المرْأة فِي غَزَّة . . صُمُود يُوَاجِه الحرْب
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
المرْأة فِي غَزَّة . . صُمُود يُوَاجِه الحرْب
د بَتُول مُجَاهِد المحيْسن / مديرة مركز الأميرة بسمة لدراسات المرأة الأردنية – جامعة اليرموك
عِنْدمَا تُشير لُغَة الأرْقام إِلى أنَّ مَا يُقَارِب خَمسَة وثلاثون بِالْمِئة مِن شُهَداء غَزَّة هُم مِن النِّسَاء، وأنَّ أَكثَر مِن مِئة أَلْف سَيدَة فَقدَت زوْجهَا وتْعيل أُسْرتهَا وَحِيدَة، وأنَّ أكثر من نِصْف مِلْيون اِمرأَة تَبحَث عن مَأْوى، وأنَّ آلاف الفتيات بَقين بِلَا أخٍ، أو أبٍ، أو حَتَّى شَقِيقَة وَأُم، وان أكثر من ٥٠ أَلْف اِمرأَة حَامِل، 6000 مِنْهنَّ يَلدْن خِلَال هذَا الشَّهْر حُرَّمْن مِن اَلحُصول على الخدْمات الصِّحِّيَّة، فَهذَا وَحدُه دليل كافٍ على أنَّ وَاقِع المرْأة الغزاوْيَّة بات خَارِج كُلِّ الوصوف والتَّقْييمات، وأنَّ التَّحَدِّي الإنْسانيَّ لَم يَعُد مُجرَّد نَتِيجَة لِلصِّرَاع، بل بات عُنْوانًا لِأزْمة لَيْس مِن السَّهْل تجاوزهَا .
فِي هذَا الوَاقِع اَلمؤْلِم لَيْس مِن السَّهْل الاكْتفاء بِالْحديث عن القيم والْإنْسانيَّة والتَّنْمية، وَحتَّى عن أَضعَف سُبُل الحيَاة بِشَكل مُجرَّد وَعَام، وتكوُّن الأوْلويَّة لِلْحدِيث عن اَلأُم اَلتِي تَبنِي اَلبُيوت، وعن الفتَاة اَلتِي تَبحَث عن المسْتقْبل، وعن الطِّفْلة اَلتِي تَاهَت هُويَّتهَا وَضَاع مُسْتقْبلهَا، وَرُبمَا لََا يُمْكِن اَلحدِيث عن اَلجُهود اَلتِي يَجِب أن تَبذُل فِي ظِلِّ هذَا الواقع اَلمرِير، فَفِي الوقْتِ اَلذِي يُحْيِي فِيه العالم مُناسبَة ” 16 يَوْم لِمناهضة اَلعُنف ضِدَّ المرْأة ” بَاتَت نِسَاء فِلسْطِين الأكْثر عُرضَة لِلْعنْف فِي ظِلِّ صَمْت قاسٍ وَمؤلِم.
إِنَّ الكتابة عن مَا تَشهدُه المرْأة الفلسْطينيَّة مِن تحدِّيَات وآلام، وتكْرَار وَصْف المشْهد، لَن يُوقف الحرْب فوْرًا ولن يَبنِي اَلبُيوت، أو المدارس والْمسْتشْفيات، ولن يُحْيِي اَلقُدرة على مُوَاجهَة الموْتِ، والْمَرض، والْفَقْد، والْفَقْر اَلذِي تُوَّلده مِثْل هَذِه الأزمات فِي نُفُوس الفلسْطينيَّات المسْتضْعفات فِي غَزَّة، وقد يَكُون المطْلوب اليوْم أن نَكُون جُزْءًا مِن دَوْر اَلأُردن وقيادته الهاشميَّة الحكيمة فِي الدِّفَاع عن فِلسْطِين وتقديم الدَّعْم الإنْسانيِّ لِكلِّ الفئَات اَلتِي تَتَعرَّض لُلْسُوك العدْوانيِّ والْفَصْل العنْصريِّ والْإبادة الجماعيَّة اَلتِي بَاتَت عُنْوانًا واضحًا لِممارسات جَيْش الاحْتلال، وَذلِك مِن خِلَال نَهْج عِلْمِي وَبحثِي وإنْسانيٍّ مُسْتَمِر يَضمَن تَواصُل هَذِه اَلجُهود حَتَّى اِنتِهاء الأزْمة، وإحلال السلام.
فَهذِه الممارسات تمسُّ بِالضَّرورة قِيم السَّلَام والاسْتقْرار، وتتسَبَّب فِي رَفْع الكلف اَلتِي تتحمَّلهَا المنْطقة وليْس غَزَّة وَأَهلهَا فحسْب، وَذلِك فِي جميع القطاعات الحيويَّة مِثْل الصِّحَّة، والتَّعْليم، والْعدالة، مِمَّا يُعطِّل عَجلَة الإنْتاج، ويمْنع المرْأة كمَا المجْتمع مِن الاسْتفادة مِن الموارد الاقْتصاديَّة والاجْتماعيَّة كمَا يَجِب.
