سيمون بوليفار.. محرّر دول أميركا الجنوبية من الاستعمار الإسباني
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
سيمون بوليفار شخصية رمزية في أميركا الجنوبية، ويعتبره البعض إحدى أساطيرها، حرّر جزءا كبيرا من جنوب القارة الأميركية من الهيمنة الإسبانية واستحق بذلك لقب "الليبرتادور" أي " المحرّر". ترأس ما سمي سابقا كولومبيا الكبرى التي كانت تضم دول فنزويلا وكولومبيا والإكوادور، وأطلق اسمه على دولة بوليفيا.
انتصاراته العسكرية ضد الجيوش الإسبانية والمناصب السياسية الهامة التي تقلدها في العديد من دول جنوب أميركا تركت أثرها العميق، وجعلته بطلا تاريخيا في الجزء اللاتيني من القارة الأميركية.
ولد سيمون بوليفار في 24 يوليو/تموز 1783 في العاصمة الفنزويلية كاراكاس وانتمى إلى عائلة ثرية تعود أصولها إلى أوروبا واستقرت في جنوب أميركا منذ القرن الـ16؛ حيث عمل أفراد عائلته في الإدارات الاستعمارية.
والده كان يدعى خوان فينسنت بوليفار، وهو عسكري ينتمي إلى مجموعة "المنتوس"، أي كبار مالكي الأراضي الزراعية، ووالدته تدعى دنيا ماريا بالاسيوس، وهي أيضا من عائلة ثرية، وكان أصغر أبناء والديه الأربعة.
توفي والده عندما كان يبلغ من العمر 3 سنوات، وتوفيت والدته بعدها بـ6 سنوات، وبعد ذلك أدار عمه ميراثه واهتم بتعليمه ودراسته.
كان أحد هؤلاء المعلمين الذين اختارهم عمّه هو سيمون رودريغيز، الذي سيكون له تأثير عميق ودائم عليه، حيث وجّهه نحو قراءة كتابات المفكرين العقلانيين الأوروبيين أمثال: جون لوك وتوماس هوبز وشارل مونتسكيو، وخاصة جان جاك روسو، الذي كان له تأثير عميق على توجهاته السياسية، وفرنسوا فولتير الذي أثر كثيرا في فلسفته في الحياة.
ورغم انحدار بوليفار من طبقة اجتماعية راقية وثرية، الأمر الذي مكّنه من تلقي تعليم جيد، فإنه كان فوضويا ويرفض اتباع القواعد الاجتماعية، وكان غير مستقر نفسيا نظرا لفقدانه والديه في سن مبكرة وبشكل مفاجئ.
اهتم بقراءة كتب روسو وأخذ عنه قواعد الأدب الكلاسيكي والفلسفة الليبرالية وهو لم يتجاوز الـ16 من العمر.
في نهاية القرن الـ18 تصاعدت الأزمة الاقتصادية في إسبانيا وألقت بظلالها على مستعمراتها، وبدأ التململ للتخلص من الهيمنة التجارية الإسبانية، فبدأت الأفكار الثورية في التبلور والانتشار شيئا فشيئا جنوب القارة الأميركية.
بلورة فكره ومواقفهسنة 1798 وبتشجيع من عمّه انضم سيمون بوليفار إلى كتيبة "المتطوعين البيض" الثورية، وانطلاقا من سنة 1799 بدأ سلسلة من الرحلات والأسفار قادته إلى القارة الأوروبية، وكان لها شديد الأثر في تكوينه الفكري والسياسي.
وصل سيمون بوليفار سنة 1799 إلى إسبانيا حيث استقبله عمه المقرب من البلاط الملكي ومن الملكة على وجه الخصوص، وعاين من خلال هذه التجربة كيف تحاك المؤامرات في دوائر الحكم والسلطة، وتتلمذ في تلك الفترة على يد ماركيز أستاريز، الذي كان رجلا مثقفا، ومكّنه من اكتشاف الفنون والآداب.
لم يلبث بوليفار كثيرا في إسبانيا حتى بدأ في افتعال الفوضى ودخل في مرحلة نفسية متوترة ساقته إلى العاصمة الفرنسية باريس، في رحلة لم تدم طويلا عاد بعدها أدراجه إلى إسبانيا بعد أن سئم المسارح والشوارع التجارية وحياة الليل.
بمجرّد عودته إلى إسبانيا تزوّج شابة إسبانية من عائلة نبيلة تدعى ماريا تيريزا، ولكنها أصيبت بالحمى الصفراء وتوفيت أثناء رحلة عودته إلى جنوب أميركا، وهو ما دفعه مجددا للعودة إلى أوروبا والانغماس في حياة البذخ والفوضى في محاولة لنسيان زوجته وموتها الذي كان له بالغ الأثر في نفسيته ولم يتزوج بعدها.
