على نشر آلاف الزوارق السريعة المسلحة في مياه الخليج لمهاجمة السفن المعادية بواسطة القذائف الصاروخية والقوارب المفخخة والألغام البحرية.
إن نظرية الحرب غير المتكافئة الإيرانية تستند إلى الأهمية الإستراتيجية لمضيق هرمز حيث تُنقل عبره يوميا أكثر من 30% من صادرات النفط الدولية وهو ما يجعل التعرض لها ووقف الملاحة فيه مؤثرا على الاقتصاد العالمي.
كذلك تعتمد النظرية المذكورة على الطبيعة الجغرافية للخليج الذي يبلغ طوله نحو 900 كيلو متر ويتراوح عرضه من 65 إلى 338 كيلو متر، فعلى ضفافه توجد العديد من الجزر والخلجان الصغيرة المتاح استخدامها كمرافئ لإطلاق قوارب صغيرة مسلحة في أنحاء المنطقة.
الفلسفة والتطبيق العملي
لقد عبر الأدميرال مرتضى صفاري قائد بحرية الحرس الثوري السابق عن فلسفة نظرية الحرب البحرية الإيرانية أثناء مناورة "النبي الأعظم" في عام 2008 قائلا "الدفاع البحري غير المتماثل هو النمط الأفضل للاستفادة من نقاط ضعف العدو ونقاط قوتنا".
لذا فإن أبرز نقاط القوة الإيرانية تتمثل في الاستعداد لقبول خسائر بشرية مقابل حساسية البحرية الأميركية للخسائر، وهي نقطة تلعب فيها قوات المتطوعين "البسيج" التابعة للحرس الثوري دورا بارزا.
فهذه القوات تعمل ضمن هيكل قوة خفيف الحركة يتكون من سفن صغيرة وقوارب مسلحة بالصواريخ، ومعدة للعمل بشكل لا مركزي في حال تضرر شبكة القيادة والسيطرة وقت الحرب، وهو ما يتيح تحويل أي حرب بحرية خاطفة وفق تكتيكات الخصم إلى حرب استنزاف طويلة.
وللعمل بسلاسة قدر الإمكان بنى الحرس الثوري شبكة من الأنفاق والمخابئ المموهة على طول ساحل إيران المطل على الخليج لإطلاق القوارب منها بشكل سريع ومرن بدون الحاجة لنقلها عبر مسارات مكشوفة، ولحمايتها من القصف الجوي الاستباقي.
كما وزع العديد من القوارب في القرى الساحلية بين قوارب الصيد لزيادة صعوبة التعرف عليها، مع تخصيص قطاع عمليات بحري لكل مجموعة قوارب للعمل فيه بشكل فوري ومستقل في حالة اندلاع قتال، مع مراعاة أن تبقى تحت السيطرة العملياتية لقيادة الحرس الثوري، وذلك ضمن إستراتيجية "الدفاع الفسيفسائي".
تتيح تلك التكتيكات المدعومة ببطاريات صواريخ مضادة للسفن منتشرة على طول الساحل الإيراني، تعويق التفوق الجوي الأميركي، وعرقلة إبحار السفن الأميركية في الخليج وقت الحرب، بما يسمح بالتحكم في فتح وغلق مضيق هرمز أمام الملاحة، وهو ما يزعزع الاقتصاد العالمي المعتمد على النفط والغاز.
إن نهج الحرب البحرية غير المتماثلة أقل في تكلفته المالية من الاعتماد على الحرب البحرية التقليدية الذي يتطلب استثمارات ضخمة في بناء سفن كبيرة تكون عرضة للإغراق على يد السفن الأميركية المجهزة بصواريخ باليستية دقيقة فضلا عن سهولة استهدافها بواسطة الطائرات المتطورة.
لماذا تحدّث تنكسيري الآن؟
إن طهران تدرك أن استخدام قوات البسيج البحرية التي أعلنت عنها لفرض قيود على حركة المرور البحري عبر مضيق هرمز لن يكون بالسهولة التي قد يبدو عليها، وأنه قد يدفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى ردود تعرض البنية التحتية لتصدير النفط الإيراني بأكملها لخطر الانتقام، مثلما حدث سابقا في ثمانينات القرن الـ20، ولذا فإن ما كشفه تنكسيري يأتي في سياق تعزيز الردع.
فخلال الأيام الأخيرة كثرت التسريبات الأميركية عن إعداد البنتاغون أهدافا أولية في اليمن لضربها في حالة أمرت إدارة الرئيس جو بايدن بشن ضربات انتقامية ضد الحوثيين.
