المقاومة تكسر شوكة غولاني .. ما سرُّ انسحاب لواء النخبة الإسرائيلي من غزة؟
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
سرايا - أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل مفاجئ، سحب لواء "غولاني" من القتال في غزة، بينما تداولت تقارير إعلاميين أن المقاومة الفلسطينية كبّدت لواء النخبة "الإسرائيلي" خسائر فادحة.
بعد 60 يوماً من قيادته المعارك البرية بغزة، أعلنت "إسرائيل" سحب لواء نخبتها العسكرية، المعروف بـ"لواء غولاني".
وطوال هذه المدة، لعب اللواء دوراً كبيراً في الحرب، إذ كان يتقدم القوات الغازية الإسرائيلية، في عدة محاور من قطاع غزّة، أهمها حي الشجاعية ومخيم خان يونس.
ولم يوضح جيش الاحتلال الأسباب القابعة خلف قراره سحب اللواء، بالمقابل كشفت عدة تقارير إعلامية حجم الخسائر الكبير الذي تعرض له، كما أوضحت المقاومة في أكثر من مرة كسرها شوكة اللواء الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى ما قبل قيام إسرائيل.
انسحاب غولاني من غزة!
وأورد كل من موقع "واللا" والقناة 12 العبريين، في تقارير لهما يوم الخميس الماضي بأن القيادة العسكرية "الإسرائيلية" قررت سحب لواء "غولاني" من قطاع غزة، ذلك "بعد أكثر من 70 يوماً في غزة، وسقوط 44 مقاتلاً منه".
وبرّرت المنصتان الإعلاميتان هذا الانسحاب، بأنه يأتي من أجل "التقاط المقاتلين أنفاسهم وزيارة أهاليهم لبضعة أيام، ذلك بعد تكبدهم خسائر فادحة". بالمقابل، قالت القناة 13 العبرية، إن جنود اللواء "غادروا غزة لإعادة تنظيم صفوفهم".
وفي السياق ذاته، وساعات قليلة بعد تلك التقارير الصحفية، أعلن جيش الاحتلال أن قوات غولاني خاضت يوم الخميس معارك في حي الشجاعية، فقد اشتبكت مع مقاتلي المقاومة الفلسطينية الذين "أطلقوا النار وهاجموا وألقوا المتفجرات على قوات اللواء".
وزعم جيش الاحتلال أن قواته "أكملت مرحلة تفكيك القدرات الأساسية لحركة حماس في حي الشجاعية" تمكنت من "السيطرة عملياتياً" على الحي.١
وحتى الساعة، لم يصدر تعقيب فوري من حركة "حماس"، بذراعيها العسكري والسياسي، على مزاعم جيش الاحتلال.
منهم "لواء غولاني"
يعد لواء نخبة المشاة الإسرائيلي "غولاني" أقدم لواء في جيش الاحتلال، إذ يعود تأسيسه إلى ما قبل قيام دولة "إسرائيل" في عام 1948. وتاريخياً تعد عصابات "الهاغانا" الصهيونية الدموية هي النواة الأولى لـ"غولاني"، الذي اشتق اسمه من منطقة الجليل المحتلة.
ويضم اللواء الآلاف من الجنود ويتألف من أربع كتائب رئيسية، ويرتبط تقليدياً بالقيادة الشمالية في جيش الاحتلال.
كما يعرف جنوده بلبس قبعات بنية اللون، وأحذية عسكرية سوداء.
ويجري تدريب قوات "غولاني" بشكل صارم لتكون ذات فاعلية قتالية كبيرة في بيئات مختلفة، وهو ما يجعل اللواء مصنفاً على أنه نخبة مشاة الجيش الإسرائيلي. وتقلد عدد من قادته مناصب سواء في قيادة أركان الجيش أم في الحكومة الإسرائيلية، ومن بينهم رئيس أركان الجيش السابق والوزير بمجلس الحرب الحالي غادي أيزنكوت.
كسرت شوكتهم المقاومة!
ومنذ دخولهم الحرب في غزة، كانت قوات لواء "غولاني" تتصدر القوات المهاجمة في عدد من محاور القتال، على رأسها حي الشجاعية. وهو ما جعلها تتكبد خسائر فادحة وتفقد عدداً من أفرادها وآلياتها.
وفي 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري، كشفت وسائل إعلام عبرية عن كمين نصبه مقاتلو "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، لجنود من لواء "غولاني" في حي الشجاعية، ما أدى إلى مقتل 10 ضباط وإصابة عدد كبير من الجنود.
