سودانايل:
2024-10-05@09:49:42 GMT

حلول الأزمات لا تتأتى من نتائجها

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

أن الإشكالية التي عمقت الأزمة السياسية في السودان؛ تعد قصورا من العقل السياسي، و الذي ينظر إلي تمظهرات الأزمة، و ليست الأسباب الأساسية التي قادت إلي الأزمة. و إذا نظرنا إلي الحرب الدائرة الآن في البلاد، نجد أنها كانت نتيجة لأزمة سياسية بين المكون المدني و العسكري، أدت إلي تباين المواقف داخل كل مكون، و كان تفكير النخب السياسية محصورا فقط على السلطة "من الذي يحكم البلاد" فالفكرة نفسها تثير صراعا بين المتنافسين، و تدفع بدخول عناصر أخرى مناصرة، إذا كانوا من العسكريين أو حتى من الخارج.

فالتفكير حول السلطة يصبح محكوما باستمرار الصراع و تطوراته، و هو أحد الأسباب الجوهرية التي قادت إلي الحرب.
الأزمة بدأت بعد نجاح الثورة و إسقاط نظام الإنقاذ في 11 إبريل 2019م عندما تكشف للناس أن القوى السياسية التي وقعت على " إعلان الحرية و التغيير" في يناير 2019 م و الذي اعده تجمع المهنيين، لا تملك أي مشروع سياسي لا كأحزاب و لا تحالفات يمكن أن يطرح للحوار لكي يخلق وعيا جديدا في البلاد، أعتمدت القوى السياسية على الإعلان، و هو بمثابة مباديء عامة. غياب المشروع السياسي هو غياب رؤية المستقبل. فكانت الحكومة الأولى رغم قيل أنها حكومة تكنقراط، إلا أنها كانت حكومة محاصصات غير معلنة، و جاءت الحكومة الثانية؛ و أيضا كانت محاصصات معلن عنها، كل ذلك احدث شروخا غائرة في الجسم السياسي و التحالف، و أيضا أحدثت التسوية مع العسكر شروخا في التحالف لرفض قوى سياسية لها. بل أنها أعلنت أنها ساعية لإسقاط الحكومة. هذا التناقض كان داخل تحالف القوى التي وقعت على " إعلان الحرية و التغيير" و أصبح الصراع حول السلطة علنا و لم تكن هناك أي إشارات لعملية التحول الديمقراطي. لأن أي إعلان ينبع من التحالف للعودة إلي كيفية وضع قواعد متفق عليها لتأسيس برنامج التحول الديمقراطي، كان غير طبيعة الصراع الدائر في الساحة السياسية، و بالضرورة سوف يتغير الخطاب السياسي، و أيضا اسوف تتغير لأدوات الفاعلة فيه، و يصبح الحوار بين القوى السياسية هو الأداة الناجعة. لكن ذلك لم يحصل لآن الكل كان مستوعبا في صراع السلطة. هذا الصراع زحف أيضا إلي صراع بين المدنيين و العسكر، في محاولة لتجميع الصف ضد العسكر، هذا التحول يبين قصورا في عند النخبة السياسية لفهم طبيعة الصراع مع العسكر و إلي أين تؤدي، لآن أي صراع مع العسكر على السلطة سوف يؤدي إلي انقلاب، باعتبار أن أداة العسكر ليس الحوار السياسي، أنما هي الآلة العسكرية.
الملاحظ؛ أن القوى السياسية الفاعلة في الساحة السياسية هي " قحت المركزي" و القوى الأخرى أصابها الركود و لا أثر لها في الأحداث الجارية، ربما يرجع ذلك أن القيادات فيها تشعر أنها لا تملك مقومات الصراع، أو غياب الرؤية عندها التي تجعلها تصنع الحدث، خاصة إنها لم تبين في مسيرتها أن تملك رؤية فكرية تجعلها ندا. و هناك البعض الذين يقولون أن "قحت المركزي" تجد دعما من قوى خارجية تمنحها القدرة على الحركة. و لكن في كل الأحوال؛ أن القوى السياسية ذات الحركة " قحت المركزي" تلوم عناصر النظام السابق " الكيزان – الفلول" و تحملهم كل الذي يجري الآن، و بأنهم وراء كل الذي حدث لإفشال شعارات الثورة. و هنا يطرح سؤال: هل القوى السياسية لم تكن على دراية أن هؤلاء سوف يشكلون لها تحديا مستمرا إذا رضيت أو لم ترضى؟ إذا عناصر الإنقاذ فقدها للسلط لا يعني أنها سوف تبعد عن الصراع السياسي بل ستكون جزء منه باستمرار، و لكن الحكمة كانت تقتضي؛ كيف تستطيع القوى السياسية أن تتعامل معها بحكمة حتى لا ينحرف الصراع حتى يضيع الثورة. أي أن تجعل الصراع يدور في منهج التفكير المنطقي و الحوار العقلاني بعيدا عن استخدام أدوات تؤدي إلي العنف. السؤال الثاني أيضا للقوى السياسية التي تعتقد أن صراعها مع " الكيزان و الفلول" إذا ما هو الفرق بين " الكيزان – الفلول" الذين مع على كرتي و يعتقدون أنهم يقفون مع الجيش و يعملون للعودة و ضياع الثورة و "الكيزان – الفلول" الذين يديرون العملية السياسية و العسكرية مع ميليشيا الدعم؟ لا تستطيع القوى السياسية أن تجاوب على ذلك بصراحة، لآن القوى السياسية لم تتعود أن تستخدم المنهج النقدي فهي عاشقة للمنهج التبريري، هي لا تريد أن تتحمل مسؤولية أخطائها. لآن الكل داخل هذا الصراع نظره منصب على السلطة، و صراع السلطة تتغير فيه التحالفات بمقتضى تغير المصالح، و ترتفع فيه رأيات الإقصاء و العزل و هي مصطلحات لا تجلب غير تعقيد المشكل.
أن التيار العام للقوى الجديدة في المجتمع، و أخص بها فئة الشباب الذين قادوا الثورة ضد نظام الإنقاذ، إذا كانوا أسسوا لهم طريقا مغايرا للإرث السياسي التقليدي الذي فشل في خلق استقرارا سياسيا في البلاد، و ركز على النهضة الاقتصادية للاستقرار الاجتماعي، قد فرض فكرة التحول الديمقراطي و ضغط من أجل تحقيقها، و وقف ضد أصحاب الرغائب الحزبية و الخاصة في مختلف القوى السياسية. كان يجبر القوى السياسية يمينية و يسارية، تقدمية و رجعية أن تعدل مرجعياتها الفكرية لكي تتوافق مع عملية التحول الديمقراطية، و أن يحافظ على ثقافة المجتمع بتنوعاتها و أيضا على معتقدات الناس و عدم المساس بها، هو التيار الذي يجب أن يتحرك لكي يخلق واقعا جديدا. هؤلاء القادرين أن يخرجوا البلاد من إرث ثقافة السياسة المليئة بالخذلان و الفشل، فهل هؤلاء الشباب قادرين على حمل هذه الراية، و جعل الحوار الوطني هو أساس البداية؟ نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوى السیاسیة

