بوابة الوفد:
2025-03-11@16:21:53 GMT

الحياة بين الحب والعطاء

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

لما كانت ماهية الإنسان كما قلنا فى المقال السابق أنه كائن اجتماعى، فما أساس هذا الاجتماع البشرى، هل هو مجرد تبادل الحاجات المادية على اعتبار أن الفرد لا يمكن أن يكفى حاجاته بنفسه كما قال الفلاسفة الأوائل من أفلاطون حتى الفارابى؟! واذا كان تبادل الحاجات المادية هو أساس الاجتماع البشرى، فبما يختلف اذن عن الاجتماع الحيوانى الغريزى؟!

فى اعتقادى أن حاجة الإنسان إلى غيره من البشر لا تقتصر فقط على إشباع حاجاته المادية والغرائزية، بل تمتد إلى إشباع حاجاته المعنوية، فهو يحتاج لمن يجلس إليه كرفيق أو صديق، يحتاج لمن يؤانس وحدته ويتسامر معه، يحتاج لمن يتبادل معه المعارف والخبرات، وقبل كل ذلك وبعده يحتاج لمن يحبه، ففى حب الآخر المتوافق معه كمال حياته وسعادتها، وكم من صديق فقد صديقه، فضاقت به الحياة وشعر بالخواء والعدم بعد أن كانت حياتهما معاً أساساً للسعادة والإقبال على الحياة رغم ما فيها من مشكلات وآلام! وكم من حبيبين صارت علاقتهما عشقاً لا ينتهى إلا بنهاية حياتهما، والعشق لا يقتصر على حبيبين متلاصقين، بل ربما يكون بينهما من المسافات آلاف الأميال، وقد صدق الشاعر نزار قبانى حين قال «قد تغدو امرأة يا ولدى يهواها القلب هى الدنيا»، فالدنيا تتلخص عند هذا العاشق فى حبه لهذه المرأة وهو لا يريد من الدنيا إلا قربه منها أواتصاله الروحى بها!

إن للحب كما قال الفلاسفة والشعراء صورا عديدة يفوقها الحصر أعلاها مرتبة وسمواً العشق الالهى الذى يتجلى فيه أسمى صور العلاقة بين المخلوق وخالقه الذى عبرت عنه رابعة العدوية أبلغ تعبير فقالت «أحبك حبين حب الهوى.

وحباً لأنك أهل لذاك..»، وأدناها حب البشر للبشر رجالاً كانوا أم نساء. وبالطبع فالمقصود الأخص هنا والذى يذهب إليه الذهن مباشرة هو حب الرجل للمرأة، وهو العلاقة الأبدية بين آدم وحواء أياً كان الزمان والمكان!

والسؤال هو: أيمكن أن نتخيل عالم الانسان دون حب؟! والإجابة القطعية هى: لا! ومن ثم فأينما غاب الحب والعطاء المتبادل بين البشر وأعنى ذلك الحب والعطاء المجردين من المنافع والمصالح، غابت انسانية الإنسان وغابت أهم ما لديه من عاطفة وطاقة إيجابية هى التى تجعل من حياته حياة سعيدة حقاً.

ولعل من أروع ما كتب فى الحب ما كتبه أفلاطون فى محاوراته وخاصة «محاورتى المأدبة» و«فايدروس»، وما كتبه ابن حزم الأندلسى فى كتابه «طوق الحمامة» حيث كتب عن ماهية الحب وعلاقته بالروح والشكل، وعلى ارتباط الحب بالروح، وقد قال عن ذلك «الحب أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر فى الديانة، ولا بمحظور فى الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل، وقد أحب من الخلفاء المهديين والأئمة الراشدين الكثير»، أما علامات الحب فقد ذكر منها إدمان نظر المحبوب لمن يحبه، وإقباله على الحديث معه، كما تحدث عن إسراع المحبوب للسير نحو مكان محبوبه، وشعور المحب بالاضطراب عندما يرى محبوبه، وملابسة الحمرة للمحب إذا رأى محبوبه، ويخفق قلبه عليه من الحسرة، وإذا نشب الخلاف بينهما، فإنك تراهما وقد بلغا الغاية من الاختلاف الذى لا يقدر، لا تلبث أن تراهما قد عادا إلى أجمل صحبة، وانصرفا فى ذلك الحين عينه إلى المضاحكة والمداعبة!

بالحب تلين حياة الانسان وترقى عواطفه وتحسن أخلاقه، ودونه تقل سعادته وتظلم حياته وتفقد المعنى والهدف. فطوبى للمحبين والمتحابين وتعسا لمن فقدوا الحب ومعانيه السامية وقيمه النبيلة الجميلة وعلى رأسها قيم السلام والتعاون والشراكة والعطاء!.