وقال جيش الاحتلال، إنه قُتل في هذه المواجهة قائد لواء "غولاني" العقيد إسحق بن بشت وقائد "السرية 669" الرائد بن شيلي وقائد "الكتيبة 51" النقيب ليل هايو، وقتل كذلك اللواء الراحل روم هيشت والرقيب عيران ألوني والرقيب أهيا داسكال ومقاتلان في الكتيبة 51. إضافة إلى الرائد موشيه بار أون قائد سرية في الكتيبة 51 والرائد روي ملداسي قائد سرية في الكتيبة 13.
ووصف النتن ياهو كمين الشجاعية، بأنه "كان يوماً صعباً جداً". وقال رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال، هرتسي هليفي: "قد عشنا حدثاً صعباً (...) قوة عسكرية وقعت في محنة، وتعرضت قوات أخرى للنار والخطر، لكن القادة كانوا في المقدمة".
وترجح الأرقام سقوط نحو 42 من أفراد "غولاني" قتلى خلال المعارك بالشجاعية، منذ اجتياح جيش الصهاينة للحي.
وبحسب تصريحات المحلل العسكري فايز الدويري، فإن هذه الخسائر التي تكبدها "غولاني" هي ما دفعت بالقيادة الإسرائيلية إلى سحبه من المعركة. وأورد الدويري: أنه "وفقاً للقواعد العسكرية، فإن إخراج الوحدة العسكرية من القتال يعني أنها فقدت 40% من قدراتها القتالية البشرية والمعدات".
وأكد الخبير العسكري أن سحب لواء "غولاني" يثبت صحة ما تعلنه كتائب عز الدين القسام من تدمير عدد كبير من آليات جيش الاحتلال، وأن "خروج غولاني من العمل يعدّ مؤشراً على طبيعة المعركة، ونجاعة قوات القسام والمقاومة في إدارة معركتها بعد مرور 53 يوماً على المعركة البرية".
"إسرائيل" تخسر
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، تكبد جيش الاحتلال خسائر كبيرة في الأفراد والمعدات. وقتلت المقاومة ما لا يقل عن 471 جندياً إسرائيلياً، وأصيب أكثر من 1900 جندي، 43 منهم في حالة خطيرة.
وفي كلمته يوم الخميس، أعلن الناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة استهداف 720 آلية عسكرية إسرائيلية منذ بدء الاجتياح البري على قطاع غزة في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وإلى الآن، لم ينجح جيش الاحتلال في تحصيل أي مكاسب ميدانية أو أمنية من عدوانه على غزة، وسبق أن تحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية على أن "كل مرحلة من مراحل الحرب الجارية، يمكن أن تأخذ سنة من المواجهة".
وحسب الأستاذ الفخري لدراسات السلام في جامعة برادفورد، بول روجرز، فإن "إسرائيل" تخسر الحرب ونتنياهو يرفض الاعتراف بالأمر". وأوضح روجرز بأن العنف المفرط الذي استخدمته "إسرائيل" ضد المدنيين، كما فشلها في الإتيان بدلائل توضح الأهداف العسكرية من هذا العنف، غيّرا صورة "إسرائيل" في العالم.
وأشار الخبير البريطاني، في مقاله على الغارديان، بأن الخسائر التي تلقاها الجيش "الإسرائيلي" على يد المقاومة تقوض مساعي الحكومة "الإسرائيلية" في إقناع شعبها وحلفائها بتحقيق مكاسب من هذه الحرب. كما أن قادة "إسرائيل" "سوف يدركون الآن أنه على الرغم من كل خطابات نتنياهو، فإن حماس، أو على الأقل أفكار حماس، لا يمكن هزيمتها بالقوة العسكرية".
وفي تقرير لها، كتبت صحيفة "ذا ناشونال" الأمريكية، هي الأخرى، أن "إسرائيل تخسر الحرب"، ونقلت عن محللين استراتيجيين تحذيرهم بإمكانية خسارة إسرائيل الحرب، مرجعين ذلك للأهداف السياسية الصعبة التي رصدها قادة الاحتلال لها.
وشبهت الصحيفة الحرب على غزة بحرب الفيتنام، واستشهدت بقول مستشار الأمن القومي الأمريكي الراحل هنري كيسنجر، الذي قال عن هزيمة بلاده: "لقد خضنا حرباً عسكرية، وخصومنا خاضوا معركة سياسية. وفي هذه العملية فقدنا رؤية أحد المبادئ الأساسية لحرب العصابات: إن حرب العصابات تفوز إذا لم تخسر. والجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر".