إقرأ أيضاً:

بنية الخطاب السياسي الوطني والرواية التسجيلية التوثيقية المعاصرة

في روايته "الأيادي الحالمة" للأستاذ الدكتور عمر عبد الجواد عبدالعزيز؛ نلمح مظاهر الرواية السياسية الاجتماعية؛ ذات المِسْحَة التسجيلية التوثيقية للعديد من المواقف والمشاهد الحياتية العامة؛ تصور شريحة مجتمعية كادحة لبعض طلبة تخرجوا في الجامعة ليصطدموا بالواقع المرير لعدم وجود عمل يتناسب مع ما درسوه عبر تعليمهم؛ و كفاحهم ؛ بل عدم وجود أي عمل آخر؛ فيتفقوا على السفر خارج مصر؛ لتبدأ مرحلة دراماتيكية لهؤلاء الشباب في ظل ظروف الواقع السياسي والإجتماعي والاقتصادي الذي تعرضت له مصر؛ في العقد الأخير من القرن الحالي الآني؛ ومن جَرَّاء الإرهاب الغاشم الذي أَثَّرَ على كل مناحِ الحياة؛وعبر واقع الفقر الذي يعاني منه هؤلاء الشباب وعائلاتهم؛و طموحهم في الزواج والعمل والإستقرار؛ وبناء مستقبل آمن،وتكوين أسرة مستقرة.  