سنة 1804 وأثناء وجوده في باريس التقى بوليفار بعالم الطبيعة الألماني ألكسندر فون همبولت، الذي كان قد عاد لتوه من أميركا الجنوبية التي قضى فيها 5 سنوات متتالية، وخلال إحدى الجلسات التي جمعتهما تحدث همبولت لبوليفار عن الموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها القارة اللاتينية، واتفقا على أن تحرر هذه الشعوب سيجعل مستقبلها زاهرا.
وقال همبولت لبوليفار "أعتقد أنّ بلدك فنزويلا مستعد لنيل استقلاله، لكنني لا أرى الشخص الذي يمكنه تحقيق ذلك"، هذه الجملة غيّرت مسار حياة بوليفار وقرر بعدها أن يكون الشخص الذي يحرر بلاده من الاستعمار الإسباني.
في السنة نفسها حضر سيمون بوليفار تتويج نابليون بونابرت إمبراطورا لفرنسا، وتراوحت ردة فعل بوليفار على التتويج بين الإعجاب بإنجازات الرجل والامتعاض من "خيانته" لمبادئ الثورة الفرنسية.
المسيرة السياسيةعاد بوليفار إلى فنزويلا سنة 1807 ليبدأ سعيه تحرير بلاده، وليتم سنة 1808 إطلاق حركة استقلال أميركا اللاتينية، حيث أدى غزو نابليون لإسبانيا إلى زعزعة السلطة الإسبانية، لكنه فشل في محاولته كسب دعم المستعمرات الإسبانية، التي تمسكت بأحقيتها في ترشيح مسؤوليها.
شارك بوليفار في اجتماعات مختلفة لتحقيق هذا الهدف، وفي 19 أبريل/نيسان 1810 جُرّد الحاكم الإسباني رسميا من سلطاته وطُرد من فنزويلا وتولى المجلس العسكري زمام الأمور.
أُرسل بوليفار في مهمة إلى لندن بهدف الحصول على المساعدة الدولية التي وصل إليها في يوليو/تموز 1810، وكانت مهمته أن يوضح للمملكة وجهة نظر بلاده المستعمرة الثورية، لكسب الاعتراف بها، والحصول على الأسلحة والدعم.
فشل بوليفار في مفاوضاته الرسمية، لكنه استثمر رحلته في نواح أخرى، حيث أتيحت له فرصة دراسة مؤسسات المملكة المتحدة التي مثلت له نماذج للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى نجاحه في إقناع الفنزويلي المنفي فرانسيسكو دي ميراندا، الذي حاول عام 1806 تحرير بلاده بمفرده، بالعودة إلى كراكاس وتولي قيادة حركة الاستقلال.
في مارس/آذار 1811 اجتمع المؤتمر الوطني في كراكاس لصياغة دستور للبلاد، وبعد مداولات طويلة، أعلنت الجمعية الوطنية استقلال فنزويلا في الخامس يوليو/تموز 1811.
تولى بوليفار جيش الجمهورية الشابة التي كان قائدها الرئيس ميراندا، وتم تكليفه بقيادة الدفاع عن ميناء بورتو كابيلو، وهو ميناء حيوي يطل على البحر الكاريبي غرب كراكاس.
بدأ رد الفعل الإسباني يقض مضجع القادة الجدد لفنزويلا؛ حيث توالت الانتصارات الإسبانية، وهو ما اضطر ميراندا إلى الدخول في مفاوضات مع القائد الإسباني العام حتى وقعت هدنة يوليو/تموز 1812، وعادت البلاد للسيطرة الإسبانية التي اعتقلت واحتجزت ميراندا.
في الأثناء نجح بوليفار في مغادرة البلاد وتوجّه إلى غرناطة الجديدة ونشر ما عرف بـ"بيان قرطاجنة"، حيث عزا سقوط جمهورية فنزويلا الأولى إلى ضعف وعدم تماسك الحكومة الجديدة، ودعا إلى جهد ثوري موحد للتخلص من سلطة إسبانيا في الأميركيتين.
في أغسطس/آب 1813 وبدعم من الوطنيين الجدد في غرناطة، قاد بوليفار قوة لاستعادة فنزويلا فهزم الملكيين في 6 معارك ضارية ودخل كراكاس منتصرا، ليحصل على لقب "المحرر" الذي جعله يتيح لنفسه سلطات واسعة.
