التقشف المشوه وخطة مارشال!
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
بينما يناقش الاتحاد الأوروبى خطة مارشال الحديثة لإعادة بناء أوكرانيا. وهو عمل مكلف للغاية. هناك العديد من الأزمات أمامه، منها تحقيق الطموح المتمثل فى جعل أوروبا أول قارة محايدة مناخياً بحلول عام 2050 الذى يتطلب ضخ كميات هائلة من الأموال العامة. وتقدر المفوضية الأوروبية أن هناك حاجة إلى استثمار نحو 700 مليار يورو سنوياً لتحقيق الأهداف الخضراء للاتحاد الأوروبى.
وسوف يتطلب التحول العادل إلى الاقتصاد الأخضر إنفاقاً كبيراً على إعادة التدريب والمهارات. وسوف تشكل رقمنة اقتصاد الاتحاد الأوروبى، التى تشكل أهمية بالغة للقدرة التنافسية فى المستقبل، عبئاً مالياً رئيسياً آخر. ولا بد من معالجة كل هذه الأولويات على خلفية النمو الثابت، جنباً إلى جنب مع أزمة تكاليف المعيشة التى تسهم فى صعود أحزاب اليمين المتطرف القومية.
ويتطلب مثل هذا السياق المحفوف بالمخاطر استراتيجية اقتصادية جريئة تناسب العصر، مع دور رئيسى للاستثمار العام. من المقرر أن يعود الاتحاد الأوروبى فى عام 2024 إلى المبادئ التوجيهية الصارمة للإنفاق الوطنى التى تم تعليقها فى عام 2020 عندما انتشر الوباء.
إن هذه الحملة الخاطئة للعودة إلى المبادئ الصارمة للوضع الراهن يقودها وزير المالية الألمانى كريستيان ليندنر. ومن عجيب المفارقات أن الحكومة الائتلافية التى يقودها الديمقراطيون الاشتراكيون فى ألمانيا نفسها وقعت فى مخالفة لحكم الديون الأخير الذى أصدرته المحكمة الدستورية فى البلاد، والذى استخدم حق النقض ضد تحويل الأموال غير المنفقة المقترضة خلال الوباء إلى صندوق طوارئ مناخى خارج الميزانية. لكن ليندنر، بدعم من الدول الأعضاء «المقتصدة» الأخرى، يضاعف مع ذلك من دعواته للعودة إلى ضبط الأوضاع المالية فى عموم أوروبا عندما تكون هناك حاجة إلى نهج أكثر توسعية كثيرًا.
وقد تسمح النسخة الجديدة من القواعد المالية التى تجرى مناقشتها بمزيد من المرونة فى المناقشات حول الدين الوطنى والعجز. ولكن بينما تكافح الاقتصادات من أجل النمو، يخاطر الاتحاد الأوروبى بتكرار الخطأ الكارثى الذى ارتكب فى أوائل عام 2010، عندما أدت إجراءات التقشف التى فرضتها بروكسل فى أعقاب الانهيار إلى تفاقم الوضع السيئ بشكل كبير. وقد خلصت إحدى الدراسات التى أجرتها مؤسسة الاقتصاد الجديد إلى أن إحياء حد العجز بنسبة 3% من شأنه أن يمنح أربع دول أعضاء فقط فى الاتحاد الأوروبى الحيز المالى اللازم لتحقيق الأهداف الخضراء المتوافقة مع سقف التدفئة العالمية بمقدار 1,5 درجة مئوية.
ومن خلال الخروج بخطط رائدة مثل صندوق التعافى من كوفيد، أظهرت بروكسل الدور التحفيزى الذى يلعبه التمويل العام فى الأوقات الاستثنائية. وسوف يتطلب المستقبل الملىء بالتحديات المزيد، وليس الأقل، من نفس الشىء، والاعتراف بأن استثمار الدولة على المستوى الوطنى يشكل أهمية أساسية لتحقيق الرخاء فى المستقبل. عندما يتعلق الأمر بالأمن، والتحول الأخضر، واستعادة النمو، فإن السنوات المقبلة ستكون حاسمة. والتعامل معها باقتصاد التقشف المشوه سيكون بمثابة خطوة كارثية فى الاتجاه الخطأ.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ واﻷﻛﺬوﺑﺔ ﻓﻰ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ
..امنحوا الناس الأمل
نعم الصحافة المصرية عندنا تمر بأزمة حقيقية، علينا أن نعترف بهذا، سواء الصحافة الورقية أو الإلكترونية، وتلك الأزمة تعجل بالقضاء على تلك الصناعة، التى دخلت مصر منذ أكثر من قرن والنصف.
وأتصور أن أزمة الصحافة بدأت عندما بدأ تصنيفها، بين قومية ومعارضة ودخل عليهم منذ ربع قرن أو أقل تصنيف اخر هو الصحف المستقلة، رغم أن الدور واحد، فالصحافة منذ صدور أول مطبوعة منها هدفها واحد هو نشر المعلومة الحقيقية، كون أن البعض استخدمها فيما بعد بشكل لا يليق بمكانتها وقيمتها، فهذا أمر تمر به كل المهن، كل مهنه فيها الجيد والردىء، الصالح والفاسد، المفيد والضار، لكن فى الأصل، أى مهنه هدفها الخير للناس، والصحافة هدفها الخير دائما، حتى لو تعرض الصحفى لمضايقات.