والخلاصة أن الحب إكسير العطاء بلا مقابل وأساس الرقى والتحضر، وكم يتألم المرء فى عصرنا الحالى من بشر فقدوا معنى هذا الحب المجرد وعاثوا فى الحياة فساداً وقتلاً وحروباً وصاروا يتحركون فى هذا العالم كالروبوتات بلا روح وبلا قلب، ولم تعد تحركهم إلا غرائزهم الحيوانية ورغباتهم الجنونية فى مشاهدة القتلى وسيلان الدماء!

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نحو المستقبل یحتاج لمن

إقرأ أيضاً:

بنت قحطان

ودع لياليك هل للجرح يلتئم
حاول فما لك بالليلات تحتدم
ذكرت أنسا مضى قد بات يقطعني
تجتر ذكرى لمن دانوا ومن صرموا
وفِيُ عهدك يا قلبا يحملني
ما لا أطيق ولا ترضى به الشيم
هبها مضت فاتنات ما بها أمل
وإن بدأت بذكر أو فتختتم
ما كان كان وفي حلقي مرارته
وقد أرقت بنار الحب أكتلم
تمضي عنادا وترجو من مودتها
حسناء عنقاء لا يرجى لها كرم
(سمراء مرجانة بيضاء لؤلؤة
حمراء ياقوتة ) في حبها ندم
يا بنت قحطان والأفراح هاجرتي
فلا عليك لمن في قلبه ألم
ولّى شبابي وها قد بت أرقب ما
يصير من بعده الإنسان والبهم
يا بنت قحطان إن أسعى ويخذلني
عمر فما برحت في سعيها أمم
ولن تغيّر من مقدور خالقها
فكل شيء لنا في لوحه قلم
ماذا علي إذا أحببت فاتنة
أما ترين وقار الشيب يحترم
لئن أضاعت ليالي بعض ملمحنا
فما يزال بقلبي الحب يضطرم
هبي أحبك هل في الحب من عتب
والعمر يوجف بالإسراع ينصرم ؟
وما عرفت من الدنيا حلاوتها
ولا رأيت لي الأيام تبتسم
إن كان سرَّ غريمي أنني هرِمٌ
فقد أكون بشعري ذلك الهرَم
يكفي لصدري من القراء ما كتبوا
من المعاني رفيعاتٍ لها قيم
هزوا لعطفي بتطريب وتزكية
والقول منهم له في خاطري نغم
حتى رضيت من الآلام قسوتها
طابت به نفس حرٍّ ما بها ندم
وقد وجدت لنفسي خير منزلة
لما تفاخر بي في زمرة علم
ولو تفاخر بعض الناس في ذهب
وبالدراهم والدينار هم نعموا
يكفي نعيمي بأبيات منمقة
لا يدركون لها معنى ولا فهموا
يا بنت قحطان حسن منك يبهرني
يستنطق القول مشحونا به الحِكم
إني لمن نسل أحرار لهم قِيم
يا نعم نعم لمن طابت لهم قيم
إذا تنادوا ليوم الفصل أسعدهم
ذاك الطراد فما لانوا ولا سقموا
كذا نعيش وما من كابر أبدا
نحني له الرأس إلا الله لو علموا
من ظن أني أسير المال يملكني
قد خالطت فكره الأسقام والوهم
يا بنت قحطان لا أرجوك مكرمة
وإن يعربد فيَّ الفقر والعدم
لا أنكر الحسن والحسناء ملهمتي
لكنني بفؤاد ما به شبَم
فلتذكريني إذا ما الليل أدركنا
ولتذكريني إذا ما الصبح يرتسم
ولتذكريني إذا الأشعار رددها
من كان يطرب بالأشعار ينسجم
لك فــي القلــــب خفقـة تســتجد تتســــامى قصـــائدا لا تعـــــــد
يا هزار السودان ذكــرك أمسى فـــــي لــيـالــي دعـــوة لا تـُرد
حســبي الله فــــي البعــــاد وإنا قــاب قوســــين ها أنا مستعـــد

thepoet1943@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • بنت قحطان
  • تامر عبد الحميد: الزمالك يحتاج للعب بخماسي في الدفاع أمام الأهلي
  • في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. ليفربول الأوفر حظاً للتأهل.. وليفركوزن يحتاج معجزة
  • مجلس رمضاني يناقش التوازن بين الانتماء والعطاء
  • هل يحتاج من تلقى لقاح الحصبة في الطفولة جرعة معززة عندما يكبر؟
  • حلم محمد صلاح.. ماذا يحتاج ليفربول لحسم لقب الدوري الإنجليزي؟
  • البكيري: كم قلب يحتاج الاتحاد الآن
  • لعام آخر.. العراق يحتاج الغاز الإيراني ولا بدائل قريبة - عاجل
  • مكتبات "ديوان" تحتفل بـ23 عاماً من الإبداع والعطاء الثقافي
  • متطوعون: رمضان يعكس روح التكافل والعطاء في "عام المجتمع"