لم يصمد حكم بوليفار طويلا، حيث إنه سنة 1814 هزم على أيدي الإسبان الذين استولوا على كراكاس والمدن الرئيسية الأخرى لتسقط الجمهورية الفنزويلية الثانية.
هرب بوليفار إلى غرناطة الجديدة ومنها إلى المنفى في جامايكا، ومن هناك وجّه خطّته نحو الحصول على دعم من بريطانيا فكتب "رسالة جامايكا" التي قال فيها "إن الشعب الذي يحب الحرية سيكون حرا في النهاية".
دامت معارك بوليفار والإسبان 3 سنوات من الهزائم والانتصارات غير الحاسمة، وفي 1817 قرر إنشاء مقر قيادة على ضفاف نهر أورينوكو التي تقع في الجانب الكولومبي والتي لم يتمكن الإسبان من السيطرة عليها.
واستعان بخدمات عدة آلاف من الجنود والضباط الأجانب، خاصة البريطانيين والأيرلنديين، وأسس عاصمته في أنجوستورا وأنشأ شبكة اتصال مع القوات الثورية.
في السابع من أغسطس/آب 1819 حسم بوليفار المعركة مع الإسبان في منطقة بوياكا واستسلمت له أعداد كبيرة من الجيش الملكي، وتمكن بعد 3 أيام من دخول بوغوتا (عاصمة كولومبيا الحالية)، وكان هذا الإنجاز نقطة التحول في تاريخ أميركا الجنوبية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1819 ظهر بوليفار أمام المؤتمر الذي اجتمع في أنجوستورا، وأصبح رئيسا عسكريا وحث المشرعين على إعلان قيام جمهورية كولومبيا.
ثم هزم بوليفار القوات الإسبانية في فنزويلا لتفتح أمامه "معركة كارابوبو"، التي دارت في يونيو/حزيران 1821 على أبواب كراكاس عاصمة فنزويلا، وفي 24 مايو/أيار 1822 خاض معركة بيشانشا، التي استغرقت نحو عام وأدت إلى تحرير الإكوادور.
جمع تحرير البيرو بين بوليفار والثوري الأرجنتيني خوسيه دي سان مارتين، الذي أعلن استقلال البيرو، لكنه لم يكن قادرا على مطاردة القوات الإسبانية التي تراجعت إلى المرتفعات، وفي 26 يوليو/تموز 1822 تشاور الرجلان في مدينة غواياكيل الساحلية في الإكوادور لكن لدى عودته من غواياكيل، استقال سان مارتين بصفة غير متوقعة وذهب إلى المنفى، وهو ما سمح لبوليفار بتولي القيادة بدون منازع.
وفي سبتمبر/أيلول 1823 وصل بوليفار إلى ليما عاصمة بيرو، وفي التاسع من ديسمبر/كانون الأول 1824 خسر الحاكم الإسباني معركة أياكوتشو واستسلم مع جيشه بأكمله لبوليفار.
حاول سيمون بوليفار توحيد أميركا الجنوبية كلها تحت سلطته في اتحاد فدرالي عام 1826 وعقد مؤتمر "بنما" التاريخي، الذي جمع ممثلين من المكسيك وأميركا الوسطى وكولومبيا العظمى لتوقيع معاهدة دفاع مشترك ضد إسبانيا وحلفائها. لكنه واجه صعوبات كبيرة واضطر لاتخاذ سلطات دكتاتورية لتوحيد البلاد.
زادت تلك الإجراءات من حدة هجوم خصومه السياسيين، وبدأ معارضوه من السياسيين ورفاقه العسكريين القدامى في التآمر عليه بهدف الإطاحة به، وبدأت النزاعات الداخلية والحروب الأهلية حتى وصل الأمر إلى تدبير محاولة لاغتياله عام 1828 نجا منها بأعجوبة، الأمر الذي أصابه بخيبة أمل دفعته إلى الاستقالة من الرئاسة، إضافة إلى تدهور حالته الصحية وإصابته بمرض السل.
الوفاةتوفي سيمون بوليفار سنة 1830 في سانتا مارتا لكولومبيا عن عمر ناهز 47 عاما متأثرا بمرض السل بعد أن حُرم من منصبه ومعاشه العسكري.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أمیرکا الجنوبیة سیمون بولیفار بولیفار إلى بولیفار فی یولیو تموز الذی کان
إقرأ أيضاً:
النيابة العامة الإسبانية تعتزم استئناف إبطال إدانة ألفيس بالاغتصاب
ستستأنف النيابة العامة الإسبانية حكماً قضائياً قضى بإبطال إدانة نجم نادي برشلونة السابق لكرة القدم البرازيلي داني ألفيس، بالسجن أربعة أعوام ونصف العام بتهمة اغتصاب شابة عام 2022 في ملهى ليلي، وهو حكم انتقدته الحكومة ومجموعات نسائية.