وشدّد التقرير على أن "مفهوم حماس للنصر العسكري، يدور حول تحقيق نتائج سياسية طويلة الأمد. إن حماس لا ترى النصر في عام واحد أو خمسة أعوام، بل من خلال الانخراط في عقود من النضال الذي يزيد من التضامن الفلسطيني، ويزيد من عزلة "إسرائيل". ومنه فإن "إسرائيل" قد تفشل في تحقيق أهدافها من الحرب.
إقرأ أيضاً : أجسام مضادة "لم تكتشف سابقا" يمكنها استهداف أنواع من الإنفلونزا!إقرأ أيضاً : رئيسي: الحل النهائي يتمثل بطرد الاحتلال من فلسطينإقرأ أيضاً : غزة .. اشتباكات ضارية وتراجع "إسرائيلي" محدود بالشمال يكشف"فاجعة"
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: الاحتلال القوات الاحتلال غزة الاحتلال الاحتلال الشمالية قيادة الحكومة رئيس القوات رئيس العمل الاحتلال غزة الاحتلال الحكومة الاحتلال غزة العالم قيادة الشمالية الحكومة العمل غزة الاحتلال رئيس القوات جیش الاحتلال حی الشجاعیة سحب لواء
إقرأ أيضاً:
حصاد حرب غزة ومآلها
لا تزال حرب غزة تثير النقاش والجدال حتى بعد توقفها من خلال توقيع الاتفاق الأخير بين إسرائيل وحماس على إيقاف إطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي خارج الحدود الفلسطينية الكائنة قبل العدوان، وتبادل الأسرى لدى الطرفين؛ على أن يتم ذلك على مراحل زمنية محددة. يدور الجدال حول حصاد هذه الحرب، ويشمل ذلك الخلاف حول الانتصار والهزيمة (أي: مَن المنتصر ومَن المهزوم)، وما آلت إليه الحرب، وما يمكن أن تؤول إليه (أي: نتائجها المتوقعة مستقبليًّا). هذا الجدال يدور يوميًّا بين الخبراء السياسيين والمثقفين في أجهزة الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بل حتى بين الناس العاديين الذين يشغلهم الشأن السياسي: يؤكد البعض أن المقاومة الفلسطينية التي تتزعمها حماس هي التي انتصرت في هذه الحرب، بينما يرى آخرون أن إسرائيل خرجت من الحرب منتصرة بعد أن سحقت غزة وهدمت بنيتها التحتية تمامًا وتركتها مجرد خرائب، كما أنها قتلت وجرحت ما يزيد كثيرًا على المائة ألف. ولكن هذا الجدال لا يمكن حسمه إلا من خلال التأويل الذي يستند إلى الوقائع ونتائجها المتحققة، وهذا ما سأحاول رصده في النقاط التالية:
* من الخطأ النظر إلى مسألة الانتصار والهزيمة من الناحية العسكرية فقط؛ لأن الانتصار العسكري قد يقترن بخسائر عديدة، سوف أشير إليها بعد قليل. وحتى على المستوى العسكري البحت، لا يمكن القول بأن إسرائيل قد حققت انتصارًا بلا خسائر؛ إذ تكبدت خسارة عدد هائل من الدبابات والمعدات الحربية المتطورة، كما تم قتل وجرح المئات العديدة من أفراد جيشها. حقًّا إن السلاح الإسرائيلي/ الأمريكي بالغ التطور قد جعل ميزان القوة العسكرية يميل بوضوح وبشكل فائق إلى جانب إسرائيل في مقابل سلاح حماس والمقاومة عمومًا في فلسطين وغيرها؛ ولكن هذا السلاح لم يحقق نصرًا عسكريًّا لإسرائيل؛ لأن هذا السلاح ذاته لم يحقق الغاية من الحرب على غزة كما حددها نتنياهو وحكومته، وهي القضاء على حماس وتحرير الأسرى الإسرائيليين على مدى سنة وأربعة أشهر: فلا حماس قد انتهت، ولا الأسرى قد عادوا، إلا بعد التوقيع على اتفاقية مع حماس.
