حراك ليبي نشط.. المجتمع الدولي والطاولة الخماسية
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
حراك نشط شهدته الساحة الليبية الأيام الماضية، كان من مظاهره تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، والتفاؤل الذي أبداه رئيس البعثة الأممية، عبدالله باتيلي، وزيارات المبعوث الأمريكي الخاص رتشارد نورلاند، للفرقاء الليبيين في الغرب والشرق، وأيضا الاجتماعات التي ضمت القيادات السياسية الليبية هنا وهناك.
الأطراف الدولية تقف خلف الطاولة الخماسية التي دعا إليها باتيلي وأبدى الفرقاء الليبيون تحفظاتهم عليها، فقد كانت تصريحات غوتيرش في هذا الاتجاه، كذلك دبلوماسية نورلاند كانت بغرض الحشد لهذه المبادرة ومحاولة تذليل الصعوبات أمامها، ويساعده في ذلك السفير البريطاني الذي ظهر في المشهد الحيوي الأسبوع الماضي.
أطراف النزاع الذين أسهموا في زخم الأيام الماضية أبدوا ليونة تجاه خطة باتيلي، فهذا ما كشف عنه الاجتماع الثلاثي الذي ضم رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، وقائد عام الجيش التابع للبرلمان خليفة حفتر، من أنهم مستعدون للمشاركة في الطاولة الخماسية.
هناك في الغرب الليبي، اجتمع كل من عضوي المجلس الرئاسي، عبدالله اللافي وموسى الكوني، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس الحكومة عبدالحميد ادبيبة. وبدا الاجتماع وكأنه رد على لقاء المنفي وعقيلة وحفتر، في الشكل والمضمون.
قد تكون الطاولة الخماسية أخر ما في جعبة المجتمع الدولي لتفكيك النزاع واحتواء الخلافات، وفشلها يعني السير الحثيث باتجاه تثبيت الانقسام وتجذيره وربما شرعنته، والسيناريو المناقض لهذا التوقع هو حراك شعبي قوي يغير المشهد البائس إلى صورة جميلة يتطلع إليها الليبيون.ورد في بيان الاجتماع الرباعي التأكيد على التجاوب مع مبادرة باتيلي والاستعداد للمشاركة في الاجتماع، لكن بشروط، على ما يفهم من بيانهم الذي حذر من النزوع الجهوي (المنفي ينتسب إلى قبائل الشرق)، ومن الصفقات المشبوهة، وطالب بأن تجرى انتخابات عادلة ونزيهة.
المشهد يبدو ديناميكيا، وهذا يدلل على إمكانية التئام الطاولة الخماسية ربما مباشرة، أو بعد اجتماعات تمهيدية لممثلين عن الأطراف الخمسة، غير أن الذي لا ضمانة له هو اتفاقهم على القضايا الخلافية والإعداد لانتخابات تقود البلاد إلى الاستقرار.
أولا، حضور الفرقاء المعنيين بالاجتماع الخماسي يعني أن المسارات الموازية باتت هامشية، دون القطع بعدم العودة لها، فستظل وسيلة لتحقيق المكاسب التي يبحث عنها كل طرف، خاصة إذا وقع انسداد في المسار الخماسي، وظهرت ثغرات يدلف منها إلى دهليز التفاوض الخفي.
ثانيا، الأولوية بالنسبة لجبهة الشرق هي تشكيل حكومة جديدة، وهو موضوع شديد الحساسية والتعقيد، وإصرار عقيلة صالح على دعوة رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، أسامة حماد، للاجتماع لغايتين: الأولى المحافظة على ماء وجهه أمام مجلس النواب الذي لا يعترف بأي سلطة أو شرعية لدبيبة، والثاني له علاقة بتكتيات التفاوض، ذلك أن حضور حماد يعزز من قوة تفاوض الجبهة الشرقية خاصة إذا اعتمد التصويت كآلية لتمرير أجندة التوافق.
ثالثا، الاجتماع الرباعي لا يعني أن المشاركين فيه على قلب رجل واحد في تفاصيل ما ورد إجمالا في بيانهم، فعبارة "أن الحل يكمن في قوانين انتخابية عادلة" يتضمن دعم المجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة في موقفها من القوانين التي أصدرها مجلس النواب، ولا يمكن الجزم بأن عضوي المجلس الرئاسي، المشاركين في الاجتماع الرباعي، يتفقان كليا مع تكالة وادبيبة في موقفهما من مخرجات لجنة 6+6 بعد التعديل عليها.