ومن هنا بدأت رحلة الحلم؛ أو الكفاح من أجل تحقيق أدنى طموحاتهم الحياتية ؛بعد أن اصطدموا بالواقع المرير الذي أشرنا إليه..


يلتقي " محسن ؛ مصطفى،أحمد" على إحدى مقاهي القاهرة، ليبدأ الحديث عن عدم وجود عمل لهم؛ومدى المعاناة التي تلاقيها الأسر المصرية لتعليم أبنائها وتربيتهم و الإنفاق عليهم؛وعن غلاء الأسعار؛ومرتبات الموظفين التي لا تكفي مؤنة الأسر لمدة عشرة أيام؛وأجور الممثلين الخيالية، ولاعبي الكرة الفلكية، و المذيعين والإعلاميين و كبارالسياسيين؛ وغيرهم.كما تطرق الحديث إلى ضرورة البحث عن عمل لدى الشركات أو البنوك، والمصالح الأخرى؛ وبدأ الجميع رحلة البحث؛ لكن شهاداتهم الجامعية لم تسعفهم لوجود أي عمل؛ فرأيناهم يتوافقون على السفر إلى احدى دول الخليج؛ ثم يستقرون على السفر إلى ليبيا؛ وهناك تنتقل الرواية إلى مناحٍ سياسية – في ظل تمدد الإرهابيين الدواعش في ليبيا؛ وإقدامهم على احتلال ليبيا؛ وذبح  العمال الأقباط، المصريين أمام أنظار العالم؛ لتتدخل مصر عسكريا؛ وتقضي عليهم،وتعيد الأمور إلى طبيعتها.


يبدأ الشباب في إجراءات السفر ؛ وينضم إليهم صديقهم أحمد ليترك العمل في "شواية السمك" التي لم تكن تفي حتي بثمن تكاليفها؛ولوجود الديون مقابل الدفع بالأجل من جانب الجيران . وتم السفر إلى ليبيا؛ ليعيشوا واقعًا مريرًا مغايرًا هناك؛ وإن لم يذهب معهم"محسن" -صديقهم الذي لم يتسطع السفر معهم لظروف الفقر؛ وحاجة أهله وأسرته لوجوده بينهم.
وفي ليبيا تتفاقم المشكلة منذ بداية قدومهم - فلم يجدوا عملاً؛ وبدأ الخوف يداهمهم منذ أن سمعوا بإختطاف وقتل الأطباء والعمال المصريين في مدينة " سرت"؛ و ينفاقم صراع الرواية و الحبكة حين تم اختطاف محمود من جانب تلك العصابات الداعشية؛ لتبدأ رحلة رعب وخوف جديدة ؛ ورحلة بحث عن صديقهم الذي اختطفه دواعش العصر الحديث في الديار الليبية.


لقد خطف الإرهابيون صديقهم محمود ليكون شاهدًا على حقيقة و سلوكبات وجنسيات الدواعش الأجنبية ، وحقيقة الإرهاب والذبح والقتل بإسم الدين الإسلامي؛ لقد لاحظ محمود أن الإرهابيين يتحدثون بالإنجليزية ولهم بنيان جسماني قوي؛ كما يوجد من بينهم عرب بل ومصريين كذلك؛ ليؤكد أن الإرهاب منتشر في كل الملل والجنسيات؛ وعبر الدول؛ فهو تنظيم دولي محكم؛ يقوده الشباب كذلك؛ولكنهم الشباب الذين لم يتسلحوا بالعلم مثل هؤلاء؛ فهم الشباب الذين تم تغييبهم؛ وغسل عقولهم باسم المال والنساء؛والثواب في الآخرة؛ بدخول الجنة والزواج "بالحور العين"؛اللاتي ينتظرهن في الجنة المزعومة لهم.


