حلول الأزمات لا تتأتى من نتائجها
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
أن الإشكالية التي عمقت الأزمة السياسية في السودان؛ تعد قصورا من العقل السياسي، و الذي ينظر إلي تمظهرات الأزمة، و ليست الأسباب الأساسية التي قادت إلي الأزمة. و إذا نظرنا إلي الحرب الدائرة الآن في البلاد، نجد أنها كانت نتيجة لأزمة سياسية بين المكون المدني و العسكري، أدت إلي تباين المواقف داخل كل مكون، و كان تفكير النخب السياسية محصورا فقط على السلطة "من الذي يحكم البلاد" فالفكرة نفسها تثير صراعا بين المتنافسين، و تدفع بدخول عناصر أخرى مناصرة، إذا كانوا من العسكريين أو حتى من الخارج.
الأزمة بدأت بعد نجاح الثورة و إسقاط نظام الإنقاذ في 11 إبريل 2019م عندما تكشف للناس أن القوى السياسية التي وقعت على " إعلان الحرية و التغيير" في يناير 2019 م و الذي اعده تجمع المهنيين، لا تملك أي مشروع سياسي لا كأحزاب و لا تحالفات يمكن أن يطرح للحوار لكي يخلق وعيا جديدا في البلاد، أعتمدت القوى السياسية على الإعلان، و هو بمثابة مباديء عامة. غياب المشروع السياسي هو غياب رؤية المستقبل. فكانت الحكومة الأولى رغم قيل أنها حكومة تكنقراط، إلا أنها كانت حكومة محاصصات غير معلنة، و جاءت الحكومة الثانية؛ و أيضا كانت محاصصات معلن عنها، كل ذلك احدث شروخا غائرة في الجسم السياسي و التحالف، و أيضا أحدثت التسوية مع العسكر شروخا في التحالف لرفض قوى سياسية لها. بل أنها أعلنت أنها ساعية لإسقاط الحكومة. هذا التناقض كان داخل تحالف القوى التي وقعت على " إعلان الحرية و التغيير" و أصبح الصراع حول السلطة علنا و لم تكن هناك أي إشارات لعملية التحول الديمقراطي. لأن أي إعلان ينبع من التحالف للعودة إلي كيفية وضع قواعد متفق عليها لتأسيس برنامج التحول الديمقراطي، كان غير طبيعة الصراع الدائر في الساحة السياسية، و بالضرورة سوف يتغير الخطاب السياسي، و أيضا اسوف تتغير لأدوات الفاعلة فيه، و يصبح الحوار بين القوى السياسية هو الأداة الناجعة. لكن ذلك لم يحصل لآن الكل كان مستوعبا في صراع السلطة. هذا الصراع زحف أيضا إلي صراع بين المدنيين و العسكر، في محاولة لتجميع الصف ضد العسكر، هذا التحول يبين قصورا في عند النخبة السياسية لفهم طبيعة الصراع مع العسكر و إلي أين تؤدي، لآن أي صراع مع العسكر على السلطة سوف يؤدي إلي انقلاب، باعتبار أن أداة العسكر ليس الحوار السياسي، أنما هي الآلة العسكرية.
الملاحظ؛ أن القوى السياسية الفاعلة في الساحة السياسية هي " قحت المركزي" و القوى الأخرى أصابها الركود و لا أثر لها في الأحداث الجارية، ربما يرجع ذلك أن القيادات فيها تشعر أنها لا تملك مقومات الصراع، أو غياب الرؤية عندها التي تجعلها تصنع الحدث، خاصة إنها لم تبين في مسيرتها أن تملك رؤية فكرية تجعلها ندا. و هناك البعض الذين يقولون أن "قحت المركزي" تجد دعما من قوى خارجية تمنحها القدرة على الحركة. و لكن في كل الأحوال؛ أن القوى السياسية ذات الحركة " قحت المركزي" تلوم عناصر النظام السابق " الكيزان – الفلول" و تحملهم كل الذي يجري الآن، و بأنهم وراء كل الذي حدث لإفشال شعارات الثورة. و هنا يطرح سؤال: هل القوى السياسية لم تكن على دراية أن هؤلاء سوف يشكلون لها تحديا مستمرا إذا رضيت أو لم ترضى؟ إذا عناصر الإنقاذ فقدها للسلط لا يعني أنها سوف تبعد عن الصراع السياسي بل ستكون جزء منه باستمرار، و لكن الحكمة كانت تقتضي؛ كيف تستطيع القوى السياسية أن تتعامل معها بحكمة حتى لا ينحرف الصراع حتى يضيع الثورة. أي أن تجعل الصراع يدور في منهج التفكير المنطقي و الحوار العقلاني بعيدا عن استخدام أدوات تؤدي إلي العنف. السؤال الثاني أيضا للقوى السياسية التي تعتقد أن صراعها مع " الكيزان و الفلول" إذا ما هو الفرق بين " الكيزان – الفلول" الذين مع على كرتي و يعتقدون أنهم يقفون مع الجيش و يعملون للعودة و ضياع الثورة و "الكيزان – الفلول" الذين يديرون العملية السياسية و العسكرية مع ميليشيا الدعم؟ لا تستطيع القوى السياسية أن تجاوب على ذلك بصراحة، لآن القوى السياسية لم تتعود أن تستخدم المنهج النقدي فهي عاشقة للمنهج التبريري، هي لا تريد أن تتحمل مسؤولية أخطائها. لآن الكل داخل هذا الصراع نظره منصب على السلطة، و صراع السلطة تتغير فيه التحالفات بمقتضى تغير المصالح، و ترتفع فيه رأيات الإقصاء و العزل و هي مصطلحات لا تجلب غير تعقيد المشكل.