لكن دعونا نعود إلى التصنيف، بين قومى ومعارض ومستقبل، حتى إننا عندما أصدرنا بعض الإصلاحات المتعلقة بالصحافة والاعلام، شرعنا فى مصر إلى إصدار فكرة تدعم هذا التصنيف والانقسام الهيئة الوطنية للاعلام وتتبعها الصحف المعارضة والمستقلة، والهيئة الوطنية للصحافة وتتبعها الصحف القومية، التى تمتلكها الدولة، وهو تصنيف صنع شرخًا بين أطراف يفترض أن تكون جميعها تحت مظلة الصحافة الوطنية التى تخدم الوطن والمواطن. رغم اننا فى الماضى القريب كنا جميعا تحت مظلة واحدة، المجلس الاعلى للصحافة، وتصورى أن الصحافة يجب إلا تصنف بين قومية ومعارضة ومستقلة، وإن كان هناك مسمى لا بد أن يجمعها فهو الصحافة الوطنية التى تطرح وتناقش ما يهم الوطن والمواطن.
لكن للأسف وبعيدا عن التنظيم والتصنيف فهناك أزمات أخرى تمر بها الصحافة وهى المضمون الذى تقدمه للناس، هناك مفردات مازالت الصحافة المصرية تستخدمها فى العناوين الرئيسية، وهى مفردات انتهت صلاحيتها بحكم الزمن وبحكم أمور كثيرة مرتبطة بالواقع. أمر محزن أن تجد زميل شاب أو تخطى مرحلة الشباب أو زميل عاش تلك المرحلة ومازال متأثرا بعناوين كانت تستخدم فى حقبة الثمانينيات والتسعينيات، ويرى من وجهة نظرة أن هذه هى الصحافة.
أمور كثيرة تغيرت فى الصحافة من حولنا «عالمية وعربية» التناول نفسه لأى موضوع «خبر -تقرير-تحقيق- حوار -مقال» تغير.. طريقة الطرح والكتابة تغيرت. العناوين تغيرت من حيث عدد الكلمات المستخدمة وكذلك المضمون.
مندهش جدا من التصميم على التقليدية التى أصبح عليها 80% من الإصدارات المصرية حتى الحديث منها..
العالم كله يسير فى اتجاه المعلومة وتحليلها. ونحن مازلنا ننظر لمن يكتب التحليل على أنه رأى أو مقال.
أندهش أكثر وأكثر من بعض رؤساء الأقسام أو رؤساء التحرير عندما يطلبون من المحرر مصدرة الخبر، أى يقوم بطرح الكلام على لسان مصدر المعلومة.
الصحف حول العالم، تسعى للمعلومة الدقيقة الحقيقية، بينما مازال البعض عندنا يسعى نحو الأكذوبة.
الصحافة حول العالم تهتم بالصحفى المتخصص بينما مازال «الفهلوى» عندنا هو مصدر الثقة وهو المطلوب والمرغوب.
الصورة أيضا تراجعت عندنا فى الصحافة بشكل محزن.
قليل جدا عندما تجد صحيفة تسعى لنشر صورة معبرة تحقق بها انفراد، مؤخرا وخلال احداث اعتداءات الكيان الصهيونى على اهالينا فى غزة، كانت الصورة خير دليل على تلك الانتهاكات.
وللأسف عندنا اذا وجدت صورة جيدة، تجدها قادمة إلينا من إحدى الوكالات أو المواقع العالمية.
الآن الصورة الجادة تساوى مليون خبر لانها تعبر بشكل لا يحتاج إلى كلام.
على مستوى الإخراج الصحفى البعض يهتم به ويعطيه أهمية كبيرة، بينما هناك صحف مازالت متمسكة بشكلها التقليدى، تجد الصفحات فيها عبارة عن أسطر من الكلمات مرصوصة، مجهدة للعين، تجعلك تنفر منها مهما كانت أهمية التقرير أو التحقيق أو الحوار المنشور.
للأسف عندما تجلس وتتابع مضمون أغلب الإصدارات الصحفية الآن تقول لنفسك «خسارة فلوس الطباعة والورق».
قضايا كثيرة تستحق أن تطرح وتناقش بمفهوم عصرى بعيدا عن لغة الصوت العالى والحنجورية والمزايدة واستخدام مفردات انتهت صلاحيتها ووضع مفردات وكلمات فى غير محلها من أجل التهويل.اذا كنت تريد زيادة مبيعات ومتابعات عليك بالمعلومة الحقيقية فهى أسهل وأقصر طريق إلى الناس.
الصحافة لابد أن تعطى للناس الأمل، لا تكون صادمة.
لا بد أن تكون الصحافة حاضنة للأمل، وليست مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل هى قوة ناعمة يمكنها أن تصنع الفارق فى حياة الناس. المطلوب الآن هو صحافة تزرع الأمل، لا أن تصدم الجمهور أو تزيد من إحباطه.
إذا أردنا أن نبنى مستقبلًا واعدا ومستدامًا لهذه المهنة، فعلينا أن نعيد تعريف دور الصحافة فى المجتمع. الصحافة ليست مجرد وسيلة لنقل المعلومة، بل هى شريك فى صناعة الأمل وصياغة المستقبل.
وعلى الصحف ايضا الاستثمار فى العنصر البشرى من خلال تدريب الصحفيين على الابتكار واستخدام التكنولوجيا الحديثة.
وفى النهاية البطولة هى أن تكون صادقا فى وسط يسعى لخلق الاكذوبة من أجل الانتشار.