ومن حسن حظ الشاب محمود أن تم الإفراج عنه بعد أن لاقى الأهوال و الرهبوت والموت الذى كان ينتظره؛ أو القتل والذبح و الإعدام كما يرى ويسمع؛ ويعود محمود إلى أصدقائه؛ لتبدأ رحلة السفر العكسية مرة أخرى إلى مصر.


و لنلحظ أن الكاتب يوثق تواريخ الأحداث باليوم والليلة والعام؛ و كأن راوٍ عليم؛ يسجل بكل دقة يوميات داعش في الأراضي الليبية؛ بما يحيلنا أن نطلق علي الرواية صفة الرواية التسجيلية؛ أو تدوين اليوميات لهؤلاء الطلبة المصريين في ليبيا.


لقد ناقشت الرواية ووثقت للعديد من الأحداث الحقيقية الآنية المعاصرة :
1-  اختطاف خمسة من موظفي السفارة المصرية في
ليبيا في يناير 2014م على خلفية اعتقال القوات المصرية لليبي "شعبان هدية"،في مدينة الأسكندرية.
2-  خطف وقتل 7 عمال مصريين بالرصاص في الرأس في
بنغازي؛ في فبراير عام 2014م.
3-  قتل طبيب مصري وزوجته بمنطقة "جارف"في سرت؛ وخطف ابنتهما التي لم تجاوز الثالثة عشر عامًا؛ والعثور على جثتها في غرب مدينة سرت في ديسمبر 2014م
4- خطف 7 من المصريين في سرت في الثلاثين من
ديسمبر 2014م.
5-  خطف 14 من المصريين وهم في مساكنهم في سرت في
3 من يناير 2015م.
و كأن هذه التوثيق التاريخي؛ أو التأريخ للأحداث هو صفة تًسِمُ الرواية بالتوثيقية التاريخية للأحداث السياسية والإجتماعية التي شهدتها مصر وليبيا، في عصر الدواعش المعاصرين.
6-  في الخامس عشرة من شهرفبراير تم نشر فيديو
قتل المختطفين الأقباط عبر ذبحهم على شاطيء المتوسط في ليبيا.
7- كلمة الرئيس السيسي ؛ حيث أعلن في كلمة طارئة حق مصر في الرد ودحر الإرهابيين داخل الأراضي الليبية.
8-   الضربة الجوية المصرية على الدواعش في 16فبراير شباط  2015 م
9-   جريدة الأخبار وتوثيقها للأحداث؛والصحف الأخرى.


كما عرضت الرواية لفكر خوارج العصر من الإرهابيين المعاصرين؛واستخدام الكاتب بمهارة- ربط الأحداث السابقة بالحاضر المهيب؛ وكأنه أراد أن يؤكد المثل الشعبي:" ما أشبه الليلة بالبارحة من جهة الإرهاب والإغتيالات؛ فقد تعرضت الرواية عبر ربط الأحداث للتذكير بمحاولة قتل وطعن الروائي العالمي: "نجيب محفوظ "،واغتيال د.رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب؛واغتيال المفكر فرج فودة؛ومن قبل كانت الإغتيالات الكبرى التي طالت القاضي أحمد الخازندار؛ورئيس الوزراء أحمد ماهر؛ ورئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي،والنائب العام هشام بركات. وكان الإغتيال "هو السلاح – كما يقول – في يد الجماعة الإرهابية- الذي تروع به كل من يخالفها الرأي.


لقد شهدت سلسلة الإغتيالات قادة ورؤساء مثل:
محاولات اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر؛واغتيال الرئيس السادات؛ وغيرهم.
كما جسدت الرواية تكاتف عنصري الأمة والتعاطف
الإنساني العالمي؛ وكان من أوائل من استنكروا هذا الفعل الهمجي البربري: شيخ الأزهر ؛ وبابا الكنبسة القبطية المصرية؛كما تعرض الرواية لدور الرئيس عبدالفتاح السيسي الحاسم؛ودور الجيش المصري لضرب منابت الإرهاب في ليبيا؛ وحفظ الأمن القومي المصري على الحدود الغربية هناك.
كما عرضت الرواية للمعارك الدامية بين قوات اللواء
"خليفة حفتر" في ليبيا؛وبين ميلشيات مسلحة هناك.