كما تزايدت الاتهامات للحرس الثوري بأنه يزود الحوثيين بمعلومات استخباراتية عن السفن الإسرائيلية بواسطة 3 سفن إيرانية تبحر حاليا في البحر الأحمر للرصد والمراقبة، وفي مقدمتهم السفينة "بيهشاد" التي حلت محل السفينة سافير التي سبق للإسرائيليين استهدافها بلغم بحري في عام 2021 بالبحر الأحمر.
الخلاصةتهدف طهران لإرسال رسالة إلى واشنطن بأن تنفيذ عمليات عسكرية ضد الحوثيين، أو استهداف السفن الإيرانية في البحر الأحمر سيكون مكلفا، وأن لديها خيارات متعددة للرد.
ومن بين هذه الخيارات بدء استخدام قوات البسيج البحرية، والتي يمكن التنصل من المسؤولية عن أفعالها لأنها تتكون من متطوعين، ولذا جاء التلويح باتساع نطاق عملياتها من الخليج إلى ساحل تنزانيا، وهو ما يشمل بحر العرب ومضيق باب المندب.
ووفق مراقبين فلن تسمح إيران بتقليم أظافر الحوثيين بالتزامن مع الحرب على غزة التي ترفع شعار تدمير حركة المقاومة الإسلامية حماس، لأن حدوث ذلك سيعني أن الخطوة التالية هي تطويق إيران والإضرار بها بشكل مباشر انتقاما من دورها في دعم المقاومة الفلسطينية بالخبرات والسلاح والتدريب.
وتحرص طهران على التأكيد بأنها قوة مهيمنة في مياه الخليج، وطرف حاضر في البحر الأحمر وبحر العرب، وأنها قادرة على إلحاق أضرار بمصالح خصومها في حال تعرض مصالحها للضرر.
وهي تلعب على وتر الحرص الأميركي على تجنب اتساع نطاق الحرب إقليميا، وذلك لضبط إيقاع الصراع بما لا يضرها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: البحریة الإیرانیة فی البحر الأحمر فی میاه الخلیج الحرب البحریة الحرس الثوری نظریة الحرب مضیق هرمز وهو ما
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد والاستدامة.. كيف تؤثر أنماط الإنتاج والاستهلاك على البيئة؟
لو نظرنا إلى المحيط الحيوي الذي نعيش به، لوجدنا أن حجم التحديات البيئية التي تحيط بنا كبير جداً، وتختلف درجة ونوعية التحديات تبعاً لظروف هذا المحيط الحيوي أو ذاك الذي ننتمي إليه سواء على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، فمع النمو الاقتصادي والزيادة السكانية في العالم، زادت معها القدرة الشرائية.
وظهرت أنماط للعيش لم يعهدها العالم من قبل تستنزف موارد الكوكب، بالتالي زاد الطلب على الموارد الطبيعية بشكل عام مثل (غذاء، طاقة، مياه، والمعادن والاخشاب وغيرها)، كما زاد الطلب على المنتجات الاستهلاكية وبالتالي ارتفع معدل إنتاج النفايات، ما أدى إلى تدهور في النظام البيئي بل تراجعت القدرة الحيوية للكوكب على تلبية احتياجات الناس وفقاً لنمط العيش القائم الآن فظهرت لدينا معادلة البصمة البيئية والبصمة المائية والكربونية وغيرها، كلها مؤشرات تعطينا فكرة حول نمط العيش الذي نحن عليه هل هو معتدل أم مستنزف.
فعلى سبيل المثال، لو عاش كل سكان الكوكب مثل متوسط معيشة سكان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لكنا بحاجة الى 4.5 كوكب لتلبية احتياجات الناس وفقاً لنمط العيش هذا.
والحقيقة أنه لا يوجد لدينا سوى كوكب أرض واحد من هنا ظهرت فكرة البصمة البيئية وهي أداة لقياس معدل استخدام الأفراد للموارد الموجودة بالأرض مقارنة بالمعدل الذي تحتاجه الأرض لإعادة توفير هذه الموارد من جديد. ووحدة القياس هذه هي أن حصة الفرد من الأرض تعادل 1.8 هكتار عالمي. وهي المساحة التي يحتاجها كل فرد لتوفير ما يحتاجه من هواء وماء وطاقة وغذاء واخشاب وبلاستيك
ففي العام 1961 كانت مؤشرات القياس تشير إلى استخدام 1.3 من قدرة الكوكب، حيث تعتبر هذه النسبة أسرع من عملية تجدد الموارد بـ 30 %. ومثل هذا التوجه أخذ بالتزايد إلى أن وصلنا إلى 1.7 من قدرة الكوكب، بناء عليه فقد أصبح من الضروري فهم دور وأهمية الأصول البيئية لاقتصادنا الوطني ولحياتنا بشكل عام.
