تطورات الأحداث بعد احتلال مدني
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
١
اشرنا سابقا الي أن الحرب دخلت شهرها التاسع وتمددت وتفاقمت اهوالها لتصل ولايات دارفور وكردفان، ومدينة مدني بولاية الجزيرة التي سقطت بسهولة في يد الدعم السريع وسط اتهامات بالبيع التي تتطلب التحقيق، فقد أشار كاميرون هدسون الدبلوماسي الأمريكي السابق ان قائد الفرقة السودانية بودمدني تم شراءه من الدعم السريع، اضافة لإعلان حالة الحرب والطوارئ في بعض الولايات وما ينتج عنها من مصادرة للحريات وتقييد حركة المواطنين والاعتقالات الجزافية، اضافة لاستمرار النزوح، وتزايد خطر التدخل الخارجي بعد تطورات الأحداث، والتخوف من وصول الدعم السريع لمدن مثل: سنار، الدندر، كوستي، القضارف، كسلا، بورتسودان، وولاية نهر التيل، مما كشف مراوغة و أكاذيب اعلام" الفلول"، مما زاد من الماساة الانسانية جراء نزوح حوالي ٣٠٠ الف شخص من ولاية الجزيرة حسب الأمم المتحدة، وهي ولاية نفسها كانت مأوى للنازحين، فضلا عن خروج منظمات الإغاثة منها، اضافة لارتكاب الدعم السريع لعمليات نهب وسلب لممتلكات المواطنين في مدني وبقية مدن الولاية، مما يتطلب التوثيق الدقيق لجرائم الحرب هناك، فضلا عن مخاطر إطالة أمد الحرب، وتحويلها لحرب قبلية واثنية يمتد لهيبها الي المنطقة باسرها بحكم التداخل القبلي.
اضافة لمشاكل النزوح ،وتهديد وحدة البلاد، فقد أدت الحرب الي مقتل أكثر من ١٢ ألف شخص جلهم من المدنيين، ونزوح أكثر من ٦.٨ مليون سوداني داخل وخارج البلاد حسب إحصاءات الأمم المتحدة ، اضافة لتدمير البنية التحتية، وأكثر من ٤٠٠ مصنع بالخرطوم و توقف ٧٠٪ من مستشفياتها ، وتعطيل محطات المياه والكهرباء، مما يهدد حياة المواطنين بالجوع جراء المشاكل التي تواجه الموسم الزراعي جراء نقص الوقود ، ومدخلات الإنتاج ، إضافة لنقص الدواء، وغياب العلاج ، وتوقف التعليم ، وعدم صرف مرتبات العاملين لأكثر من ستة أشهر، ومعاناة النازحين.
هذا الوضع المأساوى يتطلب التوجه لوقف الحرب والبعد عن المراوغة ،وضرورة ارتفاع صوت العقل والقاء السلاح والتفاوض لوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية حسب مقررات اجتماعات جدة والايغاد، ووقف المزيد من المعاناة الإنسانية واهوال الحرب وتدمير البنية التحتية وتجنب مخاطر تقسيم البلاد ، وخروج الجيش والدعم السريع من السياسة والاقتصاد ، وقيام الحكم المدني الديمقراطي ، واستدامة السلام والديمقراطية والتنمية المتوازنة في جميع أقاليم السودان ، وتعزيز السيادة الوطنية، وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم، وحماية ثروات البلاد من النهب، وتحويلها لنهضتها ، ورفع مستوي معيشة الشعب.
فالاوضاع الهشة في البلاد لا تحتمل المراوغة والأكاذيب كما في بيانات الفريق العطا وعلى كرتي "وفلول" الحركة الإسلاموية بعد فشلها في الحرب التي اوقدوا نارها ، ومازالوا مكابرين، ويحاولون تبرير الهزيمة في ولاية الجزيرة بأسباب وأهية، وفي خطابات البرهان، كما جاء في خطابه الأخير في بورتسودان حول استمرار الحرب حتى القضاء على مليشيات الدعم السريع المتمردة، اضافة لخطاباته المتناقضة بعد خروجه من الخرطوم بعد اريعة أشهر من الحرب ، مثل الدعوة للسير قدما في الحل العسكري، دون النظر في تجارب الحرب الأهلية في البلاد التي استحال فيها الحسم العسكري، كما في حرب الجنوب التي انتهت بانفصاله، اضافة لخطر تدخل المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح الطرفين بهدف نهب ثروات البلاد والسيطرة على الموانئ، فهي لا مصلحة لها في استقرار البلاد.
٢
خطورة الوضع تتطلب نهوض حركة جماهيرية واسعة داخل وخارج البلاد لوقف الحرب واسترداد الثورة، وترسيخ السلام، والخروج من الحلقة الجهنمية من الانقلابات العسكرية التي أخذت 57 عاما من عمر الاستقلال البالغ 67 عاما ، وكانت النتيجة حربا لا تبقي ولاتذر لواحة للبشر.