وبررت محكمة الاستئناف في برشلونة قرارها الجمعة، بأن إدانة الدولي البرازيلي السابق الذي صدر بحقه الحكم في فبراير (شباط) 2024، "اتسمت بسلسلة من النواقص وعدم الدقة والتناقضات في ما يتعلق بالحقائق والتقييم القانوني وعواقبه".
وقالت المحكمة إن المُدّعية "مشتكية غير موثوقة" لأن شهادتها "اختلفت بشكل ملحوظ" عن أدلة تسجيلات الفيديو المأخوذة قبل دخولها هي وألفيش إلى المرحاض حيث تزعم أن اللاعب أجبرها على ممارسة الجنس دون موافقتها.
وبناء على ذلك، قبل قضاة المحكمة الأربعة "بالإجماع" الاستئناف الذي قدمه فريق دفاع اللاعب السابق و"ألغوا" إدانته، مشيرين إلى "عدم كفاية الأدلة" لإثبات إدانته، علما بأن قرارها قابل للاستئناف أمام المحكمة العليا.
ومن دون إعطاء مزيد من التفاصيل، قال مكتب النيابة العامة في منطقة كاتالونيا الأربعاء، انه ينوي الطعن بالحكم.
وتظاهر المئات في برشلونة الإثنين ضد قرار المحكمة، في تحرك نظمته مجموعات نسوية.
قالت نائبة رئيس الوزراء ماريا خيسوس مونتيرو السبت إنه من "العار" ان شهادة ضحية اغتصاب "لا تزال موضع تساؤل" وان "قرينة البراءة لها أولوية على شهادة النساء الشابات والشجاعات".
اعتذرت الثلاثاء قائلة انها لم تقصد "التشكيك بقرينة البراءة"، لكنها أعادت تأكيد وجهة نظرها بأن قرار محكمة الاستئناف القاضي بإلغاء إدانة ألفيس هو "خطوة إلى الوراء".
وقد جعل رئيس الوزراء اليساري بيدرو سانشيس من مكافحة العنف الجنسي أولوية له.
قامت حكومته بإصلاح القانون الجنائي عام 2022، لتحديد كل ممارسة جنسية غير توافقية على انها اغتصاب، رداً على تعرض فتاة بعمر الثامنة عشرة لاغتصاب جماعي من قبل خمسة رجال خلال مهرجان سان فيرمين للثيران في بامبلونا.
وألقي ألفيس البالغ راهنا 41 عاماً في السجن منذ توقيفه في يناير (كانون الثاني) 2023 حتى مارس (آذار) 2024، حين أطلق سراحه بكفالة بلغت مليون يورو (1.1 مليون دولار أمريكي) في انتظار الاستئناف الذي أبطل إدانته.
واحتاج النجم السابق لأندية برشلونة ويوفنتوس الإيطالي وباريس سان جرمان الفرنسي الى خمسة أيام لجمع مبلغ الكفالة.
ونفى ألفيس الذي ينحدر من عائلة فقيرة في جوازيرو بولاية باهيا البرازيلية، في البداية معرفته بالمرأة في مقابلة تلفزيونية قبل أن يقرّ لاحقاً بممارسة الجنس معها قائلاً إنه تم بالتراضي. وقال لصحيفة لا فانغارديا في يونيو (حزيران) 2023 إنه اضطر للكذب خشية أن تتركه زوجته.
ويعتبر ألفيس أحد أعظم المدافعين في العالم، حيث فاز بـ42 لقباً خلال مسيرته الناجحة، في حين كانت ذروة مسيرته بقميص برشلونة بين عامي 2008 و2016 عندما فاز بـ23 لقبا. تعاقد في يونيو (حزيران) 2022 مع فريق بوماس أونام المكسيكي الذي فضّل فسخ عقده معه بعد وقت قصير من اعتقاله.
دافع عن ألوان منتخب البرازيل في 126 مباراة دولية، بعدما استهل مسيرته معه في أكتوبر (تشرين الأول) 2006. توّج مع "سيلسياو" بلقب كوبا أميركا مرتين وبالذهب الأولمبي في طوكيو عام 2021.
في مونديال قطر 2022، أصبح في سن الـ 39 عاماً و210 أيام أكبر لاعب برازيلي يشارك في نهائيات كأس العالم.