كما تحدثت الرواية عن الخوارج الجدد؛وفكر الجماعات الإرهابية عبر العصور؛ إلى جانب عرض المؤلف لآيات قرآنية وأحاديث نبوية ومواقف وأحداث وقصص في عصرالصحابة؛ ليربط الماضي المرير لفكر هؤلاء الخوارج عبر العصور، بالحاضر الأكثر دموية؛ اليوم.


ونعود لأبطال الرواية الشباب – بغد عودتهم إلى مصر ليتجدد كفاحهم في البحث عن عمل من جديد؛ فهم شباب لم يتعودوا اليأس والإحباط و الركون و الإستسلام لمصاعب الحياة؛ في ظل البطالة والفقر والحياة الصعبة لأغلب الأسر المصرية. فوجدناهم يصطدمون بحالة احتيال ونصب تعكس واقع مريرمعاصر؛ بعد أن أوهمهم أحد النصابين بقبول أوراقهم في البنك؛ الذي قدموا له الأوراق التي تركوها هناك على أمل أن يعينهم البنك أو الشركات فى احدى الوظائف؛ واحتال عليهم النصاب ليأخذ ما تبقى لديهم من مال؛  ليعودوا من جديد فقراء معدمين؛ وبؤساء عاطلين.


وربما أرادت الرواية أن تقدم رسالة للشباب عن طريق الجملة التي يحفظها أحدهم: " كن إيجابيًا " وكانت هذه الجملة
بمثابة المفتاح للنجاح الكبير الذي أثمر في النهاية ؛ولكن بعد رحلة كفاح مضنية؛ فقد عملوا "عمال نظافة"  في أحد
المطاعم؛ ثم تعلموا مهنة الطبخ؛ وعادوا إلى مسقط رأسهم في الصعيد بعد أن جمعوا مبلغًا من المال ليتفقوا على شراء أدوات الطبخ؛والعمل طباخين في الأفراح والمناسبات الإجتماعية. ولقد اكتسبوا شهرة واسعة انتقلت في أرجاء المدن والمراكز المجاورة؛ لما تميز طبخهم من مذاق لذيذ.

 كما استدعاهم أحد رجال الأعمال لينتقلوا إلى الطبخ عبر قصر الرجل الغني- و هالهم منظر الثراء بما يعكس الطبقية الاجتماعية داخل المدن والقرى كذلك؛ و بدءوا في تجهيز الطعام للفرح؛ ولتلتقيهم يد الأقدار برجل أعمال يتصل بهم؛ و يشاركهم في فتح مطعم كبير؛على أن يكونوا شركاء معه بجهودهم؛ لتبدأ مرحلة جديدة؛ ولتتحق أحلامهم في الحياة والحب والزواج؛ لتنته الرواية نهاية سعيدة؛كباقي الأفلام المصرية، وكأن الكاتب قصد من عمله تحويله إلى فيلم سينمائي يعرض العديد من المواقف ؛ ويقدم النصائح والفضيلة؛ و المغزي من الرواية وتوجيه رسالة إلى كل الشباب ليعملوا ولا ييأسوا؛ فالحياة أمامهم ممتدة وسعيدة،مهما كانت الظروف والتحديات والمصاعب على أرض الواقع.