إضافة لخروج الجيش من السياسة والاقتصاد، فقد أكدت تجربة الحرب الفشل في حماية أمن البلاد والمواطنين رغم أن ميزانية الأمن والدفاع تجاوزت 76 % ، اضافة لشركات الجيش التي استحوذت على 82% من موارد البلاد ، رغم ذلك تم تدمير البلاد بعد الحرب.
٣
أما دعاوى الدعم السريع بدعم الثورة والديمقراطية، فقد اكدت تجربة أكثر من ثمانية أشهر من الحرب خطلها، بعد جرائم الحرب التي ارتكبها الدعم السريع في احتلال منازل المواطنين ونهب عرباتهم وممتلكاتهم ، اضافة لحالات الاغتصاب، واتخاذ المدنيين في الأحياء دروعا بشرية، وكانوا ضحايا قصف طيران الجيش ، اضافة لاستمرار الإبادة الجماعية في دارفور ، كما حدث في دارمساليت، ومقتل والي غرب دارفور خميس ابكر،وحرق القرى، ومقتل المئات ونزوح الالاف، اضافة لما حدث في بقية المدن مثل: نيالا وزالنجي ، الجنينة ، الفاشر في دارفور ، والابيض والفولة في كردفان، وأخيرا في ولاية الجزبرة . الخ.
هذا اضافة لتورط قوات الجنجويد ( الدعم السريع) في جرائم الابادة الجماعية في دارفور منذ العام 2003، ومشاركتها النظام البائد في قمع المعارضة كما في موكب مظاهرات سبتمبر2013 ، ومشاركتها في انقلاب اللجنة الأمنية لقطع الطريق أمام الثورة ،ومجزرة فض الاعتصام ، وانقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي أطلق رصاصة الرحمة على الوثيقة الدستورية ، ومشاركتهم في حرب 15 أبريل التي دمرت الخرطوم، وبقية الولايات التي تأثرت بالحرب.
هذا فضلا عن أنها كانت جزءً من المركز الطبقي الحاكم وساهم في العنف البنيوي للدولة السودانية الذي تتحدث رويتهم عنه، بعد استحواذها هلى ذهب جبل عامر ، وتحقيق المليارات من الدولارات في تصدير الذهب ، وملايين الدولارات من الاتحاد الأوروبي لمنع هجرة الأفارقة لبلدانهم ، اضافة للميزانية المفتوحة التي خصصها لهم البشير بدون مراجعة، وبعد ثورة ديسمبر كانت تصريحات البرهان بأن الدعم السريع خرج من رحم القوات المسلحة، وتم تقنينه في الوثيقة الدستورية، وفتح الخرطوم له بالوجود في معسكرات الجيش والمواقع السيادية، مما كان وبالا على البلاد. الخ، مما يشير الي خطل الحديث عن التهميش، مما يتطلب تحقيق شعار الثورة :"العسكر للثكنات والجنجويد ينحل" بحل كل المليشيات( دعم سريع، مليشيات الكيزان، جيوش الحركات)، وقيام الجيش القومي المهني الموحد ، وضم كل شركات الجيش والأمن والشرطة والأمن والدعم السريع لولاية وزارة المالية ، وتقديم المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والاغتصاب للمحاكمات،ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها ومهام الفترة الانتقالية.
alsirbabo@yahoo.co.uk
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
دروس من تجربة الحرب الراهنة
دروس من تجربة الحرب الراهنة
تاج السر عثمان بابو
1أشرنا سابقا إلى أن الحرب اللعينة الراهنة، جاءت بهدف الصراع على السلطة وتصفية الثورة، وبدعم إقليمي ودولي لطرفي الحرب بالمال والسلاح بهدف نهب ثروات البلاد، وإيجاد موطئ قدم لها على ساحل البحر الأحمر.
فهي حرب كما أكدت التجربة بين مليشيات الإسلامويين وصنيعتهم الدعم السريع، كما في التهجير والنزوح الواسع الجاري لسكان ولايات الخرطوم، الجزيرة، دارفور، وبقية الولايات، وتدمير المصانع ومواقع الإنتاج الزراعى والخدمي و البنية التحتية، والنهب الكبير للأسواق والبنوك وممتلكات المواطنين ومنازلهم وعرباتهم، ومحاولات محو آثار البلاد الثقافية، وإضعاف البلاد ومواقع القوى الثورية المؤثرة في الحراك الجماهيري، فهى حرب ضد المواطنين وقوى الثورة كما في القمع وحملات الاعتقالات والاغتيالات والتعذيب الوحشي والمحاكمات الجارية، والبلاغات الكيدية التي يقوم بها طرفا الحرب ضد المعارضين السياسيين ولجان المقاومة والناشطين في لجان الخدمات.