أيضا وردت عبارة "عدم الرضوخ لسطوة السلاح"، والقصد هنا يمكن أن يكون حفتر باعتباره من يمثل قوة السلاح في التفاوض، دون استبعاد ربط ذلك بحراك يقع في جنوب غرب العاصمة يستهدف إسقاط حكومة الوحدة الوطنية.
أما "التورط في صفقات مشبوهة" فلا تفسير له إلا الحراك المعني بإعادة تشكيل الحكومة والذي يضغط من أجله عقيلة صالح ويبدو أن باتيلي يستجيب لتلك الضغوط، فهناك مؤشرات على فتحه ملف تشكيل حكومة جديدة بالتشاور مع أطراف عدة.
على المسار السياسي، قد تكون الطاولة الخماسية أخر ما في جعبة المجتمع الدولي لتفكيك النزاع واحتواء الخلافات، وفشلها يعني السير الحثيث باتجاه تثبيت الانقسام وتجذيره وربما شرعنته، والسيناريو المناقض لهذا التوقع هو حراك شعبي قوي يغير المشهد البائس إلى صورة جميلة يتطلع إليها الليبيون.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ليبيا سياسة رأي تطورات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الطاولة الخماسیة
إقرأ أيضاً:
قراءة نقدية لمقال المجتمع الدولي والسودان
وصلتني رسالة قيمة من الصديق الكاتب الصحافي الأستاذ محمد أحمد شبشة، تعقيبا على مقالي السابق حول إدمان المجتمع الدولي الفشل في السودان، يقدم فيها قراءة نقدية لما طرحته في ذاك المقال. وقيمة الرسالة تكمن في ما حوته من مناقشة جادة وموضوعية، تتناول من زاوية نقدية الأفكار التي طرحتها في مقالي.
ابتدر الأستاذ شبشة رسالته مشيرا إلى أن المقال المعني قدم تشخيصًا حادًا وموجعًا لمسار المجتمع الدولي والإقليمي في تعاطيه مع الكارثة السودانية المستمرة منذ اندلاع الحرب قبل عامين. وأن المقال ينطلق من أطروحة جوهرها أن المنظومة الدولية، بكل ما تملكه من مؤسسات ومواثيق ومبعوثين ومؤتمرات، تحوّلت إلى كيان مدمن على الفشل والعجز، مكتفية بإعادة تدوير عبارات الشجب والإدانة، بينما تغض الطرف عن مصادر تدفق السلاح والموت في السودان، في ظل عجز كامل عن حماية المدنيين أو توفير الحد الأدنى من الاستجابة الإنسانية. ويقول الأستاذ شبشة: «يقر الدكتور الشفيع بأن الحل لا يأتي من الخارج أو بالنيابة عن السودانيين، لكنه في الوقت ذاته لا يقلل من أهمية مساهمات المجتمع الدولي والإقليمي، بل يعتبرها ضرورية، شريطة أن تتجاوز الطابع الرمزي والخطابي إلى الفعل الحقيقي. غير أن ما نعيشه منذ مايو 2023 هو العكس تمامًا: مبادرات ومؤتمرات متكررة، من جدة إلى باريس ثم لندن، دون نتائج ملموسة على الأرض، حتى بدا وكأن تدوير الفشل صار سياسة قائمة بذاتها».
وفي قراءته النقدية، يسلط الإستاذ شبشة الضوء على فكرة في المقال تنبّه إلى التناقض الحاد بين خطابات المجتمع الدولي عن وحدة السودان ورفضه للتقسيم ومطالباته بوقف الحرب، وبين فشله العملي في فرض إجراءات رادعة لوقف تدفق السلاح ولجم التدخلات الإقليمية، خاصة في ظل غياب استراتيجية متكاملة أو تنسيق حقيقي بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية الأخرى. ولكن سرعان ما يستدرك الأستاذ شبشة منوها ومنبها، فيقول «ورغم القيمة التحليلية العالية للمقال، إلا أن تحميل جزء كبير من المسؤولية لغياب «كتلة مدنية موحدة» في الداخل، يحتاج إلى تفكيك أعمق. فالواقع يؤكد أن فشل المجتمع الدولي لا يرتبط فقط بضعف الجبهة المدنية السودانية، بل أيضًا بوجود إرادة سياسية غائبة، أو ربما مقصودة، لإدارة الأزمة لا حلّها، وفق منطق توازنات إقليمية ودولية لا ترى في السودان سوى ساحة صراع بالوكالة، أو ملفًا هامشيًا في ظل اشتعال ملفات دولية أخرى». ثم يواصل فيقول «من جانب آخر، لا يتطرق المقال بوضوح إلى أدوار بعض الدول الإقليمية التي تغذي الحرب بشكل مباشر، رغم أن تقارير أممية وإعلامية عديدة تشير إلى دعم عسكري ولوجستي متكرر من دول عربية وأطراف أفريقية، وهو ما يجعل من «إدمان الفشل» في هذه الحالة أقرب إلى تواطؤ مغلّف بالدبلوماسية، لا مجرد ضعف أو عجز».