* كشفت هذه الحرب عن زيف أسطورة الجيش الإسرائيلي التي تزعم أنه «الجيش الذي لا يُقهر»: تبين ذلك عندما استطاعت المقاومة الفلسطينية بأدوات بدائية تخطي الجدار العازل وأسر الكثير من المجندين والمجندات الإسرائيليين؛ وتبين أيضًا من خلال بسالة رجال المقاومة في تصديهم لآليات الجيش الإسرائيلي وتدميرها، وفي قدرتهم على إصابة أهداف ومنشآت عسكرية وغير عسكرية، وفي القدرة على قنص الجنود الإسرائيليين (وهذا كله على الرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي الواضح).
* كشفت هذه الحرب عن زيف الادعاءات التي روجتها إسرائيل عن نفسها، من قبيل: أنها ضحية «معاداة السامية» وضحية للأعمال الإرهابية التي يقوم بها رجال المقاومة الذين تسميهم الإرهابيين والأشرار؛ فضلًا عن ترويجها لمقولة أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. ولكن هذه الصورة الذهنية التي طالما رسمتها إسرائيل لنفسها عبر العالم قد تبدلت الآن: فمشاهد الفيديو التي روجتها عن اغتصاب النساء وحرق الإسرائيليين في أثناء السابع من أكتوبر، قد تبين فيما بعد أنها مزيفة، وراجت بدلًا منها المَشاهد الحقيقية لوحشية العدوان الإسرائيلي في إبادة الشعب الفلسطيني نفسه بأسلحة تحرق البشر وتقطِّع أجسادهم إلى أشلاء، بل يذيب بعضها الجسد نفسه. وهذا نفسه يدحض مقولة «الديمقراطية الإسرائيلية» في الوقت ذاته؛ لأن الديمقراطية لا يمكن اختزالها في مجرد صناديق الانتخاب لحكومة ما، خاصةً إذا كانت هذه الحكومة تعتمد سياسة القتل والإبادة للآخر. وقد أدى كل هذا إلى اندلاع تظاهرات الشعوب عبر العالم ضد إسرائيل بدافع من الضمير الإنساني والتنديد بوحشية العدوان الإسرائيلي والمطالبة بوقف هذا العدوان وعدم دعمه بالمال والسلاح. وكل هذا قد أفضى إلى إدانة نتنياهو بجرائم حرب وإبادة من قِبل محكمة العدل الدولية، بعد أن تقدمت جنوب إفريقيا ودول أخرى بهذه الدعوى القضائية.
* أما بخصوص مآلات هذه الحرب، فأولها أنها ستؤدي إلى تفكيك الكيان الصهيوني من الداخل، وإلى تفكيك الحكومة الإسرائيلية أيضًا، وهو ما بدأت إرهاصاته تلوح في الأفق منذ شهور، وأصبح أكثر احتمالًا بعد توقيع الاتفاقية مع حماس. وأما بخصوص مصير الحرب نفسها بعد توقفها بفعل الاتفاقية، وإمكانية تجدد الحرب بخرق الاتفاقية، فهو أمر لا يمكن توقع أي سيناريو له بشكل مؤكد: حقًّا أن التجربة تشهد بأن بني إسرائيل لا يحفظون عهدًا أو اتفاقًا. ومع ذلك، فإن السيناريو الأكثر احتمالًا في ضوء الوقائع الراهنة هو أن إسرائيل قد تقوم بخرق الهدنة أحيانًا، ولكنها لن تستطيع مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية؛ لأنها قد تعلمت درسًا قاسيًا وهو أنه لا يمكن القضاء على حماس أو على روح المقاومة ذاتها لدى شعب فلسطين؛ ولأنها قد أدركت أن الدعم الأمريكي لحربها لا يمكن أن يستمر بنفس القوة والوتيرة، خاصة بعد تزايد اعتراض دافعي الضرائب الأمريكيين.
* كشفت هذه الحرب في النهاية عن تفرد الشعب الفلسطيني في القدرة على المقاومة والصمود، وأنا هنا لا أقصد حماس وغيرها من جماعات المقاومة الفلسطينية، وإنما أقصد فعليًّا الشعب الفلسطيني الذي صمد إلى جانب المقاومة، رغم كل ما عاناه يوميًّا من إبادة ودمار بشكل يفوق الوصف؛ ولقد ضربت نساء فلسطين بوجه خاص أروع الأمثلة في الصمود والصبر والإيمان بشكل مُذهل. وهذا يعني أو يثبت أنه ما ضاع حق وراءه مطالب أو مقاوم.