لقد مزجت الرواية بين الذاتي والواقعي الإجتماعي؛ وبين السياسي؛وخرجت من قلب الأحداث الآنية لتوثق للمرحلة التي مرت بها مصر بعد التخلص من الإخوان و المتأسلمين؛أو الإرهابيين الذين يحاربون المجتمعات المستقرة والآمنة؛ فهم يحاربون بإسم الدين والمذهب؛ و التعنصر للإسلام ضد الأقباط؛والإسلام براء من كل ذلك على مر العصور، فقد عاش الأقباط إلى جانب المسلمين في كل العصور في أمن وأمان لأن النبي وصي عليهم بأن لهم رحمًا وذمة؛ والإسلام الحق يدعو إلى السلام والمحبة والوحدة الوطنية بين عنصري الأمة من المسلمين والأقباط؛ بل يحتوى كل الممل والنحل الأخرى؛ ويحرم قتل النفس إلا بالحق؛ ومعاملة الجميع بالعدل الإسلامي والمساواة؛ واعطاء الحقوق لأصحابها؛وعدم التعنصر ورفض المذهبية؛ فالكل في الشرع لهم حقوق وعليهم واجبات، والجميع ينضوى تحت راية الدولة الإسلامية الوسطية؛ وليس الإرهاب والقتل والذبح والتنكيل بالأسرى؛ وغير ذلك.


وتسجل الرواية يوميات مصرية وأحداث ومواقف عشناها منذ سنوات قليلة؛ لتتسم الرواية بتسجيل الوقائع و التأريخ لها- من جهة؛و لتوثق الأحداث والمواقف و تصحح المفاهيم كذلك.


كما نلحظ في الرواية  توجيه الكاتب القراء إلى ضرورة التحلي بالقيم والأخلاق وبما جاء في كتاب الله عز وجل والسنة النبوية المطهرة؛ بل و يُضَمِّن روايته العديد من آيات القرآن والأحاديث النبوية؛ وتوجيه النصح إلى الشباب للدفاع
عن الوطن وحب الأوطان وعدم الإستماع إلى مغريات الإرهابيين المادية والمعنوية والروحية؛وهذا الجانب التعليمي الإرشادي يحيل الرواية من التوثيق إلى التعليمية؛ والحث على التمسك بالقيم بعيدًا عن التعنصر و التمذهب والطائفية ؛ 
ومن المدهش أن الكاتب قد صاغ كل ذلك عبر خطاب صريح؛ وآيات وقصص من التراث كذلك؛ بل و خطابية ارشادية ونصائح للشباب بحب الأهل والوطن والابتعاد عن كل ما يكدر الأمن العام المصري؛ و كأن عمل كاتب الرواية- كونه عضوًا سابقا بمجلس الشعب؛ وأحد كبار حزب الوفد – قد أثر على فنيات الأدبية في الرواية؛ لتششابك الرؤية السياسية مع الرؤي المجتمعية والثقافية؛ وكأنه يوجه رسالة إلى الشباب طوال الوقت حتي منذ البداية وفي حفل تخرج الطلاب، والأساتذة يخطبون في الطلاب؛ ولقد جاء بنص خطبتين أو أكثر داخل الرواية ليجمع الكاتب بين  عدد من الأجناس الأدبية داخل مسيرة السرد الدراماتيكي المأسوي - طوال الرواية -حتى قرب النهاية التي تتحول حياة الشباب المكافح إلى أفراح بفضل العمل، والإصرار على النجاج والحياة بشكل ايجابي؛ وهي بذلك الطرح تنحو إلى أن تكون رواية تعليمية ترشد شباب الأمة و فتياتها، إلى العلم النافع؛ والعمل القويم. ،وحب الأهل والأصدقاء والوطن والجيران؛ وتدعو الجميع
إلى الوحدة الوطنية والعمل بجد و ارادة صلبة من أجل تحقق الأهداف السعيدة في النهاية.


ومع أن الرواية – كما أسلفنا – تتحمل وتحوي الأجناس الأدبية داخلها إلا أننا اتفقنا – منذ البداية – على أن الكاتب الحصيف هو من يستطيع أن يجمع الخيوط في يده بحيث لا يظغي جنس؛ أو نوع أدبي على الآخر عبر تعادلية السرد و تنامى هارموني الدراما.