ويقرر الأستاذ شبشة بأن قيمة المقال تكمن في توصياته الواضحة في خاتمته، حيث يطالب المجتمع الدولي بالتركيز على ثلاث أولويات محددة، تمثل الحد الأدنى لأي تدخل دولي صادق، لكنها تظل رهينة لإرادة غائبة، في وقت تتسابق فيه القوى الفاعلة لتثبيت نفوذها، لا إنقاذ أرواح السودانيين. والأولويات الثلاث هي: 1 ـ وقف تدفق السلاح باعتباره الخطوة الأولى لوقف إطلاق النار. 2 ـ تحييد وتكثيف المساعدات الإنسانية وضمان عدم استغلالها سياسيًا. 3 ـ حماية المدنيين كأولوية لا تحتمل التأجيل أو التلاعب.
ويختتم الأستاذ شبشة رسالته القيمة مشيرا إلى أن «مقال الدكتور الشفيع خضر لا يكتفي بتسجيل الفشل، بل يدعو إلى مساءلة جذرية لأدوات التدخل الدولي، ويضع الأصبع على جرح الاستراتيجيات العرجاء التي تمارس النفاق باسم السلام. ولعلنا، كسودانيين، نحتاج أن نعيد توجيه البوصلة: من مطالبة المجتمع الدولي بفعل شيء، إلى مطالبته بالتوقف عن التواطؤ، أو على الأقل، الكف عن تمويه الفشل بمصطلحات إنسانية جوفاء».
انتهت رسالة الصديق شبشة، والتي حوت مناقشة تسير في ذات اتجاه ما سطرناه في العديد من مقالاتنا السابقة حول المجتمع الدولي وحرب السودان، حيث أشرت في أحد هذه المقالات إلى اعتقادي بأن المجتمع الدولي، والإقليمي أيضا، لم ينضب معين طاقتهما وتدابيرهما العملية لوقف الاقتتال في السودان. ولكن هناك كوابح عديدة تمنع تفجير هذه الطاقة وتفعيل هذه التدابير العملية، منها تضارب المصالح الذي يدفع الدول الكبرى، قائدة المجتمع الدولي والإقليمي، لإغماض أعينها عن مصدر تدفق الأسلحة ووقود الحرب إلى السودان، ومنها فقر المنهج الذي ظل يتبعه المجتمع الدولي والإقليمي وإفتقار تحركه إلى استراتيجية قوية وشاملة تجاه قضية الحرب. وفي مقال آخر منشور في عمودنا هذا، مارس/آذار 2924، كتبت: من غير المرجح أن تتوقف الحرب في السودان قريبا، وأن دولا في النطاقين الإقليمي والعالمي ربما لا ترغب في توقفها وتريدها أن تستمر لبعض الوقت. واستندت في استنتاجنا هذا إلى عدد من المؤشرات، منها استمرار تدفق الأسلحة بكثافة عبر دول في الإقليم، دون أي نية أو اتجاه وسط الدوائر العالمية ذات القدرة لحظر ذلك، مما يعني تشجيع استمرار القتال، وأن جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع لم تواجه برد الفعل المناسب من المجتمع الدولي العالمي. وأن بنوك التفكير ومراكز القرار الدولية ظلت، في عدد من تقاريرها الرسمية، توصف السودان بالدولة الفاشلة والتي تحتاج إلى إعادة تشكيل وإبدال، وكأنها توحي بأن استمرار الحرب يخدم هذا الغرض، خاصة، والسودان أصلا يحتل موقعا رئيسيا في مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يسعى لاستخدام الفوضى الخلاقة كآلية لإعادة تقسيم المنطقة، والسودان في مقدمتها، إلى دويلات ضعيفة ومتصارعة. ومن الواضح أن استمرار الحرب واتساع رقعتها مستخدمة التهجير والنزوح القسري، وفي ظل غياب خطوات مضادة فعالة من المجتمع الدولي، يخدم هذا المخطط.
نقلا عن القدس العربي