فنحن سكان الأرض بتنا نستهلك على المكشوف من مستقبلنا البيئي، فالأصول البيئية في تناقص مستمر بالعالم! مع استمرار البصمة البيئية لدينا بهذا الارتفاع فقد تجاوزنا القدرة البيولوجية للأرض على تلبية احتياجاتنا.
فارتفاع رقم البصمة البيئية للأفراد أو المؤسسات أو الشركات أو الدول، يعني أن نمط الإنتاج والاستهلاك غير مستدامين، يعني أن أثرنا السلبي على البيئة عالي جداً، يعني أن السمعة البيئية للفرد أو الشركة أو الدولة في تراجع، يعني أنه ليس لدينا مسؤولية اتجاه مستقبل الأجيال القادمة.
الاسرة جزء من معادلة البصمة البيئية
البداية كانت وسوف تبقى من الاسرة ومن ثم من المدرسة والمجتمع بشكل عام، فعندما تدرك الاسرة بأنها جزء من معادلة البصمة البيئية بل هي أحد أهم اركان معادلة البصمة البيئية في المجتمع والدولة، أي أن لها دور وعليها مسؤولية، حيث أظهرت دراسة قامت بها اللجنة الوطنية لمبادرة البصمة البيئية بالإمارات حول مسؤولية كل قطاع عن رقم البصمة البيئية في عموم دول الخليج العربي، بأن قطاع السكن مسؤول عن 57 من رقم البصمة البيئية للدولة، في حين قطاع الحكومي مسؤول عن 12 %، وقطاع الصناعة والاعمال مسؤول عن 30 % وبقية القطاعات مسؤولة عن 1 %.
الخلاصة أن قطاع السكن هو المسؤول الأكبر عن ارتفاع رقم البصمة البيئية بالدولة قياساً ببقية قطاعات المجتمع، والسبب في ذلك هو نمط الاستهلاك الذي نعيش به فهو مستنزف للموارد بأكثر مما نحتاج، فنحن نشتري أكثر مما نحتاج ولا نستهلك ما قد اشتريناه. بناء عليه فقد أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2002 أول برنامج لمساعدة السكان تحت عنوان (المستهلك المستدام) أي أن نشتري ما نحتاج إليه ونستهلك ما قد اشترينا، في حين ان نمط حياتنا يمشي بالاتجاه المعاكس تماماً لهذه المعادلة، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك حيث ترتفع معدل انتاج النفايات للفرد الواحد بما يقارب 10 – 15 % وهذا مؤشر على عدم الوعي وعدم المسؤولية.
نمط حياة صديق للبيئة
نؤكد في هذه المناسبة بأن معادلة تغيير سلوك الأفراد أو المؤسسات والشركات في مختلف المواضيع في مختلف دول العالم يخضع لمعادلة ثلاثية الأطراف هي (التشريعات، التوعية، المحفزات) هذه العناصر الثلاث مجتمعة يجب تطبيقها بالتوازي مع بعضها البعض، أي أن التشريعات بمفردها لا تعطي نتيجة والتوعية بمفردها غير مفيدة بالمطلق، وكذلك المحفزات، مثال على ذلك: عدم رمي النفايات بالشارع بات أمراً واقعاً بعد استصدار قوانين تغرم الفرد بملغ 500 درهم، مع حملات التوعية على مستوى الافراد والتحفيز على مستوى الشركات، وهكذا.
وكما يقول المثل العلم في الصغر كالنقش على الحجر، من هنا يأتي دور الاسرة في تكريس نمط حياة صديق للبيئة غير مستنزف للموارد يلبي احتياجات الفرد دون الضرر بالبيئة وبمستقبل الكوكب، هنا يبرز دور الام بصفتها مدرسة في التربية والتعليم بالقيادة والقدوة.
وفي هذه المناسبة نذكر بالاجتماع الذي عقده برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 1992 بمشاركة عدد من الخبراء والعلماء منهم 102 من الحائزين على جائزة نوبل و1600 عالم آخر من مختلف الاختصاصات، حيث وجهوا نداءً عاجلاً للإنسانية جمعاء حذروا فيه بأن هناك خطر قادم لا مفر منه ألا وهو “عدم قدرة الأرض على تلبية احتياجات الانسان إذا بقي نمط عيشه على هذا النحو”.
بناء عليه يمكن القول بأننا نحن سكان الأرض في مسار تصادمي مع قدرة الأرض على تلبية احتياجاتنا، قد لا يتمكن المجتمع البشري من الحفاظ على الحياة كما نعرفها اليوم. لذا فإن تغيير نمط العيش والاستهلاك بات أمراً ملحاً، وعلينا أن نذهب إلى الترشيد راغبين قبل أن نكون مرغمين.