والمدهش أيضاً قد استطاع الكاتب الأستاذ الدكتور عمر عبدالجواد عبدالعزيز –هنا - أن يجمع كل ما أسلفناه ليقدم لنا رواية تجمع السياسي والإجتماعي والإقتصادي والتنموي؛ والوعظي والإرشادي والتعليمي؛ والأخلاقي معًا عبر تنوع موضوع الأحداث؛و انتقالاته المكوكية التي تَسَارَعَ فيها السرد كثيرًا؛ ربما ليقدم المشهدية  و سينوغرافيا السرد بقصد انتاج الرواية للسينما أو لتحويلها إلى سيناريو مسلسل تلفزيوني لما يمثله موضوعها من زخم وحيوية ؛ وواقع عاصرناه جميعًا في الأمس القريب.


لقد استطاع الكاتب هنا – رغم تعدد  خطابات السرد و مستوياته الدافقة و المتهادية أن يقدم لنا رواية اجتماعية تعليمية؛ تسجيلية؛ وثقت للعديد من الأحداث والمواقف الحياتية المعاصرة؛وكأنه يقول للجميع بأن يتعلموا الدرس؛ فلقد تنوعت كل الخطابات لتخاطب العديد من المستويات للجمهور الأدبي؛ أو القارئ؛عبر تسارعية الأحداث المُبَرَّرَة في أحيان كثيرة؛ وقدم -بقدر ما يطيق- رواية توثيقية تعليمية  أخلاقية؛ تنشد الفضيلة ومنظومة القيم؛ وتدعو إلى اجتثاث الإرهاب من منابته؛ وتعزز دور الأسرة والعمل؛وتناقش القضايا الإجتماعية والحياتية للمصريين؛ و تدحض أفكار وسلوكيات الدواعش في المنطقة العربية؛ والتي تدعمها تنظيمات قوى الظلام؛مقابل قوى النور؛ حيث تشير الرواية إلى معسكر الشر بقيادة المفسدين و الإرهابيين الدواعش؛ ومعسكر الخير المتمثل في المجتمعات التي تنشد العمل والبناء والتنمية؛ وحب الأوطان وحمايتها؛ والدفاع عنها ضد هذه القوى الظلامية الدخيلة على حياتنا في مصر والوطن العربي كذلك .
 

لقد استطاع الكاتب الروائي أ.د / عمر عبدالجواد عبدالعزيز أن يقدم لنا خطابا روائيًا غاية في الدقة والروعة والجمال، عبر خطابات جنحت إلى الأيديولوجيا حينًا ؛ وإلى تشكيل خطاب عان يدعو إلى الفضيلة والأخلاق والقيم الإيجابية؛ التي تبني الفرد والأسرة والوطن؛ و تُعلى من شأن التعليم والثقافة والعلم في الإرتقاء بالمجتمع؛ والدفاع عنه ضد قوى الظلام ومحور الشر العالمي .

تظل رواية الدكتور عمر عبد الجواد تطرح الأسئلة؛ وتناقض القضايا الفكرية والإسلامية؛ وتفتح الطريق للتأسي للروايات التي توثق الحاضر الآني؛ وتربط الأصالة بالمعاصرة عبر  مجتمعاتنا العربية التي تسعى لتغليب القضايا الإنسانية الكبرى من أجل تقدم وازدهار الكون والعالم والحياة .


حاتم عبدالهادي السيد
رئيس مجلس أمناء الملتقى الإفرو- آسيوي للإبداع وعضو اتحاد كتاب مصر

مقالات مشابهة

  • بركات: الحل السياسي بعيد.. و”العسكري” أقرب
  • بنية الخطاب السياسي الوطني والرواية التسجيلية التوثيقية المعاصرة
  • مقال لبلينكن حول الإستراتيجية الأميركية من أجل عالم جديد
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • السيسي والغزواني يجددان التأكيد على دعم مصر وموريتانيا الحل السياسي الليبي
  • ما هي الأزمات التي تواجه المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس؟
  • الصراع الداخلي في السودان و الأبعاد السياسية والتجاذبات المدنية حول التدخل الدولي
  • أستاذ في العلوم السياسية يحذر من اتساع رفعة الصراع في الشرق الأوسط: الوضع يزداد خطورة
  • طارق العوضي: لقاء رئيس الوزراء مع القوى السياسية خطوة تاريخية نحو التعاون والشراكة الوطنية