2إضافة لخطر المجاعة وتحويل الحرب، الى أهلية وعرقية واثنية تهدد أمن المنطقة والسلام الإقليمي والدولي، ودعوات تكوين الحكومة الموازية في مناطق الدعم السريع التي تهدد بتقسيم البلاد، وأدت إلى انقسام في تحالف “تقدم” بسببها ووجدت الدعوة رفضا واسعا من المواطنين، فلا بديل لوقف الحرب، والسماح بمرور الاغاثة والدواء للمتضررين، وخروج الدعم السريع والجيش من السياسة والاقتصاد ومن المدن.
انفجرت الحرب اللعينة بعد تصاعد المقاومة لانقلاب 25 أكتوبر، ومجازر دارفور والمناطق الطرفية الأخرى، وبعد أن أصبحت سلطة انقلاب 25 أكتوبر قاب قوسين أو أدنى من السقوط، وعقب الصراع الذي انفجر في الاتفاق الإطاري حول الإصلاح الأمني والعسكري في قضية الدعم السريع حول مدة دمج الدعم السريع في القوات المسلحة، فضلا عن توفر الظروف الموضوعية لإسقاط الانقلاب، كما في الثورات والانتفاضات السابقة التي أسقطت الأنظمة العسكرية الديكتاتورية بسلاح الاضراب السياسي العام.
3 وتبقى أهم دروس الحرب اللعينة في الآتي:– طرفا الحرب ارتكبا جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي وعنف جنسي وجرائم ضد الانسانية، وهي امتداد للجرائم السابقة كما في مجزرة فض الاعتصام، والابادة الجماعية والتهجير القسري في دارفور وبقية المناطق، وجرائم الانقاذ ضد الانسانية لأكثر من 30 عاما.
ضرورة المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، لمنع تكرار تلك الجرائم.
– خطر المليشيات وضرورة حلها وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، كما في (الدعم السريع، مليشيات الإسلامويين، الحركات المسلحة، درع البطانة. الخ)، فهى خطر على وحدتها واستقرارها وأمنها وسيادتها الوطنية، فكان من شعارات ثورة ديسمبر “حرية سلام وعدالة- الثورة خيار الشعب”، و”السلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل”.
– أكدت التجربة خطل الاتفاقات الهشة بتدخل دولي واقليمي لقطع الطريق أمام الثورة، فضلا عن تكريسها للمليشيات وجيوش الحركات كما في الوثيقة الدستورية 2019 التي انقلب عليها تحالف اللجنة الأمنية ومليشيات الإسلامويين والدعم السريع وجيوش حركات جوبا في 25 أكتوبر 2021 الذي تدهورت بعده الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية، ووجد مقاومة باسلة.
وجاء الاتفاق الإطاري ليكرر خطأ “الوثيقة الدستورية” الذي كرّس وجود الدعم السريع واتفاق جوبا، وهيمنة العسكر، مما أدى لانفجار الأوضاع في البلاد والحرب، وهو في جوهره صراع على السلطة ونهب ثروات البلاد، وانعكاس لصراع المحاور الاقليمية والدولية في السودان، والتدخل الدولي الكثيف فيه.
– بعد وقف الحرب بعد هذه التجربة المريرة لا عودة للاتفاقات الهشة لتقاسم السلطة التي تعيد إنتاج الحرب بشكل اوسع، وتهدد استقرار ووحدة البلاد، كما في الدعوات وورش العمل الجارية برعاية دولية للعودة للاتفاق الإطاري بعد وقف الحرب، ولا بديل عن كامل الحكم المدني الديمقراطي، واستدامة الديمقراطية والتنمية المتوازنة والسيادة الوطنية.
إضافة لمواصلة توسيع قاعدة النهوض الجماهيري لوقف الحرب واسترداد الثورة، ومقاومة جماهير المدن والريف للتهجير والنزوح، ومواصلة المطالبة بالعودة لمنازلهم وقراهم، عدم ترك أراضيهم وممتلكاتهم لمليشيات الدعم السريع و”الكيزان”. وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والصحية والأمنية التي تدهورت بشكل لا مثيل له.
– مواصلة الوجود والمقاومة في الشارع في الداخل والخارج بمختلف الأشكال، حتى وقف الحرب والانتفاضة الشعبية والاضراب السياسي العام والعصيان المدني لإسقاط الانقلاب، وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي، وقيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية للتوافق على شكل الحكم ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات ديمقراطي يفضي لانتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية، وتحقيق بقية أهداف الثورة..
الوسومالإسلامويين الاتفاق الإطاري الجنجويد الدعم السريع السودان اللجنة الأمنية انقلاب 25 اكتوبر 2021 تاج السر عثمان بابو ثورة ديسمبر