وعليْه فَإِن الاسْتجابة السَّريعة والْقويَّة لِمتطلَّبات المرْحلة، والْمضيِّ قُدُما فِي بِنَاء مَشرُوع عَربِي مُتَكامِل لِلْوقاية مِن اَلعُنف، يَبدَأ بِبناء قَواعِد بيانَات نَوعِية لِجوْدة حَيَاة النِّسَاء الفلسْطينيَّات وتحْديدًا فِي غَزَّة، وقراءة مدى اِلتِزام المؤسَّسات الدَّوْليَّة والْمجْتمع اَلدوْلِي بِالتَّصدِّي لِلْعنْف اَلمُوجه لِلْمرْأة الفلسْطينيَّة، بل وبناء مَنظُومة عَرَبيَّة لِدَعم النِّسَاء والْفتيات فِي فِلسْطِين مَعرفِيا ومعْنويًّا ومادِّيًّا، وبحيْث يَستطِعن تَطوِير البنى التَّحْتيَّة لِمجْتمعاتهنَّ وبناء نُقطَة اِنطِلاق جَدِيدَة تَضمَّن تَجوِيد نَوْع الحيَاة اَلتِي يعشْنَهَا، وبحيْث نَبنِي دوْرًا أَساسِيا فِي تَوجِيه الخدْمات، وَتعزِيز تَمكِين المرْأة وَتمتِين دوْرهَا والْوصول إِلى الأشْخاص المعرَّضين لِلْخطر وَتعزِيز عَجلَة النُّهوض والتَّنْمية .
وَلأَن المرْأة الفلسْطينيَّة هِي عُنْوان التَّنْمية ورمْز الصُّمود فلَا يَجِب أن تُوقف الحرْب مسارَات التَّحْفيز الاقْتصاديِّ والسِّياسيِّ لِلْمرْأة الفلسْطينيَّة، بل يَجِب أن يُعزِّز دَورُها كَنَواة لِانْطلاقة تَنموِية جَدِيدَة، تُبْرِز مِن خِلالِهَا الصُّورة اَلتِي نعْرفهَا لِلْمرْأة الفلسْطينيَّة اَلقوِية اَلتِي تَدعَم صُمُود أَهلِها وَوطنِها، وَالتِي تُشكِّل مَصدَر قُوَّة فِي مُوَاجهَة الأزمات، وَهُو مَا يَجِب أن تَبنِي قَواعِده كُلَّ المؤسَّسات العاملة فِي غَزَّة.
بل وَيجِب أن يَتَرافَق ذَلِك مع حَمَلات إِعْلاميَّة نَوعِية تَوصَّل لِلْعالم هذَا الوجْه لِجميل لِلْمرْأة القادرة، وللطِّفْلة الجميلة، وللْفتاة المميَّزة اللَّواتي يُواجِهْن اَلحُروب بِالصَّبْر، والْعدْوان بِالْعطاء، ولعلِّي هُنَا اِسْتذْكر قوْلا سابقًا لِجلالة اَلملِكة رانْيَا العبْد اَللَّه ” إِنَّ وَاقِع الطِّفْل الفلسْطينيِّ والْأمِّ الفلسْطينيَّة مُؤْلِم جِدًّا، فهناك أَجيَال لَم تَعرِف الطُّمأْنينة والسَّلام، وَهذَا غَيْر مَقبُول، ونحْن فِي اَلأُردن نرى أَنَّه لا يُمْكِن لِلْمنْطقة أن تَنعَم بِالسَّلام والاسْتقْرار إِلَّا عِنْدمَا تَحُل اَلقضِية الفلسْطينيَّة ” مَا يَعكِس مِقدَار الاهْتمام الملَكيِّ بِالْمرْأة والْأطْفال كعنْوَان لِلسَّلَام والاسْتقْرار .
كمَا أنَّ الدَّعْم الأرْدنِّيَّ اَلذِي تُسَيره الهيْئة الخيْريَّة الهاشميَّة وقوَّاتنَا المسلَّحة الأرْدنِّيَّة إِلى الأهْل فِي غَزَّة هُو شَكْل آخر مِن أَشكَال دَعْم المرْأة والْأسْرة، إِذ إِنَّ خَلْق بِيئة صِحِّية وإنْسانيَّة جَيدَة، والْمساهمة قَدْر المسْتطاع فِي رَفْع مُستَوَى مُوَاجهَة الأزْمة لِلْفلسْطينيِّين على أَرضِهم هُو مِحوَر أَساسِي لِإعْلَان اَلقُدرة على الاسْتمْرار والْبناء.