أن التيار العام للقوى الجديدة في المجتمع، و أخص بها فئة الشباب الذين قادوا الثورة ضد نظام الإنقاذ، إذا كانوا أسسوا لهم طريقا مغايرا للإرث السياسي التقليدي الذي فشل في خلق استقرارا سياسيا في البلاد، و ركز على النهضة الاقتصادية للاستقرار الاجتماعي، قد فرض فكرة التحول الديمقراطي و ضغط من أجل تحقيقها، و وقف ضد أصحاب الرغائب الحزبية و الخاصة في مختلف القوى السياسية. كان يجبر القوى السياسية يمينية و يسارية، تقدمية و رجعية أن تعدل مرجعياتها الفكرية لكي تتوافق مع عملية التحول الديمقراطية، و أن يحافظ على ثقافة المجتمع بتنوعاتها و أيضا على معتقدات الناس و عدم المساس بها، هو التيار الذي يجب أن يتحرك لكي يخلق واقعا جديدا. هؤلاء القادرين أن يخرجوا البلاد من إرث ثقافة السياسة المليئة بالخذلان و الفشل، فهل هؤلاء الشباب قادرين على حمل هذه الراية، و جعل الحوار الوطني هو أساس البداية؟ نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى السیاسیة
إقرأ أيضاً:
إيران.. انهيار شديد للعملة وسط تفاقم الأزمات الاقتصادية
تشهد العملة الإيرانية، انهيارًا غير مسبوق، إذ تجاوز سعر الدولار الأمريكي، يوم الخميس، حاجز 80 ألف تومان، في مؤشر جديد على تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وبحسب آخر أسعار سوق الفردوسي في طهران حتى الساعة 17:00 بتوقيت إيران، فقد تم بيع كل دولار أمريكي بسعر 80,300 تومان لأول مرة بعد تجاوز حدود 80,000 تومان، كما وصل الجنيه الإسترليني إلى 100,550 تومان، وبيع اليورو بسعر 100,550 تومان.
ووصف النائب الأول لرئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني، جعفر قادري، الخميس، ارتفاع أسعار العملة والسلع الأساسية بأنه "طبيعي"، وقال إنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع أن يتراجع سعر الدولار.
وأضاف: "في هذا الوضع، من الطبيعي جداً أنه مع ارتفاع سعر الدولار، سنشهد أيضاً ارتفاعاً في أسعار المواد الأساسية والضرورية التي يحتاجها الناس"، مبيناً: "عندما تواجه بلادنا قيوداً بسبب العقوبات، فمن الطبيعي أن ترتفع الأسعار على كافة المستويات".
وقال عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، غلام رضا مصباحي مقدم، الخميس، إنه لا يوجد ما يشير إلى استقرار سعر الصرف في موازنة عام 2025، التي قدمتها حكومة الرئيس مسعود بزشكيان إلى البرلمان.
وارتفع في سوق الذهب الإيراني، الخميس، كل جرام من الذهب عيار 18 قيراطاً إلى 5 ملايين و140 ألف تومان، ووصلت عملة الإمامي إلى 56 مليوناً و70 ألف تومان، وتم تداول عملة بهار آزادي بـ53 مليوناً و700 ألف تومان.
وأوضح قادري، عن سبب الارتفاع الجامح لسعر الدولار ومستقبله أن "جزءاً من سبب ارتفاع سعر الدولار هو القضايا والمشاكل التي حدثت في المنطقة، بينما الجزء الآخر بسبب التسويات النقدية التي نقوم بها مع الخارج".
وأضاف: "كما يعود جزء من سبب ارتفاع الدولار إلى التضخم الذي شهدناه في سنوات مختلفة.. في الواقع، عندما يكون الفارق بين التضخم المحلي والدولي مرتفعاً، فإن هذا الفارق سيكون له تأثيره على سعر الصرف، وجزء من هذا الارتفاع في سعر الدولار يعود إلى التضخم المتوقع في المجتمع. وعندما تهدأ القضايا السياسية والإقليمية، لن تكون هناك مشكلة كبيرة بعد الآن".
وذكر موقع "تابناك" الإيراني، أنه "رغم إعلان سعر الدولار عند 58,700 تومان في الأيام الأولى لحكومة بزشكيان، إلا أنه تجاوز اليوم حدود 80,000 تومان بنسبة زيادة تقارب 40%"، مضيفاً: "يُعتبر أداء عبد الناصر همتي كوزير للاقتصاد تحفة فنية، لأنه في هذه الفترة القصيرة كان ارتفاع سعر الدولار بنسبة 40% غير مسبوق، ومن المثير للاهتمام أن الوزير ليس لديه حتى مبرر لارتفاع الأسعار هذه الأيام".