لما كانت ماهية الإنسان كما قلنا فى المقال السابق أنه كائن اجتماعى، فما أساس هذا الاجتماع البشرى، هل هو مجرد تبادل الحاجات المادية على اعتبار أن الفرد لا يمكن أن يكفى حاجاته بنفسه كما قال الفلاسفة الأوائل من أفلاطون حتى الفارابى؟! واذا كان تبادل الحاجات المادية هو أساس الاجتماع البشرى، فبما يختلف اذن عن الاجتماع الحيوانى الغريزى؟!
فى اعتقادى أن حاجة الإنسان إلى غيره من البشر لا تقتصر فقط على إشباع حاجاته المادية والغرائزية، بل تمتد إلى إشباع حاجاته المعنوية، فهو يحتاج لمن يجلس إليه كرفيق أو صديق، يحتاج لمن يؤانس وحدته ويتسامر معه، يحتاج لمن يتبادل معه المعارف والخبرات، وقبل كل ذلك وبعده يحتاج لمن يحبه، ففى حب الآخر المتوافق معه كمال حياته وسعادتها، وكم من صديق فقد صديقه، فضاقت به الحياة وشعر بالخواء والعدم بعد أن كانت حياتهما معاً أساساً للسعادة والإقبال على الحياة رغم ما فيها من مشكلات وآلام! وكم من حبيبين صارت علاقتهما عشقاً لا ينتهى إلا بنهاية حياتهما، والعشق لا يقتصر على حبيبين متلاصقين، بل ربما يكون بينهما من المسافات آلاف الأميال، وقد صدق الشاعر نزار قبانى حين قال «قد تغدو امرأة يا ولدى يهواها القلب هى الدنيا»، فالدنيا تتلخص عند هذا العاشق فى حبه لهذه المرأة وهو لا يريد من الدنيا إلا قربه منها أواتصاله الروحى بها!
إن للحب كما قال الفلاسفة والشعراء صورا عديدة يفوقها الحصر أعلاها مرتبة وسمواً العشق الالهى الذى يتجلى فيه أسمى صور العلاقة بين المخلوق وخالقه الذى عبرت عنه رابعة العدوية أبلغ تعبير فقالت «أحبك حبين حب الهوى.
والسؤال هو: أيمكن أن نتخيل عالم الانسان دون حب؟! والإجابة القطعية هى: لا! ومن ثم فأينما غاب الحب والعطاء المتبادل بين البشر وأعنى ذلك الحب والعطاء المجردين من المنافع والمصالح، غابت انسانية الإنسان وغابت أهم ما لديه من عاطفة وطاقة إيجابية هى التى تجعل من حياته حياة سعيدة حقاً.
ولعل من أروع ما كتب فى الحب ما كتبه أفلاطون فى محاوراته وخاصة «محاورتى المأدبة» و«فايدروس»، وما كتبه ابن حزم الأندلسى فى كتابه «طوق الحمامة» حيث كتب عن ماهية الحب وعلاقته بالروح والشكل، وعلى ارتباط الحب بالروح، وقد قال عن ذلك «الحب أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر فى الديانة، ولا بمحظور فى الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل، وقد أحب من الخلفاء المهديين والأئمة الراشدين الكثير»، أما علامات الحب فقد ذكر منها إدمان نظر المحبوب لمن يحبه، وإقباله على الحديث معه، كما تحدث عن إسراع المحبوب للسير نحو مكان محبوبه، وشعور المحب بالاضطراب عندما يرى محبوبه، وملابسة الحمرة للمحب إذا رأى محبوبه، ويخفق قلبه عليه من الحسرة، وإذا نشب الخلاف بينهما، فإنك تراهما وقد بلغا الغاية من الاختلاف الذى لا يقدر، لا تلبث أن تراهما قد عادا إلى أجمل صحبة، وانصرفا فى ذلك الحين عينه إلى المضاحكة والمداعبة!
بالحب تلين حياة الانسان وترقى عواطفه وتحسن أخلاقه، ودونه تقل سعادته وتظلم حياته وتفقد المعنى والهدف. فطوبى للمحبين والمتحابين وتعسا لمن فقدوا الحب ومعانيه السامية وقيمه النبيلة الجميلة وعلى رأسها قيم السلام والتعاون والشراكة والعطاء!.
والخلاصة أن الحب إكسير العطاء بلا مقابل وأساس الرقى والتحضر، وكم يتألم المرء فى عصرنا الحالى من بشر فقدوا معنى هذا الحب المجرد وعاثوا فى الحياة فساداً وقتلاً وحروباً وصاروا يتحركون فى هذا العالم كالروبوتات بلا روح وبلا قلب، ولم تعد تحركهم إلا غرائزهم الحيوانية ورغباتهم الجنونية فى مشاهدة القتلى وسيلان الدماء!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نحو المستقبل یحتاج لمن
إقرأ أيضاً:
المفتي: العالم يحتاج إلى مساعدة الفقراء ومساندة الدول الضعيفة بدلا من الحروب
قال الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية، إن العالم قد يواجه الكثير من التحديات والأزمات والمصائب، ويحتاج إلى من يعمل على إعادته إلى صوابه، ويأخذه إلى رشده، وتخليصه من أضرار الوثنية والمادية والتحرر المنفلت، والتدين المزعوم.
وتابع مفتي الديار المصرية، خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق ببرنامج اسأل المفتي المذاع على قناة صدى البلد، أن العالم يحتاج إلى مساعدة الفقراء، ومساندة الدول الضعيفة، بدلا من الحروب التي قطعت الأوصال ومزقت الدول، ولم يستفد منها إلا الدول القوية.
وأردف: هناك تلاقي في الرسائل السماوية، في وحدة الهدف والمقصد والغاية، ونشاهد أن المصلحة غلبت الحق، والقوة بطشت بالضعيف، والدين الذي سيحرك القلوب ويهديها.
وذكر الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية: الصلاة على النبي متاحة ومباحة وليس بها حرج بأي وقت، وإن الجماع من مبطلات الصوم والغيبة والنميمة ذنوب كبيرة".