خِتامًا أَقُول إِنَّ بِنَاء مَنظُومة السِّلْم المجْتمعيِّ فِي فِلسْطِين عُنْوانه المرْأة أوَّلا، وأنَّ العمل مع المرْأة يَحْتاج إِلى جُهُود نَوعِية تَوْزاي قُدْرتهَا على التَّطْوير وَدورِها المحْوريِّ فِي الحيَاة، وَلأَن اَلأُردن هُو رِئة فِلسْطِين سَتظَل النِّسَاء الأرْدنِّيَّات وَفِي مُقدِّمتهنَّ جَلالَة اَلملِكة رانْيَا العبْد اَللَّه عُنْوانًا لِدَعم صُمُود نِسَاء فِلسْطِين، تحْقيقًا لِرؤْية جَلالَة اَلمَلِك اَلذِي يُوَاصِل اللَّيْل والنَّهار لِحماية أَروَاح أَهلِنا فِي غَزَّة وحماية اَلحُقوق الإنْسانيَّة لِكلِّ إِنسَان على هَذِه اَلبُقعة مِن أَرضِنا المحْتلَّة ومخاطبة الرَّأْي اَلْعام العالميِّ لِكَشف جَرائِم الاحْتلال ضِدَّ اَلمُكون الاجْتماعيِّ الفلسْطينيِّ كاملا بِمَا فِيه المرْأة والطِّفْل. مقالات ذات صلة اللاءات العربية ! 2023/12/22
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: ع ن وان ا ا لت ی ت ی ج ب أن ة ا لت ی الحر ب
إقرأ أيضاً:
"يونيسيف": بحلول عام 2050 سيزداد عدد الأطفال المعرضين لموجات الحر بثمانية أضعاف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
كشف تقرير صدر اليوم الأربعاء، عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أنه بحلول الفترة ما بين 2050 - 2059، يمكن أن يزيد عدد الأطفال المعرضين لموجات الحر الشديدة بمقدار ثمانية أضعاف، ويزيد عدد الأطفال المعرضين للفيضانات بمقدار ثلاثة أضعاف، وعدد ضحايا حرائق الغابات بمقدار ضعفين، مقارنة بالعقد الأول من القرن الـ21.
وحذرت المديرة العامة لليونيسف كاثرين راسل، حسبما أوردت قناة "أر تي بي أف" التلفزيونية البلجيكية، من أنه بدون اتخاذ إجراءات ملموسة و"تدابير عاجلة" من جانب زعماء العالم، فإن عقودا من التقدم الذي تم تحقيقه، وخاصة بالنسبة للفتيات، معرضة للخطر، مشددة على أن الأطفال يواجهون العديد من الأزمات، بدءًا من الصدمات المناخية ووصولًا إلى المخاطر عبر الإنترنت، ومن المتوقع أن تتزايد هذه التهديدات في السنوات المقبلة.
وأشارت إلى أن تأثير هذه المخاطر المناخية على الأطفال سيختلف حسب أعمارهم وصحتهم ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي وقدرتهم على الوصول إلى الموارد الأساسية، فالطفل الذي يتمتع بمأوى مقاوم للمناخ، وبنية تحتية للتبريد، والرعاية الصحية، والتعليم، والحصول على مياه الشرب، سيكون لديه فرصة أفضل لمقاومة الصدمات المناخية.
وذكر التقرير أنه من الناحية الديمغرافية، تضم منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا أكبر عدد من الأطفال في العالم، في حين ستنخفض نسبة الأطفال في جميع المناطق بسبب شيخوخة السكان، وعلى الرغم من أنها لا تزال مرتفعة، فمن المتوقع أن تنخفض نسبة الأطفال في إفريقيا إلى أقل من 40%، مقارنة بـ 50% في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وفي شرق آسيا وأوروبا الغربية، ستنخفض هذه النسبة إلى أقل من 17%، في حين وصلت إلى 29% و20% على التوالي في بداية القرن، وفي مواجهة هذه التغيرات الديموغرافية، "يتعين على بعض الدول توسيع نطاق الخدمات المقدمة للأطفال، في حين يتعين على دول أخرى الاستجابة للاحتياجات المتزايدة للسكان المسنين"، كما توصي المنظمة.
ويسلط التقرير، الذي نُشر بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل، الضوء أيضًا على الفرص والمخاطر المرتبطة بالتكنولوجيات الجديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وتحذر اليونيسف من استمرار الفجوة الرقمية، مما يحد من الوصول إلى المهارات الرقمية للعديد من الشباب، وخاصة في الدول المنخفضة الدخل، وبحلول عام 2024، سيكون أكثر من 95% من الأشخاص في الدول المرتفعة الدخل متصلين بالإنترنت، مقارنة بنحو 26% فقط في الدول المنخفضة الدخل.
وتتوقع اليونيسيف أيضًا حدوث تقدم في متوسط العمر المتوقع والحصول على التعليم الابتدائي، وبحلول خمسينيات القرن الحادي والعشرين، من المتوقع أن يستفيد ما يقرب من 96% من أطفال العالم من التعليم الابتدائي، مقارنة بنحو 80% في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ويدعو صندوق الأمم المتحدة إلى الاستثمار في التعليم والبنية التحتية المستدامة، وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، وضمان الاتصال الآمن وتصميم التكنولوجيا لجميع الأطفال.
واختتم فيليب هينون المتحدث باسم اليونيسف في بلجيكا، حديثه قائلًا: "يجب أن تظل حقوق الأطفال هي نورنا الذي نسترشد به للتغلب على التحديات العالمية، ومن خلال ضمان هذه الحقوق، يمكننا خلق مستقبل يعطي الأولوية للأمن والمساواة والفرص لكل طفل".